أصبح عمر الأجهزة التكنولوجية اليوم، يُقاس بالأشهر لا السنوات أو العقود مثلما كان عليه الحال سابقا في الأجهزة التقليدية، فما إن يظهر جهاز جديد حتى تبدأ الشركة المصنعة في الترويج لآخر يتميز بتقنيات أكثر حداثة عنه، فضلا عن شكله الجديد الذي يثير شهية المستهلك للحصول عليه، لاسيما الأجيال الجديدة التي باتت تعاني نوعا من إدمان التكنولوجيا بمختلف منتجاتها من الإنترنت، والهواتف الذكية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لم نعد نتحدث اليوم عن التلفاز أو أجهزة الراديو، بل أجهزة لم يمضِ على ظهورها أقل من ثلاث سنوات، سرعان ما توضع على على الدكة تاركة مكانها لأخرى جديدة خصوصا في مجال الحواسيب، والهواتف الذكية ولواحقها، مثل السماعات المستخدمة في مجال نقل وتوزيع ورفع الصوت، والتي ظهرت بعدة أنواع أزاحت أخرى كالسماعات الكلاسيكية داخلية الاستعمال التي استُبدلت سريعا أيضا بأنواع لاسلكية تعمل بتقنية «بلوتوث»، وصولا إلى السماعات كبيرة الحجم وهي المنتشرة حاليا. وحسب الأصداء التي رصدتها النصر، فإن المستهلك يبحث في كل جهاز عن ميزات تكون أفضل من التي يوفرها الذي قبله، ففي السماعات يبحث عن نقاوة الصوت، وفصل الأذن عن الضوضاء، أما في الهواتف فالمراد من تغييرها بين فترة وأخرى، هي جودة الكاميرا التي توفر صورا ألوانها أكثر وضوحا لهواة التصوير، أو شاشتها كبيرة من أجل مشاهدة الأفلام السينمائية، أو ذات حجم خفيف، أو تلك التي تتوفر على خصائص جديدة أكثر تطورا، وصولا إلى جمال شكلها والظهور في هيئة تدل على المستوى المعيشي الجيد للفرد.و يرى الدكتور في الإعلام الآلي والمختص في الذكاء الاصطناعي، عبد النور بولسنان، أن الجيل تغير وأصبح يتبع الموضة ويحاول مواكبة العصر في الأجهزة التي يملكها، وهو ما أطلق عليه أيضا مصطلح «الهوس»، لأن الإنسان العادي، وفقا له، لا يضطر لتغيير جهازه كل مرة، كما تطرق أيضا للفئات التي تعاني من اضطرابات نفسية وبالتالي تحاول دوما الانعزال عن المجتمع بالهروب من الواقع إلى عالم التكنولوجيا.
الجيل الجديد الأكثر استهلاكية
وأوضح الأستاذ أن الاستهلاك في حقيقة الأمر هو عام من كل فئات المجتمع، بينما يختلف الإدمان على اقتناء المنتجات التكنولوجية على حسب نوع الجهاز والاحتياجات التي يلبيها، وأعقب الدكتور في الإعلام الآلي، والمختص في الذكاء الاصطناعي، عبد النور بولسنان، أن الفئة الأكثر إقبالا على الحواسيب على سبيل المثال، هي من هواة ألعاب الفيديو، أو المختصين في مجال التصميم الجرافيكي، الذين يتابعون آخر أخبار المجال ويحاولون دوما الحصول على أحدث الإصدارات خصوصا الأجهزة ذات القوة الحوسبية الكبيرة، أو التي تكون قوية في الإظهار والتصميم.
