تربط الطباخة وصانعة المحتوى سيلين العزة الشرق بالغرب عبر أطباق مميزة تقدمها من ثلاثة مطابخ مشهورة، المطبخ الشرق أوسطي، الإفريقي، والأوروبي، حيث تستحضر أصولها الفلسطينية، الجزائرية والفرنسية، أثناء تحضير أكلات وحلويات لذيذة تُبرز وهي تتفنن فيها تنوع النكهات والفرق في أساليب الطبخ.
إيناس كبير
ولأن الطباخة متعددة الثقافات في هذا المجال الذي شُغفت به دائما، فإنها تضيف لمستها الخاصة على بعض الأطباق العربية، كأن تُتبل دجاج طبق الكبسة على الطريقة الهندية مثلا أو تعتمد أسلوب الطبخ الجزائري في تحضير أطباق مشرقية وغير ذلك.
وتطل السيدة سيلين على جمهورها عبر حسابها على «إنستغرام» الذي يتابعه أكثر من 439 ألف متابع، كما تنشط بقوة من خلال قناتها على «يوتيوب» التي تجمع 26 ألف متابع، لتروج إلى جانب الطعام، للأزياء التقليدية فلسطينية والجزائرية مثل «الكاراكو»، وبأسلوب مرح وابتسامة لطيفة يقضي معها متابعوها رحلة ثقافية يتعرفون فيها على عادات وتقاليد المجتمعات العربية مثل التحضير لبعض المناسبات كشهر رمضان وعيد الفطر، كما تتنقل بهم كاميراتها أحيانا وسط شوارع الأردن والجزائر لتعرفهم على بعض العادات و تمنحهم تأشيرة مجانية للتجول في البلد والتمتع بجماله.
استرجعت الطاهية الشهيرة في حديثها مع النصر، ذكرياتها في الجزائر وبلهجة جزائرية متقنة جدا، كانت تتبع حديثها عن كل طبق أو منتوج جزائري بعبارة «تعنا» تأكيدا على افتخارها بدمائها الجزائرية على حد تعبيرها.
في عروقي دماء جزائرية فلسطينية
تحمل السيدة سيلين في عروقها دماء جزائرية فلسطينية، فوالدتها تنحدر من الأوراس وهي ابنة مجاهد، أما والدها ففلسطيني من القدس اشتغل مهندسا معماريا في الجزائر أيام شبابه، وساهم في تشييد جسور ومستشفيات قبل أن يتوفى ويدفن في الأرض التي احتضنته وأحبها كثيرا.
أما محدثتنا، فهي من مواليد باب الواد بالعاصمة، تربت في حيدرة ودرست هناك، ورغم كل السنين التي مضت لا تزال تتذكر اسم مَدرستها الأولى «أم عمار سمية»، وذكريات الطفولة
و الشباب في الجزائر وأحيائها.
عبرت الطباخة أن متابعيها يستغربون في بداية الأمر من أصولها الجزائرية، ثم عندما يتعرفون عليها يصفون الجزائريين بأجمل العبارات كما قالت، خصوصا وأن سيلين تتكلم كثيرا عن الثقافة الجزائرية، وتسترسل في الإشادة بصفات الشهامة التي تميز الرجل الجزائري، وجمال وعظمة نساء البلد الحرائر المجاهدات في كل زمن، اللواتي يقفن كما عبرت، مع أسرهن ويسندن أزواجهن، مضيفة أن أبناءها أيضا يحملون الجنسية الجزائرية ويفتخرون بها لأنها ربتهم على حب هذا الوطن.
وأردفت أنها كانت تحجم عن الإفصاح عن أصولها في بداية الأمر مكتفية بالرسالة التي تحملها وهي التعريف بثقافات البلدين وعاداتهما على طريقتها لتصل إلى الأجانب خصوصا في فرنسا بلد إقامتها، وعندما بدأت تظهر على الجرائد وفي الإذاعات هناك اشتهرت بهيئتها الإسلامية، فبدأ من عرفوها يتساءلون عن أصولها وجنسيتها، وذكرت أنها استُضيفت أيضا في برامج مصرية وأردنية، وكذا في قناة متخصصة في الطبخ في الجزائر، فقررت أن تكون أكثر وضوحا فيما يتعلق بانتمائها وأن تعبر عنه وتفتخر.
وتحب الطباخة أيضا كما قالت، إبراز الأزياء التقليدية لكلا البلدين والتعريف بهما، وعلقت حول الأمر «أحب ارتداء «الكاراكو» عند استضافتي في برامج عربية أو أجنبية، لكني اخترت ارتداء الزي الفلسطيني التقليدي عندما حللت ضيفة على قناة طبخ جزائرية».
أحتفظ بذكريات جميلة عن الجزائر
تنتقل الطباخة إلى ماض جميل قضته في الجزائر، ويشكل ألبوم طفولتها حيث استذكرت صدفة رؤيتها للرئيس الراحل هواري بومدين أول مرة وهي فتاة صغيرة، تقول إنه كان يقطن بجوارهم في حي سويداني بوجمعة، وأضافت بأنها بكت كثيرا عند سماع خبر وفاته آنذاك وما تزال تعيش مع تلك الذكرى.
