أكد وزير التربية الوطنية، محمد الصغير سعداوي، أمس السبت، التزام دائرته الوزارية بانتهاج أسلوب الحوار والعمل التشاركي، للرفع من أداء القطاع وتحقيق...
* درست في الجزائر لأجل مواقفها القوية من القضايا الإسلامية"حلم حققته بعد عمل شاق ودؤوب"، هي عبارة وصف من خلالها المفتي العام للقسم الآسيوي للإدارة...
* أرغب بتطوير برنامج خاص بالذكاء الاصطناعي في الجامعات الجزائريةأشاد الباحث في الذكاء الاصطناعي ومدير تخطيط السعة للذكاء الاصطناعي التوليدي في شركة...
استقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الخميس بقصر المرادية، وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية، الأمير عبد العزيز بن سعود، الذي قام...
الصحافة الجزائرية : الانحراف الكبير
يقول وزير الاتصال حميد قرين أنه مصمم على ربح معركة تنظيم قطاعه ، واخراجه من تراكمات وتشعبات الفوضى التي يتخبط فيها بتكريس ما جاءت به القوانين التنظيمية للساحة الاعلامية وقطاع الاتصال . ويكرر في تصريحاته وزياراته الميدانية بأنه
رسم لنفسه أولوية في مهمته وهي ارساء صحافة حرة ، تضع الخدمة العمومية في صلب أولوياتها واهتماماتها . صحافة تكرس حقوق الانسان وتجذر في ممارساتها أخلاقيات المهنة واحترام الحريات الفردية والعامة ، وحرية الإختلاف في الرأي .. وأكد من بشار ( 15 ماي 2014 ) أنه لا توجد صحافة خاصة ، وأخرى عامة ، فهو لا يحب هذا التصنيف وإنما يفضل القول : صحافة جزائرية محترفة . وأبرز ( خلال زيارته لجريدة النصر ) أن تنظيم القطاع ونجاح المسعى والمهمة الموكلة إليه تستوجب في البداية عملية احصائية للصحافيين ، للفرز ما بين الصحفي وغير الصحفي . وبين الجريدة أو المؤسسة الاعلامية المحترفة الملتزمة بتطبيق القانون من خلال تأمين وحماية صحافييها ومستخدميها بعقود عمل واتفاقيات جماعية ، إضافة إلى التكوين وأخلاقيات المهنة ، والمؤسسات التي لا هم لها غير الثراء وبكل الطرق والوسائل مع هضم أبسط الحقوق لمستخدميها .
أيها الوزير اذهب أنت وربك فقاتلا ..
مثل هذا الالتزام والتعهد ، من المفروض أن لا يزعج أحدا . بل نحن جميعا في الأسرة الاعلامية نجد أنفسنا في مثل هذا المسعى . والمفترض أيضا أن يستقطب هذا المسعى كل من يتعاطى هذه المهنة . فلماذا انزعج البعض اذن ؟ .
الانزعاج كما قرأناه ، يتأتى من كون الوزير بات يقوم بدور ، كان من المفترض أن يقوم به الصحافيون أنفسهم ، بتنظيم أنفسهم والتحرك لانتزاع حقوقهم المهنية والإجتماعية ، واسترجاع كرامتهم واستقلاليتهم من خلال التأسيس أو الإنخراط في نقاباتهم الفرعية والوطنية بدل الإنتظار والتوسل لغيرهم للقيام بهذا الدور بدلهم ، على قياس اذهب أنت وربك فقاتلا ، إننا هنا لقاعدون ..
مؤسف أن يشتكي مراسلون وصحافيون يعملون منذ سنوات ( بعضهم لأكثر من 8 و 10 سنوات ) دون عقود عمل أو تأمين وبأضعف الأجور حتى لا نقول مجانا ولا يتحركون ؟ . يقولون أنهم يقبلون بهذه الوضعيات أكراها ومن أجل " الخبزة " . وإذا احتجوا أو طالبوا بحقوقهم ، الجواب واضح وواحد :
أبحث عن مكان آخر للعمل ، " ممنوع عليك العودة غدا " ، انتهت علاقة التعاون .
