المنتوج الوطني يسترجع سوق مواد التجميل
تسجل صناعة مستحضرات التجميل في الجزائر، قفزة نوعية خلال السنوات الأخيرة، حيث تزايد عدد العلامات التجارية المحلية بعد توجه المستثمرين إلى هذا المجال، وتمكنهم من منافسة ما هو مستورد و استرجاع ثقة الزبون وتحقيق معادلة السعر والجودة.
لكن بالمقابل يطرح بعض منتجي مواد التجميل، عديد المشاكل التي تعيق تطور هذا النوع من الصناعة وولوج السوق العالمية ، على رأسها نقص المواد الأولية.
السعر نقطة قوة المنتجات الجزائرية
يعد السعر من أهم عوامل نجاح المستحضرات التجميلية الجزائرية ، في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وهو ما لاحظناه خلال جولة ميدانية قادتنا إلى عدد من محلات و طاولات بيعها وسط مدينة قسنطينة، و قد أخبرنا العديد ممن تحدثنا إليهم، خاصة النساء و الفتيات، أنهن يفضلن اقتناء المواد التجميلية الجزائرية على نظيرتها المستوردة ، في مقدمتها الشامبوهات و الزيوت و الواقيات الشمسية و كذا بعض مستحضرات الماكياج، على غرار كريمات الأساس و ظلال العيون و الماسكارا و كذا مزيل الروائح و بعض العطور ، و يبقى السعر من أهم عوامل الإقبال عليها، حيث قالت لنا السيدة كريمة، أن أسعار مواد التجميل المحلية الصنع في متناول الجميع، فمثلا سعر أحمر شفاه علامة وطنية، يتراوح بين 250 و300 دج ، بالمقابل قد يصل سعر نفس المنتج لعلامة أجنبية إلى 1800 دج أو أكثر، فيما ترى لمياء أن الإنتاج الوطني يعرف خلال السنوات الأخيرة وفرة كبيرة و تنوعا بعد سنوات من الركود و سيطرة المستحضرات المستوردة التي تباع بمبالغ باهظة .
و إذا أجرينا مقارنة بسيطة بين مختلف هذه المستحضرات، سنجد الاختلاف كبيرا في أسعار المحلية و المستوردة، و قد يصل الفرق إلى ضعفين أو أكثر ، فمثلا يصل ثمن عبوة واقي الشمس صناعة فرنسية إلى 3 آلاف دج، بالمقابل لا يتعدى سعر نفس الواقي لعلامة محلية ذات رواج 500 دج ، إضافة إلى عامل الوفرة ، فالمستحضرات الوطنية موجودة على نطاق واسع ، خلافا لبعض الماركات المستوردة التي تعرف فترات انقطاع، و قد تضطر بعض الزبونات إلى دفع ضعف تكلفتها، للحصول عليها عن طريق « الكابة»، أو طلبها عن طريق الأنترنت، أو من بعض المسافرين.
المنتجات الوطنية تستعيد ثقة المواطن
استطاعت مستحضرات التجميل الوطنية أن تكسب ثقة شريحة واسعة من الزبائن، بعد سنوات من الركود، حيث أضحى الإقبال عليها معتبرا ، بل هناك من يفضل بعض المستحضرات الجزائرية بعدما أعطت نتائج فعالة عند تجريبها.
و خلال جولة قادتنا إلى شارع بلوزداد، وسط مدينة قسنطينة، الذي يضم عدة محلات لبيع مواد التجميل ، التقينا ببعض الزبائن و الزبونات، فأكدوا لنا أنهم يفضلون استخدام الكثير من المنتجات الجزائرية ، خاصة الشامبو، و قالت لنا مونيا أنها تفضل استعمال شامبوهات محلية الصنع، لأنها لا تحتوي على كميات كبيرة من المواد الكميائية ، و تنصح من جهتها مختصة التجميل حنان بوحجر التي التقيناها ببهو قصر الثقافة مالك حداد ، باستخدام المستحضرات الوطنية، و تحديدا بعض العلامات التي أثبتت نجاعتها، لأنها خالية من بعض التركيبات الكميائية عالية التركيز ، التي تتسبب بأضرار، سواء على البشرة أو الشعر، في حين ذكرت بعض السيدات أنهن يستعملن كريمات الترطيب و مستحضرات الماكياج الوطنية الصنع، و لم يعانين لحد اليوم من أي مشاكل، و يفضلنها على الصينية و الكورية و حتى التركية الرائجة في السوق.
و أكد لنا حمزة، و هو صاحب محل لبيع مواد التجميل بشارع عبان رمضان بوسط مدينة قسنطينة ، أن الزبائن أصبحوا يفضلون السلع الوطنية، لأنها تناسبهم من حيث السعر و النوعية ، مضيفا أن هناك منافسة واضحة بين المستثمرين في هذا المجال ، يعكسها تنوع الماركات ، إلى جانب الاهتمام الكبير بالشق الجمالي للتغليف الذي يلعب دورا كبيرا في إغراء الزبون، فيما يرى أحمد صاحب محل لبيع العطور، أن هناك عملا كبيرا ينتظر المستثمرين في هذا المجال، لبلوغ المستوى العالمي، خاصة في ما يتعلق بصناعة العطور.
