ناقشت الحكومة خلال اجتماعها، أمس، برئاسة الوزير الأول، نذير العرباوي، الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية لضمان تلبية منصفة ومستديمة لاحتياجات السكان من...
تتأهب مدينة قسنطينة، لنزع الثوب القديم وارتداء آخر أكثر حداثة وعصرنة، بعد سنوات من تدهور عمرانها القديم وأزقتها العتيقة ومعالمها التاريخية ومرافقها...
دعا رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، يوم أمس، إلى ضرورة مواكبة واستغلال كل الحلول التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة وخاصة الذكاء...
أقر مجلس الأمن الدولي، بمبادرة من الجزائر وبعد مشاورات دامت أكثر من 6 أشهر، بمبدأ المساواة في الاطلاع على وثائق المجلس الداخلية وغير المتاحة للنشر،...
تشهد المطاحن التقليدية بولاية قسنطينة، مع الشهر الفضيل، إقبالاً متزايداً لمواطنين من كل الأحياء و البلديات، بغرض طحن القمح و الشعير للحصول على «الدقيق» و»الفريك» و « الدشيشة»، وغيرها من المشتقات التي تعد مكونات رئيسية على موائد كثير من الصائمين و يعتبر زبائن زيارتها في كل سنة،عادة يسترجعون من خلالها ذكرياتهم ويحافظون بها على التقاليد، حسبما أوضحه بعض من تحدثنا إليهم.
قامت النصر، بجولة استطلاعية بين عدد من المطاحن الموجودة بالمدينة القديمة و بمنطقة صالح دراجي بالخروب، أين تشتهر الأحياء برحى تقليدية تستقطب الكثيرين، وقد اتفق جل من تحدثنا إليهم خلال استطلاعنا، على أن عملية طحن الفريك، عادة سنوية تستشعر من خلالها العائلات القسنطينية نفحات رمضان، رغم التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي مست المجتمع خلال السنوات الأخيرة، و توفر مادة الفريك معلبة وجاهزة على رفوف المتاجر.
كما أكد مواطنون، بأن ترحيلهم من المدينة القديمة، نحو التوسعات الحضرية الجديدة والكبيرة، لم يفك ارتباطهم بها ولم يغير عاداتهم الرمضانية ولذلك لا يزالون إلى أيامنا، يتنقلون إلى السويقة القديمة لأجل تحضير الفريك و مشتقات القمح و الشعير و الذرى في مطحنة الشط الشهيرة، لأن الأمر لا يتعلق بالحصول على نوعية جيدة من هذه المواد فحسب، بل يشمل متعة التجربة واحتمال اللقاء بجيران و أصدقاء قدامى و التجول بين الأزقة و استرجاع الكثير من الذكريات.
مطحنة الشط شهرة لا تخبو
وجهتنا الأولى كانت صوب «مطحنة الشط»، التي تعتبر أقدم مطحنة بحي السويقة ومن بين الأشهر في قسنطينة، يقصدها المئات سنويا من داخل الولاية و حتى من خارجها، عند وصولنا إلى المكان كان الضجيج قويا آلات و عمال و زبائن، و كانت سحابة من الغبار تنبعث من داخل المحل وكأن كيسا من الطحين انفجر هناك، رغم ذلك ظل الزبائن واقفين في طابور ينتظر كل واحد منهم دوره.
انتظرنا لحوالي 15 دقيقة، من أجل الدخول الى المطحنة و الوقوف على طبيعة العمل و تفاصيل يوميات العمال، لكن الاكتظاظ عند الباب كان كبيرا، وقد أخبرنا أحد العاملين هناك، أن الإقبال يتضاعف على المطحنة طيلة شهر رمضان، وأنهم يعملون لساعات طويلة من دون توقف من أجل تلبية طلبات الزبائن، خاصة ما تعلق بطحن الفريك، و حبوب الذرى و الشعير.
وقال بعض زبائن المحل، بأن طحن الفريك في مطحنة الشط، له نكهة خاصة ومميزة رغم تعدد المطاحن بالمدينة و وجود مطاحن عصرية وتوفر المادة جاهزة في المحلات، فزيارة المكان هي بمثابة رحلة عبر الزمن و عودة بالذاكرة إلى سنوات مضت كانوا خلالها أطفالا صغارا يرافقون آباءهم إليها، و لذلك يستمتعون جدا بزيارة المطحنة في رمضان لما يمنحه ذلك الشعور من سعادة، فضلا عن أنها عادة مقدسة بالنسبة لبعض الأمهات، كما قال أحمد، الذي أخبرنا بأنه من أبناء حي طاطاش بلقاسم، وأن والدته ترسله سنويا إلى مطحنة الشط، لطحن الفريك بعدما تكون قد حضرته بنفسها بطريقة تقليدية في المنزل.
أما السيدة سامية المقيمة بحي المحاربين، و التي كانت تقف في الطابور المكون من سبعة أشخاص فأوضحت، بأنها تقصد مطحنة الشط منذ 10 سنوات، لسمعتها الطيبة وجودة عملها، مشيرة إلى أن الأجواء في المنطقة تكون خاصة جدا خلال شهر رمضان الكريم، و تبعث في نفسها الانشراح والفرح ولذلك تتردد على المطحنة سنويا لتستمع بهذه التجربة.
