قدم أساتذة وباحثون أكاديميون من جامعات وهران، مجموعة من المقترحات للنهوض بقطاع السياحة، و ترقية المشهد السياحي المستقبلي بما يسمح برفع مساهمة القطاع في التنمية المحلية وتوفير مناصب عمل أكثر، ناهيك عن العناية بجانب التراث، و اعتبروا أنه من المهم جدا توظيف المؤسسات الناشئة في عملية التطوير للاستفادة من الأفكار و الحلول التي تتيحها والتي من شأنها أن تحسن واقع الخدمات و تحقق نقلة نوعية.
وأكد المشاركون في ملتقى حول «السياحة في وهران: الواقع، العوائق والآفاق» نظمته مؤخرا وحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، والاجتماعية، والإنسانية بجامعة وهران2 بالتنسيق مع وكالات سياحية،أن قطاع السياحة يعد أحد الأعمدة الأساسية لاقتصاد أي دولة حديثة، نظراً لدوره الكبير في تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وكونه محركاً رئيسًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما يساهم القطاع السياحي في الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي بواسطة تحويله إلى موارد اقتصادية تستفيد منها المجتمعات المحلية، مما يفتح المجال لرواد الأعمال لتقديم خدمات ومنتجات مبتكرة، مثل الشركات الناشئة في مجالات السياحة البيئية، الرقمية و الثقافية ويعزز نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، وفي هذا الصدد، رصدت النصر آراء بعض الأساتذة الذين تطرقوا لجوانب من شأنها دفع القطاع نحو آفاق واعدة.
* أستاذة علوم الإعلام والاتصال نسيمة جميل
« التذكار» أكبر مصدر للتسويق السياحي
قالت الدكتورة جميل نسيمة أستاذة محاضرة «أ» في قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة وهران، إنه من المهم إبراز أهمية التذكار السياحي أي (الهدايا التذكارية) في الترويج للوجهات السياحية في بلادنا، مشيرة إلى أننا لا نعي أهمية صناعة التذكارات السياحية في عملية التسويق للجزائر كوجهة.
وركزت المتحدثة، على أنواع محددة من الهدايا مثل حامل المفاتيح الذي يبدو بسيطا، ولكن له رمزية كبيرة حينما يقدم كهدية أو تذكار، فالدول التي تهتم بالسياحة وصلت حسبها إلى غاية إدراج صور أو أشكال تعبر عن أطباق من موروثها التقليدي في مجال الطبخ في حوامل المفاتيح، كمجسم صغير لقطعة بيتزا إيطالية مثلا، ناهيك عن معالمها الأثرية والعصرية وعدة عناصر لها علاقة بثقافة وتراث البلد وحتى بجغرافيته، من خلال الهدايا التي تحمل خريطة البلد أو علمه وعدة أمور أخرى تجعل السائح يتذكر الرحلة دائما كون التذكار يرافقه في بيته أو سيارته أو مكتبه. مضيفة، أن هذا النوع من الهدايا التي تسوق للبلد بكل مكوناته، يشمل بيع مجسمات مصغرة للمعالم الأثرية و الآلات الموسيقية التي تتميز بها المنطقة وكذا الأواني التقليدية و حقائب التسوق التي تحمل اسم البلد أو المدينة.
* أستاذ علم الاجتماع رضوان بن شيخ
الضيافة.. بين المقاربة التسييرية والرؤية الأكاديمية
أما الدكتور رضوان بن شيخ، المختص في علم الاجتماع، فتساءل عن إمكانية اعتبار السياحة موضوعا في الأنثروبولوجيا؟ مبرزا أنه من هذا المنطلق يبدأ التفكير في إمكانية موضعة السياحة كمادة أكاديمية في العلوم الاجتماعية، تتم دراستها بمقاربة نوعية تعتمد على الفرضية الجوهرية وهي أن الأنثروبولوجيا لم تتناول السياحة كموضوع له إطار نظري و منهجي خاص به.
معتبرا، أنه لو يتم الارتكاز على مفهوم الغيرية كمنظومة، فهذا من شأنه التأسيس لموضوع علمي يأخذ بعين الاعتبار عدة مكونات في المنظومة السياحية منها الضيافة.
فالضيافة في مفهومها الأنثروبولوجي مثلما أوضح الدكتور بن شيخ، هي مؤسسة اجتماعية و عبارة عن مجموعة من الممارسات والقيم والثقافة تجمع عدة خصال منها الجود و الكرم و الإحسان لعابر السبيل والتمثلات، حتى تبرز السياحة كفعل اجتماعي و ثقافي و تخرج من البعد الذي حصرت فيه وهو الاقتصادي، الذي يعتمد على التحليل على أساس الربح و القيم المضافة و الموازين التجارية.
وفي المجال السياحي يجب التفريق بين الضيافة التي تعني الحفاوة والترحيب، وبين الضيافة التي يقصد بها الاستقبال، وهو المفهوم المستعمل في التعاملات السياحية وهي النقطة الأكثر انتقادا في بلادنا، وربما يمكن ربطها بأن المجتمع الجزائري الذي اختفت عنده بعض أشكال الضيافة، كان لسنوات مضت يعيش في نوع من العزلة، ورغم هذا فلا يمكن اعتبار الاستقبال عائقا فهو أيضا عبارة عن بنية تحتية و قوانين وهياكل وحتى علاقات دولية.
