مختصون يُحذرون من تأثيرها على الشبــاب: فيديـــــوهات « الريـــــــلز » و « الشورتــــس » تتحـــــول إلى مصيــــــدة إلكــترونيـــــة

أحدثت الفيديوهات القصيرة «الريلز» و»الشورتس، « التي برزت بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي، طفرة تقنية في طريقة التفاعل وعرض المحتوى واستخدام التأثيرات البصرية والسمعية الجاذبة للمستخدمين، الأمر الذي جعل مختصين في مجال التكنولوجيا الحديثة، يحذرون من أخطارها لما فيها من مضيعة لوقت للشباب الجزائريين الذين يتضاعف استخدامهم لها يوميا داعين في ذات الصدد، إلى دراستها والبحث عن أبعادها النفسية
 و الاجتماعية.

*  لينة دلول

تقنية ذكية لرفع نسب المتابعة
 ومع ظهور تطبيقات «سناب شات» و»تيكتوك» و «أنستغرام»    و» يوتيب» التي تتيح إنتاج هذا النوع من الفيديوهات، بدأت تتطور هذه التقنية شيئا فشيئا من أجل إشباع رغبات محبيها وتحفيز المستخدمين على إكمال المقطع، عبر إضافة مزايا جديدة تسهل من استخدامها وتزيد من رواجها و انتشارها على نطاق واسع كإضافة موسيقى رائجة أو سرد قصصي أو مقاطع تشويقية، وكذا ربط هذه الفيديوهات مع منصات كأخرى على سبيل المثال «ريلز الأنستغرام» يظهر على صفحة «الفايسبوك» ويحيلك إلى الموقع الأصلي للفيديو وهذه الطريقة قد انتهجتها الشركات لزيادة عدد المشاهدات و المتابعين.
 و يلاحظ في الجزائر الاستخدام الواسع لهذه التقنية حيث نرى أن الفيديوهات القصيرة أصبحت الأداة الأساسية التي يستخدمها المؤثرون لعرض يومياتهم وكذا عند تسويقهم لبعض المنتجات حتى أصبح المستخدمون يتداولونها بكثرة ويقلدونها سواء في عرض الملابس، أو الأكل أو في مجالات أخرى أهمها الرسم و السياحة و التجميل و حتى التعليم، فهناك من المؤثرين الناشرين للمحتوى التعليمي للغات الأجنبية مثلا، من يسجلون سلسلة من الدروس القصيرة في خمس دقائق ويستوعبها الطالب بسهولة  وهو ما تؤكده التعليقات حول هذا النوع من المحتوى.
خوارزميات تدرس اهتماماتك و تترصدك !
 وهذه الخاصية لم تعد تقتصر فقط على عرض محتوى صفحات جزائرية، بل تعدت الحدود الجغرافية و أضحت تعرض فيديوهات لأجانب وعرب يقومون بتحديات و رقصات، وذلك لأن هذه التطبيقات ترتب أولويات الجمهور حسب ما يطيل أو يكثر من الشخص مشاهدته من فيديوهات، وذلك بناء على خوارزميات تدرس منحنيات المشاهدة و تصنف الاهتمامات و تشجع محتوى على حساب آخر وكأن هناك من يراقب نشاطك على المواقع.
 وتتصدر «الريلز» قائمة التقنيات الأكثر تداولا واستخداما بين الجزائريين، كونها من الفيديوهات التي تحقق نسب مشاهدات عالية ما يساهم في رواجها أكثر بين المستخدمين، كما تختلف المقاطع المنشورة من فترة إلى أخرى حسب الأحداث والأهمية فمثلا لما انطلقت ألعاب البحر الأبيض المتوسط كانت أغلب الفيديوهات تتمحور حول مدينة وهران واللاعبين و الدول المشاركة، بخاصة تلك التي تثني على أداء و تتويجات  اللاعبين المحليين في المسابقات، وقد كان المحتوى في أغلبها مرفقا بموسيقى «ديسكو ماغريب» لدي جي سنيك.
 خلال استطلاع أجرته النصر، بدا جليا بأن هناك خط سير واحد نزولا عند تأثير « الترند» و كأن هناك قطيعا يمشي على خطى يحددها عنصر واحد، فأغلب الفيديوهات حاليا، تخص صورا الأعراس و التقاليد و الاصطياف، ومعظمها تصور وفق نسق واحد و تكرر نفس الشريط الموسيقي، بطريقة تحيلنا إلى التفكير في أن هناك برمجة آلية للأفراد.
 وتعتبر الطالبة الجامعية مريم، أن الفيديو القصير يمتاز بالبساطة والسرعة في إيصال الفكرة، خاصة وأن حالة التركيز لديها أصبحت متدنية، لذلك فهي تفضله عن باقي المحتويات الرقمية.    أما أمينة الشابة العشرينية، فتقول بأنها لا تشاهد المنشورات عند تصفحها لتطبيق انستغرام، بل تقوم بالضغط على أيقونة الريلز لتتابع مختلف الفيديوهات الموجودة عليها، لأن تلك المقاطع حسبها تشعرها بالمتعة وتمدها بأفكار جديدة لصناعة المحتوى، مضيفة بأن، أن أكثر المحتويات التي تجذبها في «الريلز» هي الخاصة بالطبخ والسفر، لأن ما يخطف نظرها هي زوايا التصوير والموسيقى الرائعة التي تحفزها على مواصلة المشاهدة دون ملل مشيرة إلى أنها في بعض الأحيان تبقى لساعات طويلة من الليل وهي تتابع تلك المقاطع حتى تنام.
 أما زكي موظف في القطاع الخاص، فيعتبر أن هذه الفيديوهات باتت تأخذ حيزا كبيرا من وقته، لدرجة إدمانها وهو ما يؤخره عن عمله ويؤثر سلبا على نمط نومه، لأنه يشاهد دون وعي أو تفكير أكثر من خمسة مقاطع متواصلة بشكل متتابع وسريع إن لم تكن أكثر.
وأجمع العديد من صناع المحتوى، أن الريلز، تساهم كثيرا في زيادة عدد المتابعين  و المشاهدات  وهو ما يؤكده الطبيب راحو المختص في نشر معلومات  حول المجال الرقمي، حيث قال في منشور له  أنه لاحظ خلال شهر واحد، زيادة في عدد متابعيه إلى  30 ألف بفضل نشره لريلز، متعددة خلال فترات متقاربة.
 أما غادة صاحبة  صفحة طبخ، فقد قالت، بأنها تفضل مشاركة وصفاتها عبر هذه التقنية عكس  الطرق الأخرى، لأنها تزيد من انتشارها ووصولها إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين وغير المتابعين ممن يضاعفون نسب مشاهدة فيديوهاتها.
* صانع المحتوى الرقمي و الخبير في التسويق الإلكتروني محمد أمين ميزو: «الريلز» تواكب سيكولوجية الإنسان

