الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
أخذت ظاهرة عصابات الأحياء، أبعاد مقلقة خلال الأعوام الأخيرة بالجزائر، فصارت تجمعات سكنية بأكملها تحت رحمة منحرفين تطوّرت أسلحتهم و أصبحوا يشكلون تهديدا حقيقيا على الأمن العام، الأمر الذي دفع بالسلطات العليا بالبلاد إلى اتخاذ إجراءات حازمة، تجسدت من خلال الأمر المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها الذي دخل حيز التنفيذ شهر أوت الماضي، حيث أقرّ عقوبات مشددة تصل إلى السجن المؤبد وفرض غرامات مالية معتبرة، كما كان متبوعا بحملات ومداهمات مكثفة. في هذا الملف تعود النصر إلى الظاهرة من قسنطينة، باعتبارها إحدى المدن الكبرى التي عانى سكانها لسنوات من حروب العصابات، كما يشرح مختصون في علم الاجتماع علاقتها بالظروف الاقتصادية والترحيلات غير المدروسة، و يبرز أساتذة في الاتصال الدور السلبي الذي لعبته «السوشيال ميديا» في تغذيتها، بينما يتطرق قانونيون إلى أهمية الجانب الردعي و دوره في حماية المجتمع من جميع أشكال العنف.
فيما تم تسجيل استقرار نسبي خلال السنوات الأخيرة
حــروب زعـامـــة تُحــوّل أحيــــاء إلى ساحــات معارك بقسنطينــــة
عُرِفت ولاية قسنطينة خلال الأعوام الماضية بشجارات عصابات الأحياء، خصوصا بالأحياء الجديدة التي شهدت ترحيلات متتالية وكذلك بتلك الشعبية، وهي ظاهرة تراجعت نسبيا في الفترة الأخيرة، إلا أنها ما تزال تسجل من حين إلى آخر ببعض «النقاط الساخنة»، فتُخلّف جرحى وأحيانا قتلى، مُحدِثة حالة من الهلع والشعور باللاأمن وسط العائلات، رغم الجهود التي تبذلها مصالح الشرطة.
روبورتاج: حاتم بن كحول
وتُعد المدينة الجديدة علي منجلي أبرز هذه النقاط الساخنة”، حيث شهدت شجارات عنيفة بدأت قبل 20 سنة، مباشرة بعد ترحيل سكان من حي “نيويورك” القصديري وآخرين من المدينة القديمة، كما نشبت حروب زعامة بين مرحلين الى الوحدة الجوارية 8، حيث رغبت كل جهة في الهيمنة على الأخرى، عبر مواجهات عنيفة كانت تُستعمل فيها السكاكين والسلاسل الحديدية والعصي.
وعرفت سنتا 2000 و2001 على وجه الخصوص، شجارات سقط فيها عشرات الجرحى، حيث كان كل طرف يستغل أي فرصة من أجل الهجوم على الطرف الثاني، خاصة وأن عملية توزيع السكنات الاجتماعية شهدت مزج المرحلين من حي نيويورك وأحياء المدينة القديمة في نفس العمارات والمجمعات السكنية.
وقد كانت الوحدة الجوارية 8 وتحديدا “المحطة القديمة”، محرمة على الراجلين وعلى الغرباء عن المنطقة، حيث تتعرض لهم عصابات تشكلت في ظرف وجيز لتبليغ رسالة مفادها أنها الأشرس والأعنف، كما كان العشرات من مستعملي الطريق الفاصل بين الوحدتين 6 و8 يتعرضون لاعتداءات وسرقة، ما جعل تلك المنطقة حكرا على قاطنيها.
وبعد أشهر تم ترحيل سكان من الحي الشعبي الأمير عبد القادر “الفوبور” إلى نفس الوحدة وتحديدا بالمجمع السكني رقم 5، لتزيد الشجارات حدة بين شباب المرحلين الجدد و نظرائهم من حي نيويورك والذين عقدوا ما يشبه “اتفاق هدنة” مع جيرانهم من المدينة القديمة، بعد أن وجدوا خصما جديدا رأوا أنه يشكل تهديدا على زعامتهم.
