يعرف كورنيش عنابة، أو كما يطلق عليه محليا «البولفار» حركية كبيرة طوال السنة، فالموقع السياحي الممتد من القطارة إلى غاية رأس الحمراء ساحر جدا، و يصنع إيقاعا وأجواء تختلف كليا عن وسط المدينة أو غيرها من المناطق السياحية الأخرى في بونة الجميلة.
حسين دريدح
يجمع المسار بين زرقة البحر و خضرة الطبيعة
و العمران المميز، فضلا عن حركته التجارية الدائمة، والخدمات الفندقية والسياحة والترفيهية التي لا تكاد تتوقف، وتجعل من المكان أكبر نقطة استقطاب طوال السنة خاصة في أيام نهاية الأسبوع.
أكبر نقطة استقطاب على مدار السنة
ينفرد كورنيش عنابة باندماجه مع وسط المدينة، حيث تبلغ المكان بسهولة و مشيا على الأقدام بعكس باقي المدن السياحية، حيث تتصل واجهة البحر الأبيض المتوسط بقلب المدينة ولا يحتاج بلوغ المكان وسيلة نقل، وهو ما يمكن زائر المنطقة من الاستمتاع بأمسية كاملة على الكورنيش، و الاستفادة من كل الخدمات التي تتوفر على امتداده دون الخوف من اكتظاظ حركة المرور و احتساب توقيت الذهاب و العودة، فالمسار ممتد بشكل مستقيم ومفتوح يسمح للراجلين باستخدامه دون عناء، ولذلك تستمر الحركية هناك طوال أيام السنة، وتبلغ ذروتها صيفا و خلال نهايات الأسبوع، و لا تتوقف مند بزوغ الفجر إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، خصوصا و أن المنطقة تعرف توافدا كبيرا للزوار والسياح من غالبية الولايات الشرقية.
لوحة طبيعية ساحرة
ويصنع الكورنيش مند تأسيس مدينة عنابة، لوحة طبيعية خلابة، فهو على شكل خلجان صغيرة، به شواطئ رملية متلاصقة تقسمها صخور مميزة توفر الظل والمكان الأمثل لهواة الصيد وحتى الجلوس للتأمل.
وقد شهد هذا الكورنيش في بداية القرن الماضي، تشييد قصور ومنازل بطابع معماري ينسجم مع واجهة البحر، ولا تزال بعض البنايات شاهدة على تلك الحقبة.
بعد الاستقلال وتحول مدينة عنابة إلى قطب صناعي واقتصادي وسياحي، بدأ وجه الكورنيش يتغير، وفق متطلبات العصر من تزايد النمو الديمغرافي و تسارعه، فجعلت منه الحياة العصرية مركزا للنزهة والتسوق والسياحة، وأنشأت فنادق ومطاعم ومحلات تجارية وفضاءات ترفيه، زادت من الاستقطاب وحولته إلى مسار دائم الحركية.
ويجد كثير من زوار « لؤلؤة الشرق والمتوسط» في الموقع السياحي وجهة مفضلة صيفا وشتاء وخلال كل الفصول، نظرا لتوفر غالبية الخدمات الضرورية على غرار الإطعام و الإقامة و الترفيه، حيث تجمع النزهة في المكان بين التسوق و الاستجمام، فهناك فنادق من أربع نجوم وأقل،وهناك شواطئ خاصة وأخرى مفتوحة، إلى جانب فضاءات اللعب العصرية مثل مدينة الألعاب « ماجيك لاند»،ناهيك عن الاستراحات العائلية الجميلة مثل استراحة « الكاليتوسة» و بعض المقاهي و الشرفات المناسبة جدا للراحة والسهر.
تهيئة ومشاريع استثمارية أعطته حلة جديدة
شغل الكورنيش في السنوات الأخيرة، اهتمام المستثمرين في المجال الفندقي والسكني وخدمات المطاعم، حيث أصبح مركزا للترقيات العقارية الفخمة، بإنجاز سكنات مطلة على البحر، وتخصيص الطوابق الأرضية كفضاءات تجارية، أهمها مطاعم متخصصة في الأطباق البحرية والأكل الخفيف، وأخرى تُقدم المنتجات الباردة وكل أنواع العصائر والتحليات.
وقد عمد مستثمرون في مجال المطاعم بعنابة، إلى شراء ترخيص استغلال علامات معروفة في صناعة البيتزا و السندوتشات وحققت مشاريعهم نجاحا، واستقطابا هائلا للزبائن على طول السنة، وهي خدمات يتركز نشاطها على كورنيش « شابي وسانكلو»، كما تحمل هذه المطاعم ديكورات عصرية و تقدم خدماتها على طريقة المطاعم الأجنبية، كما أن وجودها أعطى روحا للكورنيش ورفع من القيمة التجارية و السياحية للمنطقة.
