تستقطب بعض الحرف اليدوية والفنية خلال العطلة الصيفية فئة مهمة من الأطفال، الذين وجدوا فيها خيارا مثاليا لتنمية مهاراتهم، في وقت لجأ إليها أولياء سعيا لكبح جماح سيطرة التكنولوجيا على أوقات فراغ أطفال، كما يؤكد أخصائيون في ميدان علم النفس فعاليتها في تعزيز الثقة بالنفس والتركيز وتنمية القدرات الفردية وتعزيز تماسك الأسرة.
تغيرت طريقة استغلال أوقات العطل المدرسية بالنسبة للأطفال خلال السنوات الماضية، بعد أن سيطرت الألعاب الإلكترونية على كامل أوقاتهم، وأزاحت معها كل تلك الألعاب والأنشطة التقليدية البسيطة التي نشأت عليها أجيال، إلا أن الفترة الأخيرة تشهد «صحوة» خاصة بالنسبة لعديد الأولياء، حيث يزيد الاقبال على تعليم الأبناء بعض الحرف اليدوية والفنية البسيطة كالرسم، الأشغال اليدوية، الخزف وغيرها.
طين وألوان مائية تستهوي الأطفال
ولأن عطلة الصيف طويلة، تقول والدة سلسبيل ذات الـ10 سنوات أنها وبعد ملاحظتها إدمان ابنتها على الهاتف والألعاب الإلكترونية، فكرت في البحث عن بديل لشغل وقت فراغها، لتجد ذلك في علب خاصة لصناعة الإكسسوارات تنتشر بشكل كبير في الأسواق الجزائرية، تقول أم سلسبيل أنها أنستها في الهاتف كليا، وأصبحت شغلها الشاغل، بعد أن نجحت في صناعة إكسسوارات لها ولشقيقتها، وصنع معها ذلك فارقا كبيرا تقول أنها ساهمت في زيادة التركيز لديها وأصبحت أكثر هدوء من السابق.
حبيبات «العقاش» كما يسميها البنات، نجحت في شغل أوقات فراغ الكثير من الفتيات بحسب ما أكدته لنا أمهات أخريات، أجمعن على أنهن قمن باقتناء العلب التي يقدر سعرها بـ 500 دينار، إلا أن فائدتها كانت كبيرة بالنسبة لهن ولبناتهن، وأكدت أم دارين أن ابنتها تصنع إكسسوارات ويقوم شقيقها ببيعها على مستوى السوق للبنات الصغيرات ولبنات الجيران، وحتى نساء ورجال يقتنين منتوجاتها لإسعاد بناتهم.
أطفال يحولون ذكريات خرجاتهم إلى تحف
وفي مقابل ذلك، يقوم أنس بجمع الأصداف أثناء خرجات البحر وكذا بعض أغصان الأشجار الصغيرة، من أجل صناعة مجسمات فنية بالكارتون، ثم يقوم هو وشقيقه بتغطيتها كليا بالأصداف والأغصان، ليصنع تحفا فنية يقول أنها بدأت من فيديو شاهده على الإنترنيت، ليقرر تطبيق ذلك بمساعدة والدته التي تدعمه في ذلك، وأضاف أنه وفي كل خرجة، يركز على جمع أشياء من طبيعة تصنع في الأخير تحفا فنية يحتفظ بها كذكرى.
أما جنان فتقول أنها تقوم بصناعة أشياء من خلال إعادة تدوير بقايا القماش، الملابس، الأكواب البلاستيكية، بحيث تقوم بصناعة الدمى الصغيرة بالتعاون مع صديقاتها وشقيقتها الأقل سنا منها، وكذا إعادة تدوير بقايا البلاستيك سواء كانت صحون أو أكواب، معتمدات في ذلك على الألوان وكل المخلفات القابلة للاستعمال مجددا والتي يحضرنها من بيوتهن وبشتجيع من والداتهن.
ولأن الأطفال يحبون في الغالب ملامسة الرمل والطين، فإن هنالك بعض الأطفال الذين إختاروا مداعبة الطين وتعلم صناعة أواني طينية، محاولين تجسيد تقنيات يشاهدونها عبر الفيديوهات، ليطلقوا العنان لخيالهم في الإبداع مع الألوان وعكس رغباتهم التي يبقى الفن والحرف أكبر عامل يساعد على إبرازها وتنميتها، من بينهم محمد خبيب ساقية، وهو طفل ذو 10 سنوات، أراد مداعبة الطين بعد أن أعجب بتحف لأطفال نشروا طريقة صنعها على اليوتيوب، ليجد بعد انتقاله لبيت جده الفضاء المناسب لممارسة هوايته رفقة خالته، بعد جمع الطين من حديقة البيت و يقول بأنه يجد متعة كبيرة في مداعبة الطين ويستمتع بصناعة طقم أكواب ومزهريات وقنينات وغيرها، وهو ما تجسد بمساعدة خالته وإخوته الأقل سنا منها ، حيث قاموا بصنع قطع متنوعة مزينة بألوان ترابية.
بينما اختارت أميرة العناية بالمزروعات المنزلية في بيتها، بحيث تؤكد والدتها أنها أصبحت شغلها الشاغل وتقضي معظم وقتها في الاهتمام بها، وتسعى لجمع معلومات حول طرق العناية بها من خلال قراءة منشورات ومشاهدة الفيديوهات.
ورشات خارجية في طي الورق والرسم بالألوان الزيتية
وفي مقابل ما يجسده الأطفال في البيوت بمساعدة الأولياء، تنشط العديد من الورشات الخارجية بمراكز خاصة، فتحت الباب أمام الأطفال خلال العطلة الصيفية لتعلم مهارات فنية وأشغال يدوية كفن الأوريغامي أو فن طي الورق والرسم بالألوان الزيتية، إلى جانب مختلف الورشات التي ترافق النشاطات الثقافية والمعارض التجارية التي تنظم بين الحين والآخر، والتي تستقطب الأطفال بشكل كبير، خاصة وأنها تقوم على فتح المجال أمام الأطفال للإبداع من خلال الرسم، التلوين، صناعة الفخار، وغيرها من الأنشطة اليدوية.
* الأخصائية النفسانية كاميليا حاكوم
عامل مهم في زيادة تماسك الأسرة
تؤكد الأخصائية النفسانية حاكوم كاميليا، أن الحرف اليدوية من أهم الأنشطة التي تعزز الثقة بالنفس عند الأطفال، كما أنها تعد فعالة في فك التعلق بالهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية، بحيث تساعد على الإبداع كل بحسب النشاط الذي اختاره، مضيفة أنها أنشطة تنمي قدرات الطفل، وتزيد معدل التركيز لديه كما تقوي الذاكرة.
وشددت الأخصائية على أهمية مشاركة الأولياء في هذه الأنشطة، مؤكدة أن ذلك يساعد على تعزز ثقة الطفل في نفسه بشكل كبير، فضلا عن أنه يسعى في كل مرة للتطوير من نفسه والإبداع بشكل أكبر ليلقى استحسان وإعجاب والديه، مؤكدة أن العمل الجماعي والنشاط الترفيهي داخل الأسرة يزيد من تماسكها خاصة إذا ما تمت فيه مشاركة الأم والأب، معتبرة أن هذا من أساسيات التنشئة السليمة للطفل، داعية للتكثيف من هذه الأعمال والمشاركة العائلية حتى خارج أوقات العطل.
إيمان زياري