في اعتقادنا الراسخ ، أن الصحافيين والمراسلين إذا أرادوا أن يغيروا أوضاعهم فعليهم تنظيم أنفسهم والتجند الواسع والمتضامن لانتزاع حقوقهم بقوة القانون والإتفاقيات الجماعية ومفتشيات العمل ، والعدالة ، إضافة إلى فضح كل الممارسات والتصرفات التعسفية للذين استبدوا ويأكلون أموال الصحافيين باطلا واضطهادا ، ولا هم لهم سوى الربح والثراء ولو بالتنكر لأبسط حقوق المستخدمين ، وفي مقدمة هذه الحقوق : عقد عمل محدد الواجبات والحقوق والتأمين وما يرافق ذلك من ظروف عمل مقبولة على الأقل . وصون كرامة الصحفي بحسن التعامل بعيدا عن منطق العبد والسيد ، أو عقلية الكولون التي أصبحت واقعا في كثير من المؤسسات الإعلامية ( ولا فرق هنا بين ما يحدث في بعض المؤسسات الخاصة والعامة ) . وضع عدنا إليه تحت وطأة البطالة والحاجة الملحة والماسة للعمل . الحديث عن الحقوق والمهنية وأخلاقيات المهنة وكرامة الصحافيين ،، ليس أكثر من حلم وكلام جرائد وتصريحات مسؤولين في مناسبات مختلفة . فما خفي من ظلم وتعسف وهضم للحقوق ومعاناة للصحافيين والمراسلين على الخصوص أعظم وأمر . ولو إمتلك هؤلاء الشجاعة والضمانات والحماية لكشف المستور وما يحدث خلف الأضواء ، لانهارت أوهام الذين يقولون ما لا يفعلون ، والذين أصبح الإستغلال والعسف ممارسة يومية لديهم ، وسلوكا عاديا ؟ .
هل بدأت مرحلة ما بعد الفوضى ..؟
بناء على كل ما سبق ، نقول أن ملف الإشهار هو بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة . أو على الأقل ، كلمة حق أريد بها باطلا . الذين أثاروا توزيع الإشهار على الجرائد وانتفضوا ضد الإجحاف والحرمان والتفاوت من حقهم ذلك . لكن ما لا نقبله منهم هو الاستمرار في مغالطة الرأي العام ، على أن الإشهار يذهب إلى الصحف العمومية . هذه مغالطة كبرى . الأرقام التي بحوزتنا تؤكد أن الإشهار الذي تتقاسمه الصحف العمومية وعددها ست صحف لا يمثل سوى 18 بالمئة من مجموع الإشهار الذي يوزع على مجموع الصحف الوطنية . أي أن 80 بالمئة يذهب إلى الصحف الخاصة . أكثر من ذلك أن المتعاملين والمعلنين الخواص لا ينشرون إعلاناتهم في الصحف العمومية إلا نادرا ، وهذا لأسباب واهية وقناعات تقوم على أن كل ما هو عمومي هو خصم مرفوض . وربما أيضا لأن الصحف العمومية تصرح بكل مداخيلها وزبائنها لدى الضرائب والضمان الاجتماعي ، وكل شيء معلوم ومكشوف للمراقبة والمتابعة ، ومن ثمة هي تترك خيطا للتدقيق في المحاسبة ... نقول هذا طبعا دون تعميم شبهة الفساد والتهرب الضريبي وعدم التصريح بالمستخدمين أو حصرها في القطاع الخاص دون سواه . ففي القطاع العام أيضا مفسدون كثيرون . سبق أيضا أننا في جريدة النصر أثرنا على مستوى رسمي نفس الإجحاف الذي لحقنا من ضعف نسبة الإشهار الممنوح إلينا . فرغم كوننا الجريدة الأولى في القطاع العام سحبا ومبيعات ، ونحتل مرتبة ضمن الجرائد الست الأولى على المستوى الوطني إلا أن " حظنا " في إشهار " لاناب " تراجع بشكل موجع ومؤثر . أكثر من ذلك رأينا كثيرا من زبائننا يحولون إلى جرائد أخرى ؟. إن المقاييس والمعايير التي أثارها الوزير متوفرة في مؤسسة النصر ، لذلك نحن أيضا نطالب وننتظر صدور قانون الإشهار ، عله ينصفنا من الإجحاف الحالي . للإشارة أيضا أن جريدة النصر قبل " تأميم " الإشهار أي صدور تعليمة الإحتكار ، كانت أول جريدة في الجزائر تستقطب المعلنين والإشهار ( العودة إلى الأرقام للذين لا يعلمون أو يشككون فيما نقول ) . لذلك لم تكن النصر عالة على أحد . ولسنا من المتسولين لأحد . والإحتكار لم يخدمنا كما يردد بعض الخواص في الإعلام ، الذين يعتقدون سواء عن جهل أو من باب التغليط المقصود للرأي العام على أن سلطة المؤسسة الوطنية للإشهار تهدف إلى التضييق على المؤسسات الخاصة وضخ الإعلانات لمؤسسات عمومية ليس لها جدوى اعلامية . ثم أخيرا الدولة من خلال مؤسساتها العمومية حرة في منح ونشر إعلاناتها أينما تراه يخدم مصلحتها . وإذا كان ولابد من المساواة فالأمر يجب أن ينطبق أيضا على المتعاملين الخواص ، هم أيضا يصبح وجوبا عليهم نشر جزء من اعلاناتهم في الصحف العمومية ، لأن الصحافة الجزائرية ( عامة وخاصة ) ملزمة بتقديم الخدمة العمومية . ما سبق تمهيد وعرض لما آلت إليه الصحافة الجزائرية ، والتي هي مطالبة اليوم بتخطي المرحلة السابقة ، بايجابياتها وسلبياتها ، والإستعداد لمرحلة أكثر احترافية وتنظيمية ومهنية . قد نطلق عليها : مرحلة ما بعد الفوضى .
