انطلقت، أمس، على مستوى المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، مصطفى نطور، بقسنطينة، احتفالات اليوم الوطني للحرفي، تحت شعار «حرفنا في كتاب» بالتنسيق مع «دار بلادي»، بمشاركة 28 عارضا جاؤوا ليعرفوا بما تزخر به ولاياتهم من تنوّع.
وامتزج عبق الثقافة والكتب، بالحنين إلى الماضي الذي حملته منتجات مبدعين ومبدعات جزائريات، إلى بهو الدار وطابقها الأول أيضا، من أزياء تقليدية، حلويات، حلي، وغيرها، فضلا عن حضور مثقفين وأدباء شاركوا الحرفيين شغفهم وسعيهم إلى الحفاظ على التراث الجزائري، وسجل المعرض أيضا توافد عائلات قسنطينية حضروا مع أطفالهم، كما تفاعلوا مع العارضين، وأبدوا إعجابهم بالمنتجات اليدوية التقليدية.
وقد شهد المعرض حضور لافت للنساء، اللواتي عرضن منتجات مبتكرة، وأضفين عليها لمسة إبداعية زادتها جمالا، على غرار مزج الفضة بالأصداف البحرية، وكذا تطويع الخيوط لنسج أشكال جميلة تُضاف إلى ديكورات المنازل، إلى جانب عرض منتجات أخرى جديدة مثل حاملات الحلي، كما سجلت دولة فلسطين حضورها بالمعرض، أين عرض طلبة اللباس النسوي التقليدي الفلسطيني، وهدايا رمزية على شكل خارطة وأخرى تحمل صورة بيت المقدس، كما أكرمن الزوار بحلويات تقليدية.
ووفقا لرئيسة المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، وافية درواز، فإن فعاليات اليوم الوطني للحرفي، تحمل رسالة ودعوة لتوثيق ورقمنة وتثمين ما تزخر به الجزائر من حرف وتراث فني وشعبي، كونه يدخل أيضا في الذاكرة الشعبية، وأتبعت قائلة إن الجمع بين الحرف والكتب في الشعار الذي اختير للمعرض، هو طريقة أخرى للتعبير عن مكنونات هذا الشعب وتراثه، وتقييم لكل أشكال هذا الأخير على اختلاف المناطق الذي صُنع بها، تعبيرا عن علاقة الفرد الجزائري بأرضه التي أغدقت عليه بموارد طبيعية مثل الخشب، والطين، والصوف ليبدع وينسج منتجات تعبر عن الهوية الوطنية، فضلا عما أضافه الشباب من تطورات سعيا منهم على الحفاظ عليه من الاندثار.
من جانبها قالت، مسيرة مؤسسة دار بلادي، أسماء بوعبلو، إن هذا المعرض الذي أُقيم على مدار يومين، يهدف إلى الترويج والحفاظ على التراث الوطني، وقد رأوا وفقا للمتحدثة، أن الكتاب أيضا يعد من بين الوسائل التي تساعد على ذلك، لهذا اختيرت المكتبة الوطنية لإحياء اليوم الوطني للحرفي.
وبالنظر إلى التطورات التي وصل إليها العالم، ترى بوعبلو، أنه من الضروري أن يتمتع الحرفي بميزات ثقافية، تُخَوِّل له الترويج لبلده ولصنعته أيضا، خصوصا ما تعلق بالاعتماد على سحر اللمسة الخاصة في أعماله، وكذا التميز بالإبداع والنظرة الفنية التي تسوق للهوية الجزائرية حتى يستطيع تصديرها إلى خارج الوطن.
كما أفادت مسيرة مؤسسة دار بلادي، أن مجال الصناعات التقليدية في الجزائر يعرف تطورا، خصوصا مع ظهور شباب بقدرات ومهارات عالية، يسوقون لصورة جيدة عن المنتج الجزائري وعن الهوية الوطنية.
