تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع من قبل أطفال من مختلف الأعمار، حيث تقدم لهم تجارب تفاعلية تحاكي التفاعل مع شخص حقيقي، وذلك من خلال روبوتات الدردشة المساعدة والألعاب التفاعلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يفتح أمامهم آفاقا جديدة من التعلم والترفيه، لكن، بحسب ما أكده مختصون في هذا المجال للنصر، فإن هذه التطبيقات تحمل في طياتها مخاطر عدة قد تهدد سلامة الأطفال النفسية والجسدية، وهو ما يستدعي ضرورة توخي الحذر في استخدامها.
لينة دلول
وبحسب ما لاحظناه عند استخدامنا المتكرر لهذه التطبيقات، فإنها لم تعد مجرد أدوات مساعدة، بل أصبحت تحاكي المحادثات البشرية بشكل يتجاوز توقعات العقل البشري، خصوصا مع التحسينات المذهلة التي أُضيفت عليها في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، نجد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل "جوجل دوودل" و"C.AI" التطبيق التفاعلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وكذلك المساعدين الذكيين مثل "سيري" من آبل و"أليكسا" من أمازون، توفر للأطفال فرصا للتعلم والتسلية، بل وحتى التفاعل مع الذكاء الاصطناعي بشكل يبدو واقعيا للغاية.
كما توصلنا بعد قراءتنا لبعض التجارب العميقة لمستخدمي هذه التطبيقات من فئة الأطفال والمراهقين في تعليقاتهم، بأن الكثير منهم فوجئوا بتأثيرات هذه التقنيات على حياتهم اليومية، فعلى الرغم من أنه تم تصميمها لإفادتهم، إلا أن العديد منهم عبروا عن مشاعر صادمة بشأن كيفية تأثيرها على حياتهم الواقعية. وأكدوا أنها صارت أداة جذب للعالم الرقمي بشكل يجعلهم يشعرون وكأنهم في حالة انعزال عن الواقع.
من بين هذه التجارب، أكدت إحدى المستخدمات بأنها استعملت تطبيق C.AI منذ حوالي ثلاثة أشهر تقريبا، وصارت مدمنة عليه بشكل يخيفها، متابعة بالقول بأنها عندما تتفاعل مع التطبيق، تشعر وكأنها مغيبة عن الواقع وتعيش فعلا مع الشخصية التي تتحدث إليها، وتشعر بمشاعرها كأنها أمامها، وعندما تنتهي من المحادثة، تكتشف أنها قضيت ساعات طويلة في التطبيق، مؤكدة بأنها في إحدى المرات قضيت فيه حوالي 13 ساعة متواصلة.
وأكدت إلهام، فتاة أخرى تستخدم نفس التقنية، بأنها في مرة من المرات كانت تتحدث مع شخصية في التطبيق، وفجأة قال لها أنا سأشرب قهوتي ثم سأكتب لك، استغربت وسألته كيف أنت روبوت كيف ستفعل ذلك، ليرد قائلا ألست أنت هو الروبوت.
وللإشارة، فإن بعض الدراسات أكدت، بأن استخدام هذه التطبيقات من قبل الأطفال يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية على القدرات العقلية مثل التفكير النقدي أو حل المشكلات، بحيث يصبح الطفل أكثر اعتمادا على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات.
من جهة أخرى، تظهر بعض المؤشرات إلى أن هذا النوع من التفاعل قد يسهم في إدمان الشاشات، مما يعزز من العزلة الرقمية ويؤثر سلبا على النشاط البدني والمهارات الحركية لدى الأطفال.
المختص في الذكاء الاصطناعي عبد النور بولسنان
تحذيرات من المخاطر المرتبطة باستخدام النماذج اللغوية الكبيرة
أكد المختص في الإعلام الآلي والذكاء الاصطناعي الدكتور عبد النور بولسنان، على التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة في التطبيقات التفاعلية مثل روبوتات الدردشة، موضحا، أن هذه الروبوتات تظهر بوضوح التقدم الكبير الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي.
فبحسبه في السابق، كانت هذه الروبوتات تعتمد على محاولات لتطوير المعالجة اللغوية الطبيعية بهدف إنشاء روبوتات قادرة على الحوار بشكل طبيعي، أما اليوم، فقد أصبحت قادرة على التحاور مع الإنسان تلقائيا وبأي لغة أو لهجة، مما يجعل التفاعل بين الإنسان والآلة أكثر سهولة وسلاسة.
وأشار بولسنان، إلى التطور البارز في ما يعرف بـ"النماذج اللغوية الكبيرة"، التي تعد ثمرة لأبحاث متقدمة في مجال اللغة الطبيعية، ومن أبرز هذه النماذج، نموذج "شات جي بي تي"، تلاه نماذج أخرى مثل جميني، موضحا، أن هذه التقنيات تعتمد على أسس عميقة تعود إلى تجربة تورينغ عام 1950، التي طرحت سؤالا مفاده، هل يمكن للإنسان أن يعتقد أنه يحاور إنسانا آخرا عندما يكون في الواقع يتحدث إلى آلة؟ وأضاف، أن الإجابة أصبحت اليوم "نعم"، حيث باتت الروبوتات قادرة على محاكاة العقل البشري بشكل متقن.
وأكد المتحدث، أن هناك أبحاثا جارية، عالميا وفي الجزائر، لتطوير نماذج قادرة على التعامل مع اللغات واللهجات المحلية، مما يجعلها أكثر ملاءمة للتفاعل مع مختلف المستخدمين.