أول سؤال أطرحه كصحفي على رأس جريدة عمومية : ما جدوى بقاء ست جرائد عمومية ، عاجزة حتى على الدفاع عن نفسها وهي تتهم بكل السلبيات والنقائص والتخلف والولاء الأعمى ولغة الخشب والذهنيات المتحجرة ،، ومع ذلك هي تفضل منطق النعام ، بإخفاء الرأس حتى تمر العواصف..؟ .
أما السؤال الثاني : متى تسترجع الصحافة دورها الإعلامي كخدمة عمومية مكرسة لحرية التعبير والرأي الحر بمهنية واحترافية ، بعيدا عن التجريح والقذف والشتم والمغالطة ، وتقمص دور الخصم والحكم ، أي دور المتهم والضحية والمحقق والقاضي في نفس الوقت . صحافة تضع نفسها فوق القانون والوطن والمواطن ... هذا أيضا نوع آخر من صحف مطالبة أن تغير ما بنفسها ، وأن تتجدد أو تتبدد . لعل ما يأمله كل صحفي ، همه الوحيد الصحافة ، وخبزه الوحيد الصحافة ، ومسعاه الوحيد أن يكون أكثر إحترافية ، هو بداية مرحلة جديدة من الإعلام الحر والمحترف في الجزائر . الصحافة الجزائرية ، جميعها ، مفروض أن تسعى إلى الإستقلالية ، أي أن تكون مستقلة .
والصحف العمومية ملزمة بتحرير نفسها من " لغة الخشب " . والتخلص من الخمول والرواسب الموروثة عن مراحل الحزب الواحد ، وبيانات القسمة والخلية ، ومنطق قال سيدي الوالي وقال سيدي الوزير ، فيما يشبه " الكاتب العمومي " عند مدخل مركز بريدي . وأن تنجي نفسها من دور لا أحد كلفها أو أمرها بالقيام به . ولعل الرئيس الراحل رحمه الله ، المغفور له السيد بن بلة كان محقا ، حين وصفها ب " الشيتة " . وكذلك مساعدية رحمه الله الذي قال : " إن الشيتة الحرشاء ضرها أكثر من نفعها " ..
الصحف العمومية لا تفصل في عملها اليومي بوضوح بين مفهوم الخدمة العمومية والوظيفة الحكومية . ثمة خلط كبير في الأذهان والكتابات على السواء . أما الصحف الخاصة ولا أقول المستقلة ، فهي تعطي لنفسها مهمة " المشرف العام " الذي لا ينطق عن الهوى ..رغم أن كثيرا مما ينشره بعض الزملاء الخواص هو أقرب إلى منطق " حمالات الحطب " . نحن نسعى إلى ميلاد صحافة تكون بمثابة الطريق الثالث بين صحف لغة الخشب وصحف حمالات الحطب .
صرخة من داخل دار الصحافة ...
