تشكل الشابة سلمى بوقارة صاحبة 29 ربيعا، بأصابعها الدقيقة وحسها الإبداعي، قطع السيراميك وكأنها تصوغ جزءاً من روحها في كل تحفة ورغم الأدوات البسيطة التي تستخدمها وتجهز بها ورشتها الصغيرة إلا أنها تُخرج من بين يديها تحفًا نابضة بالحياة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي تأسر القلوب.
لينة دلول
وحسب ما أكدته للنصر، فقد أصبحت بفضل تواجدها النشط على مواقع التواصل الاجتماعي، مرجعا في مجال صناعة تحف سيراميك، ونجحت في الترويج لأعمالها خارج الوطن، محققة بذلك شهرة ونجاحا كبيرين.
وتعد صفحتها على فيسبوك «خربشة أند أرت»، بمثابة نافذة مشرقة لعالمها الإبداعي، حيث يتابعها أكثر من 50 ألف شخص بشغف، وتعج الصفحة بصور لأعمالها الفنية المصنوعة من السيراميك، أين تعرض كل قطعة بفخر وتفاصيل دقيقة تعكس حبها لما تصنعه.
وبين المنشورات، تشارك متابعيها خطوات العمل خلف الكواليس، من لحظة تشكيل العجين حتى لمسات الطلاء النهائية، مما يضيف طابعًا شخصيًا إلى تجربتها الفنية.
وحسب ما لاحظناه، فإن جمهورها يتفاعل بشكل كبير مع منشوراتها، وهو ما تعكسه التعليقات المشجعة ونسب الإعجاب الخاصة بصور وفيديوهات كل تحفة جديدة تشاركها، كما تنظم بين الحين والآخر بثا مباشرا، تتيح من خلالها لكل متابعيها فرصة لرؤيتها أثناء العمل، وتكون تلك الفسحة مناسبة للإجابة عن أسئلتهم حول تقنياتها في الإنجاز وأفكارها ومصادر إلهامها.
من هنا بدأت رحلتي في مجال صناعة التحف
وحسب ما أخبرتنا الشابة سلمى، فإن أول تجربة لها في مجال فن صناعة تحف السيراميك، كانت سنة 2015، وذلك بعد متابعتها المستمرة للصفحات الأجنبية، المختصة في مجال تشكيل العجين وصنع القطع الفنية، حيث أعجبت كثيرا بالفكرة وبدأت في البحث عن أية عجينة تساعدها على صنع نفس الأشكال لكنها لم تجد مطلبها في البداية.
بعد مدة قصيرة، وهي تشاهد عن طريق الصدفة قناة جزائرية خاصة أظهرت سيدة كانت تشتغل على تشكيل عجينة السيراميك، فقررت أن تحذو حذوها وأن تعتمد نفس المادة في عملها وقد نجحت التجربة بالفعل.
قالت محدثتنا، بأنها لم توفق في صناعة أول تحفة بطريقة جميلة وفنية بل كان نموذجا بسيطا لا يرقى لما تصبو إليه، فقامت برميه وحزنت حزنا شديدا، لكن بعد ثلاث سنوات من الإصرار والمثابرة والمشاهدة المستمرة لفيديوهات اليوتيوب الخاصة بتعليم هذه الحرفة، قررت أن تعيد خوض غمار التجربة، فقامت باقتناء الأدوات اللازمة من المال الذي كسبته من منحتها الجامعية، وصنعت عدة أشكال جميلة، ونشرت صورا لها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتفاجأ بأنها نالت إعجاب الكثيرين في ظرف قصير، وحققت نجاحا تجاوز توقعاتها، فأصبحت أعمالها منذ ذلك الحين محط أنظار عشاق الفن ومقتني التحف المميزة، ومن هنا تحديدا بدأت رحلتها في إطلاق مشروعها الحرفي الخاص.
وبما أن الحرفية هاوية لفن الرسم، فلم تواجهها صعوبات كبيرة في فن النحت و التشكيل بالعجينة حسب ما أكدته، بل وجدته فنا سهلا جدا لتطلق العنان لأفكارها وتصنع الكثير من التحف المختلفة، كحاملات المفاتيح، والكؤوس و الساعات إضافة العلب إلى الدفاتر، وكذا جميع أنواع الديكورات والإكسسوارات النسائية.
مضيفة، بأن التعامل مع العجين بصريا ويدويا، ساعدها على صرف ذهنها من الضغوطات اليومية التي تواجهها، علما أنها أم لبنت تأخذها معها إلى عالم جميل ومريح.
وأوضحت المتحدثة، بأنها عندما بدأت مشروعها وهي طالبة ماستر بالمدرسة العليا للبريد وتكنولوجيات الإعلام و الاتصال، كانت تفتقر للثقة الكافية لأن معظم من حولها لم يؤمنوا فعليا بطموحها، بل كانوا يخبرونها بأنها لن تستطيع أن توفق بين الدراسة و مشروعها الخاص، لأن مجالها العلمي جد صعب و يتطلب الحضور الدائم و الدراسة بجهد.
