على بعد 45 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة، تحتل ولاية بومرداس موقعا إستراتيجيا، بشريط ساحلي يفوق الـ80 كيلومترا، لتتحد مؤهلات طبيعية فريدة من نوعها، مع استثمارات سياحية نجحت في قلب الموازين في أكبر مدينة هادئة بالجزائر، لتتحول إلى مدينة لا تنام تستقبل ملايين المصطافين من داخل وخارج الوطن.
يساهم موسم الاصطياف 2024 في صناعة أكبر تغيير بالنسبة للمدينة الهادئة، مدينة العلم والجامعات التي تعود سكانها على الهدوء طيلة السنة، لتنتفض وتغير كل شيء، حركية كبيرة، أعداد هائلة للمركبات بتراقيم 58 ولاية، وكثير منها يحمل تراقيم دول أجنبية، أضواء ملونة وساطعة تحول لياليها إلى نهار، وزوار لا يتوقفون عن الحركة إلا مع ساعات الفجر الأولى.
تعيش مدينة بومرداس، أجواء استثنائية يصنعها مصطافون اختاروا أن تكون وجهتهم الأولى، فمنذ انطلاق موسم الاصطياف، يُسجل توافد كبير للزوار عبر جميع بلدياتها الساحلية، فمن بودواو البحري إلى غاية دلس العتيقة، لا يمكن أن تتنقل دون أن يقابلك ذلك المزيج المتنوع الذي يصنعه أبناء الجزائر بلهجات متنوعة اجتمعت كلها ببومرداس واتفقت على اختيارها وجهة لقضاء عطلة صيفية ممتعة.
حافلات النزهة المكشوفة تنعش المكان
قصدنا وسط مدينة بومرداس، كانت عقارب الساعة تشير إلى الـ10 ليلا، إلا أن الواقع بدا وكأنها العاشرة صباحا، أعداد هائلة من العائلات والشباب يحتلون كل شبر من المدينة، ما فرض برنامجا خاصا لحركة المرور، أغلقت لأجله بعض المحاور المطلة على الكورنيش، ومنعت بها حركة السيارات، وذلك ليتسنى للمارة التنقل بأمان وبكل أريحية في ظل تغطية أمنية مكثفة، تبقي أصحاب البذل الزرقاء في حالة يقظة تامة وهم يتنقلون وسط المواطنين في كل دقيقة، مع حافلات النزهة المكشوفة وقطار المدينة اللذان لا يتوقفان عن نقل المواطنين في جولات سياحية تنعش المكان.
وتعرف الواجهة البحرية، إقبالا منقطع النظير للزوار، نتيجة توفر عدة عوامل كجمال شاطئ الدلفين الساحر واتساع المساحة التي تسمح بالتنقل بحرية، فضلا عن تلك السهرات المنظمة على الشاطئ، ومختلف المحلات التجارية المقابلة له والتي توفر كافة الخدمات، ما يجعل المكان النقطة الأكثر استقطابا للزوار خاصة ليلا وتزامنا مع تنظيم حفلات وسهرات يوميا لفائدة العائلات، بإشراف من مديرية الشباب والرياضة للولاية.وعلى الرغم من عدم تحديد الرقم الحقيقي لعدد الزوار الذين قصدوا بومرداس لهذا الموسم، إلا أن بعض التجار على مستوى الواجهة البحرية قالوا أن الإقبال معتبر مقارنة بالموسم الماضي، ما يعكس نجاح الولاية في استقطاب أكبر عدد من الزوار، حتى من الولايات الساحلية المجاورة كالجزائر العاصمة، تيبازة وتيزي وزو،
وقال بعض المواطنين ممن تحدثنا إليهم أن خصوصية بومرداس بجمالها وجمال شواطئها، وبشكل خاص انخفاض معدل تكاليف قضاء العطل بها، مقارنة بمدن ساحلية أخرى وراء الإقبال الهائل للمصطافين، خاصة في ظل توفر خدمة كراء البيوت المجهزة وحتى الفنادق التي تدعمت بها الولاية وتصنع الفرق بشكل واضح بحسب ما أكدته لنا السيدة فريدة القادمة من ولاية المسيلة رفقة عائلاتها.
