عاد أبناؤنا وفلذات أكبادنا إلى مقاعد الدراسة بمختلف الأطوار بعد عطلة صيفية وفي ظل الجائحة التي ضربت بعمق في المجتمع الجزائري وخلفت أضرارا بليغة على جميع الأصعدة والمستويات؛ عودة مدرسية لا من أجل العلم فحسب ولكن من أجل تحقيق توازن في بناء الشخصية، وذلك بمراعاة التربية والتي تعني تهذيب الأخلاق وترشيد السلوك، ثم التعليم والتثقيف وهذه الثنائية التي بعث بها الأنبياء والرسل لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ .
ولقد كرس الدعاة والمصلحون والمربون والمجددون، جيلا بعد جيل، حياتهم من أجل تفعيل هذه الثنائية في المجتمعات وبناء الأمم وإصلاح الشعوب على وزانها ولقد جعلت هذه الثنائية المعيار الأساس لتقويم تجارب الأمم و الشعوب في الإصلاح والنهوض والإقلاع الحضاري، فكلما نجحت أمة من الأمم في الارتقاء بمنظومتها التربوية بما يحقق الشخصية الفاعلة النافعة وبمصطلحنا الشرعي الشخصية الإسلامية متوازنة الفكر قويمة السلوك صحيحة العقيدة سليمة العبادة قوية البنية نافعة لغيرها إيجابية التعاطي مع الآخرين؛ بعيدة عن الغلو والتشدد أو التميع والانحراف اعتبر ذلك مؤشرا على سلامة المجتمع وعافية الأمة؛ حتى لو كانت في حالة حرب وهرج ومرج أو فقر وفاقة؛ بل وتعافيها مما قد يصيبها من الأمراض والعلل ويكفينا في هذا السياق ما صرح به رئيس وزراء بريطانيا تشرشل في أعقاب الحرب العالمية الثانية وكانت الطائرات الألمانية تدك العاصمة لندن وأخبر بحجم الدمار فسأل عن أحوال التعليم والقضاء في المملكة العظمى فقيل له هما بخير قال فبريطانيا بخير.
لأنه إذا صلح نظام التعليم بأركانه الثلاثة المعلم، والبرامج والإدارة فسوف يثمر كل ذلك إنسانا سويا بالمواصفات السالفة الذكر الذي يؤمن عليه غائلة الاختراق الفكري والاحتواء في برامج هدامة، هذا ما أدركه عدونا في صورته الاستعمارية المعاصرة حيث تحالف الثلاثي الخطير الاستشراق الذي مس المناهج الدراسية والتنصير والاستعمار العسكري الذي وفر للعدوين الأولين الغطاء لتنفيذ مشاريعهما حتى هددت حصوننا من الداخل .
لهذه الأسباب نحتفي بالتربية والتعليم
لأن التربية هي المشتلة لصناعة الإنسان الخليفة في الأرض الذي يعمر الأرض ويصلحها ويبعد عنها جميع صور الفساد والخراب والدمار تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وقوله تعالى : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ .
ولهذا كانت المهمة الأولى للأنبياء والرسل هي البناء النفسي السليم الخالي من الأمراض والعلل ولهذا قال أحد الصحابة رضي الله عنهم كان رسول الله يفرغنا ثم يملؤنا وهو ما يعرف اليوم بمنهج التخلية ثم التحلية، التخلية من كل معاني الشر والفساد والإفساد في الأرض، ثم التحلية بكل معاني الخير وقيم الفضيلة والبناء والتعاون على الخير والتقوى والصلاح بين أبناء البشر،
ولما كان أساس البناء بعد صلاح النفوس العلم إذ لا يتصور بناء أمة، وتشييد حضارة بدون علم ومعرفة جعل الإسلام العلم الرسالة والمهمة الموازية والمقترنة بالتربية فهما جناحان لا يطير طائر إلا بدونهما، فكما أولى الإسلام التربية اهتماما بالغا جعل العلم كذلك، فكان أول ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ باسم ربك الذي خلقك ؛ بل وكان العلم بأسماء الأشياء السمة التي أسجد الله الملائكة لآدم عليه السلام فقال وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وفي ذات السياق حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلب العلم وتعليمه للناس فقال صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم .
