تعد النخلة مصدر إلهام للكثير من الفنانين والمبدعين من أبناء الواحات، وقد استطاع الفنان محمد العايز من ولاية المغير، أن يحجز له مكانا بينهم بفضل ما ينتجه من لوحات فنية وتحف بألوان طبيعية مصدرها بقايا النخيل، يشكلها بأنامله لتأخذ أبعادا وتترجم معاني جمالية مختلفة.
يقول الفنان محمد العايز، إنه صاحب فكرة الرسم بمخلفات النخلة، أنه لم يسبقه أي مبدع من قبل إلى هذا النوع المبتكر من فن الرسكلة، وله السبق في هذه الحرفة التي يسعى لتطويرها وتلقينها لمن سيأتي بعده من أجيال من أبناء المنطقة حتى يحافظوا عليها، مشيرا إلى أنه انطلق من ورشة صغيرة قبل أكثر من 10 سنوات، أين كان يمارس مهنة تحويل جريد النخيل إلى كراسي وطاولات وديكورات للمنازل.
مضيفا، أنه كان يجمع البقايا الدقيقة من سعف النخيل وجريده ويعيد تدويرها ليستخدما لرسم بعض اللوحات بدلا من حرقها أورميها، حيث يبدع في مزج الألوان وصف القطع الصغيرة على اختلافها، دون استخدام الريشة أو القلم، ومع أن اللوحات تعتمد على بقايا النخيل بشكل كامل إلا أن الدقة في إنجازها و الإبداع في رسم التصور العالم لها يجعلها بليغة لدرجة يصعب التمييز بينها وبين اللوحات الفنية التقليدية.
أما مواضيع لوحاته، فتحكي كما قال الفنان محمد العايز، عن يوميات أهل الصحراء في حلهم وترحالهم بين الكثبان الرملية وبساتين النخيل، من خلال تجسيد مشاهد لسفرهم على ظهور الجمال، كما تصور القوافل التجارية التي كانت جزءا من ديكور الصحراء في زمن بعيد، إلى جانب قوافل تسليح الثوار، نهيك عن قطعان الماشية وبعض الحيوانات الأخرى التي تعد مصدر رزق لأهل البادية.
ويبدع الفنان في إنتاج لوحات تشكيلية موجهة للزينة يرسمها حسب الطلب، تكون مناسبة لتزيين المكاتب في المؤسسات، وغرف الجلوس المنازل وحتى المطابخ حيث يعتمد في رسمها على أشكال مختلفة مثل أنواع الفاكهة يتقدمها التمر، إلى جانب الأزهار و الحيوانات.
كما أكد المتحدث، أنه رغم الوقت و الجهد الكبيرين في تجهيز كل لوحة فنية إلا أنه يأبى ينوي المواصلة في هذا المجال والإبداع فيه أكثر، لأنه يحبه منذ أن كان تلميذا في المدرسة أوائل السبعينات، حيث ترك بصمته في أقدم ثانوية بولاية الوادي آنذاك بما رسمته ريشته من لوحات على جدران المؤسسة التربوية، داعيا شباب منطقته للتقرب منه و الاستفادة مما يقدمه من تكوين في مجال فن الرسكلة.
قطع ديكور وأخرى للاستخدام اليومي
وتعد حرفة صناعة الكراسي و الأرائك وديكورات المنازل، مرجعيته الأساسية التي انطلق منها كما أوضح، حيث يستعمل بقايا النخيل في عمله و يجمع جريده الزائد ليصنع منه قطعا مناسبة للاستخدام اليومي، فيكون بذلك قد أفاد الإنسان وخدمة البيئة أيضا. ويعتمد الحرفي الفنان على ما يسقط من واحات النخيل، ليوفر مادة أولية لورشته حيث يطوع الجريد و السعف ليحصل على عصي قابلة للاستخدام، يعمل على تشكيلها وفق التصميم الذي يريده.
أخبرنا أنه استطاع خلال السنوات الأخيرة، أن يصنع أدوات منزلية مختلفة مثل أسرة الرضع و السلال و حامل المصحف، وأنها منتجات لها زبائن كثر من أهالي مدن الصحراء الذين يميلون إلى تأثيث منازلهم بقطع مستوحاة من الطبيعة تكون مناسبة جدا لمناخ المنطقة، ناهيك عن بعدها الجمالي، مضيفا بأن منتجاته مطلوبة كذلك لأنها تشكل هدايا مثالية.
ولحماية هذه المنتجات من بعض الكائنات المجهرية التي تعشش داخل عصي الجريد يقول الحرفي أنه يستعين بمادة تمنع وصولها وتعزلها وتطال عمر القطعة الافتراضي، وتحميها من التلف والتسوس من الداخل. وذكر محدثنا، بأنه مؤمن جدا بأهمية حرفته وفنه في تثمين منتجات الطبيعة و صناعة قطع تكون عملية وصديقة للبيئة في آن واحد، قائلا إنه خلال مسيرته الفنية ساهم في تكوين العديد من الطلبة سواء في الفنون التشكيلية أو في مجاله الحرفي، داعيا المهتمين سواء من أبناء ولايته المغير أو من خارجها، و بخاصة سكان ولايات الواحات كواد سوف، وتوقرت وبسكرة، إلى الاستفادة من النخيل و كل ما يجود له و مبديا استعداده لتعليم كل من يرغب في اكتساب حرفة رسكلة بقاياه. منصر البشير