الثلاثاء 11 فبراير 2025 الموافق لـ 12 شعبان 1446
Accueil Top Pub

حفاظا على موروث أجدادهم: إخوة يبعثون معصرة تقليدية للزيتون بقرية تادشيرت بالبرج

نجح الإخوة دعدوش، من قرية تادشيرت، ببلدية تفرق شمال ولاية برج بوعريريج، في بعث نشاط معصرة تقليدية للزيتون بعد سنوات من توقفها، وذلك حرصا منهم في الحفاظ على موروث أجدادهم، على اعتبار أنهم أفراد في عائلة توارثت الحرفة عبر أجيال، منذ انطلاق المعصرة في العمل أول مرة سنة 1951.

رحلة عبر الزمن لاستعادة عادات مهجورة
تتوارى معصرة «دعدوش»، التي يعود تاريخ تأسيسها إلى ما يقارب الثمانية عقود، في قلب قرية صغيرة بأعالي البرج، أين تمتزج رائحة الزيتون بعبق الماضي، ولا يزال الحجر يدور والأيادي تعمل بإخلاص ووفاء، للمحافظة على طريقة عصر الزيتون التقليدية.
لا يشعر الزائر للمنطقة وللمعصرة تحديدا، بأنه في جولة بسيطة في مكان لطحن وعصر الزيتون، بل هي رحلة عبر الزمن، تتيح له فرصة التعرف على تاريخ عريق يكتب قصة نشاط زراعة الزيتون الذي تشتهر به المنطقة، إذ يعد النشاط الأول والأكثر استقطابا لسكان القرية، المهتمين أيضا بالحفاظ على الموروث والحرف التقليدية التي تجمع بين عبق الماضي وأصالة الحاضر. وانطلاقا من هذا المبدأ استعاد الإخوة دعدوش علاقتهم بقريتهم التي هجروها لسنوات، لكنها بقيت نابضة في قلوبهم وظل حلم العودة إليها يراودهم باستمرار، خصوصا وأنهم فكروا دائما في استغلال ميراثهم من أجدادهم.
و تحدث الإخوة للنصر، عن قرار العودة لنشاط الأجداد، وقالوا إن الهدف منه لم يكن الربح المادي، بقدر ما هو حنين للماضي والزمن الجميل، كما أنه واجب للحفاظ على خصوصية المنطقة، وقصة يرون أنها يجب أن تبقى حية تروى عبر الأجيال القادمة، كما أن مسؤولية إبقاء المعصرة نشطة تقع على عاتقهم لأنهم ملاكها وورثتها، وبذلك يتعين عليهم الحفاظ عليها لأنها جزء من الهوية الثقافية للمنطقة.
ثمانية عقود من الإخلاص والوفاء لإرث الأجداد
تتجسد بهذه المعصرة التقليدية، أصالة المكان في كل التفاصيل بدءا من اللافتة الموضوعة على الواجهة والتي تشير إلى تاريخ افتتاح المكان سنة 1951، مرورا بجدران المعصرة المبنية من الحجر، ووصولا إلى الآلات القديمة التي لا تزال تحافظ على قوامها وأصالتها وهي تدور كعجلة الزمن.
يبدأ العمل في المعصرة بوصول الزيتون في أكياس كبيرة، من الحقول والمزارع ببلدية تفرق والبلديات المجاورة، أين تجمع الكمية لأيام في انتظار نضج حبات الزيتون حد الانكماش، وبعدما يفرز مرارته، يفرغ الزيتون في حوض كبير ومنه إلى حوض الطحن، أين تدور رحى حجرية ضخمة تحوّل المحصول إلى مزيج لين أوعجين.
كان في استقبالنا عند مدخل المعصرة عمر دعدوش، أحد أحفاد مؤسس المكان، حدثنا عن تاريخه العريق قائلا :»أسس جدي المعصرة سنة 1951، ثم تسلمها أبي وأعمامي، والآن نحن الذين نحافظ عليها»، مضيفا « لقد قمنا بتحديث بعض الأمور، كتحويل تشغيلها من قوة الأحصنة إلى الكهرباء، لكننا حافظنا على جوهر المعصرة التقليدي.».
من جانبه، أوضح شقيقه نصر الدين:» في المعصرة التقليدية لا يرحى الزيتون مباشرة، بل يترك لبعض الوقت ثم يطحن بالحجر، ويخرج الزيت مع بقايا الطحن (المورج)، عكس المعاصر الحديثة التي تفصل الزيت عنه مسبقا» مضيفا، بأن زيت المعصرة التقليدية يحتفظ بقيمته الغذائية ونكهته الأصيلة لمدة أطول، يعلق:» الزيت التقليدي يحتفظ بمذاقه ولونه وقيمته الغذائية لسنوات، على عكس الزيت الحديث الذي يتغير بعد أشهر»، وهذا الاختلاف تحديدا هو ما يصنع أولوية زيت المعصرة الحجرية، ويجعله أكثر طلبا من قبل المستهلكين، فهو خال من الشوائب ونوعيته رفيعة، إذ يتم تجميعه في الدلاء مباشرة بعد انتهاء مرحلة الطحن والعصر.
