الجمعة 25 أفريل 2025 الموافق لـ 26 شوال 1446
Accueil Top Pub

حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع عن "المكسب اللّغوي"، كتعويض رمزي عن الجنّة المفقودة، لذلك يلتقي وزير داخليّتها مع الكاتب حامل لقب غونكور في انتقاد التوجّه نحو تدريس الانجليزيّة في الجزائر، حيث يعتبره الوزير سلوكًا عدائيًا في حين يتنبأ له الكاتبُ بالفشل.

وإذا كان موقف فرنسا مفهوما، لأنّ اللّغة بالنّسبة لها أداة هيمنة، تستخدمها كما تستخدم الثقافة والفنون في استبقاء المستعمرات القديمة في دائرة النفوذ، فإنّ مواقف "المجنّدين" تُثير الاستغراب و السُّخرية،
فحين تكون كاتب روايات ويحبّك رئيس فرنسا ويمنحك جنسيّة بلده وتحبّه بدورك وتُردّد جمله في وصف بلدك وتنال أرفع جائزة في ذات البلد وتستضيفك وسائل الإعلام والجامعات باستمرار وتقول علنًا إنّ علاقتك بفرنسا "شبقية"، سنقول لك هنيئًا ، لكن، وباسم الحرية التي تمجدها سنقول لك أيضًا، إنّك ليست وصيًّا على أبناء الجزائريين حتى تختار لهم اللّغة الأجنبيّة التي يدرسون بها، خصوصًا حين تكون مجبرا باسم الحبّ والشبق على الدفاع عن "لُغة الخبز" بكل ما يعنيه ذلك وما يتركه من أثر على المصداقيّة، وربما لا يسمح لك وضع كهذا حتى بمناقشة هذا الخيار الجزائري الخالص حتى و إن حاولت التحدّث باسم من تسميهم "جزائريي فرنسا" الذين اعتبرتهم حراس المخيال اللّغوي "غير القابل للتصرّف"! أي، الذين تدعوهم بسخاء للنضال من أجل إبقاء الفرنسيّة كلغة مُهيمنة في الجزائر، وربما كان ذلك من صميم المهام التي كلّفت بها نفسك، من باب ردّ الخير أو مقابلة الحبّ بما يعادله من خدمة، لكنّك لا تمثل الدياسبورا التي تواجه إحدى أبشع العنصريات في التاريخ المعاصر. وباسم الحريّة ذاتها التي جعلتك مناضلًا في اليمين المتطرّف، لماذا لا تترك مواطنيك السابقين يختارون اللّغات التي يرونها مناسبة لتلقي العلوم والمعارف وهي عالميّة ومعروفة ولا تحتاج إلى من يدل عليها، ثم هل من وظيفة كاتب روايات أن يشرح وضع بلد بصفة يومية ومكرّرة لمواطني بلد انتسب إليه؟
إنه تمرين يضرّ بالنبل الذي يفترض أن يكون عليه كاتب "غير قابل للتصرّف"، وينال من حريّته لأنّ الحريّة لا تعني وضع اليدين طوعًا في قيدٍ آخر.
نعم، تستخدم فرنسا لغتها كقوّة ناعمة، وهذا شأنها، ومن حقّ الجزائريين الانفتاح على مختلف لغات العالم، فالعالم واسع خلف جدران باريس كما قال قديمًا محمد ذيب الذي كتب بالفرنسية من دون أن يحبّه رؤساء فرنسا أو تمجّده صحافتها، وثمة لغات أخرى جميلة لا يُجبر مستعملوها على تغيير جلودهم أو تسليم مفاتيح أرواحهم أو شتم أصولهم، كما يفعل الفائزون بغونكور وأخواتها من غير أهل الدار.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com