مياه الينابيع غير المراقبة خطر يهدّد صحة المواطن
تطرح مسألة الأمراض المتنقلة عن طريق المياه كأحد مشاكل الصحة العمومية في بلادنا في الفترة الأخيرة، فبعد عودة الكوليرا، تضاعفت المخاوف من انتشار مثل هذه الأمراض من جديد، خصوصا ونحن في فصل الصيف أين ترتفع الحرارة، و يزيد إقبال المواطنين على استهلاك مياه الينابيع، وهو ما يعيد الحديث عن نقص الوعي في مجتمعنا، ويفتح ملف تجارة مياه الصهاريج الفوضوية و السقي العشوائي للمنتجات الفلاحية من الوديان و الآبار التقليدية و ما يمكن أن ينجر عن ذلك من كوارث حقيقية تفرض على المسؤولين التدخل لوضع حد لمثل هذه الممارسات و مراقبة وضعية الينابيع والمجمعات المائية التي تعد مصدر تزود للكثيرين خصوصا على مستوى البلديات و القرى النائية.
هيبة عزيون
و بظهور بؤرة للكوليرا في البويرة السنة الفارطة، و إصابة 88 شخصا من بينهم 41 حالة مؤكدة، دقت الدولة ناقوس الخطر فأقرت إجراءات استعجاليه، و وضعت استراتيجيات جديدة لمواجهة هذا الخطر، في مقدمتها إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الأمراض المتنقلة عبر المياه سواء على المستوى المركزي أو في الولايات لتفادي تكرار سيناريو الكوليرا، مع إعادة بعث عمل مكاتب النظافة و التطهير و خلق آليات جديدة بتحيين المنظومة القانونية المسيرة لهذا المجال الذي لم يعرف أي تجديد منذ ربع قرن، و هي إجراءات اعتبرها مختصون و متابعون للوضع متأخرة و غير كافية لضمان بيئة آمنة للمواطن الجزائري الذي لا يزال مهددا بخطر الأوبئة كما أكدوا للنصر في هذه الندوة.
* حمداني رفيق رشدي مؤطر مكاتب النظافة بقسنطينة
تراجعنا كثيرا في مجال مكافحة الأوبئة المتنقلة عبر المياه
يرى مؤطر مكاتب النظافة بقسنطينة، السيد رفيق رشدي حمداني، أن الوضعية العامة لمكافحة الأمراض المتنقلة عبر المياه بالجزائر مزرية و تشهد تراجعا كبيرا، بعدما كانت بلادنا رائدة في هذا المجال، مرجعا ذلك إلى غياب المراقبة و المتابعة و ضعف الإطار القانوني، إضافة إلى النقص الفادح في برامج تكوين رؤساء البلديات و الدوائر في آليات مكافحة الأوبئة و بالخصوص المتنقلة عبر المياه.
و اعتبر الاطار بمدرية الموارد المائية أن عودة الكوليرا و أوبئة أخرى، «كنا نقرأ عنها في كتب التاريخ»، و ما هو إلا مؤشر مؤسف على الفشل في التحكم في هذا المجال، مضيفا أن الإحصائيات الدقيقة غير متوفرة، و أمام خطورة الوضع يجب حاليا تضافر كل الجهود مع التركيز أكثر على الأيام التحسيسية، و تكثيف اللقاءات التوعوية لإطارات البلديات و مكاتب النظافة و التطهير، و كذا إشراك المواطنين خاصة القاطنين في البلديات و القرى النائية، التي تزيد بها نسب الإصابة بالأوبئة جراء السقي الفوضوي و شرب الماء من المنابع غير المراقبة.
* البروفيسور جمال بن ساعد مختص في علم الأوبئة
المسؤولية مشتركة بين الدولة و المواطن
اعتبر البروفيسور جمال بن ساعد، أخصائي علم الأوبئة و رئيس مصلحة الأوبئة بمستشفى ديدوش مراد بقسنطينة، أن عودة الكوليرا في الجزائر يعد مؤشرا خطيرا على تدهور الوضع و عدم التحكم في انتشار الأمراض و الأوبئة المنقلة عبر المياه.
