يتفق متابعون للشأن السينمائي و الفني بتبسة، على أن الولاية كانت مهدا للفن السابع إبان الثورة التحريرية، حيث وثّقت الكاميرا معاناة الشعب، وواكبت نضاله بفضل أعمال لبعض أصدقاء الجزائر من أمثال روني فوتي، الذي صوّر فيلمه "الجزائر الملتهبة" في المنطقة سنة 1957، فكان بمثابة دليل وظفته جبهة التحرير ضد الدعاية الفرنسية، ويسعى القائمون على قطاع الثقافة بالولاية، إلى جانب أصدقاء الفن من شباب و مبدعين، إلى إحياء مجد المدينة واستعادة الحركية من جديد، عبر التظاهرات والمهرجانات واستقطاب المخرجين والمنتجين.
مخرجون اختاروا المدينة لتصوير أعمالهم
ويؤكد المهتمون بالشاشة الفضية في المدينة، أن تبسة كانت تضم عددا من القاعات، أشهرها قاعة شهرزاد، وقاعة سينما الكويف التي تعود لسنة 1925، وأن تاريخ المنطقة الحافل وجغرافيتها المتميزة، لطالما سحرا عدسات المخرجين، فبعد الاستقلال ومع حلول عام 1971 اختار المخرج سيد علي مازيف، تبسة لتصوير فيلمه "العرق الأسود"، الذي حاول من خلاله نقل معاناة عمال منجم الحديد بونزة، إبان الاستعمار. وبعدها بثلاث سنوات، صوّر المخرج محمد حازورلي فيلم "السخاب" ذو البعد المحلي المستوحى من موروث مدينة الحمامات، و ختم سلسلة هذه الأفلام المخرج الكبير أحمد راشدي بفيلم "طاحونة السيد فابر"، بمشاركة ممثلين عرب.
انتقل الفن السابع بولاية تبسة ثمانينيات القرن الماضي، من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة المهرجانات الوطنية و الدولية، وكانت عاصمة لأهم التظاهرات، كما نظمت جمعية أمل لترقية السينما ست نسخ من المهرجان الدولي للسينما والفيديو، كان آخرها في بداية الألفية، لتدخل بعدها المدينة حالة من الجمود مع بداية التسعينيات.
ظهرت مبادرات متفرقة مطلع الألفية، في محاولة لإنعاش المشهد السينمائي، كما أخذت دار الثقافة محمد الشبوكي على عاتقها إعادة قطار السينما إلى سكته، من خلال تظاهرة " سيني تيفاست" التي اختتمت قبل أيام طبعتها الثالثة.
ويعتبر القائمون على الفعالية السينمائية الثقافية، أنها قد تكون فقاعة الأكسجين التي قد تنعش القطاع محليا، على اعتبار أن الولاية تتوفر على مواهب عديدة في التمثيل و الإخراج و الإنتاج.
دعوة لتشجيع الاستثمار ودعم المواهب
يقول الفنان ابن المدينة منصف قحايرية، إن الآلية الوحيدة لبعث العمل السينمائي في الولاية، هي فتح المجال أمام الشباب وترميم القاعات وتشجيع الاستثمار عن طريق تقديم التسهيلات.
مضيفا، أن تبسة كانت مهدا لعديد المهرجانات السينمائية الوطنية والدولية ذلك لأنها ولاّدة للمبدعين، من أمثال المخرج السينمائي أحمد راشدي، والمخرج حازورلي وعلي عيساوي، كما تتوفر على ثلة من الممثلين.
من جهته، يرى الفنان عابل بووشمة، إن الحل مرتبط أساسا بدعم المواهب الشابة و منحها الفرصة لتعدي توجيه الكاميرا في اتجاه صحيح يسمع ببعث الحركية من جديد، موضحا أن الجمعيات و المبادرات الشبانية المستقلة، تعد بالكثير حتى وإن كانت في بدايتها لأنها تعبر عن صحوة حقيقية.
داعيا القائمين على قطاع الثقافة إلى توفير الدعم للناشطين في المجال بداية بتهيئة قاعات العرض، و الترخيص للشباب بالعمل و لما لا ضمان المرافقة.
كما دعا المخرج علي عيساوي، إلى الاهتمام أكثر بالأرشيف السينمائي للمنطقة وتثمينه، بما في ذلك صور وكليشيهات صديق الثورة الجزائرية روني فوتيي، لأن هذا الإرث السينمائي يخص ماضي منطقة تبسة الحافل.
وقال إنه من المهم العمل جديا على تشجيع الحركية السينمائية في المدينة، التي شهدت مبادرات و مهرجانات استقطبت نجوما عربية و أجنبية، مثل عزة العلايلي، وحسن حسني، وسميحة أيوب، ومنى واصف، ورويشد وغيرهم، كما زارها كبار المخرجين أيضا.
أما عن راهن تبسة فهو مختلف حسبه، و يعتمد في الغالب على المبادرات الفردية و الاجتهادات الخاصة، التي وإن حققت التميز إلا أنها بمثابة حالات معزولة، قياسا بحجم التحديات التي تواجه الشباب المولع بالفن السابع، و لتجاوز العوائق علينا كما قال، استحداث مؤسسات لإنجاز و صناعة و تسويق المنتوج.
مدير الثقافة جمال عبادي
إعادة الاعتبار لدور السينما في قلب اهتمامات القطاع
قال مدير الثقافة بتبسة، جمال عبادي، إن هناك اهتماما بالغا بإعادة الاعتبار للهياكل السينمائية، وذلك برعاية من الوصاية حيث استفادت الولاية في إطار البرامج التنموية المرافقة للبنية التحتية لقاعات السينما، من عمليتين قطاعيتين، لإعادة الاعتبار لسينما الكويف و الونزة، اللتين تُعدان من أقدم القاعات بالجزائر.
وفيما يخص قاعة سينما المغرب العربي الكبير بتبسة، فمن المرتقب أن تستفيد من عملية ترميم و إعادة اعتبار وكذا تجهيز ومن المنتظر أن تتدعم هذه الهياكل الثقافية العريقة، ببرنامج مركزي و قطاعي، ستكشف عنه وزارة الثقافة و الفنون مستقبلا.
يَضم القطاع بولاية تبسة حسبه، أكثر من أربع قاعات أخرى للسينما، بحاجة ماسة لإعادة الاعتبار، وقد راسلت مديرية الثقافة والفنون البلديات للتنازل عنها لصالح قطاع الثقافة.
الجموعي ساكر