الأسرة هي المدرسة الحاضنة وهي الظهير لمدرسة التربية والتعليم
ولكي يؤتي نظام التربة والتعليم أكله وتينع ثماره ونرى قطوفه دانية وثماره يانعة لا بد من تعاون الجميع أفرادا ومجتمعات، وللأسرة دور كبير لأنها المدرسة الأولى و الأساس الذي يتلقى فيه الأبناء تربيتهم ويتعلمون أبجديات حياتهم وصدق الشاعر حين قال :
الأم مـدرسـة إذا أعـددتـهـا
أعددت شعبـا طيـب الأعـراق
الأم روض إن تعهـده الحـيـا
بالـري أورق أيـمـا إيــراق
الأم أستـاذ الأساتـذة الألــى
شغلت مآثرهـم مـدى الآفـاق
فالأسرة القائمة على أسس متينة متماسكة الأوصال يسود أفرادها التفاهم والتناغم ويغلب صوت الحوار على صوت الصراخ ويطغى التآلف على الاختلاف والتناحر ويغلب الوفاق الشقاق، والطاعة النشوز والهجران سيجد الأبناء أنفسهم أسوياء الفطرة معتدلي المزاج هادئ التفكير يحققون أحلامهم ويصلون إلى أهدافهم وينجحون في حياتهم والعكس صحيح.
فالأسرة المضطربة المفككة الأوصال المتشاكس أفرادها المتناحر أهلها سيدفع لا محال ثمن ذلك الأطفال حيث يعاني كثير منهم من اضطرابات نفسية وأمراض عقلية وسلوكات شاذة تؤدي بهم إلى الفشل الذريع في الدراسة ابتداء وفي عموم الحياة انتهاء وقد ينتهي الأمر بالانحراف والولوج في عالم الجريمة والانحراف وتعاطي المخدرات أو تبني الغلو والتكفير واعتناق الأفكار الهدامة بمسميات عديدة مما يختم لكثير منهم بالقبوع خلف قضبان السجون أو الانتحار والله ولي التوفيق والهداية.
ع/م
من عوامل النهوض بالتعليم
إن النهوض بالتعليم يتطلب اعتماد السيادة التامة وغير المنقوصة على منهاجها من ألفه إلى يائه للمختصين. وإسناد أمر المنظومة وإعداد منهاجها إلى الأكفاء والمخلصين إلى مبادىء الأمة وإعادة النظر في كل المسؤولين والمربين من القمة إلى القاعدة وإخضاعهم إلى لجنة كفءة مخلصة تقوِّم أعمالهم ومستوياتهم وآدائهم .وإعادة النظر في محتوى المنظومة فيما يتماشى علما مع التطور وأخلاقا مع ديننا الحنيف وكذا الحجم الساعي وأعداد التلاميذ في القسم وطرائق العمل والتسيير .
وإعادة معاهد تكوين المعلمين والأساتذة والمفتشين وكل من له علاقة بالتعليم يجب أن يمر على التكوين والإعداد مهما علت مهمته كالوزير مثلا أو نزلت كالحارس مثلا ، كل هؤلاء لابد لهم من التكوين، وتخصيص ميزانية محددة وكافية لهذا القطاع الحساس ويجب أن تكون كل مؤسسات الدولة في خدمته بدءا برئاسة الجمهورية إلى رئاسة البلدية لِمَا له من أهمية، فإذا صلح التعليم صلح كل شيء .
من أقوال البشير الإبراهيمي في شأن التربية والتعليم
«العلم الخالي من التربية ضرره أكثر من نفعه، وما أصيب المسلمون في عزتهم إلا يوم فارقت التربية الصالحة العلم، وكم شقي أصحاب العلم المجرد بالعلم وأشقوا أممهم، والسعادة غاية لا يُسلك إليها طريق العلم وحده من غير أن تصاحبه التربية».
الآداب العشرة للمتعلم كما قررها الإمام أبو حامد الغزالي
لخص الإمام أبو حامد الغزالي وظائف المتعلم في عشرة آداب فقال:
أما المتعلم فآدابه ووظائفه الظاهرة كثيرة ولكن تنظم تفاريقها عشر جمل:
(1)تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الصفات
(2)يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته. فلا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع
(3) مهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم فليقلده وليدع رأيه فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها مع أنه يعظم نفعها، والخسران.
(4) أن يحترز الخائض في العلم في مبدإ الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس، سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة:
(5) أن لا يدع طالب العلم فناً من العلوم المحمودة ولا نوعاً من أنواعه إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه وتطرف من البقية؛ فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض،
(6) أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم
(7) أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله؛ فإن العلوم مرتبة ترتيباً ضرورياً وبعضها طريق إلى بعض، والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدريج.