كما تطرق بولسنان، إلى دور الإشهار أيضا، خصوصا الذي يأتي من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين لديهم دور كبير في زيادة الاستهلاك والوصول إلى الإدمان، فالبعض منهم ينشغل دائما بالحديث عن آخر الأخبار التقنية أو استعراض آخر الإصدارات ومقارنتها بالقديمة، وعلق « لو أخذنا هذه الممارسة من جانب آخر نجد أن لها إيجابيات إذا تحدثنا عن الذين يريدون معرفة عيوب ومشاكل جهاز ما لكنها تتحول إلى هوس عندما يكون المؤثر لا يملك خلفية تكنولوجية» وذكر على سبيل المثال، بعض المؤثرين الذين يملكون محلات لبيع الأجهزة الإلكترونية أو يشتغلون بها، فتجدهم يركزون على الترويج لهذا النوع من المنتجات لأجل زيادة الإقبال على محلاتهم و بالتالي تحقيق الربح.وعن دفع مبالغ كبيرة مقابل تجديد الأجهزة الإلكترونية قال المختص، إنه يصبح أمرا ضروريا في بعض المجالات مثل البحث العلمي، والتعليم من خلال توفير أجهزة وتكنولوجيات جديدة، كالواقع الافتراضي حتى يتعلم الطلبة والتلاميذ بشكل أفضل.ويضيف، أن كل فرد في حقيقة الأمر بحاجة إلى تجديد أجهزته، خصوصا الأساتذة، وباحثين، والإداريين، أو العمال في مختلف القطاعات، ليكونوا مواكبين للتطورات الحاصلة في قدرة المعالجة، واستقبال البيانات، أو زيادة تدفق الإنترنت على سبيل المثال، فالكل حسبه أصبح بحاجة إلى جهاز «مودم» ينشر «إنترنت» بتدفق عال، و الباحثين أيضا يحتاجون أحيانا كما قال، لأن تكون القدرة الحوسبية كبيرة لإنجاز البحوث، كما ذكر المتحدث أن الفرد يكون خاضعا للتجديد عندما تجبره على ذلك الشركات المصنعة خصوصا التي تتحكم في أنظمة تشغيل أجهزتها، كأن توقف الشركة مثلا تحديث الجهاز مثل ما حصل مع «آندروويد رقم 10» في الهواتف.
ويوضح المتحدث، أن الجهاز القديم يصبح في هذه الحالة غير قادر على تثبيت تحديثات جديدة الأمر الذي يدفع إلى اقتناء آخر جديد كليا، لأن توقف التحديث يوقف الحماية، ويؤكد أن هذا الأمر يصبح حاسما في عملية التجديد لأنه يشكل خطرا على مستخدمه. ويضيف :»على سبيل المثال عندما تكون إمكانات الحاسوب متوسطة فصاحبه يثبت عليه نظام تشغيل 7، وبعد توقف تحديثه يصبح بحاجة إلى آخر أقوى منه، وهنا يكون الحاسوب أصلا غير صالح لاستيعاب برامج التحديث الجديدة»، أما إذا كان مجرد هوس من أجل قضاء الوقت في الألعاب، فيرى محدثنا، أنه من الواجب التحكم في هذا الاستهلاك غير العقلاني، خصوصا لدى الجيل الجديد الذي وصفه بأنه الأكثر استهلاكا للأجهزة الرقمية الحديثة.
وأرجع ذلك إلى أنهم ولدوا داخل هذا التطور الجديد، ولذلك فإن تأثير التكنولوجيا عليهم بطريقة كبيرة أمر لا مفر منه، مضيفا : «نجد اليوم أطفالا صغارا لا يتعدون ثلاث سنوات يستخدمون الأجهزة الإلكترونية أفضل بكثير ممن سبقهم»، لكن الأمر يستدعي حسبه الاستثمار الجيد في الميزات التي يتحلون بها وضبط وقت استخدامهم للأجهزة الإلكترونية المرفق دائما بالتوعية. من جهة أخرى، أفاد المتحدث،أن إدمان السعي للحصول على أجهزة جديدة سيؤثر حتما على القدرة الشرائية للفرد خصوصا لدى المراهقين الذين هم في مقارنة دائمة مع أقرانهم، دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التأثير سيصل إلى الأسرة التي تكون مضطرة دائما لجلب جهاز للعب، هاتف، «آيباد» والكثير من الأدوات التكنولوجية.
طفرات جديدة ستظهر في العالم
وقال الدكتور في الإعلام الآلي والمختص في الذكاء الاصطناعي، عبد النور بولسنان، إن مجال التكنولوجيا مايزال على موعد مع طفرات أخرى تجعل من المنتجات الرقمية أكثر قوة وتطورا خصوصا من ناحية الذكاء الاصطناعي، والتأثير الجديد للنماذج اللغوية الجديدة الذي سيمس تقريبا كل الأجهزة، فيما سيكون أسلوب تفاعلها رهيبا جدا حتى تضم كلها تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة.
وتحدث عن أجهزة الواقع المعزز التي ستجعل الفرد يبحث في عوالم كثيرة كالألعاب الإلكترونية مردفا أنها منتجات ستُطرح بقوة. أما على مستوى البحث العلمي، وفي جانب الأمن الحاسوبي، فقد أوضح أن تطور الحوسبة الكمومية وقوتها في عمل الحسابات بطريقة سريعة جدا مقارنة بالحواسيب العادية، ستكون طفرة في عالم الحواسيب خصوصا في بعض البلدان المتطورة، مؤكدا أن هذه التقنية ستصل إلينا يوما ما. إيناس كبير