يحافظ الشاب بلال، ابن منطقة غبالة الجبلية بولاية جيجل، على نشاط مطحنة عائلية أسسها والده في السبعينات، وقد عمل هو على تطور المكننة و الآلات فيها بعد توليه مهمة تسييرها، ليواصل مسارا مهما يعد داعما رئيسيا لنشاط الفلاحين في المنطقة، خصوصا وأن المطحنة تشتري جزءا من منتوجهم كل سنة، كما توظف النساء، وتزود السوق بمنتجات تقليدية عديدة تتوفر على الرفوف في محلات عبر الوطن.
مشروع عائلي عمره نصف قرن
و يعتبر بلال من بين الشباب الطموح ببلدية غبالة، فقد استطاع أن يحافظ على إرث عائلته الذي يعود لنصف قرن من الزمن، كما تمكن من تطوير النشاط في المطحنة التي تعتبر مصدر رزق لعشرات العائلات و الفلاحين بالمنطقة، ويعد المشروع نموذجا حيا للمشاريع التنموية الناجحة بمناطق الظل خصوصا وأن صاحبه انتقل من العمل بالطرق التقليدية إلى العصرنة، وحقق النجاح بعدما اقتحمت منتوجاته السوق الوطنية و خاصة بالجهة الشرقية من البلاد.
وتعتبر المؤسسة العائلية حسبهم، مهمة لمحاربة البطالة في المنطقة لأنها توفر العديد من مناصب العمل للرجال و النساء على حد سواء.
زرنا مطحنة بلال المتواجدة بـأعالي غبالة، وقد تطلب الوصول إليها ما يقارب 45 دقيقة من بلدية الميلية مرورا عبر السطارة، و لدى وصولنا إلى المكان بسوق الحد، استقبلنا الشاب بحفاوة، و كان قد باشر عملية التحميص و الطحن و كله نشاط و حيوية، كما وجدنا مجموعة من الزبائن ينتظرون دورهم لشراء بعض المنتجات، وعلمنا منهم بأن المنتجات التي تحضر محليا عالية الجودة و بأسعار تنافسية.
و في حديثنا مع الشاب، أخبرنا أنه يسعى للإبقاء على إرث العائلة قائلا « بدأت العمل في المطحنة منذ سنة 2004، و قد كان الوالد يعمل بها قبلي علما أنه هو من أسسها سنة 1970، حيث بذل مجهودات عديدة لتطويرها، و انطلق في ذلك بآلات بسيطة وواجه صعوبات عديدة لكنه لم يستسلم».
أوضح أنه عمل في المكان رفقة أفراد من العائلة على مر السنوات، وكان نشاط المطحنة آنذاك على الطحن و التحميص و التنقية بطريقة بسيطة أو تقليدية نوعا ما، لكن ومع مرور الوقت تم تطوير نشاطها وإدراج تخصصات أخرى كالتوضيب و التوزيع و من ثم إنشاء علامة تجارية صارت معروفة بالتقادم، وعلق: « حاليا أعمل بمفردي في المنطحة وقد قمت بتزويدها ببعض الآلات الحديثة التي تسهل العمل و تجعله أقل جهدا واستهلاكا للوقت وأكثر جودة وفعالية.»
يواصل حديثه: « سنة 2013، اقتحمت مجال التعليب و التوضيب والتوزيع و بيع منتوجات المطحنة في الأسواق»، و عمل الشاب كما أوضح على تحسين أداء مؤسسته الصغيرة وتحديثها من خلال الاعتماد على علامته التجارية التي تطورها بما يسمح بتوزيع منتجاتها عبر الأسواق وطنيا.
تنويع في طريقة العمل و الوصول إلى العلامة التجارية
ضاعفت المطحنة نشاطها عبر مرور السنوات، بفضل اقحام المكننة واستغلال الصناعة التقليدية في تنويع المنتجات، بداية بكسكس البلوط والشعير و الشخشوخة باليد و التريدة و الرشة، وقال بلال: « أوظف عددا من السيدات في هذا العمل، حيث أزودهن بالمادة الأولية و يقمن بإعداد المنتوج المطلوب في المنازل، ولذلك تتمتع منتجاتنا بالجودة لأن عملية طحن الدقيق أو الطحين تتم على مستوانا فنتحكم في النوعية بدقة كبيرة، مقابل بذلك تحضر العجائن التي نبيعها في الأسواق بطريقة تقليدية يدوية من قبل نساء متخصصات ويملكن خبرة تساعدهن على ضمان جودة المنتج، الذي نعتمد في توضيبه لحقا على الآلة». واعتبر محدثنا، أن استمرار نشاط المطحنة في المنطقة مهم جدا، لأنها تساعد على الحفاظ على منتجات تقليدية من الريف الجيجلي و تضمن تشغيل النساء الريفيات»،
و أضاف، بلال، بأن أهم المنتجات التي تتميز بها علامته، تتمثل في مختلف أنواع « البسيسة المصنوعة من القمح والتمر و الخروب و المكسرات وغيرها»، علما أن المصدر الرئيسي للقمح المستخدم في الإنتاج هم فلاحو منطقة غبالة.
ويطمح بلال، مستقبلا أن يوزع منتجات مطحنته لكل ولايات الوطن دون استثناء وأن يوسع مشروعه أكثر، حيث يعمل في كل مرة على تنويع سلسلة التسويق التي انتهجها مع خلق فرص للتوظيف بالبلدية المعزولة.
وقد ذكر رئيس بلدية غبالة، بأن مطحنة بلال من بين المشاريع الناجحة والقليلة التي تتماشى مع خصوصيات المنطقة الجبلية، كما يتفق فلاحون ومواطنون بأنها مهمة جدا لأجل التخفيف من عزلة المكان و توفير فرصة للعمل و تسويق المنتوج الفلاحي من القمح الذي تنتجه الأراضي المحلية.
كـ. طويل