لقد حفل القرآن الكريم بتوجيه الناس ولفت عنايتهم إلى آلائه ونعمه التي لا تحصى وجعل ذلك مسلكا من مسالك توطيد دعائم الإيمان وركائز العقيدة الإسلامية في النفوس، ومن بين هذه النعم نعمة النبات على وجه الأرض ومن ما يخرج منها ، ولذا قال سبحانه وتعالى : "وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ".
بل إن حياة الإنسان في هذه المعمورة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنبات والاخضرار والحطب حيث قال تعالى : أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لو نشاءَ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ" ثم قال عن الشجر: هو الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ" فالشجر والنبات نعمة تستوجب الشكر لقوله تعالى : " لئن شكرتم لأزيدنكم" وشكر هذه النعمة يكون بطريقين، الطريق الأول بالمحافظة عليها وعدم الجناية عليها والتعدي عليها بالحرق والإهلاك حتى لا يتحقق في الفاعل قوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وقوله تعالى : " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" والاعتداء على الغطاء النباتي سواء الأحراش أو الأشجار المثمرة أو الغير مثمرة ضرب من الإفساد في الأرض المنهي عنه شرعا .
الطريق الثاني، التشجير وإني أرى أن التشجير وإيجاد المساحات الخضراء من عمارة الأرض المطلوبة من الإنسان واستعمركم فيها لما في ذلك من فوائد كبيرة وكثيرة منها أن هذه الأشجار وهذه النباتات الخضراء تسبح الله وتذكره تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ ُ فغرس الأشجار ضرب من تكثير المسبحين لله تعالى فكما أنك تسعى لإصلاح الناس حتى يكونوا صالحين موحدين.
فغرسك للأشجار تكثير للمسبحين بحمد الله وسجودا لعظمته وجلاله سبحانه وتعالى . والعكس صحيح فكما أن صدك للناس عن ذكر الله تعالى جريمة تحاسب عليها لقوله تعالى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ؛ فكذلك كل من أحرق وأباد الغابات ودمر غطاءها النباتي يعتبر جانيا على عبادة التسبيح ومكرمة السجود الآلي في الطبيعة.
ولهذه الأهمية العظمى للشجرة حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على غراسها ولو في أشد الأوقات ضيقا وحرجا وهي قيام الساعة فقال صلى الله عليه وسلم : إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها قال شراح الحديث: وفيه دليل على أهمية الغرس والزراعة .
وغرس الأشجار صدقة جارية ظلها وثمارها وورقها بل حتى ما يكون عليها من هوام تقتات منه طيور صدقة لقول النبي صلى الله عليه : في كل كبد رطبة صدقة وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لايزرع مسلم زرعا غرسا فياكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”، وتظل الحسنات تصرف لك في حسابك ما بقي الناس يستفيدون من هذه الشجرة ، بل وما بقيت هذه الشجرة قائمة تسبح بحمد ربها والحمد لله رب العالمين .
توجه العالم من الصدام إلى التعايش بسلام حتمية تاريخية
يحيي العالم اليوم ذكرى هجمات 11 سبتمبر بآراء ورؤى متعددة؛ لكن ما ينبغي الوقوف عنده وأخذ العبرة منه؛ هو محاولة الإجابة عن تساؤل جوهري ظل يتردد منذ ذلك الوقت فحواه؛ هل للصدام العنيف للحضارات والأديان والمعتقدات والثقافات جدوى؛ أم أن ذاك الصدام لا يعدو كونه مضيعة للأنفس والأموال وتقويضا للسلم العالمي؟
فقد كشفت النهايات الأخيرة ببعض مناطق التوتر وعودة الأمور لما كانت عليه عشية الأحداث عن عدم جدوى ذاك الصدام وعبثيته، للطرفين فلا أحد انتصر ولا أحد انهزم، لا أحد دمر الآخر كما كان يحلم ولا أحد منع الآخر من الحياة، فما جدوى ألاف الملايير التي صرفت وقد كان يمكنها القضاء على الفقر والأمراض في كثير من مناطق العالم، وما مبرر عشرات آلاف القتلى !
