الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
نسيمة يعقوبي بوزيد
تمكنت الكتابة عند محمد ديب من تحرير الأصوات الممنوعة كأصوات الفلاحين والنساء والأطفال، بل حررته هو نفسه، إذ لم ينقطع عن الكتابة طوال حياته، فهو المبدع الذي نشر الكتاب تلو الكتاب، مركّزا على مأساوية الحياة الجزائرية بحيث ساوى بين امتلاك الأرض والحياة، كما ساوى بين فقدانها والموت، فلا بديل عن الوطن ولا حياة هنيئة يمكن أن يجدها الجزائري خارج حدود أرضه، فالأوطان كثيرة لكنها تضيق بالغرباء. محمد ديب هو الحصان الأسطوري والبيت العتيق والأمّ المكافحة في الثلاثية، وهو الحبل المتاهة الذي يضيع فيه الجميع دون أمن.
لقد توصّل محمد ديب إلى إيجاد العلاقة الرابطة بينه وبين الجمهور من خلال البناء الأسطوري الداخلي للرواية ودفع به البعد الرمزي إلى تحقيق نموذج خاص يحمل نبض الهم العام العالمي ويحقق من خلال رواياته بُعداً جماليا يضاف إلى رصيد جماليات الرواية الجزائرية الواقعية، لأن تطور الشكل الروائي لا يحدث في فضاء مجهول، إنه يحدث معنا، هنا في البيت والشارع والحقل والمصنع والمكتب، لأنه عنصر حساس جدا يستطيع أن يعبّر عن التصارع والمعاناة.
ومن هنا كان نجاح محمد ديب في اختياره للرمز والأسطورة التي ليست إلا انعكاسا للواقع، وقيمة الرواية تتوقف على مدى نجاح هذا الرمز الكبير في إبراز هدفها، ويعتبر محمد ديب مجموعة مدارس، لأن الناحية الجمالية أخذت كافة أبعادها في أعماله الأدبية والروائية، وأصبح يشكل أكثر من الجمال كما يقول «روجي غارودي».
ومحمد ديب كمبدع فنان أصيل يدرك بشكل جيد أن المنتج الخالق فنيا لا يكتفي أبدا بالأشكال الجمالية الجاهزة بل يعبر عن حقائق ومشاكل العالم والإنسان والمجتمع بوسائل أكثر قابلية للإيصال من غيرها.
ذاك الطفل القادم من تلمسان
ولد محمّد ديب في الواحد والعشرين من شهر جويلية سنة 1920 بتلمسان، حيث تلقى تعليمه الابتدائي إلى أن تحصّل على الشّهادة الابتدائيّة بفرعيها الأهلي والفرنسي سنة 1931 غير أنّ طفولته تميّزت بمآس كانت لها انعكاسات عميقة على طبعه وأعماله الأدبيّة؛ فقد عرف اليتم وهو لم يكد يتجاوز العاشرة من عمره لمّا توفي والده سنة 1931.
تحمّل المسؤوليّة الأسريّة وهو صغير السّن، فقد صادفت فترة شبابه الحرب العالميّة الثانية وهي فترة مارس فيها مهنا متعدّدة تدلّ على استعداداته وقدراته. فمن معلّم بقرية (زوج بغال) بالحدود الجزائريّة المغربيّة (1938_ 1940)، إلى محاسب بمكاتب جيوش الحلفاء بوجدة بين سنتي 1940 و 1941، إلى مترجم من الفرنسيّة إلى الإنجليزيّة لدى الجيوش بالجزائر العاصمة بين 1943 و 1944، إلى مصمّم زرابي بتلمسان عام 1945؛ لأنّ محمّد ديب كان رسّاما مؤهّلا قبل أن يكون كاتبا أو شاعرا، ثمّ عمل صحفيّا بجريدة الجزائر الجمهوريّة بين عامي 1950 و 1951 إلى جانب مساهمته في دورية ليبرتي.
التحق بجامعة الجزائر حيث درس الآداب بين سنتي 1940 و 1944 في حين كان يمارس الكتابة وكان قد نشر بعض النّصوص الّتي يصوّر فيها فترات البؤس، فيقول عن فترة إقامته بالعاصمة بين 1943 و 1944:«كان همّنا الكبير بتلك الفترة العثور على ما نأكله... كثير من النّاس كانت تموت جوعا».
مارس العديد من الأعمال الثقافيّة وفي عام 1946 بدأ ينشر قصائده ومقالاته، وقد أثّرت مهنته كعامل نسيج في إبداعه الشّعري والرّوائي، وهي من دون شك وضعية جعلت الكاتب يميل عاطفيا وسياسيا؛ إذ انخرط لمدّة قصيرة في الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1951.
