أكد وزير التربية الوطنية، محمد الصغير سعداوي، أمس السبت، التزام دائرته الوزارية بانتهاج أسلوب الحوار والعمل التشاركي، للرفع من أداء القطاع وتحقيق...
* درست في الجزائر لأجل مواقفها القوية من القضايا الإسلامية"حلم حققته بعد عمل شاق ودؤوب"، هي عبارة وصف من خلالها المفتي العام للقسم الآسيوي للإدارة...
* أرغب بتطوير برنامج خاص بالذكاء الاصطناعي في الجامعات الجزائريةأشاد الباحث في الذكاء الاصطناعي ومدير تخطيط السعة للذكاء الاصطناعي التوليدي في شركة...
استقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الخميس بقصر المرادية، وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية، الأمير عبد العزيز بن سعود، الذي قام...
حسين حركاتي أو «سليم الروج».. ذاكرة عمرها 70 سنة من الانقاذ و الاسعاف
ذاكرة عمرها 74سنة، تسترجع بتأثر كبير تفاصيل سنوات قضاها المجاهد و ضابط الحماية المدنية المتقاعد عمي حسين حركاتي، الملقب ب» سليم الروج»، في خدمة الوطن، وهو الذي قضى ربع عمره في جبال قالمة، أين كان مجندا بمستشفى الولاية الثانية إبان الثورة التحريرية، قبل أن يلتحق بصفوف الحماية المدنية لأزيد من 25 سنة، تحدى خلالها الخطر، وعاش تجارب إنسانية روى لنا تفاصيلها، خلال لقاء جمعنا به في حفل تكريم أقيم مؤخرا على شرفه.
قصته في سلك الحماية المدنية بدأت عندما انتهت قصته مع الثورة التحريرية التي كان أحد رجالها، حيث التحق بها وهو في سن 17 سنة، يقول عمي سليم : « التحاقي بالجبهة كان خياري مند البداية، فقد فقدت والدتي في عمر الرابعة، ثم والدي بعد أقل من ثلاث سنوات، وتحمل شقيقي مسؤولية رعايتي إلى غاية سنة 1954، وهي تحديدا السنة التي تركت فيها الدراسة، و جندت فيها على يد مولود بوشرين، كفدائي مهمتي إخفاء الذخيرة و زرع القنابل اليدوية في الأماكن التي يتواجد بها الكولون.
أول عملية قمت بها كانت ناجحة، لقد اخترت حانة بنهج ططاش عبد الحميد ،و تحديدا منطقة «الشارع»، و فجرت قنبلة أسقطت 28 جريحا. العملية التي تناولتها وسائل الإعلام الفرنسية بقوة، لكن بعد عمليتي الثالثة انكشف أمرنا، فقررنا الفرار، كنت رفقة مولود بوشرين، و المحامي فاطي مسعود الملقب « بمجيد الروس» .
أخذتهما إلى منزل أرملة عمي بعين كرمة ، كانت لها علاقات مع قادة الجبل، باعتبارها أم شهيد، تكفلت بكتابة رسالة توصية لأحد معارفها في الجبل ،و وجهتني لدشرة بعيدة ، أين كان مقررا أن ألتقيه، اضطررت و من معي للمشي ثلاثة أيام في مسالك جبال قالمة الوعرة في عز البرد و الثلج، حتى وصولنا إلى مقر قيادة الولاية الثانية، حيث التقينا هناك بالشهيد البطل مسعود بوجريو، الذي كان قائدا للمنطقة آنذاك، كلفنا بعد ذلك بمهام مختلفة كالمراقبة و نقل المؤن والذخيرة.
في 22 جانفي1960، قرر مسعود بوجريو، إخضاعنا لتكوين خاص، فتنقلنا لمنطقة واد زهور، أين يتواجد مستشفى «إزالمين» ،وهو أحد أكثر معاقل المجاهدين سرية، في ذلك الوقت حتى الإقرار بمعرفة المنطقة كان يعد شبهة، هناك قابلنا الدكتور المجاهد محمد تومي، تلقينا تدريبا مكثفا في الإسعافات الأولية و التطبيب على يديه لمدة 6 أشهر، اتخذنا خلالها من أجسامنا حقلا للتجارب».
يضيف محدثنا :» كانت أياما صعبة، كان عددنا ضئيلا 6 ممرضين و طبيب واحد، ينقلون إلينا يوميا عشرات ،بل مئات الجرحى من المجاهدين، عانينا كثيرا من نقص الأدوية و التجهيزات، و كنا نشيع كل يوم أكثر من شهيد. جربنا الجوع، و العطش، و واجهنا الخوف، أذكر أن أسوأ ما حادث في تلك المرحلة من حياتي، هو مقتل الشهيد مسعود بوجريو، راح ضحية مؤامرة بمنطقة عين الدشرة، نصبها له جزائريون خونة « قومية «، كما نقول باللهجة العامية».
يتوقف قليلا عن الكلام ثم يضيف: « لن أخفيك بأن الوضع في الجبل إبان ثورة التحرير كان صعبا، المؤامرات و التصفيات كانت أخطر من مكائد جنود الاستعمار».
