حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع عن "المكسب اللّغوي"، كتعويض رمزي عن الجنّة المفقودة، لذلك يلتقي وزير داخليّتها مع الكاتب حامل لقب غونكور في انتقاد التوجّه نحو تدريس الانجليزيّة في الجزائر، حيث يعتبره الوزير سلوكًا عدائيًا في حين يتنبأ له الكاتبُ بالفشل.
وإذا كان موقف فرنسا مفهوما، لأنّ اللّغة بالنّسبة لها أداة هيمنة، تستخدمها كما تستخدم الثقافة والفنون في استبقاء المستعمرات القديمة في دائرة النفوذ، فإنّ مواقف "المجنّدين" تُثير الاستغراب و السُّخرية،
فحين تكون كاتب روايات ويحبّك رئيس فرنسا ويمنحك جنسيّة بلده وتحبّه بدورك وتُردّد جمله في وصف بلدك وتنال أرفع جائزة في ذات البلد وتستضيفك وسائل الإعلام والجامعات باستمرار وتقول علنًا إنّ علاقتك بفرنسا "شبقية"، سنقول لك هنيئًا ، لكن، وباسم الحرية التي تمجدها سنقول لك أيضًا، إنّك ليست وصيًّا على أبناء الجزائريين حتى تختار لهم اللّغة الأجنبيّة التي يدرسون بها، خصوصًا حين تكون مجبرا باسم الحبّ والشبق على الدفاع عن "لُغة الخبز" بكل ما يعنيه ذلك وما يتركه من أثر على المصداقيّة، وربما لا يسمح لك وضع كهذا حتى بمناقشة هذا الخيار الجزائري الخالص حتى و إن حاولت التحدّث باسم من تسميهم "جزائريي فرنسا" الذين اعتبرتهم حراس المخيال اللّغوي "غير القابل للتصرّف"! أي، الذين تدعوهم بسخاء للنضال من أجل إبقاء الفرنسيّة كلغة مُهيمنة في الجزائر، وربما كان ذلك من صميم المهام التي كلّفت بها نفسك، من باب ردّ الخير أو مقابلة الحبّ بما يعادله من خدمة، لكنّك لا تمثل الدياسبورا التي تواجه إحدى أبشع العنصريات في التاريخ المعاصر. وباسم الحريّة ذاتها التي جعلتك مناضلًا في اليمين المتطرّف، لماذا لا تترك مواطنيك السابقين يختارون اللّغات التي يرونها مناسبة لتلقي العلوم والمعارف وهي عالميّة ومعروفة ولا تحتاج إلى من يدل عليها، ثم هل من وظيفة كاتب روايات أن يشرح وضع بلد بصفة يومية ومكرّرة لمواطني بلد انتسب إليه؟
إنه تمرين يضرّ بالنبل الذي يفترض أن يكون عليه كاتب "غير قابل للتصرّف"، وينال من حريّته لأنّ الحريّة لا تعني وضع اليدين طوعًا في قيدٍ آخر.
نعم، تستخدم فرنسا لغتها كقوّة ناعمة، وهذا شأنها، ومن حقّ الجزائريين الانفتاح على مختلف لغات العالم، فالعالم واسع خلف جدران باريس كما قال قديمًا محمد ذيب الذي كتب بالفرنسية من دون أن يحبّه رؤساء فرنسا أو تمجّده صحافتها، وثمة لغات أخرى جميلة لا يُجبر مستعملوها على تغيير جلودهم أو تسليم مفاتيح أرواحهم أو شتم أصولهم، كما يفعل الفائزون بغونكور وأخواتها من غير أهل الدار.
سليم بوفنداسة