وفي عام 1948، زار محمّد ديب فرنسا لأوّل مرّة من خلال وفد أدباء جزائريين، وبعد ثلاث سنوات، تزوّج من زوجته الفرنسيّة وسافر إلى فرنسا عام 1952 كي يحضر صدور روايته الأولى «الدار الكبرى»، وأقام هناك حتّى عام 1954 حيث نشر الجزء الثاني تحت عنوان «الحريق» L’incendie، وفي عام 1956 نشر مجموعته القصصيّة «في المقهى» ثمّ نشر الجزء الثالث والأخير سنة 1957 تحت عنوان «النّول». في عام 1959 اضطرّ إلى الهجرة إذ تمّ طرده من الجزائر لمواقفه المناهضة للاحتلال الفرنسي، ولم يُسمح له بالإقامة بفرنسا إلاّ بعد تدخّل مجموعة من كبار الكُتّاب الفرنسيين لصالحه.
تزوج محمّد ديب سنة 1951 بـ «كوليت بيليسون» الفرنسيّة الأصل وأنجب منها أربعة أطفال.
قام بأسفار عديدة إلى دول كثيرة حيث عمل أستاذا بجامعة لوس أنجلس وفنلندا والسوربون وكان خلال كلّ ذلك على اتّصال دائم بالجزائر إلى أن توفيت والدته سنة 1983.
بدأ يكتب الشعر وهو لا يتجاوز الرابع عشرة من عمره، ومع بداية الستينيات تحوّل إلى الشّعر من جديد فنشر ديوانه الأوّل «الظلّ الحارس» وديوانه الثاني «تشكيلات» ثمّ «أومنيروس» و»أيّتها الحياة» و»نيران جميلة».
فأوّل قصيدة معروفة للكاتب نشرت سنة 1946 وهي قصيدة «فيفا» (نجم) وبها نجد ميولا مبدئيّة نحو الحنين إلى الأندلس، ونحو الميثولوجيا والصّوفيّة والشموليّة والصنعة اللّفظيّة الممتازة، وأكّد الكاتب الشاب آنذاك طبعه وطموحه خلال الأيّام الثقافيّة بسيدي مدني بضواحي مدينة البليدة عام 1948 لمّا صرّح قائلا إنّه يريد أن يكتب عن كلّ شيء. غير أن الفترة التاريخية الّتي كان يمر بها الشّعب الجزائري بعد الحرب العالميّة الثانية جعله يتّجه نحو تعبير أدبي ذي طابع واقعي، فكتب ثلاثيته المشهورة؛ حيث استعرض فيها الوضع المزري للشّعب الجزائري في المدن والأرياف نتيجة الاستعمار، فقدّم شهادة حيّة من خلال هذه الثلاثيّة عن بؤس وشقاء واستعباد الجزائريين وجشع المعمّرين ونضج الوعي السياسي لدى الشعب الجزائري خاصة في رواية «الحريق» الّتي حملت نبوءات عن الثّورة المسلّحة.
عبر عن فترة العمل المسلّح بوسائل فنّيّة مختلفة من شعر ومسرح ومقالات وغيرها... وفي عام 1962 نشر روايته «الجري فوق الشاطئ» ثم «رقصة الملك» وبعدها «إله في الوحشية» ثمّ «سيّد القنص» و»هابيل» و «شرفات أورسول». من أشهر مجموعاته القصصية «الطّلسم»، أمّا مسرحيته فهي بعنوان «ألف مرحى لمومس» لأنه كان مسرحيا محنكا وناقدا كبيرا في فنّ المسرح.
في روايته «شرفات أورسول» مثلا، هناك تشابه بين بطل الرّواية عيد وبين هابيل، فهو محكوم عليه أن يغادر بلاده في مهمّة رسميّة إلى بلد في الشمال أطلق عليه اسم أورسول وعاصمة هذه الدّولة هي ياربر. إنّها بلاد الشّمس الّتي تسطع في منتصف اللّيل، ومن الواضح أنّ محمّد ديب قد حاول أن يكتب رواية عن فنلندا الّتي عاش فيها سنوات طويلة.
وكان آخر كتاب نشره محمّد ديب هو ديوان «أيّتها الحياة» حيث نجد لغة الكاتب الشّعريّة قد تغيّرت. فبعد قصائده الطويلة، نرى أنّ قصائده الجديدة قصيرة للغاية، ومن هذه الأمثلة ما يلي: «وقال البحر/ الوجه لاهث/ والتباعد كبير/ بين الشاطئين/ وآخر الأجنحة/ البيضاء».