أعلن عدد من الصحافيين الذين يحملون اضافة إلى شهادات الميلاد ، شهادات جامعية ، وديبلومات وشهادات كفاءة وخبرة مهنية ، في لقاء لم تنشر تفاصيله ، غضبهم وامتعاضهم وانتقادهم لما آلت إليه الصحافة الجزائرية من تدهور وانحراف وتقهقر وبريكولاج ... هذه الصرخة من داخل الدار على قياس : " شهد شاهد من أهلها " ، تعكس بأن الوضعية لم تعد تطاق وأن واقع وأركان ما توصف مجازا بالسلطة الرابعة أصبحت في خطر ، ليس بسبب ابتعادها عن الاحترافية وتدهورها الداخلي وانحرافها عن مثل وأسس ممارسة الصحافة ودورها الفاعل في الدفاع عن الحريات وفي عملية الاخبار ( بكسر الألف وتسكين الخاء ) بموضوعية ومسؤولية ونزاهة ، ودورها في بناء المجتمعات وتنويرها ، ولكن بسبب أخطر ،
وهو تحولها إلى عامل هدم وزعزعة وتشهير واشهار وقذف واخلال بكل مكونات ومقومات المجتمع الهادئ ، نتيجة انقلابها عن دورها الرئيسي الذي هي أصلا وجدت لأدائه : واجب الاعلام والدفاع عن حق المواطن في الاعلام والتعبير الحر بكل موضوعية واحترافية ومسؤولية .. وأخلاقية .
لقد باتت الصحافة الوطنية تتبنى أدوارا و " مهمات " في كثير من الأحيان والأحداث " قذرة " حادت بها عن نبل المهنة والتزاماتها ، وزجت بنفسها في مواقع ومستنقعات تقوم على صراعات العصب والجماعات ، سواء كانت لوبيات مالية مافيوية أو لحسابات تموقعية ...
من وظيفة الشاهد إلى .. صفة الطرف
انحراف أخرجها من صفة " الشاهد " إلى طرف فاعل يزج به لتصفية حسابات ولاخراج ملفات ... في غالب الأحيان تسرب إلى" كتاب " ولا أقول صحافيين ، حتى لا أقول مرتزقة الأقلام ...
لتلك المنابر الاعلامية معلومات بالمقاس ، منقحة ، معدلة بحسب الغرض والطلب ... وأحيانا أخرى يملى على بعضهم ما تجب كتابته دون زيادة أو نقصان ، حتى وإن تم الاخراج تحت صياغة :
( مصادر موثوقة ، مصدر مؤكد ، مصادر مقربة من هذه المؤسسة أو الهيئة السامية ، أو الجنرال اكس ...) . وضع يجعل كاتب الموضوع أو المقال أو صاحب التقرير والملف أو التعليق في حالة تشبه " شاهد ما شافش حاجة " ، لأنه ببساطة لا يملك من تفاصيل وخلفيات الموضوع والمعلومات التي سربت إليه ومعلومات الملف الذي يحمل توقيعه واسمه ، سوى ما قدم إليه في الخفاء ، أو تحت الطاولة ، أو في مطعم ، أو في حانة ، أو حتى بمناسبة عرس ... بعد ذلك ينشر الخبر بصورة واخراج على أنه سبق صحفي .. سرعان ما تذروه الرياح كما يقول المثل ، أو يسقط من تلقاء نفسه لمجرد تصريح رسمي أو وثيقة تؤكد العكس تماما ... وحتى في حالة عدم الرد ، فإنه مع مرور الأيام ينجلي الوهم ، ويسقط الافتراء ، فتنكشف المغالطة .. لكن صحيح أيضا بأن كثيرا من المغالطات والافتراءات وحتى وإن أتبعت بالاستدراك والتصحيح لاحقا ، وأحيانا بالاعتذار للمعني فإنها لا تمحي الضرر الناجم عما نشر أول مرة من أذهان الناس ولو كان افتراء وكذبا وتلفيقا . في هذا السقوط يتساوى " المأجورون " المندسون في القطاع الخاص أو في القطاع العام ، فالكفر ملة واحدة ، والرداءة والابتذال الصحفي موجود في القطاعين ولو مع اختلاف المهمة والدور بين " الشيتة " ولغة الخشب في بعض الصحف العمومية ، أو في الابتزاز والمساومات والمقايضات والاستغلال والانحطاط الأخلاقي المتفشي في بعض المؤسسات الخاصة .
