الزائر لدول كثيرة والمصلي في مساجدها، لاسيما منها مصر وتركيا وتونس والمغرب والسعودية وسوريا، لاشك أنه سيلاحظ التزاما صارما للأئمة في الصلوات الخمس وخطبة الجمعة باللباس القومي لباس البلد، الذي ورثوه عبر التاريخ كابرا عن كابر؛ يرمزون به لعراقة أصيلة وامتداد حضاري عميق؛ ويعكسون به هوية مجتمعهم، وشعار دولتهم، ويقدمون من خلاله أنفسهم كشخصيات مستقلة فكريا ومنهجيا وحضاريا، وكذلك الشأن بالنسبة لدول يمكن متابعة رجال الدين فيها عبر وسائل ووسائط الإعلام، من باكستان إلى أفغانستان وأندونيسيا وماليزيا وغيرها، إلا في الجزائر فقد شكل فيها الأئمة الاستثناء، حين لم يحافظوا على هندام رمزي موحد، فأضحى لباسهم فوق منابرها نشازا، لا تكاد تجد له نسبا وطنيا أو رحما تاريخيا -إلا في بعض حالات ومناطق- حيث يكاد المشهد يقترب من عرض لأزياء أئمة الدول والمجتمعات التي أوردنا ذكرها أنفا. بما لا يعكس الهوية أو يرمز للمجتمع وتراثه وحضارته.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
فحيثما وليت وجهك شطر منابر المساجد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا تتشكل أمام ناظريك، بصرا وبصيرة فسيفساء من الملابس المتباينة الألوان والأشكال؛ من القشابية إلى القندورة إلى البرنوس والقميص، ومن العمامة إلى القبعة والطربوش، ومن الشاش إلى الخمار والشال، تستحضر بها في مخيالك، مشاهد لعادت وحضارات شعوب وأمم، تمكنت من اختراق النسيج الاجتماعي الجزائري، وفرضت ثقافتها وعاداتها ونمط لباسها على قادة مجتمع وأئمة دين، يسلبون بذلك بعض ما تبقى من آثار هوية واستقلال شخصية بعد أن سحقه الاستعمار الفرنسي؛ عادات وجدت نفسيات قابلة للتقليد والتأثر بالآخر ومحاكاته، ظنا منها أنه الأنبل والأشرف والأكمل، وتلك حالة حضارية تمر بها المجتمعات التي فقدت بوصلة هويتها، ومشروع مجتمعها، فتغدوا مولعة بإتباع الغالب وتقليد الوافد، ولئن لم يشذ مشهد الأئمة عن مشهد المساجد والمنارات والمساكن التي تعد استنساخا كليا أو جزئيا لعمران الغير؛ لأن الإمام جزء من منظومة مجتمع ما انفك الكثير من أفراده يعانون مركب نقص لسانيا وعمرانيا وثقافيا؛ إلا أن عليه مسؤولية اجتماعية ونفسية وتاريخية أكثر؛ ذلك أنه يشكل رمزا للاقتداء ويجسد الصورة الوطنية التي تسوق عادة عن الجزائر ومجتمعها عراقة وأصالة، ومنه يستمد المستمعون عزة النفس واستقلالها.
إن الإمام الذي يشجب كل خطبة جمعة سيرة من يسلكون سبل الموضا ويلهثون وراء لسان وعمران وأشكال ألبسة غربية لا تمت لعاداتنا وديننا بشيء، عليه أن يبدأ بنفسه أولا، فليظهر بلباس قومي يؤكد به حبه لهذا الوطن وانتماءه إليه ورفضه التقليد؛ ذلك أن استمراره في تقمص لباس الغير والافتخار به، يعطي صورة عن مجتمع لا تاريخ له، ولا أصالة ولا حضارة ولا تقاليد، مجتمع لم يلد من رحمه علماء كبار منذ فجر الإسلام بهذه الديار، مجتمع باحثا عن هوية يتقمصها ونمط عيش يتوخاه، مجتمع يقبل التشويش المذهبي والطائفي واللغوي.
إن الأزهري لا يستحي بلباسه حيث حل بالشرق والغرب، في المنابر والبلاطوهات، وكذلك السعودي بخماره والتونسي بجبته وقبعته الحمراء، وهكذا دواليك؛ بل إن البشير الإبراهيمي ظل قبل الثورة وأثنائها حريصا على رمزية اللباس الجزائري، حيث كان يدخل به الأزهر وقاعات الندوات المصرية العمومية بالقاهرة محاضرا دون عقدة أو مركب نقص، بل بعزة وإباء وشموخ، يعززه بعد ذلك بطلاقة لسان وقوة حجة وبيان تبهر المستمعين؛ ويصف محمد الغزالي مجالسه تلك فيقول: (كان لقاؤنا بالشيخ البشير الإبراهيمي مصدر متعة أدبية وعلمية تجعل أدباء القاهرة وعلماءها يهرعون إليه ويتزاحمون عليه)، كل ذلك بلباس جزائري أصيل، لم ينزع عنه للباس أزهري أو تركي.