رغم ذلك، رفعت الشابة التحدي وأثبتت قدراتها في المجالين الأكاديمي و الحرفي، وقد انعكست التجربة إيجابا على مستوى أدائها في الجامعة، مؤكدة، بأنها تلقت الدعم والإشادة من قبل والديها وإخوتها وصديقاتها طيلة مشوارها العلمي والعملي.
«بانترست» أصبح هويتي البصرية لإعداد التحف
وقالت سلمى، بأن بحثها الدائم في شبكة الإنترنت و تطبيق بانترست على تحف فنية مختلفة التصاميم والأشكال، ساعداها على توسيع موسوعاتها البصرية في مجال صنع تحف مميزة من السيراميك، ناهيك عن أن زبائنها ألهموها الكثير من الأفكار التي لم تراودها من قبل.
ومن بين الصعوبات التي واجهت الشابة في بدايتها، عدم درايتها بكيفية الحصول على المواد الأولية الأنسب لعملها، كالغراء والنشاء لصنع العجين، مؤكدة أنها وبعد تجريب العديد من المواد المختلفة، أصبحت تستطيع التفريق بين المنتجات ذات الجودة و المنتجات غير المناسبة وأضافت، بأن عجين السيراميك سهل التشكيل لكن يتغير لونه يتغير عندما يجف و يتقلص حجم التحفة وتتشقق واجهتها الأمامية، ولذلك فإن التحكم في كل عناصر العمل تتطلب التركيز و معرفة أدق التفاصيل لتجنب خسارة القطعة.
وأشارت في ذات السياق، إلى عائق ثان يواجهها أثناء عملها، وهي المدة التي تأخذها القطعة لكي تجف، والتي تتجاوز في بعض الأحيان أسبوعا، الأمر الذي يولد لها ضغطا كبيرا بسبب التزاماتها مع الزبائن المستعجلين.
وأضافت المتحدثة، بأن التشكيل بالعجين يحول الرسم العادي إلى رسم ثلاثي الأبعاد، ويظهر القطعة بشكل فني، وهي بحسبها من أكثر الأمور التي تجذب الناس إلى التحف المصنوعة من السيراميك، كما أن ألوانها الزاهية وحرية التحكم فاللون و الحجم والشكل تجعلها من الأعمال العزيزة على قلبها.
وأكدت الحرفية، بأن هناك قطعة أخذت منها وقتا طويلا تجاوز ثلاثة أشهر، وهي مجسم للمسجد الأقصى، حيث اهتمت بجميع تفاصيله الكبيرة والصغيرة، وبجميع المقاييس لتخرج تحفة فنية حقيقية.
فن يعبر عن الروح والخيال
وأشارت المتحدثة، إلى أن السيراميك فن طويل عريض لانهاية له، يعبر عن الروح والخيال، ويتيح للفنان فرصة التواصل مع المادة الأولية ويحولها إلى أشكال تحكي قصصا أو تجسد مشاعر، ففي كل قطعة سيراميك يكمن بحسبها، جهدا وعناية تبدأ من تشكيل المواد الأولية إلى الزخرفة وصولا إلى اللمسات النهائية.
وقالت سلمى، بأن فن صناعة السيراميك مجال واعد في الجزائر، مع تزايد اهتمام الفنانين الشباب بهذه الحرفة، وتضاعف الطلب على المنتجات الفنية والديكورات المصنوعة من ذات المادة.
ولفتت، إلى أنه سيتم مستقبلا استبدال عجين السيراميك بعجائن أحسن لصناعة التحف، مثل الصلصال الحراري والطين الحراري، موضحة بأنها صارت تجرب خامات جديدة لصناعة تحف خاصة، للشركات والروضات و المراكز التكوينية.
المواقع الافتراضية روجت لأعمالي على نطاق عالمي
وأكدت الحرفية، بأن مواقع التواصل الاجتماعي، مكنتها من الترويج لتحفها الفنية التي تصنعها، سواء داخل أو خارج الوطن، وقالت بأن صفحتها على الإنستغرام تخطت عتبة 120 ألف متابع، وفي الفيسبوك 55 ألف متابع، وهي أرقام تفتخر بها، لأنها فتحت لها الأبواب والفرص لتحقيق دخل مادي ولتلبية احتياجات الجمهور المختلفة. ولأن أعمالها مصنوعة بإتقان ودقة عاليتين، فقد نجحت في كسب ثقة الناس واستطاعت الانتقال إلى مرحلة ثانية هي التكوين، عن طريق تقديم دورات عن بعد، للمهتمين بهذه الحرفة سواء من داخل الوطن أو من خارجه، حيث تعلمهم كيفية صناعة الكؤوس و تزيين اللعب، وصناعة المخبوزات وصناعة الدمى وما إلى ذلك، وأشارت إلى أنها سجلت إقبالا كبيرا على دوراتها من عراقيين وأردنيين وفلسطينيين وسعوديين.