إن الغرب الذي تلقى هزائم نكراء في العصر الحديث في مستعمراته التي حكمها لعقود بالحديد والنار وولى مدبرا لم يتعظ بتلك الأحداث والهزائم فما انفك يكررها، مغترا بقوة مادية ظاهرية سرعان ما تتكسر على صدور الشعوب الحرة.
إن ما ينبغي إدراكه أن التعايش في إطار السلم حتمية تاريخية حضارية وأن صدام الحضارات ما هو إلا إذكاء غير مبرر للأحقاد وانتهاك للدماء، وأن الطريق الأسلم لذلك أن تسير البشرية سياسيا وثقافيا ودينيا نحو الحوار والتحالف والالتقاء على كلمة سواء تحفظ بها حقوق الإنسان الطبيعية وكرامته التي خلقه الله تعالى بها، وتحفظ في ضوئه حقوق الشعوب في خصوصياتها الدينية والثقافية وتقرير مصيرها، والدعوة بالتي هي أحسن، بعيدا عن الاستغلال والابتزاز وتسخير وسائل الإعلام والأموال لتشويه دين أو احتلال أمة أو تشويه مقاومة، أو فرض قيم على أمة تنافي قيمها، وليبق التدافع كما أكد القرآن أساس العلاقة إن كان ولا بد لرد الظلم ونصرة المظلوم. ع/خ
الجزائر تحصي أزيد من 20 ألف مسجد
استنادا لما ورد في مخطط عمل الحكومة الذي سيناقش هذا الأسبوع فإن الجزائر تخصي أزيد من 20 ألف مسجد عبر التراب الوطني ناهيك عن مئات المساجد في طور الإنجاز وهذا ما يجعلها رائدة عربيا، ويكشف تمسك الجزائر حكومة وشعبا بدينها وحرصها على توفير وتقريب أماكن العبادة، باعتبارها حقا من حقوق الحزائريين الذين جاهدوا ودفعوا قوافل من الشهداء لاستعادة مساجدهم ووقف زحف الكنائس التي غزت الجزائر غداة الاحتلال الفرنسي وينتظر أن يكون الجامع الأعظم قائد هذه المساجد من خلال منظور جديد لدور المسجد باعتباره حامي الدين والضامن للمرجعية المذهبية والعقدية للجزائريين.
الغطاء النباتي زينة للأرض ينبغي المحافظة عليه
إن تشجير الأرض وزرعها، أو إعادة تشجيرها وزرعها بعد كل حصاد أو جائحة لا يحقق للناس فقط ما يأملونه من زاد وطعام من تلك الثمار والزروع؛ ولكنه يضفي على الأرض مسحة جمالية انعكاسا لجمال خالقها؛ وهو أمر مقصود شرعا؛ لأن الغطاء النباتي هو الذي يضفي تلك المسحة الدالة على الحياة بالأساس والأمل والتفاؤل والإتقان والنظام؛ ما يحول دون بقاء الأرض صحراء جرداء قاحلة مقفرة على غرار بعض الكواكب التي يكتشفها الإنسان تدريجيا؛ فتكون مضرب المثل في الحسن والجمال بزخم ألوان طيفها الأخضر والأزرق والأحمر والأصفر وغيرها من الألوان؛ ولذلك قال الله تعالى: ((فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢).؛ وقال: ((وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)))
فالله تعالى يمتن على عابده بهذه الزينة البهيجة والجمال الخلاب؛ ولذلك فكل اعتداء على غطائها النباتي أو إهمال إعادة تشجيره يعد تقصيرا من جانب الإنسان في ديمومة هذه النعمة، ومن فضل الله تعالى أن القسط الأكبر من الغطاء النباتي يعاد إحياؤه طبيعيا حتى لا تكون أي حجة لمن يقول إن تغطية الأرض كلها أمر محال ومرهق،
كما أن هذا الاهتمام بجمال الأرض إشارة إلى ضرورة اهتمام المسلمين بإظهار المساحات الخضراء في الفضاءات والمرافق العمومية والخاصة حتى يكون المسلم انعكاسا لهدي دينه ومقاصد شريعته.