وتواصلت الحروب بين شباب من المجمعات السكنية بالوحدة الجوارية 8، في شكل مسلسل كل حلقة فيه تحمل مشاهد جديدة تكون أعنف من سابقتها، حيث انقضت الأسابيع فالأشهر ثم السنوات، و زادت الشجارات شراسة، لتمر 20 سنة عرفت سقوط أرواح وجرحى من الطرفين، حيث كان آخر فصل فيها، قتل مراهق يبلغ من العمر 16 سنة من حي نيويورك على يد ثلاثيني مُرحل من حي “الفوبور” وذلك شهر أوت الماضي.
الترحيلات تلهب الصراعات في الوحدة 14
كما شهدت المدينة الجديدة في الفترة الممتدة ما بين 2004 إلى 2010 سلسلة من الترحيلات جعلت منها منطقة خطر تشتهر بتشكيل العصابات، حيث ظهرت في وحدات أخرى على غرار 1 و9 و7 وبحي 400 مسكن، و رغبت كل عصابة في السيطرة، إذ استعرض شباب قدِموا من جنان التشينة وفج الريح والفوبور وباردو «قوتهم» من خلال الهجوم بين الحين والآخر على جهة معينة.
و قد زاد عدد الترحيلات وارتفع معه عدد العصابات لتتحول مجمعات سكنية إلى نقاط «محرمة» على جهة بعينها، وأصبحت كل عصابة تتخذ من منطقتها كخط أحمر على كل غريب عنها، فيما قُسمت وحدات إلى مناطق كل منها يسيطر عليه شباب حي معين.
عقب ذلك، تواصلت سلسلة الترحيلات وهذه المرة بالوحدة الجوارية 14، حيث شملت القاطنين من حيي فج الريح والإخوة عباس «وادي الحد»، لكن هذه الوحدة التي استعادت الاستقرار اليوم، تحولت وقتها إلى أحد أخطر الأماكن بولاية قسنطينة، حيث بدأت تشهد منذ صيف 2012، شجارات يرغب فيها كل طرف في إثبات قوته باستعمال مختلف الأسلحة البيضاء، و وصل الأمر إلى درجة حرق واقتحام سكنات، ما استدعى تدخل قوات مكافحة الشغب وضمان التواجد الأمني هناك لعدة أشهر، كما تم توقيف عشرات المتهمين.
و رغم الاستقرار النسبي المسجل، إلا أن حروب العصابات تتجدد من حين إلى آخر ببعض الوحدات الجوارية على غرار 1 و6 و7 و8 و9 و16 و18 و19، رغبة في السيطرة على حظائر السيارات والهيمنة على بيع المؤثرات العقلية والمخدرات، حيث يتخذ منحرفون من الأماكن المهجورة نقاطا للالتقاء من أجل التخطيط للشجارات، وعادة ما يتم ذلك داخل عمارات غير مكتملة الانجاز أو بمرافق رياضية غير مستغلة على غرار مسبح يقع في الوحدة الجوارية 8، وكذلك بالحدائق العمومية منها تلك الواقعة بحي 400 مسكن، أو أسواق جوارية شاغرة ومحلات مهجورة وشقق غير مأهولة.
من العصي والسلاسل إلى «المولوتوف» وبنادق الصيد
بالمقابل تغيرت «الأسلحة» التي تستعملها عصابات الأحياء في معاركها، حيث أصبح «الجيل الجديد» يستخدم قارورات المولوتوف وبنادق الصيد ومنها تلك التي تستعمل في صيد الأسماك كبيرة الحجم، وهي عبارة عن قاذف حديدي به سهم حاد، فيما تعتمد بعض المجموعات على ألعاب نارية خطيرة تسمى «سينيال» ويمكن أن تتسبب في فقدان الرؤية أو تعريض الأشخاص إلى حروق خطيرة، في وقت كانت السلاسل الحديدية والعصي والسكاكين والخناجر من الطراز القديم، أسلحتها قبل سنوات.