فلم يأنف أئمتنا لباس أمتهم التاريخي؟
سيقول البعض ليس للإسلام لباس محدد، وهذا قول صحيح، لكن لكل أمة لباسها وعادتها المرسلة، فلم استيراد لباس المشرق مادام أنه لا يوجد للإسلام لباس؟ لم التمادي في صورة من صور الاستلاب الحضاري والثقافي؟ لو كان هذا المشهد بدولة غربية ذات أقليات إسلامية لقبل واعتبر كل شكل رمزا للأمة التي ينتمي إليها الإمام؛ لكن أن يحدث هذا في دولة واحدة ومجتمع واحد فهو لعمري نشاز؛ حري تجاوزه بإجراء عملي ملزم، يتوحد بموجبه لباس الأئمة، ويفصل شكله وفق تقاليد وهوية وتاريخ المجتمع الجزائري، من عقبة بن نافع إلى الأمير عبد القادر والشيخ الحداد وبوعمامة وابن باديس والبشير الإبراهيمي وغيرهم من أعضاء جمعية العلماء المسلمين والزوايا، لباس ظل الأجداد يتميزون به عن المستعمر المحتل، تكريسا للمرجعية الدينية والمذهبية وسدا لأبواب الاختراق الطائفي.
ع/خ
هذا ما قاله الشيخ محمد الغزالي عن محاضرات وخطب البشير الإبراهيمي
... وأذكر من أولئك الزعماء اللاجئين إلى القاهرة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي. عرفته، أو تعرفت إليه، في أعقاب محاضرة بالمركز العام للإخوان المسلمين ... كان لكلماته دوي بعيد المدى، وكان تمكنه من الأدب العربي بارزًا في أسلوب الأداء وطريقة الإلقاء، والحق أن الرجل رُزِق بيانًا ساحرًا، وتأنقًا في العبارة يذكرنا بأدباء العربية في أزهى عصورها. لكن هذا ليس ما ربطنا به أو شدَّنا إليه- على قيمته المعنوية- إنما جذبنا الرجل بإيمانه العميق، وحزنه الظاهر على حاضر المسلمين، وغيظه المتفجر ضد الاستعمار، ورغبته الشديدة في إيقاظ المسلمين ليحموا أوطانهم ويستنقذوا أمجادهم..، وكان في خِطاباتِهِ يزأر كأنه أسد جريح، فكان ينتزع الوَجَل من أفئدة الهيابين ويُهيّج في نفوسهم الحمية لله ورسوله.. إن الخطيب أو الكاتب يوم يستمد توجيهاته من قلبه ويصبها في نفوس تلامذته إنما يُكوّنُ فيالق من أولي الفداء، ويصنع قذائف حية من رجال ينسفون الباطل نسفًا، وذلك ما أحسسناه ونحن نستمع إلى الشيخ البشير الإبراهيمي في القاهرة، فعرفنا لماذا ضاق به الفرنسيون وطاردوه، ومن ثَمَّ قررنا الالتفاف به والاستمداد منه. ومن الخطإ تصوُّرُ أن الشيخ الكبير كان خطيبًا ثائرًا وحسب ... لقد كان فقيهًا ذكي الفكرة بعيد النظرة..كان لقاؤنا بالشيخ البشير الإبراهيمي مصدر متعة أدبية وعلمية تجعل أدباء القاهرة وعلماءها يهرعون إليه ويتزاحمون عليه، ولكن الرجل كان يشرد بين الحين والحين، فنحس أنه معنا وليس معنا، كان جسمه معنا وقلبه معلقًا بالجزائر يتحسس أبناءها، ويتبع العراك الدائر بين الإسلام والصليبية في هذه القطعة الغالية من دار الإسلام... وأستطيع الجزم بأنه ما ضعف يومًا ولا استكان ولا يئس من روح الله، ولا شك في أن الله ناصر جنده، ومعز المجاهدين المسلمين.
المسلمون سيشكلون 11.2 % أو أكثر من سكان أوروبا بحلول 2050 م
وفقا لآخر الدراسات التي نشرها معهد «بيو» الأمريكي للأبحاث، مؤخرا حسب بعض وسائل إعلام تناول فيها حقائق خمس عن نسبة المسلمين في أوروبا، وهي:
(1) ثلاث دول أوروبية فيها العدد الأكبر من المسلمين وهي: فرنسا وألمانيا لديهما أكبر عدد من السكان المسلمين في أوروبا؛ وقبرص، ففي منتصف عام 2016، كان هناك 5.7 مليون مسلم في فرنسا (8.8%) و5 ملايين مسلم في ألمانيا 6.1%. ويشكل المسلمون بقبرص 300 ألف مسلم في الجزيرة حوالي ربع سكانها (25.4%)، ومعظمهم من القبارصة الأتراك.