و أخبرنا عمي حسين حركاتي،الملقب بسليم الروج، بأنه شهد الاستقلال و عمره 30 عاما، مع ذلك لا يحتفظ في ذاكرته بأية صور لمشاهد الاحتفال و الفرحة، كونه قضى تلك الفترة في ثكنات جبهة التحرير، حيث كانت عملية التحضير لمرحلة ما بعد الاستقلال جارية.
يسترسل محدثنا : « خرجت من الثكنة العسكرية، فوجدت نفسي يتيما بدون مأوى، و لا وظيفة، بقيت لمدة سنة دون عمل، لا أملك في جيبي سوى وثيقة تثبت أنني مجاهد».
و يواصل: « في البداية كنت أرفض العودة إلى الحياة العسكرية، لكن في سنة 1963، قررت الالتحاق بصفوف الحماية المدنية بقسنطينة، كان الفرنسيون يستعدون للرحيل و أعلنوا عن فتح مسابقة لتوظيف الأعوان العرب، شاركت فيها و كنت من بين المتفوقين الأوائل، ساعدني تمكني من اللغة الفرنسية على التقدم، بالرغم من أن الفرنسيين كانوا يميزون في منح الرتب العليا بين العرب، أهم رتبة كان يحملها سي بن عطالله آنذاك ، و هي رتبة مساعد.
أذكر أننا كنا 70 عونا جزائريا فقط ،عندما غادر الفرنسيون قسنطينة، التي كانت تتوفر على وحدة تدخل وحيدة للحماية المدنية، هي وحدة باب القنطرة، المشكل أن مسؤوليتنا كانت تغطية و حماية المدينة و مدن الشرق الجزائري حتى بسكرة، رغم أن إمكانياتنا كانت ضئيلة جدا ،عكس ما هي عليه الآن، أقوى سلاح لدينا كان الإرادة و حب العمل».
و أكد محدثنا :» قدمنا الكثير لهذه المهنة، أذكر أننا شاركنا في إخماد حريق مهول شب بجبال عنابة لأسبوع كامل، و وصل حتى الحدود مع تونس، كنا نضمن تغطية مستمرة، حتى أن عملية نقل فرق المناوبة ،كانت تتم عن طريق مروحيات الجيش الوطني الشعبي».
«لي ذكريات كثيرة مع الحماية المدنية، التي تقاعدت منها سنة «1989، يقول الضابط حسين حركاتي، و الدموع تنحدر من عينيه، و يتوقف قليلا ليستجمع قوته، ثم يواصل حديثه : «أسوأ ذكرى لا تزال تحفر عميقا في قلبي ،هي حريق شارع العربي بن مهيدي ( الطريق الجديدة) في 13 أوت 1984، كنت ضابط المناوبة ليلتها، أنقدنا 22 عائلة وضحينا ب5 من زملائنا ، التهمتهم ألسنة اللهب، أما أنا فسحبت من تحت الأنقاض، عشت بأعجوبة يومها».
كانت دموع عمي سليم الروج ترفض الانسحاب، وهو يتذكر تضحيات زملائه في سلك الحماية المدنية، قال لنا بأن النيران كانت أكثر أعدائهم شراسة، فقد أخذت منهم الكثير من الزملاء من ضحايا الواجب الوطني، خصوصا و أن عمليات الإنقاذ في تلك المرحلة كانت أشبه بالمهام المستحيلة ،نظرا لضعف الإمكانيات.
أخبرنا عمي سليم الروج، بأن سنة 1963، لم تعرف فقط التحاقه بجهاز الحماية المدنية ، بل شكلت منعرجا هاما في حياته، حيث سجل ذات التاريخ انضمامه لفريق شباب قسنطينة كلاعب أساسي، و أوضح بهذا الخصوص:» كانت أياما جميلة ، الديربي القسنطيني كان الأشهر، وشباب قسنطينة، كان بالنسبة لي فريق الأحلام، تدريباتي الرياضية في سلك الحماية ساعدتني على رفع لياقتي البدنية و قد قدمت للفريق الكثير».مع ذلك ـ يضيف محدثنا ـ «تبقى الحماية المدنية أهم قرار اتخذته بعد قرار الصعود إلى الجبل، لأن صورة « البومبي»، في ذلك الوقت كانت بمثابة صورة الرجل البطل، الطويل قوية البنية، قدمت لهذه المهنة الكثير و قدمت لي الكثير بدورها».محدثنا أخبرنا بأن ذاكرته هي أغلى ما يملك، و أنها أكثر ما يخشى زواله بعد رحيله، لأنها شاهد على الثورة و على تضحيات مجاهدين رفضواـ كما قال ـ تلقى مقابل مادي عما قدموه لهذا الوطن، حتى أنهم رفضوا ـ حسبه ـ المطالبة بمنحة المجاهدين. مع ذلك يبقى الإقرار بنضالهم مهمة من عرفوهم، من أمثاله، كما تقع عليهم مسؤولية تحديد هوية المجاهد الحقيقي.
نور الهدى طابي