فيما اعتبرت السيدة وردة القادمة من علي منجلي، بأن طحن الفريك في هذا المحل تحديدا و المرور عبر أزقة السويقة القديمة وصولا إلي الشط متعة لا تضاهى، و لذلك تستمر في زيارة المكان كل رمضان، رغم أنها ما عادت من سكان المدينة القديمة، وقالت محدثتنا، بأن الأمر لا يقتصر عليها وحدها، بل هو سلوك تتشارك فيه مع عدد من جاراتها بالحي الجديد الذي رحلوا إليه سنة 2013.
أسعار في المتناول وزبائن من خارج الولاية
وبحسب ما وقفنا عليه، فإن أسعار الطحن تتراوح بين 20 و 40 دج وهو ثمن في متناول الجميع حسبما أكده لنا محدثونا، كما أنه ثابت ولم يتغير أو يرتفع منذ سنوات وهو تفصيل يزيد ارتباطهم بهذه المطاحن.
عرجنا خلال جولتنا، على محل قديم للطحن يشتهر صاحبه باسم الحاج حسين، وهو رجل يمارس المهنة منذ أكثر من 20 سنة، و تربطه بزبائنه علاقة وفاء كما أخبرنا، مشيرا إلى أن عائلات قسنطينية عديدة لا تزال تلجأ إلى المطاحن التقليدية نظرا لكلفة الطحن الزهيدة، من أجل الحصول على مشتقات القمح والشعير بغية تحضير أطباق الإفطار، وأكد التاجر، أن مطحنته تستقبل يوميا زبائن من داخل ومن خارج قسنطينة بما في ذلك مواطنين من جيجل و سكيكدة، مشيرا إلى أنه لا يبخل على زبائنه بتقديم هذه الخدمة بالمجان أحيانا، خصوصا إذا تعلق الأمر بكميات قليلة، أو بزبائن قدامى باتت تربطه بهم علاقة مهنية و إنسانية أيضا.
وأشار التاجر، إلى أن الطحن له علاقة وطيدة بالأجواء الرمضانية فحتى من لا يحبون شربة الفريك في الأيام العادية، يفضلونها على موائد إفطارهم في رمضان، مؤكدا بأن الحركية عادة بشكل مشجع هذا الموسم بعدما تراجعت كثيرا خلال الجائحة.
صالح دراجي قبلة الصائمين
وجهتنا الثانية، كانت صوب منطقة صالح دراجي ببلدية الخروب، والتي تشتهر هي الأخرى بمطاحنها الأربعة، وقد لاحظنا خلال جولة بينها عشرات الزبائن مصطفين عند أبوابها، يحمل بعضهم أكياسا مملوءة بحبات من القمح، فيما ينتظر آخرون دورهم لأخذ طلبياتهم .
أخبرنا عامر هشام، مسير مطحنة صالح دراجي، أن العديد من العائلات بالمنطقة لا تزال محافظة على عادات الأجداد، إذ يصر الكثيرون سنويا على طحن القمح لتحضيره طيلة شهر رمضان، لأن تحضير مكونات الشربة بطريقة تقليدية يمنحها طعما خاصا.
وأوضح المتحدث، أن مطاحن صالح دراجي، ما تزال تواصل نشاطها رغم تغير نمط المعيشة خلال السنوات الأخيرة، و بحسبه فإن الإقبال يصبح ضعيفا جدا خارج شهر رمضان لكنه ينتعش خلاله، مضيفا أن مطاحن المنطقة تحافظ إلى يومنا على نفس أسعار الطحن المعتمدة منذ سنوات، كما يقترح أصحابها على الزبائن مقايضة كمية من الحبوب مقابل طحنه مجانا، و أضاف أن غالبية زبائن المطاحن في باقي أشهر السنة هم مواطنون يعانون من بعض الأمراض الهضمية و يعتمد غذائهم على دقيق أنواع أخرى من الحبوب غير القمح.
سيدات قابلناهن في المنطقة، أكدن للنصر بأنهن مازلن يحافظن على عادات أجدادهن في تحضير الفريك لشهر رمضان، حيث يقمن بغسل الحبات وتعريضها للشمس، قبل أن طحنها وتجهيزها للشهر الفضيل وتوفيرها لبقية العام.
وقالت سيدة تدعى سامية، بأن عائلتها تستهلك طوال أيام الشهر ما يعادل ثلاث إلى أربع كيلوغرامات من القمح المطحون، و تفضله منه القليل لباقي أيام السنة، كما قابلنا أيضا خلال استطلاعنا، زبونا قدم من ولاية سكيكدة، أخبرنا، بأن طحن القمح لرمضان عادة لا يمكن الاستغناء عنها مؤكدا بأنه عمل بقسنطينة لسنوات و ألف عادة طحن القمح في المطاحن التقليدية، و بقي وفيا لها بعد انتهاء عقده وعودته إلى مدينته، معبرا بالقول بأنها تجربة ممتعة وتشعره بأجواء الشهر الفضيل.
وأشار زبون آخر، إلى أن عائلته تعودت على أن يكون الفريك موجودا ضمن مستلزمات شهر رمضان، لذلك يحرص شخصا على التنقل إلى مطاحن صالح دراجي القريبة من مقر سكناه بالخروب، ليطحن القمح الذي تحضره والدته.
لينة دلول