يشير صانع المحتوى الرقمي و الخبير في التسويق الإلكتروني محمد أمين ميزو، إلى أن العالم في حالة حركة متسارعة ومتغيرة بانتظام نتيجة التقدم الكبير الذي طال جميع مجالات الحياة، وهو  الأمر الذي جعل من الجيل الحالي في سباق مع الزمن ويبحث عن المعلومات المختصرة.ويضيف الخبير، بأن الثورة التكنولوجية المتطورة أحدثت تغيرا في الطريقة التي يتلقى بها الجمهور المعلومات، لدرجة أن الجميع باتوا يبحثون عن كل مختصر مفيد، لدرجة أن هناك من يعجزون حتى على تتبع الفيديوهات التي تزيد مدتها عن 15 دقيقة.
وذكر  ميزو،  أن أداة  «الريلز» التي تسمح للمستخدمين بصنع مقاطع مدتها  أكثر من 15 ثانية ودمجها مع الموسيقى ومشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت تواكب سيكولوجية  الإنسان الذي يتصف بقلة الصبر، وأكد أن الصفحات المختصة في نشر الفيديوهات القصيرة، أصبحت تركز على حصد الأموال وجنيها عن طريق الإعلانات المرافقة لذلك المحتوى المصور  دون الانتباه لطبيعة ما يروجون له فعليا، لأنهم يعتبرون المشاهد رقما وفقط.
وتعمل هذه الميزة حسبه، على جعل الفرد كائنا سطحيا ومنشغلا بالتنقل بين التطبيقات، مع تكريس انسلاخه عن مجتمعه و تشبعه بأفكار و ميولات مادية واستهلاكية.  
وعليه ينصح بالتقليل من استخدام التطبيقات الحديثة، لأن هذه الوسائط تعد مصيدة إلكترونية يقع المستخدم في شباكها، من خلال الإدمان عليها وقضاء ساعات طويلة أمام الشاشة.
* أستاذة التكنولوجيا الجديدة للإعلام والاتصال أحلام كيحل: الظاهرة تستدعي الدراسة والبحث