«البيو « توجه جديد يلقى الرواج في السوق
و تعرف المنتجات «بيو» أي المصنوعة بمواد طبيعية، على غرار الزيوت و الكريمات و الصابون، رواجا كبيرا في السوق الوطنية، لأنها صحية خالية من المواد الكيميائية و أضرارها .
كما أضحى المنتجون يقبلون على المواد «بيو»، و تحديدا خريجي الجامعات من كليات البيولوجيا و العلوم ، ممن يطوعون بحوثهم العلمية لإنتاج مواد طبيعية بنسبة مئة بالمئة ، فيما يبقى مشكل المواد الأولية هاجسهم الكبير.قالت لنا عليمة و هي أستاذة علوم متقاعدة و منتجة للصابون الطبيعي، أن لها العديد من الزبائن من الجنسين، ممن يعانون من مشاكل جلدية عجزت الأدوية و بعض المستحضرات عن علاجها ، فبحثوا لديها عن البدائل الطبيعية ، غير أن المشكل الذي تواجهه هو نقص المواد الأولية و ارتفاع أسعارها في السوق العالمية، حيث تضطر إلى جلبها من دبي و الهند مقابل مبالغ كبيرة جدا.
أما فاطمة الزهراء، أستاذة بيولوجيا متقاعدة و منتجة كريمات ترطيب باستخدام شمع النحل، فقالت لنا أن الزبون الجزائري أصبح يفضل هذا النوع من المواد الطبيعية و يبحث عنها، لكن نقص الدعم، عرقل المنتجين و حال دون انتشارها و توسع استعمالها.
بعض الزبونات اللائي التقينا بهن، أكدن لنا أنهن يفضلن استخدام «البيو» ، بعد تجارب فاشلة مع المستحضرات الكميائية، بما فيها ذات الماركات العالمية، و قالت صبرينة أنها بعد سنوات من البحث عن علاج نهائي لمشكل حب الشباب و آثاره المزعجة ، جربت خلالها مختلف المستحضرات المستوردة الباهظة الثمن، دون أن تحقق النتائج المرجوة، توصلت إلى إحدى المنتجات الطبيعية التي ساعدتها في التقليل من الندوب ، لكنها غالية الثمن، كما أن المنتجات التي تصنع حسب حاجة و طلب الزبون، تكاد تكون غير متوفرة.و هنا أكدت لنا عليمة التي تصنع الصابون و بعض العطور، أنها تعمل لتلبية الطلبيات التي تتلقاها من طرف الزبائن، مشيرة إلى أن صنع قالب واحد من الصابون «بيو» يستغرق بين 15 يوما إلى شهر، إلى جانب غلاء المادة الأولية ، مضيفة أن غالبية منتجي المواد الطبيعية لا يحوزون على محلات لعرض و بيع منتجاتهم، ما يحرمهم من الانتشار، و تنحصر سلعهم بين فئات قليلة .
المركب الصناعي بن جابر لمواد التجميل في قسنطينة
الدولة ملزمة بإعادة النظر
في قطاع تصنيع مواد التجميل
يرى الرئيس المدير العام للمركب الصناعي لمواد التجميل في قسنطينة هشام بن جابر، أن الدولة مجبرة حاليا على إعادة النظر في آليات تسيير قطاع صناعة مواد التجميل في بلادنا، كقطاع مدر للأموال، لكسب الرهان و استعادة ثقة المستهلك الجزائري، كما أنه يمكن الاعتماد على القطاع كبديل حقيقي لصناعة الثروة، إلى جاب قطاعات أخرى.
بن جابر الذي قضى أزيد من 27 سنة في هذا المجال، كمتعامل مع كبرى الماركات الأجنبية، قبل أن يصبح صاحب مركب يصنع مختلف مواد التجميل ، يرى أن هناك حركية كبيرة تشهدها هذه الصناعة من خلال الاستثمارات الضخمة المتزايدة، لكن بالمقابل هناك الكثير من المشاكل التي يشتكي منها المستثمرون، و في مجملها عبارة عن عراقيل قانونية و أخرى إدارية، تكون وراء تأخر تجسيد الكثير من المشاريع ، كما حدث معه مؤخرا، بعدما رفضت الوكالة العقارية لقسنطينة ، منحه عقد الملكية النهائي للأرضية الخاصة بوحدة إنتاج مواد التجميل و العطور بالشراكة مع الأتراك.
و لم ينف محدثنا قيام الحكومة ببعض المبادرات التي ساهمت في إنعاش هذا السوق، خاصة بعد قرار تقنين استيراد مواد التجميل، و اعتبره متنفسا حقيقيا للكثير من المستثمرين الذين عانوا لسنوات من التضييق عليهم، في ظل هيمنة المؤسسات الأجنبية ، غير أنها تبقى مبادرات غير كافية و محدودة،حسبه، فالأمر يتطلب وضع إستراتيجية وطنية واضحة المعالم، تؤطرها قوانين مضبوطة، كما أكد .
