أكد أساتذة في الإعلام والاتصال، أمس، أن الصحافة الشاملة ضرورة يفرضها العصر وليست خيارا، وأنه تحول يستدعي تبني أساليب حديثة تتماشى والبيئة والرقمية، كما يستوجب تكوين كفاءات قادرة على مسايرة التطور المتسارع لتكنولوجيا المعلومات، مع تكوين جيل جديد من الصحفيين قادر على استيعاب تعقيدات العصر.
ودعا متدخلون في الملتقى الذي احتضنته كلية الإعلام والاتصال والسمعي البصري بجامعة قسنطينة3، وعرف مشاركة أكاديميين ومهنيين من داخل وخارج الوطن، إلى استشراف دقيق للواقع على المدى القريب، خصوصا وأن الصحافة الشاملة تواجه تحديات عدة، كتراجع الثقة في المحتوى والمعلومات المضللة.
وقال عميد كلية الإعلام الدكتور محمد فوزي كنازة، بأن الصحافة الشاملة ضرورة تتطلب تبني أساليب حديثة تواكب تطلعات الأجيال الجديدة، وتأهيل وتدريب الكفاءات القادرة على النهوض بقطاع الصحافة، بما يتماشى والتطورات الحديثة، مع الحرص على غرس قيم الدقة والموضوعية والابتكار، لتكوين جيل جديد يجيد استخدام الأدوات الحديثة ويراعي المبادئ الأخلاقية للمهنة، مع تبني نهج إعلامي طموح، والعمل من أجل تعزيز هذا النموذج، الذي لا يخدم قطاع الإعلام فحسب وإنما يخدم المجتمع أيضا حسبه.
وأردف المتحدث، بأن الأكاديميين والمهنيين في قطاع الصحافة يتحملون مسؤولية نشر النهج الإعلامي الحديث، وتكوين جيل من الصحفيين قادرين على استيعاب تعقيدات العصر، والتعامل مع الأدوات الحديثة، مع الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والمهنية، ليختم حديثه بالقول بأن الصحافة الشاملة مسؤولية وطنية تعكس طموح الجزائر في أن تكون نموذجا يحتذي به في الإعلام العصري. من جهته، أفاد البروفيسور طاهر جغيم، في مداخلة موسومة بـ " الصحافة الشاملة، أي دور وأي مستقبل في ظل تحديات البيئة الرقمية"، بأن الصحافة الشاملة تتأثر بشكل مباشر ومستمر بالتحولات التي تشهدها البيئات التكنولوجية، والسياسية والثقافية والاجتماعية، لأنها وليدة هذه البيئة ونشأت من خلالها وتؤثر في مسارها، وهذا يقتضي دراسة أبعادها الوظيفية وعلاقتها التفاعلية بما تحيله البيئة الرقمية والتكنولوجية من معطيات وتحولات موضحا، بأن هذه البيئة الرقمية ليست دائما عاملا محددا ولا عاملا مستقلا يتحكم في الصحافة الشاملة، بل وجب أن تخضع لمعايير منهجية دقيقة وصارمة. وعلى مستوى العالم العربي، يضيف المتدخل، فإن مهمة إجراء دراسات استشرافية حول الصحافة الشاملة على المدى القريب، تبدو صعبة ومعقدة في الظروف الحالية، وذلك لعدة أسباب أهمها تنوع السياقات العربية السياسية خلافا للسياقات الأوروبية التي تحتكم للطبيعة الديمقراطية وسياسة الإعلام، أما السبب الثاني، فيتمثل في غياب المعطيات الإحصائية الدقيقة والموضوعية عن الصحافة الشاملة، ما يصعب دراستها، فيما يرتبط السبب الثالث، بغياب الدراسات المسحية المعتمدة في التقارير البحثية الأوروبية، وفي ظل هذا يمكن القول حسبه، إن الشروط الموضوعية لاستشراف الصحافة الشاملة في العالم العربي وتحديدا في الجزائر غير متوفرة، وفي ظل هذا المنظور تصبح دراسة الصحافة الشاملة في ظل تحديات البيئة الرقمية أكثر من ضرورة.