وتنقسم المطاعم على امتداد الكورنيش حسب طبيعة ومستوى الخدمات، حيث توجد مطاعم عائلية بسيطة تستوعب جميع الطبقات الاجتماعية، كما تتوفر المنطقة كذلك، على مطاعم راقية لها زبائنها وهي مرافق تنتشر أكثر في حي الخروبة « لاكاروب» وتستقطب الزبائن بشكل كبير في نهايات الأسبوع، خاصة العائلات التي تبحث عن التغيير و الأجواء الجميلة المريحة، ولذلك فإن حظائر السيارات في هذه الفترة من الأسبوع، تسجل ترقيمات من عديد الولايات على غرار قسنطينة و قالمة و سطيف والجزائر العاصمة. كما استفاد الكورنيش قبل موسم الاصطياف هذه السنة، من تهيئة واسعة بتجديد للأرصفة والأرضيات، والإنارة العمومية، وعملية التشجير ووضع كراسي جديدة وإزالة السياج، ونجحت السلطات رغم ضيق الوقت في إنهاء الأشغال مع بداية شهر جويلية الماضي، ليظهر أكبر كورنيش يتردد عليه زوار المدينة وسكانها بحلة جديدة، تركت انطباعا جيدا حسب ما لمسناه في حديثنا مع هواة الاستجمام والنزهة، حيث أكد مواطنون أنهم أعجبوا بالوجه الجديد للكورنيش، خاصة مع إزالة السياج و تهيئة أماكن للجلوس على طول الشواطئ.
الكورنيش محجوز لعشاق المشي والرياضة في الصباح الباكر
يستقطب الكورنيش جميع الفئات على اختلاف اهتماماتها، كل يبحث عن ما هو جميل في هذا الموقع السياحي، وحسب ما رصدته النصر، تبدأ الحركية في الكورنيش باكرا مع الهدوء وزرقة البحر الصافي وأمواجه القوية التي يدوي صوت ارتطامها بالصخور عاليا في كل مرة، فيشعر المتواجد على الشاطئ أو قرب الرصيف بأن البحر يناديه وتغريه النسمات العليلة للنزول إليه أو الوقوف وتأمله لتنتعش روحه. والمنطقة هي المفضلة لهواة الرياضة والمشي، حيث يقصدها البعض صباحا للتمرن و تجديد الطاقة، والجميل أن رياضة المشي تعتبر شائعة جدا في المكان يمارسها أفراد و حتى أزواج و عائلات في بعض الأحيان.كما يمارس آخرون ركوب الدراجات الهوائية، على طول شاطئي « سانكلوا وشابي» ويبدأ النشاط تحديدا عند الساعة السادسة والنصف صباحا، إلى غاية الساعة الثامنة والنصف، حيث يتميز ممارسو الرياضية رجالا ونساء بزيهم الخاص بركوب الدراجات وهو مشهد يضفي جمالا لصباحات الكورنيش المنعشة.
من جهة ثانية، تستهوي السباحة في مياه البحر عديد الشباب حتى في أيام الخريف وأثناء الطقس البارد، ويلتقي الجميع بعد فترات النشاط الصباحية في المقاهي و المطاعم التي تقترح على زبائنها ما يعرف بـ «البرنش» أو الفطور الغني والمتنوع الذي يغذي الجسم و يمكن أن يعوض وجبة الغذاء.
حركية لا تتوقف نهارا وليلا
لا تتوقف الحركية في الكورنيش طوال اليوم، سواء بالنسبة للراجلين أو حركة المركبات التي تجوب الشريط الساحلي من الميناء إلى غاية رأس الحمراء، أين يتوقف السياح على حافة الطريق لتأمل البحر، وتجتمع العائلات هناك لقضاء وقت من المتعة والاستجمام قبالة الواجهة البحرية الخاصة بكورنيش عين عشير، فيما يفضل البعض المشي بين شاطئي « شابي، وسانكلوا» مع وجود أنشطة مختلفة، وتوفر أكشاك المثلجات والشاي و المكسرات.ليلا تختلف الأجواء عن النهار، وتزيد حركة السير على طول الكورنيش، وتتحول رمال الشاطئ إلى موقع لجلسات السمر والتقاء العائلات والأصدقاء، مع توفر كامل الظروف من إنارة وأمن، شاهدنا شبابا يصنعون أجواء احتفالية على الطريق، بالعزف وغناء طبوع محلية وعالمية، حيث يستوقف أداؤهم المارة الذين يصفقون لهم بحرارة ويلتقطون الصور. كما شاهدنا طاولات رسامين يعدون بورتريهات لمواطنين من مختلف الأعمار، وهناك أيضا، العديد من الأنشطة التي يمكن رصدها في الكورنيش خاصة نهاية الأسبوع لما يكون الجو حارا، منها محلات صناعة البوراك العنابي دائمة الاكتظاظ، إذ يتوجب عليك إن رغبة في بوراكة، أن تقدم طلبا وتنتظر لحوالي نصف ساعة. كما تعرف الشواطئ، منافسات رياضية في الكرة الطائرة و كرة القدم وكرة السلة، وحتى تدريب الفنون القتالية على الرمل، ويمارس البعض هوياتهم على الرمال خاصة أبناء الأحياء المجاورة.