أخبرتنا أنها لم تزر الجزائر طيلة 30 سنة، وعند وصولها إلى مطار هواري بومدين الدولي، وسماعها الاسم تذكرت مباشرة الرئيس الراحل ولم تستطع كبح دموعها.
كما تتذكر سيلين العزة، مذاق البرتقال الجزائري الذي وصفت طعمه بالفريد، مؤكدة أنه لا يوجد مثيل له في أي بلد آخر، بالإضافة إلى التمور ذات الجودة منقطعة النظير، فضلا عن «الكسرة» الشعير، والقمح، واعتبرت أنها تشكل ماض بالنسبة لها تعيش معه في ديار الغربة ولا يمكن أن تتخلى عنه.
وعن الأماكن التي تحفر عميقا في ذاكرتها، قالت إنها تستنشق في جدران القصبة رائحة جدتها، فبالرغم من أنها من أصول فرنسية إلا أن روحها تتشكل من عدة ثقافات فهي تتكلم العربية والشاوية أيضا، أما والدها فهو فرنسي صديق للثورة الجزائرية جاهد في منطقة الأوراس، لذلك ترغب السيدة سيلين في زيارة هذه المنطقة ورؤية جبالها، وتخيل الثورة وكيف قضى المجاهدون قرنا من الزمن محتمين هناك.
كما ترغب أيضا في زيارة شرق الجزائر وغربها، أما عن الصحراء الجزائرية، فذكرت أنها عاشت تجربة مميزة هناك مع الطوارق وبالتحديد في منطقة «جانت» التي شبهتها بقطعة من الجنة جمالها لا يمكن أن يتكرر في أي مكان آخر، مستغربة من خيراتها الطبيعية، وتمرها ونخيلها وأنهارها. وعبرت محدثتنا أيضا، عن جمال بجاية والتنوع الموجود بها.
وقالت السيدة سيلين، إنها لا تفوت مناسبة في الدعايات التي تقوم بها في بلدان عربية، إلا و تتحدث عن الجزائر بعراقتها وتراثها، وعلقت قائلة «أحب دائما أن أضع كلمة الجزائر في أي فيديو، مثلا كأن أقول نعم طريقة تحضير هذا الطبق تشبه «تعنا» في الجزائر». مضيفة أنها تتعمد استفزاز فضول المتابعين للتعرف على البلد، فضلا عن تذكيرهم بجمال ولاياتها.
هكذا جعلت الأجانب يهتمون بالثقافة العربية
زارت الطباخة دولا عديدة وتعلمت أسرار مطابخها، وكلما كبرت كانت ثقافتها تتنوع أكثر كما علقت، خصوصا وأنها تحب التعرف على تفكير أشخاص من جنسيات وديانات أخرى، ووجدت في ابتسامتها وسيلة لنقل رسالتها، وقد قالت حول الأمر: «من يملك دماء جزائرية يبقى رأسه دائما مرفوعا، أنا أعتبر ابتسامتي عند التعبير عن هويتي بصمة فخر بكل ما هو جزائري».
وقد أُعجب الأجانب بطريقتها في تقديم مقاطعها المصورة خصوصا وأن إطلالتها تتميز بالمرح وهو ما جذبهم إليها، وبحسبها، فقد اختارت أن تختلف عن باقي الطباخات اللواتي يقدمن محتواهن بطريقة نمطية لا روح فيها، وأوضحت أن هذه الطريقة لم تعجبها ناهيك عن أنها أصبحت مملة لدى الناس، وقد باتوا يتجاوزونها إلى مضامين على منصات أخرى مثل «تيك توك»، مضيفة: «على سبيل المثال لا أكتفي بقول ملح فقط، بل أنطقها بطريقة أوبيرالية وهو نوع من تلطيف الجو»، وهو ما لفت متابعيها واعتبروه أسلوبا جديدا.
وعن اختيارها للغة الفرنسية لتقديم محتواها الخاص بالطبخ رغم إتقانها اللغة العربية جيدا، أفادت أنه خيار فرضته الضرورة، فخلال بداياتها كانت تستخدم لغتها الأم لكنها لم تجد تفاعلا مع «فيديوهاتها» من الجمهور العربي، عكس اللغة الفرنسية أين دعمها أوروبيون من بلجيكا، ألمانيا وكندا، كما فتحت لها أبواب الجرائد والإذاعات التي استغلت منابرها في التعريف بالمطبخ الجزائري.
وذكرت، بأنها دائما تنسب الأطباق والحلويات التي تطبخها إلى الجزائر مثل«الرشتة» وهو الطبق الذي اشتهرت به، و«طاجين الحلو»، و«طاجين الزيتون»، و«تشاراك». كما اشتهرت أيضا بتقديم الأطباق الفلسطينية مثل «المقلوبة»، وجذبت إليها متابعين من عدة بلدان عربية وأجنبية، وإفريقية، وأردفت، أن كثيرا من متابعيها يجربون أطباقها ويخبرونها عن إعجابهم بلذتها. إ.ك