احتفى العالم بداية هذا الشهر باليوم العالمي للطفولة؛ مذكرا بحقوق هذه الفئة وأهميتها مستقبلا، وبما ينبغي أن تكون عليه في حاضرها لتضمن البشرية مستقبلا أكثر سعادة واستقرارا ومنا ورفها وتطورا لأن هذه الفئة هي المستقبل.
وكلما يوفر لها حاضر من حقوق أدبية ومعنوية سيكون لها انعكاس ايجابي على مستقبلها؛ لاسيما في ميادين التعليم والأخلاق والصحة، وهي الميادين التي تشمل الجوانب العقلية والنفسية والبدنية للطفل، ليعيش في بيئة اجتماعية آمنة تمكنه من تفجير طاقاته والتعبير عن آرائه وتحقيق أحلامه، وبقدر حرمان الطفل منها سيكون لها انعكاس سيء على مستقبله ومستقبل البشرية، وفي هذه الصفحة عرض لأهم حقوق الطفل في الإسلام، وأهمية إعداده للمستقبل، وقد نصت المادة المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر سنة 1990م (أ- لكل طفل عند ولادته حق علي الأبوين والمجتمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والصحية والأدبية كما تجب حماية الجنين والأم وإعطاؤهما عناية خاصة. ب- للآباء ومن يحكمهم، الحق في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية.
للأبوين علي الأبناء حقوقهما وللأقارب حق علي ذويهم وفقا لأحكام الشريعة).
ع/خ
هذه هي الركائز الأساسية لبناء أسرة مسلمة مستقرة
إن الخالق عز و جل ما خلق لآدم حواء إلا ليسكن إليها، فجعل سبحانه وتعالى السكينة سابقة للمودة والرحمة؛ فقال الله تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))؛ فتحقيقهما يتطلب وجود دافع لذلك، فمثلما لا يتصور نمو النبات على الساحل دون توفر تربة خصبة تدفع البذرة إلى التدرج عبر مراحل حياتها، لا يمكن للمودة والرحمة أن تملأ بيتا لم تتحقق فيه السكينة سلفا؛ لأن استقرار الأسر مرهون بمبادئ أصحابها، وبمدى متانة بنيانها. فالأسرة السوية تقوم على ركائز قوية، منها:
(أولا): التخطيط السوي لبناء أسرة على الهدى النبوي؛ وذلك من خلال (حسن الاختيار): فمن حق الأبناء على آبائهم أن يحسنوا اختيار أمهاتهم، ومن حقهم على أمهاتهم كذلك أن يرضوا لأنفسهن أزواجا فيهم الدين والخلق، فاختاروهم رغبة في إنجاب خلف يعمرون المعمورة، ويعبدون الله عن حب وطاعة لا عن عادة وقناعة، فيرثون من آبائهم دماثة الأخلاق، وعلو الهمم، وحسن السمات، وطيب الصفات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
و(إتيان البيوت من أبوابها): وذلك بمراعاة أحكام وضوابط الخطبة في الشريعة الإسلامية، فلا يجوز للمسلم أن يبتدع في ذلك، أو أن ينساق خلف مواكب الغرب، فيقع في غياهب التقليد، ويبني الحق على الباطل فتعصف به رياح الخلع والطلاق عند أول منعطف .. أو أن يفتح المسلم لنفسه كل أبواب المعاصي تحت مسمى الحب، فيعتقد كما يعتقد أنه عبارة عن مكالمات دائمة، ورسائل متتالية، ولقاءات كثيرة، غيرة زائفة، وشهوات لا ترد. وفي الحقيقة الحب أكبر من ذلك كله، فالحبيب إنما هو ذاك الذي يجتمع بها في بيت جامع لكل ما أمر الرحمن به، عامر بالمودة، مضاء بالرحمة.. وأن هذا الشعور يولد في قفص الزوجية مباركا برحمة إلهية، وبعيدا عن كل فراغ روحي أو أزمة نفسية، فالنجاح في الشراكة الأسرية يحتاج رجلا محمديا قابضا على جمر دينه، وامرأة مريمية تعينه بعفتها على ذلك.
( ثانيا): قيم عظيمة للحفاظ على أسرة سليمة؛ ومنها: ( الاحترام): إذا كان الاحترام أساس استمرار أي علاقة، فالعلاقة الزوجية هي أولى العلاقات به، فتوفر هذا المبدأ يؤدي إلى توفر بقية المبادئ المحمودة، وغيابه يؤدي إلى سيرورة العلاقة في جهة مسدودة، ففي قلب كل زوجة طفلة مشاكسة تحتاج وجود عجوز صبور في صدر زوجها، وفي صدر كل رجل طفل صغير يحتاج امرأة تجيد الاحتواء، فإذا كانت المرأة قارورة سهلة الكسر وشديدة التبعثر، فعلى الرجل أن يكون مساحة القطن الخاصة بها، فلا يخدش خاطرها، ولا يتسبب في إهمالها ماديا أو عاطفيا كي تستمر في العطاء.