ترى  الدكتورة في التكنولوجيا الجديدة للإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة3، أحلام كيحل، بأنه لا يوجد تاريخ محدد لظهور الفيديوهات القصيرة لكونها أساسا ارتبطت بظهور شبكات التواصل الاجتماعي، التي أضحت تقدم ميزات وخدمات عديدة من بينها صناعة المحتوى وهذا  حسبها، عامل برز بشكل أساسي بعد تحول هيكل العملية الاتصالية والتحول من النموذج التقليدي إلى من صناعة المحتوى وتقديمه للجمهور، إلى إدماج هذا الجمهور في عملية صناعة المحتوى، والمشاركة في المضامين من خلال التعليق والنشر الذي يكون عبر عدة أشكال من بينها الفيديوهات القصيرة « شورتس» على منصة «اليوتيوب» و «الريلز» على إنستغرام وغيرها، وكلها تدخل تحت طائلة المحتوى الذي ينتجه المستخدمون.
وتؤكد الأستاذة، أن النموذج الإعلامي الجديد الذي يكون فيه الجمهور مساهما في صناعة المحتوى، أدى إلى تحول اهتمامات ورغبات الجمهور نفسه، حيث بات يفضل محتوى قصيرا يمكن صناعته بسهولة ولا يتطلب الكثير من الوقت والجهد،  مما زاد التوجه نحو الفيديوهات القصيرة و الريلز سواء عبر اليوتيوب أو الفيسبوك وحتى عبر الإنستغرام، وذلك نتيجة للتغير في خصائص الجمهور ورغباته من الناحية السيكولوجية النفسية الاجتماعية وحتى التقنية، كون غالبية المستخدمين باتوا ملمين بأساسيات صناعة الفيديو القصير الذي لا يتطلب احترافية، ويمكن لأي هاو أن ينتج و ينشر بواسطة الهاتف متعدد الوسائط.
وتضيف المتحدثة، بأن الشباب يميلون إلى متابعة وحتى نشر الفيديوهات القصيرة للأسباب سالفة الذكر، إلى جانب سهولة استخدام الوسائط الرقمية وكذا إمكانية اختصار الوقت والجهد.
مشيرة،  إلى أن هذه الفيديوهات أصبحت ظاهرة تستدعي الدراسة بالنظر إلى تأثيرها الكبير في بعض المجتمعات، خاصة بين الشباب والمراهقين الذين وجدوا فيها متنفسا للتعبير عن كل الآراء والأفكار و كنوع من إثبات الذات و الرغبة في الشهرة و الترويح عن النفس بدليل الإقبال الخرافي على تطبيق «التيك توك».
متنفس بعيد عن الرّقابة الأسرية
وترى الأستاذة كيحل، بأن الشبكات الاجتماعية تعد منابر تمنح للمستخدمين جرعات أكبر من الحرية، وتسمح بالتخلص من كل أشكال الرقابة المجتمعية وحتى الأسرية في بعض الحالات.
فالفيديوهات القصيرة تكتسي أهمية بالغة إذا ما ارتبطت بمحتوى هادف ومفيد، وهذا مرهون بأهداف وغايات نشر المحتوى  وأضافت، بأنه في حال كان أصحاب الفيديوهات القصيرة يهدفون إلى  كسب الجمهور و تعلم مهارات معينة كإتقان اللغات الأجنبية و اكتساب خبرات مناقشة موضوعات هادفة، فإن « الريلز و الشورتس» لا تكون مصيدة الكترونية كما يطلق عليها البعض    بل ستؤدي أدوارا أكثر وعيا ونضجا، والعكس إذا كانت الفيديوهات لا تقتصر سوى على التسلية والترفيه والرقص والتهريج.
وبخصوص تبسيط الأفكار في الجانب التعليمي، تؤكد أن الفيديوهات القصيرة جد مفيدة كونها تمنح المتلقين إمكانية المتابعة بالصوت والصورة، بشكل تفاعلي بسيط خالي من التعقيد وبلغة مفهومة وجد متداولة، مما يسهل العملية على المعلم والمتعلم في آن واحد ويزيد من فعاليتها.