أحجار دائرية ضخمة لطحن الزيتون و«قداشات» لعصر الزيت
قابلنا خلال جولتنا في المكان، أحد زبائن المعصرة، فتحدثنا وإياه عن الزيت و جودته.
قال لنا الرجل، إنه يفضل الزيت المعصور في المعاصر الحجرية لأنه يحتفظ بخصائصه كاملة، و يتميز برائحته و طعمه الجيد، مشيرا إلى أنه وفي لمعصرة الإخوة دعدوش، لأن عملية العصر لا تزال تتم فيها بنفس الطريقة التقليدية القديمة، معلقا أنه يلاحظ كل شيء ويرى بأن العمال في المكان يتابعون كل مرحلة بدقة انطلاقا من طحن الزيتون إلى غاية تعبئته في القارورات.
وتتميز المرحلة الأولى حسب عمال في المعصرة، باعتمادها على تقنية تقليدية خالصة، حيث يتم استخدام الأحجار الدائرية الثقيلة لطحن حبات الزيتون عبر الضغط البطيء، وتحوّل المحصول إلى ما يشبه العجين الممزوج بالنواة المفتتة والمطحونة، فضلا عن والجزء الذي يحتوي على عصارة الزيت.
أما المرحلة الثانية، فتشمل تجميع المزيج في حاويات مستوية مصنوعة من مادة الحلفاء أو «قفاف» تسمى محليا بـ (القداشات)، وعصره عن طريق وضعها فوق بعضها داخل مكبس كبير وضغطها بآلة خاصة، لاستخراج الزيت الذي يتدفق من بين (القداشات) إلى حوض كبير أين يتم تجميعه وتخزينه، وفصل الزيت عن «المورج «، وهو سائل أسود يحتوي على بقايا حبات الزيتون وجزء آخر منها.
يتم هذا العمل لضمان الحصول على زيت بجودة عالية، يحتفظ بنكهته الطبيعية وفوائده الصحية، مع احتفاظه بجميع العناصر الغذائية الطبيعية والأصيلة، ما يكسبه نكهة مميزة وقيمة غذائية عالية.
و في هذا الصدد، يشير أحد العمال بالمعصرة، أن للعمل التقليدي متعة خاصة، فكل هذه المراحل والأدوات المستعملة، تبقى شاهدة على تاريخ عريق لعصر زيت الزيتون، مضيفا أن المعاصر التقليدية ليست مجرد مكان لإنتاج الزيت، بل هي قصة حية عن جدران قديمة وأدوات عتيقة، وأيدي من عملوا هنا لأجيال وتوارثوا الحرفة، فمنذ أكثر من سبعين عاما، وضع الأجداد حسبه اللبنة الأولى لهذه المعصرة، ومع مرور الوقت انتقلت الراية إلى الأب وأخوته، وصولا إلى الجيل الحالي الذي يحرص على الحفاظ على أصالة المكان، مع إدخال بعض التحسينات الطفيفة لتلبية احتياجات العصر.
تزايد في الإقبال
ويشير العاملون في المعصرة، إلى سمعة المكان بين المزارعين وثقتهم فيه، لأن الزيت التقليدي الذي ينتج هنا يتميز بمذاق مميز، وقدرة عالية على الاحتفاظ بجودته لفترة طويلة، بعكس الزيوت المنتجة بالطرق الحديثة التي تفقد نكهتها وقيمتها الغذائية مع مرور الوقت.
وعلى الرغم من تمسك المعاصر التقليدية بأصالتها، إلا أنها تواجه بعض التحديات، مثل منافسة المعاصر الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا لإنتاج كميات أكبر من الزيت في وقت أقصر، زيادة على تراجع الإقبال على الطرق التقليدية، إذ يفضل بعض المستهلكين الزيوت المنتجة بالطرق الحديثة، لاعتقادهم بأنها صحية وخالية من نسب الحموضة العالية.
ويضاف لكل ذلك مشكل ندرة اليد العاملة بسبب عزوف الشباب عن العمال التقليدي لمشقته، وبالأخص النقص المسجل في العمل الذين يتقنون الطرق التقليدية لعصر الزيتون أو العمال المهرة كما يطلق عليهم.
ع/ بوعبدالله

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com