حدود الخبر وحدود التعليق
من أبجديات الصحافة :الخبر مقدس والتعليق حر . لكن هذا المفهوم لم يعد يعمل به لدى الكثير من الوافدين على الصحافة ، تفاديا لكلمة الدخلاء . إذ لم يعد يفصل بين حدود الخبر وحدود التعليق . بل الأسوأ ، هو أن بعض وسائل الاعلام لم تعد تنشر الخبر أصلا ، أو على الأقل تنشره مشوها وغير مستوف لعناصره المتعارف عليها ، ومن ثمة تكتفي بالتعليق والأحكام على خبر مجهول .
الخبر الصحفي ينتزع ولا يمنح كالصدقة الجارية
خبراء المهنة وروادها ، الذين لم تدركهم قبضة " الجماعات " ولم يتأثروا بالمساومات والاغراءات ، يجزمون بأن الأخبار الصحفية كالحرية تنتزع ولا يجب انتظارها أو تعطى بصفة " الصدقة الجارية " . ولعل أوجينيو سكالفاري ( مؤسس صحيفة الجمهورية الايطالية ) كان مصيبا إلى أبعد الحدود حين نبه عام ألفين ( 2000 ) خلال المنتدى الدولي ببولونيا الايطالية إلى خطر الاتكالية التي باتت تميز الأجيال الجديدة من الصحفيين والناشرين الذين باتوا " ينتظرون " الأخبار في مكاتبهم ، وتخلوا عن مهامهم كصحافيين ، باحثين ومنقبين عن الأخبار . ووصف الأمر بظاهرة الكسل التي باتت تطبع وتميز شريحة واسعة من الصحافيين وهم بذلك لا ينقلون الحقائق إلى قرائهم ومشاهديهم ولكن ما يعتقدون أنه الحقيقة . لأنهم ينقلون أخبارا وصورا لم يستنبطوها بأنفسهم ولكن من خلال ما نقل إليهم لأغراض هم يجهلون خلفياتها ودقائقها ، أي ما سرب إليهم لأغراض هم يجهلون مراميها عند النشر .. وإذا تفطنوا بعد ذلك إلى أنهم أخطأوا أو أنها أخبار مغلوطة أو " مفبركة " يكون التصويب والاستدراك في الوقت بدل الضائع ضعيف التأثير والوقع ، قياسا بما نشر لأول مرة ..
الصحافة سقطت اليوم في قبضة وسلطة جماعات المال والاشهار . وأسهم ضعف التكوين في تسريع وتيرة الانحراف . و حول كابوس البطالة مهنة الصحافة والصحفي إلى ما يشبه المهن الأخرى أي ككل وظيفة أو خدمة في أي مؤسسة توفر أجرا لتوفير الخبز وبناء أسرة وتوفير سيارة ومسكن وبعض الامتيازات التي قد لا توفرها وظائف أخرى ، من أجل استقرار نسبي وعيش لا يؤرق كثيرا .. إضافة إلى ما سبق ، فإن الخطر يتأتى أيضا - على الأقل بالنسبة للصحافة المكتوبة – من تراجع المقروئية بفعل أسباب وعوامل عديدة ، أبرزها تكنولوجيات الاتصال الحديثة ( الانترنيت على الخصوص ) ، وبفعل أوضاع مختلفة : سياسية واجتماعية ومهنية ... كلها عوامل أدت إلى انزلاق الصحافيين وصحفهم إلى الذاتية والابتذال والاثارة والابتعاد عن المهنية والاحتراف .. ولم تعد قيمة الجريدة فيما تنشره ، أو تستمد فعاليتها ونجاحها من نوعية الأسماء التي تكتب على صفحاتها ، أو من مدى قوة المواضيع و مصداقية الملفات التي تنشرها ، ولكن بقياس ولاءاتها واثاراتها ، ومن عدد صفحاتها الاشهارية ( ........ ) . لذلك فلا غرابة أن يتزايد عدد الصحف والمنشورات في بلادنا لتتعدى 150 نشرية ، غالبها لا يسحب يوميا أكثر من 1000 نسخة ، متسببة في أزمات تقنية لدى مختلف المطابع ، لأن تلك الكميات تترك أكداسا عند باب المطابع ، وما يهم أصحابها ليس أن توزع ولكن نسبة الاشهار فيها .. دون أن نشير إلى محتوياتها وما تنشره من حشو وسطو وسرقات من المواقع الالكترونية ومن مختلف المواقع الاخبارية ودون أن تشير إلى المصدر على الأقل من باب المسؤولية الأخلاقية ... لذلك أصبح القارئ متعودا على مطالعة أخبار سبق نشرها في منابر أخرى أو مواقع الكترونية ... ثم أعيد نشرها من باب الحشو وملء المساحات وصفحات الجريدة ..