و لا يصعب تمييز أفراد العصابات، حيث عادة ما يتنقلون في شكل مجموعة واحدة يكونها 10 أشخاص إلى 15 وتتراوح أعمارهم غالبا بين 17 و35 سنة، حيث يتحدثون بصوت مرتفع لا يخلو من الكلمات النابية، وأوجههم شاحبة فيما تكسو الوشوم أجساد العديد منهم، كما يُعرَف جلهم بجسم هرم وبنية ضعيفة، والأهم بالنسبة إليهم هو حيازة سلاح أبيض يستعمل عند الحاجة.
ويتجمع أفراد العصابة في وقت وجيز عند تعرض فرد منهم للاعتداء، حيث تجدهم يخرجون من أوكارهم ويكونون في حالة تأهب لبداية المعركة، و تتوفر مركبات خاصة غالبا ما تكون من نوع “مازدا” أو “بوجو 404” مغطاة لحمل أكبر عدد ممكن من الأشخاص وكذا دراجات نارية تسهل الوصول السريع إلى الوجهة.
رشق بالحجارة وأسلحة تُرمى من النوافذ
كما يستمر نشاط عصابات الأحياء في بعض النقاط ببلدية قسنطينة، على غرار بوالصوف و الإخوة عباس و الزاوش وبوذراع صالح والدقسي وكذلك في وسط المدينة وتحديدا بشارع بلوزداد الذي تحول إلى قبلة للمنحرفين في الفترة المسائية، حيث يجوبون الشوارع ويتلفظون بكلمات نابية، كما تنشب شجارات في ما بينهم غالبا من أجل الهيمنة على نشاط بيع المهلوسات، ويتخذون إحدى البنايات المهجورة والتي لم تكتمل بعد أشغال هدمها كمقر لهم.
كما وقعت معارك خلفت سقوط جرحى في حي وادي الحد واستعملت خلالها العصابات أسلحة نارية، كما وقعت شجارات عنيفة في حي دقسي عبد السلام.
وتنشب الشجارات بالأحياء بصورة مفاجئة، وغالبا ما تحدث بين أشخاص يعرفون أنفسهم مسبقا وينتمون لعصابتين مختلفتين، حيث تشتعل فتيل الحرب لأتفه الأسباب عادة، عندما يتواجد فرد من أحد الطرفين في حي «ممنوع» عليه أو نتيجة خلاف سابق وقع مع أحد قاطنيه، لتتعالى الأصوات وتنادي بإمساك المعني، فيتجمع أفراد العصابة في وقت قياسي، وتبدأ عمليات المطاردة والهرب والجري وقد يتم الاعتداء على هذا «الغريب» بالسلاح الأبيض ونادرا ما يتمكن من الفرار دون التعرض لإصابات، وفي أثناء ذلك تحدث فوضى عارمة وملاحقات باستعمال أسلحة بيضاء مع التلفظ بعبارات نابية، ما يخلق جوا من الرعب والخوف، لتشرع النساء في الصراخ وأحيانا يسقطن على الأرض.
وعادة ما يكون الطريق العمومي أو الفضاءات داخل المجمعات السكنية، ساحة للمعركة خاصة وأن المعتدى عليه يعود لحيه، من أجل الاستعانة ببقية أفراد العصابة الذين يتواجدون في ساحة الخصم بعد استعمالهم دراجات نارية وشاحنات صغيرة.
وتتجدد المعركة و بحدة أكبر حيث يقوم أفراد العصابة المعتدية برشق الضيوف غير المرحب بهم بالحجارة، من أجل إيقافهم قبل التوغل داخل «حدودهم»، وبعد مدة زمنية تتحول المعركة إلى مواجهات مباشرة باستعمال الأسلحة البيضاء، وغالبا ما تنتهي بسقوط جرحى وأحيانا أرواح، كما تتجدد الشجارات بعد الساعة العاشرة ليلا أين تكون الطرقات والشوارع خالية ويخيم الظلام على المساحات الواقعة داخل المجمعات السكنية ولا يُسمع هناك إلا صوت الصراخ. ولم يتوان بعض أولياء أفراد العصابات في تشجيع أبنائهم على هذه السلوكات، حيث يزودونهم بالأسلحة البيضاء من نوافذ سكناتهم.