(8) أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم، وأن ذلك يراد به شيئان: أحدهما: شرف الثمرة والثاني: وثاقة الدليل وقوته، وذلك كعلم الدين وعلم الطب فإن ثمرة أحدهما الحياة الأبدية وثمرة الآخر الحياة الفانية فيكون علم الدين أشرف.
(9) أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة وفي المآل لقرب من الله سبحانه والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين، ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران.
(10) أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد كيما يؤثر الرفيع القريب على البعيد والمهم على غيره - ومعنى المهم ما يهمك –
دليل الآباء لتفوق الأبناء
يرى مؤلفا كتاب “دليل الآباء لتفوق الأبناء” الكاتبان: جاك ينج بلود وزوجته مارشا، أن تفوق الأبناء وتميزهم دراسيًا ليس مستحيلاً إذا أدرك الوالدان أن للنجاح المدرسي “عادات” يمكن اكتسابها بغض النظر عن مستوى المدرسة ومستوى المدرسين. وقدما جملة نصائح وإرشادات الآباء لقيادتهم للنجاح استخلصها إسلام أونلاين من هذا الكتاب؛ منها:
(1)التحدث باستمرار مع أطفالهم. 2- التشجيع القوي لمتابعة الأداء الدراسي. 3- إقامة حدود واضحة داخل البيت. 4- خلق بيئة محفزة ومساعدة داخل البيت. 5- متابعة طريق قضاء الأطفال لأوقاتهم وتوجيههم. وبالتالي، والكتاب تجريبي ميداني حيث جاءت النتائج؛ لتؤكد أن كافة العائلات مهما كان دخلها أو مستواها التعليمي والمادي والاجتماعي تستطيع أن تتخذ خطوات محددة وواضحة من شأنها أن تساعد الأطفال على التعلم بصورة متميزة. وعلى ذلك يكون المفهوم الكامل الذي على الوالدين أن يتبنياه هو تشجيع الطفل على القيام بالمجهود بصورة متكررة ومعادة، إحياء نموذج مشاركتنا لأطفالنا حينما كانوا يتعلمون المشي. ويمكن لهذا الأمر أن يتم بطرق متعددة ومتنوعة: 1- أن يُظهر الوالدان الاهتمام والحماس لجهود أطفالهم. 2 – إظهار الإثارة والإعجاب تجاه أدنى تقدم يحرزه الطفل. 3- تشجيع كافة الجهود المعادة والمتكررة، وتجاهل كافة المحاولات غير الموفقة أو الفاشلة. ولو قام الوالدان بتشجيع أطفالهم على هذا النحو، فإنهم بذلك يمارسون عنصرين أساسيين، معروفين في علم النفس التربوي : التدعيم. التخلص من سلوك ما. 4- التدعيم عن طريق الاهتمام الكامل لكل مجهود يقوم به الطفل، وإبداء الإعجاب عندما يبدي الطفل، ولو أدنى تقدم. 5- التخلص من سلوك ما، وذلك بتجاهل وعدم التعليق على إخفاقات الصغير، والنظر إلى مرات الفشل على أنها خطوات ضرورية من أجل النجاح الحقيقي.
لجنة الفتوى في لقاء دوري مع اللجنة العلمية
اجتمع في غضون الأسبوع الماضي بمقر الوزارة أعضاء من اللجنة الوزارية للفتوى مع الناطق الرسمي للجنة العلمية لرصد ومتابعة فيروس كورونا،
ويندرج هذا اللقاء التنسيقي حسب بيان وزارة الشؤون الدينية في إطار المتابعة المستمرة لمختلف المستجدات الوبائية التي لها صلة ببعض الانشغالات التي تدرسها اللجنة الوزارية للفتوى، وذلك كما جرت العادة منذ تفشي الوباء، وهذه اللقاءات وغيرها مكنت اللجنة من التعاطي الإيجابي للحد من تفشيه؛ وأصدرت تباعا عشرات البيانات والفتاوى المتناغمة حسب كل مرحلة، وهي فتاوى أكدت الحضور الإيجابي للفقيه في الحياة العامة، وما يزال الكثير من المرافق الدينية يحتاج إعادة فتحها لضوء أخضر من اللجنة العلمية؛ منها المدارس القرآنية والإذن للنساء بحضور صلاة الجمعة والدروس المسجدية، وإعادة فتح مائضات المساجد، وعقود الزواج، والأكيد أنها مرافق ستفتح تدريجيا مع الوقت حفاظا على النفس المؤمنة ومنعا لتفشي الوباء.