ينابيع الرؤيا
ويقول لنا محمّد ديب أنّه قرأ في شبابه لأعلام الأدب وكان قد تأثر بالرّوائية الإنجليزية خاصة فرجينيا وولف في «المنار والأمواج» و دوس باسوس ووليام فولكنر وستاينبيك ،كما سافر إلى ألمانيا الشرقية بعد أن أقام مدّة في مودن لافوري واستقرّ في لا سيل سان كلو بضواحي باريس.
لقد عاش تلك الصّراعات العنيفة الّتي كانت تمرّ بها الجزائر والصّراع الفكري الّذي أصبح سلاحا للمعركة، فالثلاثيّة تعد صورة واضحة لحياة الشعب الجزائري في تلك الفترة بالذات: بداية الوعي القومي والشعور بالكرامة، وفترة التهيئة النّفسيّة للمعركة.
لقد تحصّل محمّد ديب على عدّة جوائز قيّمة وتشجيعيّة وتكريميّة اعترافا بكفاءته وموهبته وسعة رؤيته، فمنحت له جائزة «فينيون» سنة 1952 عن «رواية الدّار الكبرى» ومنحت له جائزة «روني لابورت» سنة 1961 على المجموعة القصصيّة الشّعريّة «الظلّ الحارس» ثمّ الجائزة الاجتماعيّة سنة 1963، ثمّ جائزة المعهد الشّعري لمونتان 1964، ثمّ جائزة اتحاد الكتّاب الجزائريين سنة 1966، وجائزة أكاديميّة الشعر على مجموع عمله سنة 1971، ثمّ جائزة جمعية كتّاب اللغة الفرنسية سنة 1978 عن روايته هابيل. ويحتل محمّد ديب مكانة مرموقة في الموسوعة السوفياتيّة الكبيرة وكذلك في الموسوعة العالميّة لآداب القرن العشرين، وقد أثبت اسمه في مختلف طبعات لاروس منذ سنة 1979، وفي مختلف القواميس منذ سنة 1965. كانت آخر جائزة تحصّل عليها كانت جائزة الأكاديميّة الفرنسيّة سنة 1994.
ويبدو محمّد ديب مستعصيا على الفهم؛ حيث أبدى له بعض القراء ملاحظة في ذلك الشأن فردّ غاضبا، يقول صاحب المقال: « هل أنا ألّفت كلمات متقاطعة فتطالبونني بالحل؟».
لقد كان محمّد ديب في المرحلة الأولى من حياته يعي بأنّه جزء لا يتجزّأ من شعبه ويريد أن يكون أكثر من شاهدٍ على المأساة، يقول: «إنّنا نعيش دراما مشتركة»، لأنه لا يعتبر العمل الأدبي ذا قيمة إلاّ إذا كان نابعا من أعماق التجربة، وهذه سمة تميّز جميع أعماله الأدبيّة. ولتصوير الواقع اختار أن يكون مناضلا يضمّ صوته إلى صوت شعبه ويقول سنة 1961: « بصفتي كاتبا، لقد اخترت أن أحارب في ميدان الأدب، ولأنقل الحقائق الجزائريّة، وأتقاسم مع الّذين سيقرؤون كتاباتي آمال وآلام وطننا».
شكّلت الجزائر محورا أساسيا لقصص وروايات محمّد ديب، وظلّت حاضرة رمزيا انطلاقا من روايته «هابيل» لمّا تحوّل الكاتب إلى تبني فضاءات لا محدودة المعالم تماشيا وموضوعات بحوثه الجديدة.
ومع ظهور رواية «من يذكر البحر»، تناول القضية الوطنيّة بأسلوب مغاير للنهج الواقعي، فعبّر بأسلوب رمزي، وعنها تلقى محمّد ديب الكثير من الأسئلة حول الأسباب الّتي دفعته إلى الكتابة « بهذا الأسلوب الفنّي الجديد الرّمزي، فأجاب قائلا: «... لا أجد إجابة إلاّ لماذا رسم بيكاسو لوحته غرنيكا بالشّكل الّذي هي عليه وليس كإعادة تشكيل للتاريخ».