وقد عززت مصالح الأمن تواجدها في علي منجلي و وسط مدينة قسنطينة، لمواجهة ظاهرة عصابات الأحياء، ففي المدينة الجديدة تم إنجاز 12 مقر أمن حضري إضافة الى مقرين لفرقتين خاصتين الأول بمحاذاة المستشفى العسكري والثانية بالوحدة الجوارية 5، و تم قبل أشهر قليلة تدشين أمن الدائرة في الوحدة الجوارية 13، ما مكن من توقيف آلاف المشتبه فيهم على مدار سنوات.
وتم قبل أسابيع، توقيف حوالي 13 شخصا في الوحدة الجوارية 1 بعد نشوب معركة بين شباب مرحلين من حي باردو ونظرائهم من الفوبور بسبب حظيرة سيارات، وتم حينها حجز قارورات «مولوتوف» وبنادق صيد، و توقيف أفراد عصابات في الوحدة الجوارية 8 و9.
كما لاقت ذات المصالح الثناء، بعد الخطط المحكمة التي أعدتها من أجل توقيف أفراد عصابات دخلوا في شجارات عنيفة بحي الدقسي وكذا الإخوة عباس، واستعملت حينها الشرطة أحدث الوسائل على غرار مروحية كشفت تحركات المتهمين من أعلى سطوح البنايات.
عقوبات مشددة تصل للسجن المؤبد
وقد صدر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية الأمر رقم 20 -03 المؤرخ في 30 أوت 2020 والمتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها, حيث يعتبر أن «عصابة أحياء» هي «كل مجموعة تحت أي تسمية كانت, مكونة من شخصين أو أكثر, ينتمون إلى حي سكني واحد أو أكثر, تقوم بارتكاب فعل أو عدة أفعال بغرض خلق جو انعدام الأمن في أوساط الأحياء السكنية أو في أي حيز مكاني آخر, أو بغرض فرض السيطرة عليها, من خلال الاعتداء المعنوي أو الجسدي على الغير أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو المساس بممتلكاتهم, مع حمل أو استعمال أسلحة بيضاء, ظاهرة أو مخبأة».
وحسب نفس النص يشمل الاعتداء المعنوي «كل اعتداء لفظي من شأنه أن يخلق الخوف أو الرعب لدى الغير, كالتهديد أو السب أو الشتم أو القذف أو الترهيب أو الحرمان من حق»، و حُدد السلاح الأبيض بأنه «كل الآلات والأدوات والأجهزة القاطعة أو النافذة أو الراضة, وجميع الأشياء التي يمكن ان تحدث ضررا أو جروحا بجسم الإنسان, أو تشكل خطرا على الأمن العمومي».
وينص الفصل الخامس على عقوبات بالحبس من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات و غرامة بين 300.000 دينار إلى مليون دينار ضد كل من «ينشئ أو ينظم عصابة أحياء, ينخرط أو يشارك بأي شكل كان في عصابة أحياء, مع علمه بغرضها أو من يقوم بتجنيد شخص أو أكثر لصالح عصابة أحياء».
و تضيف المادة 23 أنه يعاقب بالحبس من عشر سنوات إلى 20 سنة وبغرامة تتراوح بين مليون إلى مليوني دينار، كل من يرأس عصابة أحياء أو يتولى فيها أية قيادة كانت، كما تنص المادة 25 على عقوبة السجن المؤبد إذا ترتب على المشاجرة أو العصيان أو الاجتماع وفاة شخص من غير أعضاء العصابة. وإذا وقع ضرب أو جرح أثناء المشاجرة تكون العقوبة، الحبس من سنتين إلى سبع سنوات حبسا و الغرامة من 200.000 إلى 700.000 دينار، و يتضاعف الحد الادنى للعقوبة اذا وقعت المشاجرة أو العصيان او الاجتماع ليلا.