رئيس شركة ورود للعطور بالوادي
يجب تخطي مرحلة «أبوية الدولة» على الصناعات التجميلية
في حديثه مع النصر ، أكد جمال الدين جديدي، صاحب شركة ورود للعطور، التي يعود تأسيسها إلى سنة 1963 بولاية الوادي، أن الوثبة التي حققتها صناعة مستحضرات التجميل في الجزائر، تعود بالأساس إلى الإرادة الكبيرة للمستثمرين الذين تحدوا كل الظروف من أجل الخوض في هذا المجال الصعب، رغم العراقيل المطروحة و في مقدمتها القانون الجزائري ، حسبه، الذي يمنح الكثير من التسهيلات لقطاع الاستيراد على حساب التصدير، ما سهل على المنتوج الأجنبي الانتشار و الهيمنة على حساب المحلي ، الذي بقي في خانة المرفوض و غير القادر على التطور و المنافسة ، ليعيد قرار تقنين استيراد مواد التجميل القليل من الأمل،حسبه.
غير أن غياب الرقابة القبلية و البعدية في سوق مواد التجميل ، ساعد على انتشار المنتوج المقلد و السوق الموازية، التي أصبحت منافسا حقيقيا تستقطب الكثير من الزبائن ، في ظل غياب الوعي و ضعف الجانب الرقابي، خاصة في الأسواق و على الحدود، كما قال المتحدث، فيما يلعب العامل السيكولوجي دورا هاما، فالكثير من المواطنين يفضلون المنتج المستورد ، على حساب المحلي قبل مرحلة التجريب، حسبه.
و يدعو جمال الدين ، إلى ضرورة وضع إستراتيجية على المدى القصير و المدى الطويل و دعم الجانب القانوني بمواد جديدة أكثر فعالية ، قادرة على حماية هذه الصناعة ، مع توسيع نشاط الصناعات المحلية بتشجيع الخواص أكثر و التقليص من هيمنة الدولة و تحرير السوق الإنتاجية و المنافسة التي تساعد على تحسين النوعية و الكمية ، و القضاء على مشكل المواد الأولية، و خاصة مشكل الكحول الذي تحتكره الدولة، و تبيعه بكميات جد محدودة، لا تلبي طلبات المنتجين ، الذين يلجأون، كما قال، إلى السوق السوداء لشراء هذه المادة التي تباع بمبالغ باهظة و هي ذات نوعة رديئة ، و هو ما أدى إلى تراجع نوعية العطور المحلية، مقارنة بالمستوردة .
منتج زيت نواة التمر العالمي بقسنطينة
المنتوج الجزائري نجح في تخطي الحدود الجغرافية
يرى السيد عمار خناوي من بلدية أولاد رحمون في قسنطينة و صاحب مؤسسة زيت نواة التمر العالمي ، أن المنتجات الجزائرية قادرة على منافسة نظيرتها المستوردة ، خاصة و أن هناك اهتمام كبير بالنوعية و كذا شكلها التسويقي ، و هناك الكثير من العلامات التي لها اسم محترم محليا و خارج الجزائر، في تونس و المغرب و بعض الدول الإفريقية ، كما برهنت الكثير من المستحضرات على فعاليتها في معالجة مشاكل البشرة و الشعر و غيرها ، و أحسن دليل، كما قال، منتوجه المستخلص من نواة التمر و هو عبارة عن زيت يعالج مشاكل الشعر و البشرة ، و قد نجح في تسويقه إلى قطر بعدما أثبت فعاليته.
و في حديث للنصر قال خناوي، و هو باحث جامعي، أنه قضى عدة سنوات في البحث و التجريب إلى أن توصل إلى معادلة صنع زيت نواة التمر ، لكنه تأسف للتمهيش الذي تعرض له في الجزائر، رغم الجهود الشخصية التي بذلها دون أدنى دعم ، ليفكر في ما بعد في تسويق منتجه خارج حدود الوطن، و كانت الوجهة قطر ، حيث لاقى الترحيب من قبل المستهلكين، خاصة بعد تجريبه و النتائج الإيجابية المتحصل عليها،كما أكد.و أضاف أن الدولة لا تمنح الدعم الكافي لهذا النوع من الاستثمارات، خاصة الصغيرة و المتوسطة لخريجي الجامعات و المعاهد ، و ما هو موجود في الواقع عبارة عن مشاريع و اجتهادات فردية بإمكانيات خاصة، أمام عراقيل بالجملة. و شدد المتحدث أن الجامعة الجزائرية لها طاقات علمية كبيرة قادرة على صناعة الفارق في إيجاد وصفات وطنية لصناعة مواد التجميل و العطور ، دون اللجوء إلى اقتناء رخص ماركات أجنبية و بمبالغ باهظة.
هيبة عزيون