تستهوي ورشة الطين «روبوتري ستيديو» بقسنطينة، عددا كبيرا من محبي فن النحت والرسم على الفخار والمهتمين به، فهي بحسبهم تجربة فنية ممتعة ومثرية تمزج بين الإبداع والتأمل، وكذا فرصة للتفريغ والاسترخاء بعيدا عن ضغوطات الحياة اليومية، وتعد النساء والشابات أكثر من يقبلن على تعملها من أجل استرجاع هذا التراث والحفاظ عليه و نشر ثقافة هذه الصنعة اليدوية، وذلك بحسب ما أكدته صاحبة الورشة ريان بوزيدي.
لينة دلول
يوغا اليدين
وقد صار هذا النشاط اليدوي يعرف في عالم الحرف، بيوغا اليدين لكونه يركز على حركات اليدين والأصابع بشكل مدروس خلال عملية تشكيل الطين، مما يعزز الوعي الجسدي والانسجام بين الجسد والعقل وتنشيط طاقة اليدين وتحسين تدفق الدم، وتخفيف التوتر والضغوط النفسية.
حسب القائمين على ورشة «روبوتري»، فإن هناك طلبا كبيرا على التسجيل من طرف سيدات يبحثن عن نشاط يساعدهن في الحفاظ على توازنهن العاطفي والنفسي، وهو ما تأكدنا منه عن طريق تصفح حساب الورشة على فيسبوك، حيث أجمعت تعليقات المشاركات فيها على جمال ومتعة التجربة، فيما اقترح بعض المتابعين فتح ورشات جديدة في ولايات أخرى، حتى يتمكن المهتمون من المشاركة وتفجير طاقاتهم الإبداعية.
قالت ريم :» سجلت مرتين في الورشة، وقد استمتعت كثيرا بهذه التجربة وكانت ممتعة وثرية بالنسبة لي ولصديقات اللائي شاركنني الورشة، خصوصا وأننا اجتمعنا في مكان هادئ بعيدا عن صخب المجمعات التجارية والمقاهي والمطاعم المكتظة»، مضيفة بأن الأشكال التي صنعنها عكست شخصية كل واحدة منهن.
من جهتها، عبرت آية مشاركة أخرى في ورشة الطين، بأنها أقبلت عليها برغبة فائقة من أجل اكتساب مهارة جديدة، وممارسة نشاط يدوي ممتع لأن صناعة الفخار صارت تستهوي العديد من الشابات كما قالت، كونها تساعد على تخفيف التوتر، ناهيك عن أنها تفكر في استغلال تكوينها لإطلاق مشروع صغير.
و أكدت آسيا، بأنها من المغرمات بصناعة الفخار، لكونها من الفنون الشعبية المتأصلة في الثقافة الجزائرية، وهي حرفة تعكس الجوانب الاجتماعية والنفسية لمن يمارسها، قائلة بأن جدتها كانت تصنع أوان فخارية تستخدم فعليا للأكل، وقد ورثت عنها حب هذه الأنشطة اليدوية لذلك قررت عدم تفويت أي ورشة تختص في هذا المجال.
أما السيدة نسيمة و ابنتها ريان، فقالتا إنهما بدأتا ممارسة صناعة الفخار منذ نحو شهر، بعدما قرأتا عن فوائد هذه الممارسة في تحسين المزاج وزيادة تركيز الدماغ، و قد اعتمدتا على موقع اليوتيوب أولا لتعلم طريقة تحويل الطين من مادة أولية إلى قطعة فنية، قبل أن تعلما بافتتاح ورشة متخصصة في قسنطينة.
وحسب المتحدثتين، فإن النشاط مفيد جدا ومساعد فعليا على التخلص من التوتر الناتج عن الروتين اليومي، كما أنها تجربة ممتعة و غير مكلفة ولا تحتاج لتجهيزات، ما عدا طاولة وفرشات بعض التركيز.
ورشة تنبض بالحياة
يشد انتباهك جمال الورشة بمجرد الدخول إليها، حيث تتنوع الأعمال المعروضة للمشاركين في رفوف المكان بين أوان فخارية وقطع فنية وأشكال هندسية كذلك، أبدعت في تشكيلها أنامل ناعمة محبة للأشغال اليدوية، كما تجذبك الأجواء التي تنبض بالحيوية و روح الإبداع، أين تمتزج رائحة الطين العطرة بروح الدعابة و بضحكات المشاركات وسط شغف باكتشاف مهارتهن الفنية الجديدة تارة.
