تعرف الحركية بشاطئ الأندلسيات بوهران، انتعاشا هذا الموسم فالمنطقة التي هجرها المصطافون بداية الصيف خوفا من إشاعات حدوث تسونامي، عادت لتستقطب العائلات و الشباب بقوة خصوصا وأن الشاطئ مصنف بين الأجمل في الولاية ويعرف تنوعا في الأنشطة المائية إلى جانب اهتمام بالتخييم، رغم نقص المرافق و الحاجة الملحة إلى تهيئة المكان الذي كان قبلة أولى للوهرانين و المصطافين من مدن الغرب عند إنشائه سنوات الثمانينيات.
4 آلاف دج لقيادة الدراجات المائية
زرنا المكان وقضينا فيه يوما كاملا، وقد لاحظنا بأن أغلب رواده من الشباب، أما السبب فهو توفره على حظيرة كبيرة للدراجات المائية «جات سكي»، التي تصطف بداية من المدخل وإلى غاية مياه البحر.
كان منظرها جميلا خصوصا وأنها متعددة الألوان و التصاميم و الأحجام، ويشكل توفرها وإمكانية كرائها للزبائن نقطة إضافية تضاعف الإقبال على الأندلسيات، كما أوضحه بعض الفتيان المسؤولين عن حراستها وتأجيرها.
قال لنا أحدهم، إنها ملكية خاصة و أن ملاكها يركنونها على الشاطئ صيفا لأجل استغلالها في نشاط الكراء، حيث يختار المصطاف الدراجة التي يريدها و يتفق مع المسؤول عن تأجيرها فيتم إنزالها وتجهيزها ليتمكن من الاستمتاع بقيادتها بين الأمواج.وحسب محدثنا، فإن تكلفة كراء الدراجة تصل إلى 4 آلاف دح لكل ربع ساعة، علما أن المصطاف لا ينزل إلى البحر عليها وحيدا، بل يتبعه « مدرب» وهو شخص محترف في قيادتها لتعليمه وحمايته في حال تعرض لأي خطر في عرض البحر، خصوصا وأنها دراجات سريعة جدا، وإن كان الزبون ملما مسبقا بتقنية قيادة المركبة، فإن المدرب يتبعه بدراجة أخرى ليكون رفيقا له وسط الأمواج ويسهر على عدم تعرضه لأي مكروه، ناهيك عن توجيهه في البحر كي يبتعد عن المصطافين الآخرين ولا يتجاوز مسافة الأمان على الشاطئ.
ويكون الدور الرئيسي للمرافق أيضا، هو مراقبة من يسبحون بالقرب من محيط قيادة الدراجة، والانتباه جيدا لوجود أي شخص تجنبا لوقوع حوادث قد تكون عواقبها وخيمة، علما أنها فرص عمل موسمية يستفيد منها الشباب سواء حراس الحظيرة أو من يتكفلون بخدمة الزبون.
الاستقبال الحسن لاستقطاب المصطافين وإرضائهم
غير بعيد عن حظيرة الدراجات المائية، التقينا بأمين، شاب مسؤول عن صيانة ومراقبة المراحيض والمرشات، وكان الحديث معه غنيا بأفكار ومقترحات نابعة من تجربته التي تزيد عن 25 سنة في خدمة المصطافين.
قال، بأن حسن الاستقبال و التعامل الجيد مع الزبائن، من أهم مفاتيح ترقية السياحة خاصة في موسم الصيف، واعتبر أن أسبط الخدمات يمكنها أن تؤثر على انطباعات المصطافين و السياح بما في ذلك خدمات المراحيض والمرشات، لأن المصطاف يأتي إلى الشاطئ حاملا معه هموم الحياة ومشاكلها وقد يكون في حالة غضب أو نرفزة، وبالتالي قد يثير شجارا لأتفه الأسباب، وعليه فإنه يجب على العاملين على مستوى الشواطئ ضمان تكوين في هذا الجانب التعامل و الخدمة.
وأوضح أن الأمر مهم جدا رغم بساطته، ويعنى جميع من يعملون في الشواطئ خاصة صيفا، بمن فيهم أصحاب الكراسي والشمسيات و حراس الحظائر و أي شاب يمتهن مهنة موسمية، مؤكدا أن التكوين يساعدهم على ضبط النفس والتعامل مع الزبائن كل حسب حالته النفسية والاجتماعية مضيفا: «قد يقع حادث أوشجار بسبب 50 دج، لأن العامل لا يجيد التفاهم مع الزبون «.
أوضح محدثنا، أنه أب لطفلين ولا يملك مصدر دخل آخر غير العمل في الشاطئ ولذلك فقط قضى سنوات في هذا العمل و اكتسب خبرة في التعامل مع الناس و مع المصطافين من كل الأعمار و الفئات الاجتماعية.
أولوية لذوي الاحتياجات الخاصة
وعلى ذكر فرص العمل الموسمية، فإن مصالح البلدية رجحت الكفة لذوي الاحتياجات الخاصة، بمنحهم فضاءات لإقامة مراحيض ومرشات على مستوى المنطقة السياحية، حيث تتوفر على طول الشاطئ وتسمح للمصطافين بقضاء حاجتهم أو الاستحمام بأريحية كونها مراحيض نظيفة ومناسبة.وفي هذا الصدد، قام شاب يشتغل في المكان بتهيئة الجدران برسومات حائطية أنجزها مع أصدقائه، مع توفير ديكور بجريد النخيل لتزيين مدخل الشاطئ، كما لم يكتف بوضع المراحيض المتنقلة بل قام ببناء مراحيض أخرى مجهزة بأبواب من الألمنيوم، ليتميز بنشاطه الذي يساعده فيه شبان آخرون يكسبون بعض المال خلال موسم الاصطياف.
