تعرف حرفة سن وشحذ السكاكين ومعدات النحر و الذبح انتعاشا في أغلب شوارع ولاية الوادي، ورغم توفر منتجات حديثة محلية و مستوردة تباع بأسعار زهيدة، إلا أن الطلب على الوسائل اليدوية التقليدية كبير في هذه الفترة تحضيرا لعيد الأضحى المبارك.
يجد شباب من المنطقة في هذا النشاط بابا للرزق، ولذلك يقصد المدينة حرفيون قادمون كل البلديات ومن ولايات أخرى كتمنراست وإيليزي، لعرض منتجاتهم وذلك على اعتبار أن أسواق الوادي دائمة الحركية وتعتبر بمثابة نقطة عبور للتجار و مقصدا لأصاحب مطاعم و قصابات يجددون معداتهم سنويا في مثل هذا الوقت.
موسم النشاط لشباب الجنوب
وذكر الشاب محمد، من منطقة عين قزام بولاية تمنراست، أنه يتردد على المنطقة للسنة الرابعة على التوالي، بحثا عن لقمة العيش والتعريف بمهنة أجداده، وقد نصب كما أوضح خيمة صغيرة قبالة الطريق ببلدية البياضة ينشط فيها رفقة أقارب له، أين يشتغلون في صناعة السكاكين و السواطير، و سن القديمة منها و تجديدها.
وأضاف محدثنا، أن هذه المهنة التي يمارسها على مدار السنة في محله للحرف بعين قزام، تقليدية خالصة و قد جلبت له عديد الزبائن من ولاية الوادي والمدن المجاورة لها، من فئة الجزارين وأصحاب المطاعم بعد إعجابهم بما يصنعه من معدات، بل أصبح على تواصل معهم حتى خارج الموسم لتلبية حاجياتهم وإرسالها عن طريق التجار الذين يزورن مكان إقامته.
وقال الحرفي أحمد أهمود، أصيل مدينة تمنراست، الذي التقينا به عن مدخل دائرة الرباح، إنه يشتغل في المهنة ذاتها منذ 20 سنة رفقة والده، وقد كانا يتنقلان إلى الوادي و ورقلة قبيل عيد الأضحى، للاسترزاق والترويج للحرفة التقليدية التي يمارسانها إلى جانب تطويع الحديد و الفضة و تفصيل الجلود.
أما عبد القادر، ابن مدينة إليزي، فأكد للنصر، يتنقل كل سنة رفقة أخيه إلى الوادي، وبالضبط إلى منطقة البياضة للنشاط و استغلال حركية السوق في هذه الفترة، حيث تربطه بالتجار هنا علاقات صداقة عمرها يتعدى 10 سنوات، لدرجة أن بينهم من يوفر له مكانا للإيواء وخيمة بسيطة على قارعة الطريق للعمل و الاسترزاق إلى غاية نهاية الموسم.
وقال إن هذه الرحلة تسمح له بالتعريف بحرفته و بضمان استمرارها، وهي مهنة التوارق التي يفتخرون بها كما عبر.
صناعة يدوية تصنع الفرجة في الشوارع
استوقفتنا خلال جولتنا، الطريقة التقليدية التي يطوع بها هؤلاء الشباب الحديد كيف يحولونه إلى سكاكين و سواطير و فؤوس، مستعينين بثلاثية النار والمطرقة والسندان، حيث يتم تسخين قطعة الحديد جيدا إلى أن تحمر ومن ثم دقها حتى تسوى على الشكل المطلوب، وهي عملية تشد الفضوليين في الشوارع، و تصنع الفرجة أيضا، حيث، أخبرنا عمي عبد الحفيظ مواطن من الوادي، بأنه في كل سنة وتحديدا قبيل العيد بأيام، يبحث عن هؤلاء الحرفيين من أجل إعادة سن معدات نحر الأضحية جيدا، مع تجديد بعضها وإصلاح البعض الآخر، أو شراء ما ينقص للنحر في أفضل الظروف، مشيرا إلى أن وجودهم جزء من ديكور العيد وأجوائه في المنطقة.
وأضاف الحاج مسعود، من بلدية الرباح، أنه يمتلك سكينا تقليدية كبيرة الحجم كان قد اقتناها قبل 25 سنة من مدينة تمنراست، يخرجها فقط لنحر الأضحية في العيد أو لتقطيع اللحم خلال بعض المناسبات العائلية المهمة ولأنها مهم جدا بالنسبة له، فإنه يحرص على شحذها كل سنة لدى الحرفيين القادمين من ذات المدينة، مشيرا إلى أن أسعارهم رمزية مقابل جودة المنتج و براعة الأداء.
أما عمر، صاحب محل لبيع اللحوم الحمراء والبيضاء، فقد اعتاد منذ سنوات كما عبر، على تجديد وسن عتاد قصابته لدى أبناء منطقة تمنراست الذين تعود على استضافتهم في كل مرة، وتخصيص مكان لهم لممارسة حرفتهم وآخر لإيوائهم مع ضمان الأكل والشرب، منوها بأهمية الصداقة التي تربطه بهم و التي تتعدى عشر سنوات كما قال.
تجارة و صــداقة
كما أشار، بعض المحسنين إلى تخصيص أماكن لمبيت هؤلاء الحرفيين الذي يصنفون كضيوف، مع تزويدهم بالأكل والشرب طيلة مكوثهم في الولاية، وقال محدثونا، إنهم يستضيفون من يتعذر عليهم الرجوع إلى مدينتهم ليلة العيد بسبب انحصار حركة النقل، فيقضون العيد معا، فما يتطوع آخرون إلى إيصالهم إلى أقرب نقطة و تزويدهم بما يحتاجون إليه من ملابس وأغطية وغير ذلك.
و يوفر بعض من أبناء المنطقة خدمة سن معدات النحر في الشوارع و عند مداخل المحلات ويقترحون خدماتهم على المواطنين مقابل 50 إلى 250 دج حسب حجم السكين أو الساطور.كما يخصص بعض قاطني القرى والأحياء الشعبية هذه الخدمة تطوعا كل مساء، أين يجتمع عليهم الجيران حاملين معدتاهم المنزلية لتجهيزها ليوم العيد، وهي عادة لا تزال مكرسة رغم تطور الحياة وتوفر المعدات الجديدة والمستوردة بأسعار تنافسية. وقد لاحظنا خلال جولة استطلاعية، وفرة كبيرة في العرض إذ تتراوح أسعار السكاكين بين 100 دج إلى نحو 1200 دج، والطلب عليها مقبول جدا، ما يساعد على استمرار حرفة سن و شحذ السكاكين على الطريقة التقليدية، بفضل نشاط شباب يقطعون آلاف الكيلومترات من عمق الجنوب الكبير من للاسترزاق والحفاظ على مهنة أجدادهم والتعريف بها. منصر البشير