بعدها ظهرت رواية «مسيرة على الحافة المتوحشة» والتي تنتمي إلى الخيال العلمي. أمّا في روايته «رقصة الملك» يعود إلى الحديث عن الوطن والاهتمام بالقضايا الوطنيّة محاولا ربط الماضي بالحاضر. وفي سنة 1970 يعود إلى الأسلوب التسجيلي الواقعي من جديد في روايته «إله في الوحشيّة» وهنا يتحدّث عن الجزائر المستقلة، وعن كلّ فئات الشّعب الّتي تريد أن تخرج من الوحشيّة وتواجه الحقيقة، وهي تريد الخروج من الفوضى والبحث عن ذاتها. في 1973 ظهر الجزء الثاني من هذه الثلاثيّة تحت عنوان «معلّم القنص» وهي تعالج الواقع النّفسي والاجتماعي بصفة عامّة.
حقائب السفر نحو الشمال
وفي سنة 1977 نشر روايته «هابيل» ويتناول فيها موضوع «الاغتراب»، وبعدها ظهرت رواية «سطوح أرسول» التي يتناول فيها موضوعات إنسانيّة وكذا موضوع الاغتراب أيضا، وهي ثلاثيّة جديدة تسمى «ثلاثيّة الشمال» إضافة إلى رواية «إغفاءة حواء» و «ثلوج من رخام» سنة 1990.
واصل مسيرته الإبداعيّة في البحث عن الذات الإنسانيّة والمواضيع الفلسفيّة في رواياته الجديدة من خلال رواياته:
«الصّحراء بكلّ صراحة» ، «الأميرة الموريسكية»، «إن شاء الشيطان» و»الليل المتوحّش»و «مثل دوي النحل» و»رحلة لوس أنجلس» و «لايزاه».
يمكن أن نلخص المسار القصصي للكاتب محمّد ديب في أربعة مراحل فنيّة متميّزة هي:
1. مرحلة الواقعيّة (ثلاثيّة الجزائر) بما فيها فترة انتقاليّة مع رواية «صيف إفريقي» ومجموعة «في المقهى».
2. مرحلة تحوّل جذري وصريح نحو السّرياليّة والصّوفيّة مع روايتي «من يذكر البحر» و “مسيرة على الحافة المتوحشة”.
3. مرحلة واقعيّة جديدة من مجموعة “الطلسم” إلى رواية “ولي الصيد” وهي مرحلة تجمع بين مكتسبات الواقعيّة والسرياليّة وترسيخ الطّابع الصّوفي.
4. مرحلة الفضاءات والرّمزيّة انطلاقا من رواية “هابيل”.
إنّ المسار الإبداعي عموما والرّوائي بصفة خاصّة ينحصر في محورين أساسيين هما القضية الوطنيّة والإنسان. فمنظور محمّد ديب الإبداعي أعطى للأدب الجزائري المكتوب باللّغة الفرنسية وللرأي العام الأدبي في العالم قيمة إنسانية قوبلت باحترام شديد، فاهتمامه بنقد المسرح الجزائري والتأريخ لنشاطه يعود إلى شعوره بأن فترة الخمسينيات كانت فترة مهملة تحتاج إلى جمع ودراسة وإطلاع إضافة إلى أنه حاول عن طريق النقد أن يؤرخ للمسرح الجزائري في جذوره الأولى، من خلال العودة إلى التراث العربي الجزائري.
ومن هنا تبرز مميزات التجربة النقدية لمحمد ديب
فيما يلي:
استلهام التراث الجزائري واستمداد كل مل يثري مقومات الأصالة للوصول إلى التميّز وجعل الواقع الجزائري نقطة ارتكاز للانتقال إلى الواقع العربي والعالمي.
يهدف العمل المسرحي عند محمد ديب إلى دفع الجمهور للقيام بعمل ما لتغيير هذا الواقع وبناء واقع أفضل.
التعريف بالأشخاص الذين ساهموا في ترسيخ الفن المسرحي وتشجيع العنصر النسائي وإبراز دوره وريادته.
تظل نصوص محمد ديب النقدية والإبداعية دليلا على انتماء هذا الأدب -رغم توظيفه للغة
الفرنسية -إلى الأدب الجزائري، حيث يبقى رافدا هاما من روافد الثقافة الوطنية الأصيلة.
وهكذا فإنّ محمّد ديب قد اختار طريق الثورة والتزم بها ملتحما بصفوفها، ومن هنا لم يقف الكتّاب الجزائريون من التاريخ موقف اللاّمبالاة ولم تعنهم المتاهات الميتافيزيقيّة أبدا بل قدّموا القضيّة الوطنيّة والتزامهم ببلادهم. ويقول محمّد ديب في هذا الصدد: «في قلب كلّ كاتب حقّ، وكلّ فنّان صادق تكمن رسالة وطنيّة لا تقوم له قائمة بدونها».