ورغم فقاعة الحماس الكبيرة التي تنعش الأجواء بين الحين والآخر، إلا أن للهدوء و الصمت والتركيز مساحة معتبرة مع عمر الورشة كذلك، إذ يحتاج العمل إلى تركيز وانغماس في تجسيد الفكرة و محاورة الطين وهي لحظات هدوء و تأمل تساعد على تحقيق التوازن النفسي كما عبرت مشاركات في النشاط.
وحسب صاحبة الورشة ريان بوزيدي، فإن المشروع الذي باشرته رفقة شقيقتها يسرى، مهم جدا لأنها فسحة للراحة والمتعة والإبداع، وكل امرأة كما قالت، تعبر عن حبها للطين بطريقتها الخاصة، مشيرة إلى أنها سجلت منذ انطلاق الورشة إقبالا كبيرا من محبي الحرف اليدوية، وبالأخص سيدات يبحثن عن أفكار مختلفة و عن هوايات جديدة كما أن هناك من يقدن الورشة لتعلم صناعة تحف تقدم كهدايا للأهل والأصدقاء.
وقالت، بأنهن وجدن في الورشة فرصة ثمينة لاكتشاف صنعة الطين وتصميم منتجات فخارية تعتبر جزءا من التراث الذي تزخر به الجزائر، مشيرة إلى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطين، ومتابعة بالقول « نعمل من خلال هذه الورشة، على إعادة تلك العلاقة الوطيدة بين الإنسان والبيئة وكيف كان يستغل ما يوجد حوله ليسهل حياته، ويستفيد من موارد الطبيعة ليصنع كل ما هو مفيد له».
وأوضحت بوزيدي، أن الورشة تستقبل أطفالا من أعمار مختلفة كذلك يحضرون مع أوليائهم لتعلم التركيز والصبر و الانضباط، وذلك لأن العمل على الأشكال التي يرغبون فيها يحتاج إلى تركيز عال بحسبها مؤكدة، بأن هذا النشاط يعزز لدى الأطفال الشعور بالإنجاز والثقة بالنفس عندما يرون أعمالهم الفنية تتحول من كومة طين إلى قطع فنية جميلة.
بيئة مشجعة للتفريغ الإبداعي والتحرر من الضغوطات
وقالت، بأن جميع المشاركين في الورشة يقضون لحظات ممتعة مع بعضهم البعض، لأن نفس الشغف بالفن والإبداع يجمعهم، مضيفة بأن الورشة بيئة مشجعة للتفريغ الإبداعي والتحرر من الضغوطات النفسية، مشيرة إلى أن النساء أكثر إقبالا عليها من الرجال وهذا راجع إلى طبيعة فطرة الأنثى المحبة لكل ما هو يديوي وفني.وأضافت المتحدثة، بأن أغلب المشاركين يكونون في شكل مجموعة أصدقاء أو أقارب، وذلك من أجل قضاء وقت ممتع يسوده جو المحبة والتآلف، مشيرة إلى أن تكلفة قضاء ساعتين في الورشة تقدر بـ1800 دينار.وأكدت أن فكرة إنشاء ورشة لصناعة قطع فخار حديثة تعد جديدة في قسنطينة، لأن هذا النشاط كان تقليديا ويختص فيه الحرفيون فقط، كما يقتصر على تشكيل الأواني التقليدية المعروفة.وتمر عملية صنع قطع فنية من الفخار بعدة مراحل حسبها، أولا تشكيل القطع من مادة الطين يدويا، ثم بعد ذلك يتركونها في جو مناسب لحوالي خمسة أيام وذلك حتى تجف، وبعد عملية التجفيف تُوضع القطع الفخارية والأدوات في داخل فرن، ويتم إشعال النار تحتها، وأخيرا مرحلة إعداد الأواني والرسم عليها وتلوينها حسب رغبة المشاركين، ومن ثم طلاء السطح الخارجي للفخار بلون شفاف زجاجي حتى يصبح لامعا وأمنا للاستعمال.
وأشارت المتحدثة، إلى أن أكثر القطع التي تقوم المشاركات بتشكيلها ، هي حاملات الحلي و الكؤوس و الصحون.