كاب جنات ودلس...سحر خاص
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الشواطئ بولاية بومرداس، إلا أن الكثير من الزوار وحتى مواطنيها يفضلون الاستمتاع بالبحر على شواطئ رأس جنات أو دلس، شواطئ توصف بالساحرة وتستقطب عددا كبيرا من المصطافين، الذين قالوا أنهم عشقوها عند السباحة فيها أول مرة، بحيث يقول السيد رضا القادم من الجزائر العاصمة أنه وعلى الرغم من توفر عدد كبير من الشواطئ المسموحة للسباحة بين الجزائر العاصمة و بومرداس، إلا أنه يفضل قطع مسافة أطول للسباحة بشواطئ رأس جنات النقية والخلابة، وهو ما يفسر حسبه العدد الهائل الذي يزورها خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع. أما دلس، فبحضارتها وقصبتها العتيقة، وجمال شواطئها، تواصل استقطاب زوار يرون فيها الوجهة الأفضل، خاصة في ظل تنوع الأماكن السياحية بين الشواطئ، الأماكن التاريخية، ومراكز الصناعات التقليدية التي تمثل عوامل مميزة تساهم في ترتيبها كأهم المدن السياحة بالولاية، فضلا عن توفر الأمن بها، بحيث أكد مصطافون شباب التقيناهم بإحدى الشواطئ أنهم يبيتون في العراء ويخيمون لأيام دون خوف ودون تسجيل أي اعتداءات، إلى جانب الهدوء والسكينة.
الحدائق ومعارض الحرف مهمان في مخطط السياحة
تشكل الحدائق العمومية نقطة مهمة في مخطط السياحة على مستوى ولاية بومرداس، فعلى الرغم من توفر عدد معتبر منها خاصة حديقة النصر بالواجهة البحرية ــ يزورها الآلاف يوميا ويسهرون بها حتى ساعات الفجرــ، فإن افتتاح حديقة جديدة تسمى حديقة الاستقلال قد زاد من جمال المكان، خاصة وأن موقعها أيضا قريب من الشاطئ، وتحتل موقعا استراتيجيا يسمح بمشاهدة كل صغيرة وكبيرة من نقطة عالية، فضلا عن تزويدها بكافة المرافق التي يحتاجها الزوار، ما خلق المزيد من الفضاءات المفتوحة التي توفر الراحة والاستجمام للمواطنين.
ولأن الترويج للصناعات التقليدية يأتي عبر السياحة، فقد قامت مديرية السياحة والصناعات التقليدية لولاية بومرداس بتخصيص فضاء للحرفيين على مستوى حديقة النصر، أين يعرض حرفيون في الفخار، والألبسة التقليدية والحلي، وصناعة السلال وغيرها من الحرف، منتوجاتهم على الزوار، الذين توافدوا عليها واقتنوا منها أشياء كثيرة كتذكار خاص يعكس ثقافة المنطقة وخصوصيتها، إلى جانب أنشطة أخرى كثيرة كالإطعام، التسلية وغيرها من الخدمات التي تم توفيرها على مستوى كل الحدائق لضمان راحة من يتوافدون عليها.
مخيمات صيفية لأبناء الجنوب والمغتربين
تعد ولاية بومرداس من بين المدن الساحلية التي تستقبل كل موسم اصطياف عددا كبيرا من الأطفال في إطار المخيمات الصيفية تحت شعار «المخيمات الصيفية ترفيه وسياحة تربوية»، والتي تتنوع بين المخيمات المخصصة لأبناء الجنوب والولايات الداخلية، وبين مخيمات أبناء الجالية الوطنية في الخارج، والذين يزورونها ضمن وفود في عملية تنظم للعام الثاني على التوالي، وقد أوضح مدير ديوان مؤسسات الشباب موسى بلحسن، أن تنظيم موسم الاصطياف يتم بالتنسيق بين مختلف الفاعلين من خلال برنامج مقسم بين المخطط الأزرق من خلال استقبال شباب مختلف ولايات الوطن وحتى المناطق الداخلية للولاية، وتوزيعهم عبر مؤسسات الشباب المقدرة بـ5 بيوت شباب و4 مخيمات شبانية، بقدرة استيعاب تفوق 1400 سرير. وأضاف المسؤول أن الديوان يعمل بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لتسلية الشباب لجلب أبناء الجالية الوطنية بالخارج وأبناء المناطق الداخلية والصحراوية، بحيث سخرت 5 مخيمات بطاقة استيعاب 930 سريرا، مع 450 سريرا عبر 5 بيوت شباب، وكل ذلك في إطار عملية حركية الشباب، ولأن المخيمات الصيفية تشكل فضاءات مميزة للشباب، فأوضح السيد بلحسن أن العمل على خدمتها يكون من خلال تخصيص فرق لتنشيطها ثقافيا وفلكلوريا، بتنظيم مسابقات ورحلات سياحة بالولاية، إضافة إلى استقبال أبناء الجالية عبر فوجين، بحيث كان الأول خلال الفترة الممتدة بين 11 و22 جويلية الماضي، وفوج ثاني يضم 250 طفل إضافة إلى مرافقيهم ومؤطريهم.
إيمان زياري