و(التنازل): ويعني أن يدرك الزوجان أنهما يكملان بعضهما، فلا يتنافران، فللرجل مهمته، وللمرأة وظيفتها، وهذه العلاقة التكاملية تتطلب أن يرخي أحدهما حبل يده كلما اشتدت قبضة شريكه عليه، فيصمت أحدهما على سبيل المثال كلما امتزج الحزن بؤبؤ عين الآخر عند الخصام، وينسحب أحدهما حين يشعر أن الآخر تعدى على حد من حدوده، ويحاول كل منهما أن يسعد الطرف الآخر، فيتنافسان على حفظ الود بدل أن تطغى الأنانية على علاقتهما فتعصف بها كإعصار.
و(تحمل المسؤولية): على الزوج أن يقوم بدوره كاملا اتجاه زوجته مدركا أن العبرة ليست في إلباسها خاتما في أصبعها، بل في إلباسها لحذائها عند العجز، والعناية بها عند المرض، وتغطية متطلباتها حسب المقدرة. وعلى المرأة أن تدرك أنها لزوجها سمعته وعرضه، وسكنه ومسكنه وأمانه ومأمنه، وتحسن إليه قدر المستطاع، وتخاف الله فيه فلا تحمله ما يفوق مقدرته، وتطيعه في ما أمر الله به، وتحفظه في نفسه وعرضه وماله ونسله.
فبناء أسر سعيدة متماسكة يستلزم أن يكون البناء وفق معايير قرآنية، وهذا يتطلب تحسيس الأجيال بضرورة العودة إلى دينهم، فما انشطرت أسرة إلا نتيجة لبناء لم يستقم، فلابد من العودة إلى الله، ليعود كل شيء إلى أصله ويسكن فيه.
انطلاق المدرسة الصيفية لتعليم القرآن الكريم
انطلقت منذ يومين المدرسة الصيفية لتعليم القرآن الكريم؛ وهي موجهة لجميع الفئات والأعمار من الذكور والإناث، خاصة المتمدرسين بجميع الأطوار الدراسية، الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي؛ حيث يستغلها الكثير من البالغين والأسر لإيفاد أبنائهم وبناتهم لاستغلال قسط من العطلة الممنوحة من قبل المؤسسات التربوية لحفظ كتاب الله تعالى وتعلم الكثير من أدأب وأحكام الإسلام، وهذا بعد أن انتهى الموسم الدراسي للمدرسة القرآنية الخاص بمن هم دون سن التمدرس، وحتى لا تكون فترة الدراسة أثقالا للمتمدرسين وحرمانا لهم من حقهم في العطلة الصيفية بعد أن قضوا عاما كاملا في مقاعد الدراسية فقد سطرت بعض المدارس التي اطلعنا على برنامجها الصيفي رحلات ترفيهية لمرتاديها ومخيمات صيفية ببعض الشواطئ والمدن الساحلية، وبذلك تكون فرصة من جديد لهؤاء للترفيه لاسيما أولئك الذين لم تكن ظروفهم تسمح لهم بالتخييم الصيفي سواء من المعوزين او من الذين يسكنون بمناطق بعيدة عن الساحل بجنوبنا الكبير أو بالمدن الداخلية حيث سيجدون أنفسهم مع زملائهم في مخيمات ترفيهية ورحلات استحمام، كما جرت العادة أن تختتم المدرسة الصيفية بتكريم التلاميذ المتفوقين في الحفظ وتكريم أساتذتهم
لنحسن تربية أبنائنا
الولد عندما يكون صغيرا، يرى الدنيا كلها حلاوة ولا طعم لها مرير، يسكن بيتاً من الطين، وبعينه أجمل من القصور والقلاع بكثير، فالطفل جُبِلَ على الخير واجتمعت فيه كل الخصال الحميدة، النبيلة، وهذا راجع إلى براءته التامة. المستمدة من الفطرة الإنسانية التي أودعها فيه الله تعالى فنجده قنوعًا، شغوفاً، مُحِباً للحياة مندفع لغد أفضل. بحيث يمكن تشبيهه بالورقة البيضاء التي يَخُطُ عليها الآباء ما يريدون قال الله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) ﴾، والبنون زينه الحياة الدنيا فعلاً. نراهم مقتنعين متصالحين مع أنفسهم،كلهم أمل وطموح، ولا يمكن أن ننكر أن ّهذه الدنيا متاع الغرور وهي فانية ولكنها جسر عبور بالآخرة، فلو أحسن الآباء تربية أبنائهم لكانوا سبباً في دخولهم للجنة، ونيل مرضات الله غداً ومن الواجب علينا تعريفهم على مبادئ وقيم ديننا الحنيف، الذي لا يضاهيه ولا يماثله أي أخلاق أو آداب أخرى، لذلك علينا أن نُحسِن تربية أبنائنا فهم ذخر الأمة الإسلامية في المستقبل القريب فنحن جميعاً مسؤولون عن هذا النشئ بالتوعية والتوجيه وعلينا أن نساهم معاً للحفاظ على هوية ديننا،كما جاء في الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له﴾ رواه مسلم. فهنيئاً لمن ترك ورائه ولد يدعو له فصلاح الأولاد من صلاح المجتمع ، ولا حرج لو احتفلنا «بعيد الطفولة» حتى نعزز بعض القيم وتحفيزهم على كسب الرضى وجنات الله في الآخرة، وحثهم على كيفية تعايشهم مع تطورات العالم ومواكبة هذا العصر فتربية الأبناء تعود بالنفع والفائدة والمحافظة على تلك البراءة أعظم إنجاز نتباهى به بين المجتمعات والأمم الأخرى وهذا هو أول مطلوبنا ونهاية مرغوبنا.