و قال الدكتور ،بأن الإشكال الحقيقي يكمن في التصورات الفردية التي لم ترق لحد الآن إلى ما هو مطلوب، فضلا عن غياب الوعي بالخطر لدى المواطن، فرغم توفر الكفاءات و الإمكانات المادية إلا أن عودة ظهور بعض الأوبئة بعد قرون من الزمن، يعد تأكيدا صريحا لعدم التحكم في الوضع العام مضيفا، بأن المسالة مرتبطة بذهنيات الأشخاص أولا و بناء قاعدي للفرد الذي لا يزال يفكر، حسب المختص، بطرق بدائية و يغيب عنده الوعي بالخطر، لذلك فإن المجهودات على أرض الواقع لن تعطي أكلها في حال غياب القاعدة الحقيقية لدى المواطن.
و أكد الدكتور، أن المسؤولية هنا أفقية عمودية، لا تقع على عاتق الدولة لوحدها بل تتقاطع فيها كل شرائح المجتمع، و عليه فمن الضروري و الإلزامي، مثلما قال، إعادة بناء الذهنيات لإدراك مخاطر التصرفات الاعتباطية لدى الأفراد الذين هم العامل الرئيسي في المعادلة التي يكون ضحيتها الفرد الفاعل، و هنا أشار إلى مسألة صهاريج المياه التي تباع ببعض المناطق دون رخصة و لا تتوفر على أدنى شروط النظافة، خاصة عامل الحفظ داخل صهريج البلاستيك و الذي قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان بسبب التفاعل الكميائي بين مركبات الماء و البلاستيك بفعل الحرارة، رغم ذلك فإن الكثيرين يقبلون على اقتناء هذه المياه مع إغفال الجانب الصحي.
* ياسين بوجعادة مختص في حفظ الصحة العمومية
مواطنون تسبّبوا في ظهور بؤر للتلوّث و انتقال العدوى
أكد ياسين بوجعادة، المختص في الصحة العمومية و مستشار مدير مستشفى الحكيم ابن باديس بقسنطينة، بأن المواطن يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في ظهور الأمراض المتنقلة، فرغم المجهودات و الأموال المخصصة للتحكم في الوضع، إلا أن الدولة لا تزال عاجزة في ظل انتشار الممارسات العشوائية من طرف الأفراد.
و أشار المتحدث، إلى ظاهرة اختلاط قنوات التزود بالمياه و تصريفها للمنازل، واصفا هذه الإمدادات العشوائية بالخطيرة، و مؤكدا بأنها عامل مساهم في ظهور بؤر التلوث و العدوى، فمع تدفق الماء تنتشر العدوى حسبه،على نطاق أكبر ما يضاعف عدد الضحايا، كما تطرق أيضا إلى قضية الإقبال على استهلاك مياه الصهاريج البلاستيكية أو الحديدية المتنقلة، و التي أكد بأنها تشكل خطرا كبيرا على الصحة العمومية، حيث أظهرت الدراسات أن هذه المياه تتسبب على المدى البعيد في الإصابة بالسرطانات، كما أشار أيضا إلى مشكل قدم قنوات المياه التي تتحول مع السنوات إلى خطر جرثومي كبير تفرزه التفاعلات بين المواد وهو مشكل كثيرا ما نغفله أو نتعامل معه بلا اكتراث.
و عن دور الهيئات المكلفة بمراقبة مياه الشرب، أضاف بوجعادة، بأن اللجنة المختصة في مكافحة الأمراض المتنقلة عبر الماء و المكونة من عدة قطاعات، تقوم بمراقبة و تحليل المياه الشروب القادمة من سد بني هارون و التي تزود قسنطينة بعد إضافة الكلور إليها بشكل دوري، و هنا أكد المختص أن النسب المضافة من هذه المادة تختلف من مرحلة إلى أخرى، حيث يتم الرفع من كميتها خلال الفترات الحساسة كفصل الصيف، إلى جانب مراقبة الينابيع المرخصة و الآبار الملتقطة لضمان سلامة المستهلك، مؤكدا أن كل الحوادث التي تسجل يكون سببها لجوء المواطن إلى مصادر تموين غير مراقبة.