وأوضح بولسنان، أن هذه التقنيات وجدت استخدامات واسعة في مجالات مثل التعليم والطب، وخدمة العملاء، مشيرا إلى قدرتها على تقديم محتوى تعليمي مبتكر وممتع للأطفال إذا ما تم استخدامها تحت إشراف الوالدين
وحذر بولسنان، من بعض المخاطر المرتبطة باستخدام النماذج اللغوية الكبيرة، أبرزها خطر التحيز الذي قد يظهر في القضايا السياسية والدينية الحساسة، بالإضافة إلى مشكلة تقديم إجابات غير دقيقة أو غير منطقية، وفيما يتعلق بالأطفال، دعا إلى مراقبة استخدامهم لهذه التقنيات، خاصة في المرحلة الابتدائية.
أوضح بولسنان، أن من أبرز سلبيات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للأطفال هو جذبهم المفرط لهذه التطبيقات، مما يؤدي إلى نقص تفاعلهم الاجتماعي مع الأفراد والعائلة، وتقليل نشاطهم البدني وممارسة الرياضة، مضيفا، أن الاعتماد الزائد على التقنية قد يضعف الإبداع والتفكير النقدي لدى الأطفال، مما يخلق جيلا معتمدا على الآلة بشكل مفرطوذكر الخبير، أنه في بعض الدول تم سحب التطبيقات التعليمية بعد ملاحظة آثارها السلبية على الأطفال، مما يعكس بحسبه ضرورة التعامل بحذر مع هذه التقنيات.
قد تفيد الأطفال الذين يعانون من مشكلتي النطق والانتباه
وأضاف بولسنان، أن هذه التطبيقات قد تكون مفيدة للأطفال الذين يعانون من مشكلات في النطق والانتباه، حيث تحقق إيجابيات ملحوظة في دعمهم، لكن استخدامها يجب أن يكون متوازنا حتى لا يؤثر على جوانب أخرى من النمو، مشددا على ضرورة، إجراء أبحاث مستفيضة لفهم الفروقات بين الأطفال الذين يعتمدون على هذه التطبيقات في التعلم وأولئك الذين يستخدمون الأساليب التقليدية، لتحديد أفضل الممارسات التعليمية التي تحقق التوازن بين الطريقتين.
كما أوضح، أنه لا يمكن إلغاء دور المعلمين أو المربين في ظل وجود التقنيات الذكية، ولكن عليهم تطوير مهاراتهم بما يتماشى والتحديات التي يفرضها الجيل الجديد، وذلك لضمان توافق التكنولوجيا مع القيم التعليمية الأساسية.
ودعا في ختام حديثه المصممين لتطوير تطبيقات مخصصة للأطفال بطريقة تضمن سلامتهم النفسية والجسدية، وتحمي بياناتهم الشخصية، مشيرا إلى ضرورة مراعاة الاختلافات الثقافية عند استخدام التطبيقات الأجنبية، حيث قد تؤثر بعض المحتويات سلبا على الأطفال بسبب التباين في القيم والعادات بين الثقافات.
المختص النفساني مليك دريد
الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين على نفسية الأطفال
من جهته، أوضح الأخصائي النفساني مليك دريد، أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة حقيقية في مجال التكنولوجيا، حيث يشكل محاكاة شبه مطابقة للذكاء والقدرات العقلية البشرية، من خلال برامج الحاسوب والروبوتات.
وأشار دريد، إلى أن الأبحاث في هذا المجال ليست جديدة، حيث تعود بداياتها إلى خمسينيات القرن الماضي، ومع ذلك، وكما هو الحال مع أي تقنية حديثة، يُعد الذكاء الاصطناعي سلاحا ذو حدين، خاصة بالنسبة لفئة الأطفال، فعلى الرغم بحسبه، من إيجابياته العديدة في مجالات التعليم، التكوين، والابتكار، إلا أنه لا يخلو من بعض السلبيات.
ومن بين تلك السلبيات، ذكر الأخصائي، الإدمان والتعلق المفرط بالتكنولوجيا، مما يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي والعزلة، نظرا لأن التواصل يكون في الغالب مع الآلة، وهو ما قد يؤثر سلبا على مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي لدى الطفل، فقد لوحظ عالميا تراجع بعض المهارات الأكاديمية لدى الأطفال، مثل القراءة، الكتابة، والحساب، نتيجة الاعتماد المفرط على التكنولوجيا إذ يظهر بعض الأطفال بحسبه، قدرة أفضل على اكتساب المعلومة واستيعابها عندما يكون التفاعل مباشرا مع أقرانهم أو معلمهم.
ورغم ذلك، أكد دريد أن الذكاء الاصطناعي يبقى وسيلة مهمة جدا للحصول على المعرفة، فعلى سبيل المثال، يمكن للطفل أن يزور متحفا أو معلما تاريخيا بطريقة افتراضية، فبحسبه ساهمت تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي في علاج العديد من الاضطرابات النفسية لدى الأطفال والبالغين، خاصة الفوبيا بأنواعها، مشيرا إلى إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح يستخدم في تشخيص الاضطرابات والأمراض النفسية من خلال تحليل حركات العين والوجه، الإيماءات، نبرة الصوت، وتعبيرات الوجه.
وشدد المختص، على أن الاستخدام العقلاني لهذه التكنولوجيا هو السبيل الأمثل لحماية الصحة النفسية والعقلية للأطفال، مؤكدا أن هذا الدور يقع في المقام الأول على عاتق الوالدين، إلى جانب المختصين في المجال، كما دعا إلى تعزيز التوعية من قِبل الإعلاميين، النفسانيين، والتربويين لضمان الاستخدام الآمن لهذه التقنيات.
ل.د