منتجات بلمسة إبداعية وحضور فلسطيني لافت
المعرض طبعته أيضا اللمسة الإبداعية التي خلفها كل حرفي، حيث تفننوا في تقديم منتجات مبتكرة، تحمل قيمة فنية وكذا إيكولوجية، وفي هذا السياق أفادت صباح، حرفية من دار الحرفة، مختصة في الرسكلة، أنهم من خلال هذا النشاط أعادوا تصنيع سلال، وأواني ولوازم للمطبخ، وكذا حاويات للملابس، كما يعطون أيضا مظهرا جميلا لأشياء قديمة فيرقعونها أو يصلحون بعض أعطابها مثل، الكراسي، مرايا قديمة، ووفقا لها، فإنهم يهدفون للحفاظ على كل ما هو عتيق وعدم رميه أو التخلي عنه بالإضافة إلى المحافظة على البيئة.
أما خديجة محمصاجي، وهي صانعة حلي بالأصداف البحرية، فتستغل وزوجها الغواص ما يزخر به الساحل الجزائري من خيرات، وقد جمعوا أصدافه بالفضة ليحولوه إلى حلي جميلة وذات لمسة خاصة، وفي هذا السياق، أكدت الحرفية، أن السياح يبدون اهتماما كبيرا بالفضة الجزائرية خصوصا وأنها ذات جودة ولها قيمتها، لذلك ترى بأن الحرفي يجب أن يستغل غنى الجزائر ليبدع ويخرج موادا مميزة ترفع من قيمة الصناعات التقليدية الجزائرية. في حين تقول بشرى بن علي، حرفية مختصة في الحياكة منذ أكثر من 30 سنة، إن الحرفي يجب أن يطور من نفسه، ويواكب التطورات التي يعرفها الميدان الذي يبدع فيه، مضيفة بأن، الحياكة على سبيل المثال أصبحت تدخل اليوم في تزيين المنازل أيضا لكن بطريقة أكثر حداثة مما كانت عليه، حيث تقوم هي بتصنيع دمى، أو أشكال للتزين، وتغليف حاملات شموع، مردفة بأن، الحرفي الجزائري يحتاج فقط إلى أن تُعرف أعماله، بالإضافة إلى توفير المادة الأولية.
من جهته قال لطفي حرفي، إن سوق الصناعات التقليدية تعرف بعض التحديات، مثل غلاء المواد الأولية وندرة بعضها، بالإضافة إلى تحدي تغيير ذهنيات أفراد المجتمع الذين مازالوا لا يستطيعون مقاومة التوجه نحو المنتجات الصناعية، وأوضح الحرفي، أنه يحاول إعطاء قيمة معنوية للمنتجات التي يصنعها وتخريجها دائما في أبهى صورة، بالإضافة إلى مراعاة الأسعار حتى يتمكن من جذب الزبائن لمنتجاته.
وقد حضر التراث الفلسطيني أيضا، وبحسب جهاد مرعي طالب فلسطيني مقيم بالجزائر وصاحب مشروع جفرة، أن المعرض هو فرصة لنشر تراث بلده في الجزائر والتعريف به، مثل اللباس النسوي التقليدي، الكوفية، وهدايا تراثية تحمل رموزا فلسطينية.
وعن مشروع جفرة قال جهاد، إنهم كشباب فلسطينيين لفت انتباههم المحاولات الصهيونية لسرقة التراث الفلسطيني ونسبه إليهم، فقد أخبرنا بأن شركة طيران صهيونية قامت سنة 2020 بإلباس طاقمها الزي التقليدي مدعين بأنه ينتمي إليه، لذلك فقد قاموا كشباب بإطلاق مبادرات للحفاظ على الهوية والتراث الفلسطيني، كما أعرب عن امتنانه للجزائر وشعبها خصوصا بعد تسجيلهم إقبالا كبيرا على منتجاتهم.
إيناس كبير