إعداد الطفل إعداد للمستقبل
بعد سنوات قليلة في عمر الزمن سيختفي كل هؤلاء الكهول والشيوخ والشباب الذين يملأون الجامعات، والمصانع والإدارات والمؤسسات الحكومية، ويحل محلهم هؤلاء الأطفال الذين يعيشون اليوم في البيوت، وفي دور الحضانة، وفي المدارس التحضيرية والابتدائية، سيستلمون مهام التدريس، ومهام الحكم والتسيير، ومهام مقارعة الأعداء، ولذلك فإن الاهتمام بهم اليوم هو في الواقع اهتمام بالمستقبل، ولا أخوف على المستقبل من تحسرنا على ذهاب الماضي، وانحدار المستوى في التعليم،والتربية والأخلاق، فكل هذه الأشياء مؤشرات لما سيكون عليه المستقبل. ولعل أهم المؤشرات التي تطلعنا على المستقبل هو واقع التعليم، وخصوصا واقع المدرسة مصنع تكوين الرجال وتأليف المستقبل، والمنافسة على المستقبل هي منافسة بين المدارس، وهو ما أدركته الكثير من الأمم المعاصرة المتحضرة باكرا فأضحت اليوم في الريادة علميا وعسكريا واقتصاديا، فلا تعجب إذا علمت أن أمريكا قد أعلنت حالة الطوارئ على مستوى المدرسة غداة تخلفها عن الروس في الصعود إلى الفضاء، وجاء الأمر بمراجعة المقررات المدرسية، والأمر ذاته وقع في إيران بعد عام 1979 حيث عملوا على تمحيص جميع البرامج والمشكلات التعليمية، وصياغة استراتيجيات وسياسات تعليمية على أسس ثقافية إسلامية، وإعداد مناهج علمية في جميع جوانب الدراسة تعتمد على متطلبات واحتياجات المجتمع، وتدريب واختيار هيئة التدريس المؤهلة والملتزمة بقضية الثورة «، وظهرت بعض ثمار ذلك فقبل مرور 20 عاما من ذلك أصبح ما ينشر فيها يساوي ثلاثة أضعاف ما ينشر في البلاد العربية مجتمعة، وإيران تصنع سياراتها وأسلحتها وغدائها، وكل المقررات الدراسية تقدم باللغة الفارسية من الابتدائي إلى الجامعة. والأمر ذاته تقريبا حدث في ماليزيا ابتداء من عام 1981، فلما جاء الدكتور مهاتير محمد إلى الحكم في تلك السنة وجدها بلدا زراعيا يعتمد على تصدير القصدير والمطاط وبعد تخليه عن الحكم عام 2001 تركها بلدا صناعيا متقدما من العشرة الأوائل في العالم، يشارك القطاع الصناعي والخدمي بنسبة90/ بالمائة، وتصنع 80/ بالمائة من السيارات التي تجري في شوارعها، ولا تزيد البطالة فيها عن 03/بالمائة، وأما متوسط دخل الفرد فزاد سبع مرات، وأول شيء قام به مهاتير هو تغيير نظام التعليم، وإعداد تربية وتكوين مختلف للطفولة الماليزية على مستوى المدرسة. ولما سبق كله فإذا أردنا أن يكون لهذا البلد مستقبل فلابد أن نبدأ من الآن في صناعة أساس ذلك المستقبل والمتمثل في العنصر البشري، ابتداء من الحضانة إلى الأقسام التحضيرية، تكون شفافة واضحة المعالم تحفظ الهوية وتستقل بذاتها عن أعداء الأمس وتشق بأبنائها طريقها للمستقبل؛ حتى نكون إن شاء الله في المدى القريب والمتوسط في مستوى الأمم التي راهنت على إعداد الأطفال للمستقبل.