كما «يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 200.000 إلى 500.000 دينار كل من يشجع أو يمول عن علم, بأي وسيلة كانت, عصابة أحياء أو ينشر أفكارها بصورة مباشرة أو غير مباشرة, أو يقدم لعضو أو أكثر من أعضاء منها مكانا للاجتماع أو الايواء, أو من يخفيهم عمدا أو يساعدهم على الاختفاء أو الهروب.
ح.ب
- المختص في علم الاجتماع الجنائي الدكتور نجيب بولماين: الترحيلات العشوائية والأزمة الاقتصادية ساعدت على بروز الإجرام
يرى المختص في علم الاجتماع الجنائي والأستاذ بجامعة قسنطينة 2، الدكتور نجيب بولماين، أن التنشئة الاجتماعية ومشاكل البطالة إضافة إلى الترحيلات «العشوائية» نحو المدن الكبرى، كانت لها دور حاسم في بروز حروب العصابات، و هي ظاهرة يؤكد الباحث أن القوانين الردعية ليست كافية للحد منها، بل يجب أن ترافقها سياسات اجتماعية و اقتصادية و تربوية تلعب دور الموجه و المحتضِن للشباب و المراهقين.
و يعود الأستاذ إلى المسببات الأولى لظهور حروب العصابات بأحياء المدن الكبرى بالجزائر، حيث يقول إنها كانت في البداية من إرهاصات الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الجزائر في التسعينيات و ما رافقها من إغلاق للمؤسسات الصناعية و تسريح أرباب عائلات، فأصبح الأب بطالا و أبناؤه كذلك، و ظهرت ثقافة التسرب المدرسي و الأحياء القصديرية في ضواحي المدن بسبب الهجرة من الريف للمدينة و دخول الجزائر مرحلة سنوات الإرهاب.
وذكر الأستاذ أن كل هذه العوامل شكّلت العامل الحاسم للإجرام والسرقة و التعدي على أملاك الغير وتعاطي المخدرات و كذلك ممارسة التجارة غير المقننة، بالمقابل سارعت السلطات وقتها إلى إنشاء مدن جديدة وتحويل هؤلاء السكان إليها، بعدما قضوا فترة زمنية طويلة في الأحياء الهشة، و قد تم الترحيل، يتابع الدكتور بولماين، بصورة عشوائية دون القيام بدراسة اجتماعية ونفسية، فحل أزمة السكن كان بنظر الدولة وقتها، الإشكال الوحيد.
وقد نتجت عن ذلك حروب عصابات في مدن كبرى، يؤكد بولماين، مضيفا أن حالة المدينة الجديدة علي منجلي هي أبلغ مثال، فأصبحت عمارة واحدة تجمع سكانا أتوا من حي معين، وفي الجهة المقابلة توجد عمارات تقطن بها عائلات رُحِّلت من أحياء أخرى، وهي تركيبة اجتماعية أفرزت صراعا في الثقافات الفرعية الاجرامية، إذ أصبحت كل مجموعة من السكان تريد أن تتزعم غيرها في تلك الفضاءات، ما أوجد الإجرام بشكل آخر باستعمال السيوف، مقدما مثالا عن حروب العصابات التي تحدث بسبب خلافات حول حراسة حظائر السيارات.
ويرجع الباحث في علم الاجتماع، عدم بلوغ العديد من سكان هذه الأحياء الجديدة مرحلة التعايش الكلية، رغم مضّي عدة سنوات على ترحيلهم، إلى غياب مؤسسات تربوية تصقل الأخلاق أو تساعد الشباب على ملء أوقات الفراغ، فيظلون طيلة الوقت دون عمل يشغلهم ويتوجهون إلى الاعتداء على الجيران أو سرقة هواتف النساء، وقد يصل بهم الأمر إلى حد التصفية الجسدية بما يثير الرعب في نفوس السكان، بينما لا تستطيع الشرطة، يضيف الدكتور، التواجد في كل مكان وحراسة كل فرد.