تحدثنا إليهم، فأخبرونا أن الإقبال على شاطئ الأندلسيات هذا الموسم، أنعش عملهم وهو أمر مهم جدا بالنسبة إليهم، لأنه يسمح لهم بتوفير مصاريف الدخول المدرسي.
تراجع في الأسعار
قابلنا محمد خلال جولتنا، وهو كذلك شاب يمارس مهنة موسمية صيفية تتمثل في كراء الطاولات والكراسي، وقد علمنا منه أن البلدية وضعت ضوابط لهذا العمل لضمان مجانية الشواطئ، ولذلك يضع طاولاته وكراسيه بعيدا عن مكان تواجد المصطافين ليعرضها للكراء.
أوضح لنا أنه خفض سعر تأجيرها إلى 700 دج خلال أيام الأسبوع، مقابل 1000 دج في نهايته، وذلك بالنظر إلى حجم الإقبال الذي يزيد نوعا ما، وعلى الزبون أن يختار حسبه. محدثنا، أخبرنا أن عمله ليست بالسهولة التي يبدو عليها، فهناك دائما احتمال للخسارة بسبب تضرر الطاولات والكارسي، مع ذلك فإنه متعود على هذا النشاط الذي يمتعنه كل موسم اصطياف، قبل أن يعود إلى عمله الثاني خلال بقية المواسم وهو مساعدة البنائين في الورشات.
و يأمل الشاب، في أن تسمح البلدية له و لغيره من الشباب بالاستمرار في العمل قرب الشاطئ طوال أيام السنة، لأجل تقديم خدمات متنوعة لزواره معلقا: «الحركة لا تنقطع في المناطق الساحلية على مدار السنة، ولكن العمل موسمي فقط وهذا يؤثر على مداخيل أرباب الأسر».
أفضل مكان للتخييم
تزامن وجودنا في الشاطئ مع وجود عدد من حلقات التخييم، فتقربنا إلى بعض المشاركين فيها للحديث عن التجربة.
قال لنا محدثونا وهم شباب، إنهم يتواجدون في المكان منذ أيام لكنهم ليسوا بمفردهم من تستهويهم فكرة المبيت على الشاطئ، إذ التحقت بهم عائلات بأكملها طوال الأيام الماضية، مشيرين إلى خيمة قريبة قالوا إنها لعائلة. وقفنا قرب الخيمة ونادينا على المخيمين بداخلها، فخرجت سيدة أربعينية، رحبت بنا و شاركتنا تجربتها قائلة، إنها لا تملك ثمن كراء شقة قرب البحر ليستمتع أبناؤها بالاصطياف، ولذلك فقد قررت التخييم على الشاطئ المعروف بهذا النشاط منذ سنوات، مشيرة إلى أن الأندلسيات شاطئ محروس وآمن ومناسب جدا للعائلات البسيطة ومحدودة الدخل.أما شقيقة السيدة كريمة، فأضاف بأنه هو من شجعها على اعتبار أنه واحد من هواة التخييم ومتعود على التواجد لأيام في المكان قائلا، إن الأندلسيات بات القبلة الأولى لعشاق التخييم على اختلافهم خصوصا بعد نهاية الجائحة، معلقا بأن للتخييم متعة خاصة ليلا، حيث تقام سهرات و توقد نار تلتف حولها العائلات لمشاركة الأكل و الشرب و القصص في جلسات سمر قرب البحر تستمر إلى غاية الساعات الأولى من النهار. وهنا قالت كريمة، إن النوم داخل الخيمة يتم وفق نظام الأفواج ويكون نهارا خاصة بسبب الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة. غير بعيد عن خيمتها، رصدنا خيمة ثانية علمنا من أفرادها أنهم قدموا من وسط وهران، وهم مجموعة من النسوة و الأطفال يجربون التخييم لأول مرة ووجدوا فيه راحة ومتعة أيضا، وكذلك الأمر بالنسبة لشباب من الجالية قابلناهم على الشاطئ، أين أخبرونا أنهم اشتاقوا للتخييم على أرض الوطن.
مبادرات مختلفة للترفيه
وخلافا للمواسم الماضية، يكاد الترفيه يختفي في شاطئ الأندلسيات، لولا بعض الشباب الذين يضعون مكبرات صوت ويبثون من خلالها بعض الأغاني لجلب المصطافين إلى ركنهم أين يعرضون طاولات وكراسي للكراء، أو يقترحون خدمات المراحيض والمرشات أو تحضير وجبات خفيفة.
غير بعيد عنهم، صادفنا فضاء كبيرا تنبعث منه موسيقى متنوعة، وعند اقترابنا وجدنا أنه فضاء اتخذته إحدى شركات صناعة الأجبان لعرض منتوجها عبر تجربة للتذوق، مع اقتراح ألعاب وجوائز للأطفال الفائزين وتبين بعد حديثنا مع القائمين على هذا الفضاء أنهم برمجوا نشاطات على مدار أسبوع كامل للترويج لمنتوجهم واستغلوا الشاطئ لأن المصطافين غالبا ما يفضلون الجبن في وجبة الغذاء على الشاطئ.
بن ودان خيرة