ع/خ
عالِم السياسة والمتخصص في الشؤون الإسلامية الفرنسي أوليفييه روا: علينا أن ننتظر 20 عاماً لنعرف كيف تغيّر العالم بعد أحداث 11 سبتمبر
قال عالِم السياسة والمتخصص في الشؤون الإسلامية الفرنسي أوليفييه روا علينا أن ننتظر 20 عاماً أخرى لكي نعرف«كيف تغيّر العالم خلال عقدين على أحداث 11 سبتمبر؟ وهو من أبرز المنظرين لتهافت نظرية صراع الحضارات التي راجت بعد أحداث 11 أيلول وقال في حوار مع بي بي سي عشية ذكرى الأحداث أجد أن الخلاصات حول ما يسمّى صراع الحضارات بعد هجمات 11 سبتمبر، لم تكن صالحة. لم تعد المسألة مسألة قيم غربية يُراد فرضها على عالم تقليدي يحتفظ بقيم رجعية. وما نراه اليوم بدل «صراع الحضارات»، هو ما أسميه «صراع القيم» داخل كل المجتمعات.
وجوابا عن سؤال حول مفهوم الجهل المقدس الذي وظفه عنوانا لكتابه قال: ما قصدته في «الجهل المقدس» أن المؤمن في العالم اليوم يجد نفسه أمام خيارات صعبة، لأن إيمانه لم يعد متصلاً بالقيم السائدة في المجتمع. الآن أخذت المجتمعات عموماً وجهات أكثـر ليبرالية، ولكن على المقلب الديني، لم تتغير الأمور. الجهل المقدس هو حين يرفض المؤمن الاعتراف بالثقافة السائدة، ويقول سأعيد تركيب حياتي وفق القيم الدينية فقط، ومن أمثال هؤلاء الكاثوليكي الأصولي، والسلفي، واليهودي الأرثوذكسي، الذين يرون أن الثقافة السائدة ليست فاسدة فحسب، لا بل وثنية أيضاً.
وواصل يقول طرحت حركات الربيع العربي فكرة تحقيق المواطنة غير المشروطة بالانتماء الديني. لدينا الآن جيل أكثـر تسامحاً، وأقل تشدداً حول الموضوع الهوياتي من الأجيال السابقة، والمشكلة الوحيدة هي إيجاد نموذج سياسي مناسب. لكن أمل الديمقراطية بعد الربيع العربي فشل،وإن تغيرت الثقافة السياسية للشباب وأصبحت أكثـر تسامحاً.
مشيرا إلى أن المشكلة هنا، أن هذه الاختلافات الدينية خاضعة لاستراتيجيات الدول التي تسعى للسيطرة الإقليمية، من خلال أخذ المسألة الدينية ومسألة الأقليات رهينة. أعتقد أن الحل قد يكون عبر منح الاستقلالية للديني. بمعنى أن يتواصل القادة الدينيون مع بعضهم البعض من دون المرور بالدول. هناك فكرة لدى بعض الجماعات الدينية أن العالم يتجه إلى نهايته، وأن العلمنة دليل على أن نهاية الزمان والقيامة باتت قريبة. تجد ذلك لدى السلفيين والكاثوليك الأصوليين، وخصوصاً لدى الإنجيليين المهتمين جداً بعودة المسيح الثانية ونهاية العالم.
التفاوت بين الديني والثقافي الذي يعيشه بعض المؤمنين، يخلق تأثيراً مخيفاً ومقلقاً بالنسبة لهم، ويخلق انطباعاً يشبه ما يرد في سفر رؤيا يوحنا حول عودة بابل، أي طغيان المجتمع الفاسد وعودة الأصنام. ذلك لا يخلق خوفاً من القيامة فحسب، بل رغبة بها.
وختم حواره بتخوف مفاده أنه تسود الآن لدى بعض الجماعات المتطرفة فكرة أننا لم نعد قادرين على أي إصلاح في العالم الحالي، ما يمثل نهاية اليوتوبيا بالنسبة للمتدينين. ويدرك المتطرفون في العمق أن الدولة الإسلامية لا تملك مقومات الحياة. لذلك يبحثون عن الشهادة لأنهم متشائمون من النصر. نرى ذلك لدى الشباب الذين يلتحقون بداعش، فهم لا يفعلون أي شيء يظهر اهتمامهم ببناء دولة إسلامية، بل يلتحقون بالتنظيم للقتال والموت فقط.