وتطرق المتدخل، إلى جانب يتعلق بتحديد مفاهيم أساسية يراها ضرورية للتفصيل في مفهوم الصحافة الشاملة، الذي يحيلنا لتعدد أشكال الصحافة والمشكلات المتصلة بها، فهي في نظره صحافة متعددة الأبعاد تستخدم الوسائط المختلفة، كالصحافة التقليدية وتستجيب لاستجابة المتابعين في كافة أنحاء العالم، كما يعتبرها شكلا متطورا للصحافة تجمع بين جوانب وأنواع متعددة من الإعلام.
موضحا، أن مفهوم الصحفي الشامل يتضح من خلال مفهوم الصحافة الشاملة، وهو الذي يستطيع أن يستفيد من مواقع التواصل الاجتماعي ويوظف كما قال، تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليقدم محتوى إعلاميا شيقا يناسب الجمهور والملتقي، مع استخدام البرامج المختلفة التي تساعد على إنتاج المحتوى الإعلامي الإلكتروني، من كتابة السيناريو إلى التصوير والتعليق والمونتاج وإدارة الصفحات، أي أنه هو ذلك الشخص الذي يمتلك المهارات المتكاملة، وتشمل الكتابة وتحرير الفيديو وإدارة منصات ووسائل تواصل. والخلاصة حسبه، أن الصحافة الشاملة تواجه تحديات كبيرة في العصر الرقمي، حيث لابد من تكامل الأدوات الصحفية لتحقيق تأثير أكبر، لأن هناك تراجعا في الثقة في المحتوى الصحفي لدى المستخدمين، بفعل انتشار معلومات مضللة وغياب الخدمة العمومية، لأن هذا النوع من الصحافة يستهدف المكاسب المالية على حساب خدمة الدولة والمواطن والمجتمع، ويكرس على المدى المتوسط، كما تشير إليه الدراسات، الفجوة الإعلامية بين الأغنياء والفقراء، لكون المحتوى الإعلامي مدفوعا.
أما الدكتور عبد الغفار نزار، من جامعة العراق، فقد تطرق إلى كيفية بناء محتوى الصحافة الشاملة وتقديمه للمتلقي، في شكل جديد من أشكال الإنتاج الرقمي، كما طرح إشكالية تواجه هذه الصحافة الحديثة، تكمن في كيفية تقديم نص شامل جاهز وفق المعايير الصحفية مع احترام ميثاق أخلاقيات المهنة، وكذا طريقة تقديم نموذج صحفي يحقق الجذب، ذاكرا أشكالا عديدة للصحافة الحديثة كالصحافة العابرة للوسائل. فيما تناول الأستاذ أيمن الهاشم، من جامعة الجزيرة بالسودان، الصحافة الشاملة من منظور مستقبلي، وركز على المشكلات التي تواجه الصحافة وبالأخص الصحافة الورقية، في ظل صحافة الروبوت، مؤكدا بأن مصيرها سيكون صعبا في ظل التطور الرهيب والمتسارع، وأن الصحفيين التقليديين لن يكون لهم مكان في العالم الرقمي، خاصة في الدول المتقدمة التي تتحكم في التقنيات الحديثة، مؤكدا بأن المدى الزمني لغياب الصحف الورقية يختلف من الدول الغربية إلى الدول العربية، وقدره في الدول المتطورة بعقدين كأقصى تقدير.
وخلصت المداخلات على اختلافها، إلى جملة من التوصيات منها، تدريب الصحفيين على المهارات الحديثة، وتعزيز الشفافية والمصداقية في نقل الأخبار، ودعم الصحافة المستدامة ماليا، من توفير محتوى متنوع وجيد ودقيق، وإلزامية تفعيل المواثيق الأخلاقية الجديدة، لأن الصحافة الشاملة كثيرا ما تسقطها، كما أن الصحفي الشامل ليس محميا بالقوانين.
أسماء بوقرن