ومن هذا المنطلق حسب المتحدث، يظهر بشكل جلي دور الجامعة و الأكاديميين، وهو دور لا علاقة له بإنتاج الثروة و العالم الاقتصادي، بل بإنتاج و نشر المعرفة، ومشاركة الجامعيين في الملتقيات تساعد حسبه، على تشخيص القطاع دون اقتراح حلول لأن المقاربة التسييرية تختلف عن الرؤية الأكاديمية.
* الباحثة بكلية العلوم الاجتماعية آمال إيزة
الدعوة لإستراتيجية توعوية حول الثقافة السياحية
دعت الدكتورة أمال إيزة، من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة وهران 2، إلى ضرورة إنجاز خطط إستراتيجية قابلة للتحقيق الميداني، من شأنها أن تعنى بتوعية المواطنين بضرورة تبني الثقافة السياحية وإدراجها ضمن الأولويات في تنمية الاقتصاد الوطني، بالإضافة لرقمنة كل المعلومات المتعلقة بالترويج السياحي و استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لذلك، ودعت أيضا لإمكانية خلق علاقة شراكة مع مختلف مخابر البحث للاستفادة من الدراسات الميدانية التي ينجزها طلبة الماستر والدكتوراه، وكذلك الاستفادة من التوصيات التي تنبثق عن الملتقيات التي تتناول مواضيع السياحة وتشجيع الباحثين والمختصين على نشر كتب ومقالات علمية متخصصة في المجال.
وأوضحت الباحثة، أنه عند قيامها بدراسة ميدانية حول واقع السياحة بوهران تناولتها من الجانب الإحصائي الديموغرافي وهي أول دراسة تعنى بهذا الجانب وفقها، أسفرت المعطيات الميدانية عن أنه لحد الآن لا يوجد إحصائيات دقيقه تخص السياحة، و التي من شأنها مساعدة الباحثين في هذا المجال على استشراف الحلول على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
مثمنة في الوقت نفسه، الإضافة النوعية التي تم استحداثها من طرف وزارة السياحة والصناعات التقليدية والمتمثلة في مديرية المنظومات الإعلامية والإحصائيات وهي قاعدة بيانات ستسمح بالنهوض النوعي بالقطاع.
كما أن وهران على سبيل المثال، بدأت تشهد حسبها، حركية في قطاع السياحة منذ خمس سنوات، خاصة فيما يتعلق بالبنى التحتية مثل الفنادق و المطاعم المصنفة وكذلك المراكز التجارية والمساحات الخضراء والحدائق المخصصة للعائلات، بما في ذلك حديقة الصديقية، التي تشهد توافد العائلات، فضلا عن الملتقيات الدولية واللقاءات رفيعة المستوى التي تحتضنها الولاية.
لكن هذا لم يمنع وجود بعض النقاط التي ما تزال ترهق الوافدين والسياح، حيث لم نتمكن لحد الساعة كما عبرت، من إيجاد حل لسوق الصرف وما يزال المواطن يصرف عملته في السوق السوداء، فضلا عن طرح أسعار مدروسة للفنادق مع الأخذ بعين الاعتبار وجود أسعار خاصة بالعائلات ذات الدخل المحدود خاصة في مسار السياحة الداخلية خلال موسم الاصطياف والعطل الرسمية.
* مدير وحدة البحث في علوم الإنسان عبد القادر بوعرفة
ترسيخ الوعي لدى الأطفال يصنع المشهد السياحي المستقبلي
شدد الدكتور عبد القادر بوعرفة، مدير وحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، والاجتماعية، والإنسانية بجامعة وهران2، على ضرورة ترسيخ الوعي السياحي في ذهن وسلوك الطفل ابتداء من المدرسة، وقال إنه على الأولياء أن يعملوا على إكسابه سلوكا سياحيا عبر منحه فرصة السفر في الداخل والخارج، معلقا:»يجب تربية الطفل على السياحة وتحبيبها له، وبهذا يمكن صناعة مشهد سياحي رائع مستقبلا».
وأوضح المتحدث، أن السياحة هي فعل تعاقدي فعندما يسيح الإنسان في الأرض يكتشف ويعتبر ويوجد لنفسه آفاقا أوسع عوض التقوقع في مجال تواجده، كما أن المنظمة العالمية تعرف السياحة بأنها انتقال منظم لأكثر من 86 كم.
وعرج الدكتور بوعرفة على وهران، التي تمتلك هياكل سياحية تفي بالغرض ومناظر طبيعية خلابة تجلب السياح ومعمارا أثريا ومعالم مختلفة من شأنها حسبه، أن تكون قبلة هامة مستقطبة للسياح من داخل وخارج الوطن، مردفا أنه من الركائز التي يعتمد عليها الناشطون في المجال السياحي على المستوى العالمي «صناعة فن الاستقبال»، وهذه النقطة مثلما قال تعد من بين العوائق التي تعاني منها السياحة في بلادنا سواء على مستوى المؤسسات الفندقية التي تستقبل السياح أو حتى فيما يخص بعض الهياكل التي يحتاجها السائح عند تجواله داخل المدن أو في محيط الأماكن التي يقصدها للسياحة.
و تطرق في حديث، إلى العوائق التي تحد من مستوى النشاط السياحي في الجزائر، ذاكرا البيروقراطية الإدارية وكذا نقص ثقافة السياحة وسط المجتمع، حيث لا تزال السياحة في الجزائر بحاجة لاهتمام أكبر من طرف كل أطياف المجتمع، و أنه لا يمكن الحديث عن السياحة في ظل الجهل بالواقع و عدم إيلاء الأهمية للعوائق، وأيضا غياب رسم الآفاق ورؤى مستقبلية تجعل من السياحة مجالا رائدا في بلادنا.
بن ودان خيرة