الانترنيت هي أبلغ انتقام للقراء من الصحافة المكتوبة
مدير جريدة لوموند كان صرح قبل أعوام مستشعرا هذا الخطر : " ... الموضوعية ليست أكثر من طموح ورغبة ، وليست واقعا ، ونحن الصحافيين لسنا مسلحين سوى بالانطباعية والأحكام الفردية .. " . وهو نفس ما ذهب إليه مدير أسبوعية لوبوان الفرنسية حين صرح : " ... النظام الاعلامي لم يبلغ بعد النضج المطلوب ، ووسائل الاعلام لم تبلغ سوى جزءا من الواقع والحقيقة ... وحتى وإن كانت في بعض الأحيان لم تتعمد المغالطة والافتراء ، فالنتيجة واحدة .. والاحترافية مازالت بعيدة المنال ..." . واقع وتخوفات حسمها مسؤول نشر صحيفة الوقت الألمانية بالجزم :
" ... لقد ابتعد الصحافيون كثيرا عن الواقعية والاحترافية ، بل ابتعدوا أكثر عن الطموحات والانشغالات الحقيقية لقرائهم ومشاهديهم ... وأضاف " أن الانترنيت هي أبلغ صورة عن انتقام القراء والمجتمعات المدنية من وسائل الاعلام المعهودة ... " . يقاربه موقف الفيلسوف الكندي بيار لوفي الذي اعتبر بأن الانترنيت تسمح بفضاء تعبير أكثر حرية ، وأن المواقع الاجتماعية ( الفايس بوك وتويتر...) هي مواقع التعبير الأكثر مصداقية وقربا من الناس ...
يقول أهل الاختصاص والمهنة بأن الانحراف الذي تشهده الصحافة في بلادنا يورط الجميع دون استثناء . أي أن المسؤولية مشتركة . تبدأ من خرق القانون الذي ينص على أن تأسيس الجرائد مرتبط قانونا بأهل الاختصاص ، إذ يعطي الامتياز والحق للصحافيين المحترفين دون سواهم في تأسيس الجرائد ، لكن رغم وضوح هذا المعيار أو القانون فلم يعد يؤخذ به . قد يصبح مسؤولا للنشر أيا كان : زلابجي ، أو فلاح ، أو خباز ، أو تاجر ما ، أو مقاول ...
نحن ندرك بأن من حق أصحاب المال وذوي النفوذ انشاء جريدة أو أية وسيلة إعلامية أخرى كفتح قناة تلفزيونية ، لكن لا يجب أن يتعدى ذلك الجانب المالي أي التمويل ، لأن مسؤولية النشر والتحرير مقيدة قانونا بالصحافيين المحترفين دون غيرهم . السؤال : هل هذا الالزام مطبق ومعمول به ؟ . الجواب علمه عند الجميع .
عدم الالتزام بتطبيق القانون ، أفضى إلى كارثة أخرى ، حيث أصبحت الساحة الاعلامية بمثابة "
السوق " . لقد فتح الدخلاء على المهنة أبواب التوظيف والتعاون وممارسة المهنة أمام من هب ودب . وصار كل من يكتب " حرفا " صحفيا ...
القطاع بحاجة إلى غربلة حقيقية ، وإلى فرز بين الصحافي وغير الصحافي .. حين يتم الفصل في هذا السؤال يمكننا أن نفتح النقاش الواسع حول منطلقات وشروط الاحتراف الحقيقي .. في الوقت الراهن عمليات الدوس على مهنة الصحافة ، و "
اهانتها " من طرف سلطة المال وجماعات الذين اندسوا داخل المؤسسات الاعلامية بأموالهم وأتباعهم من حاملي شهادات الميلاد كديبلوم وحيد ، أو على الأقل بعضهم هم الذين ينشئون الصحف ويفتحون القنوات في غياب الصحافيين الذين أصبحت كل أحلامهم وآمالهم وأقصى مطالبهم : أجر محترم وتصريح لدى الضمان الاجتماعي .. في انتظار ثبوت الرؤية ، أجر غالبية الصحافيين والمراسلين على الخصوص في ما نعتبره تجاوزا جرائد ، أو ما يشبه مؤسسة اعلامية ، أجر هؤلاء على الله.