(2) مستقبل المسلمين في أوروبا: ازدادت حصة المسلمين من مجموع سكان أوروبا بشكل مطرد وستستمر في النمو في العقود المقبلة، فمن منتصف عام 2010 إلى منتصف عام 2016 ارتفعت حصة المسلمين في أوروبا أكثر من نقطة مئوية واحدة، من 3.8% إلى 4.9% (من 19.5 مليون إلى 25.8 مليون). وبحلول عام 2050، يمكن أن يزيد نصيب سكان القارة العجوز من المسلمين أكثر من الضعف، ليصل إلى 11.2% أو أكثر.
(3)متوسط أعمار المسلمين في القارة العجوز: وفقا لآخر إحصاء لسكان أوروبا لعام 2016، وجد أن المسلمين هم أصغر سنا بكثير ولديهم أطفال أكثر من الأوروبيين الآخرين، ويبلغ متوسط العمر للمسلمين 30.4عاما، أي أصغر من متوسط الأوروبيين الآخرين بـ 13 عاما، حيث بلغ متوسط عمر الأوروبي «غير المسلم» 43.8 عاما. وبالنظر إلى ذلك بطريقة أخرى، نجد أن نصف المسلمين في أوروبا تحت سن الـ 30 عاما، مقارنة بـ 32% من غير المسلمين في أوروبا، من المتوقع أن يبلغ متوسط إنجاب النساء المسلمات في أوروبا إلى طفلين، وذلك أكثر من متوسط إنجاب النساء غير المسلمات وهو طفل واحد.
(4) وأمل نمو المسلمين في أوروبا: بين منتصف عام 2010 ومنتصف عام 2016، كانت الهجرة أكبر عامل يدفع نمو السكان المسلمين في أوروبا، حيث وصل ما يقدر بنحو 2.5 مليون مسلم إلى أوروبا لأسباب أخرى غير اللجوء، مثل العمل أو الدراسة. فيما حصل حوالي 1.3 مليون مسلم على حق اللجوء. وجاء النمو الطبيعي ثاني عوامل تزايد المسلمين الأوروبيين، فقد كان هناك 2.9 مليون حالة ولادة خلال هذه الفترة، إضافة إلى انخفاض عدد الوفيات، بينما يأتي التحول الديني عاملا ثالثا
(5) نظرة أوروبا إلى مسلميها: وفقا لاستطلاع رأي أجراه معهد «بيو» للأبحاث عام 2016 في 10 دول أوروبية، أن الآراء السلبية حول المسلمين سادت في شرق أوروبا وجنوبها. بينما أعطى غالبية المشاركين في المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا المسلمين تصنيفا إيجابيا.
فتاوى
حكم الصلاة جلوساً على الكرسي
تسجل الساحة الفقهية هذه الأيام جدلا حول مدى الإجابة: اتفق أهل العلم على أن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة الآية 238]، ولما ورد في الحديث عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك» (رواه البخاري). قال الإمام الشوكاني: «وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعداً ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه» وبناءً على ذلك فإن من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة. وقد اتفق أهل العلم على أن المريض الذي لا يستطيع القيام فإنه يصلي قاعداً ويركع ويسجد إذا قدر عليهما، فإن لم يستطع الركوع والسجود فإنه يصلي مومياً ويجعل سجوده أخفض من ركوعه لأن المشقة تجلب التيسير، ومن المعلوم أن رفع الحرج ودفع المشقة أصل قطعي من أصول الشريعة ودلت عليه أدلة كثيرة منها قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} [سورة البقرة الآية 286]، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن الآية 61]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (رواه البخاري ومسلم)، وغير ذلك من النصوص. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: «أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً» وقال الإمام النووي: «...أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه.. ويجب أن يعلم أن من قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً ثم إذا استطاع الركوع فيجب عليه الركوع وإن لم يستطع جلس وأومأ بالركوع ثم يومئ بالسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. ويجب أن يعلم أن حدَّ المرض الذي يجيز للمريض أن يصلي قاعداً هو أن يخاف المريض مشقة شديدة أو زيادة المرض أو تباطؤ برئه. وخلاصة الأمر أن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونه لمن كان قادراً عليه، ومن عجز عن القيام صلى قاعداً أو على أي هيئة يستطيعها، وترك القيام رخصة للعاجز حقيقةً والرخص لا تؤتى إلا عند وجود العذر المجيز لفعلها فقط. وأخيراً فإن بعض المصلين يتساهلون في هذه المسألة فيصلون قعوداً لغير عذر فهؤلاء صلاتهم باطلة.