وعلى هذا الأساس، يؤكد الأستاذ بولماين أنه من الضروري استحداث لجان أحياء تُقدَّم لها الإمكانيات المادية اللازمة لكي تلعب دورا في استقرار السكان و دعم العائلات الفقيرة، و إلاّ برأيه، فإن المشكلة لن تُحَّل رغم سنّ القوانين الرادعة و تشديد العقوبات.
ويقدم المختص في علم اجتماع الإجرام، حلولا للحد من ظاهرة حروب العصابات، و أولها مثلما يشرح، التنشئة الاجتماعية السويّة من خلال خلق جو من الاستقرار و الهدوء داخل الأسرة حتى لا يهرب أفرادها إلى الشارع، و الحرص على أن تكون تربية الطفل قائمة على تعاليم الاسلام بعيدا عن التزمت.
كما يدعو الأستاذ إلى استحداث مؤسسات اجتماعية و نفسية و اقتصادية تقوّم مستقبل الشباب وتوجههم وتساعدهم في الحصول على وظائف بالتركيز على إنشاء وفتح مصانع كبرى، مضيفا أنه يتعيّن على الدولة، على المدى البعيد، ضمانا الرفاهية للمجتمع لحل المشاكل المتراكمة. وبخصوص الدور الذي ينبغي على الباحثين لعبه لوقف حروب العصابات، يرى الدكتور أن الأبحاث موجودة لكن “المسؤولين لا يقرأونها” ما جعلها غير مجدية في الواقع.
ي.ب
- أستاذ الإعلام بجامعة سطيف 2 الدكتور عبد الله ملوكي: حروب العصابات من نتائج العنف الذي تصدره وسائل التواصل
يربط الباحث بقسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة سطيف 2، الدكتور عبد الله ملوكي، بين مضامين العنف الافتراضية في مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشار ظاهرة عصابات الشّوارع في المجتمع الجزائري سيما لدى شريحة الشّباب، ويقترح رفع مستويات التّوعية حول سلبيات الاستخدام غير العقلاني لهذه المواقع، وكذلك تعزيز الأبحاث المرتبطة بالسّلوك في العالم الرقمي.
وذكر الأستاذ أن المجتمع الجزائري عرف في الآونة الأخيرة العديد من أحداث العنف، التي تميّزت ببروز سلوكات إجرامية ومنحرفة لم تكن مألوفة لدى العامة، حيث كان معظم الأفراد يسمعون عنها أو يشاهدونها في الفنون السينماتوغرافية أو في دول أخرى لا تمتّ إلى العادات والأعراف الجزائرية بأية صلة، وبالأخص حروب العصابات، الاختطاف والتعذيب حتى القتل، الاغتصاب، والسطو المسلح على البنوك وغيرها.
و يضيف الدكتور أن الظّواهر الإجرامية تزامنت مع الانتشار الواسع والمتسارع لاستخدام وسائل الإعلام الجديدة وخاصة مواقع الإعلام الاجتماعي، مبرزا أن إحصائيات حديثة تشير إلى أنّ أكثر من نصف سكّان الجزائر يستخدمون هذه المنصات ويتعرّضون إلى مضامينها المتنوّعة سيما «فيسبوك»، الذي بات الوجهة الأولى للعديد من الأفراد وبصفة خاصة الشّباب والمراهقين، لكن هذه المنصات تحتوي، بحسب الأستاذ ملوكي، على العديد من مظاهر الانحراف والإجرام والعنف، ومنها العنف السّلوكي، العنف الرّمزي، العنف اللّفظي، وكذلك العنف الاقتصادي، الأسري، الجندري، النفسي و العنف مرتبط بالحياة الزّوجية وأيضا الممارس ضدّ الأطفال إضافة إلى التّنمر، التّحرش، الابتزاز، سرقة الملكيات الفكرية، القرصنة وغيرها من «سلوكات البلطجة السّبيرانية» التي يمكن تصنيفها ضمن الإجرام الالكتروني.
ويرى الدكتور ملوكي أن العنف والانحراف إضافة إلى الانتماء إلى عصابات الأحياء والشّوارع كظاهرة اجتماعية، ينطلق من عدم القبول الاجتماعي للعديد من الأفراد في المجتمع نتيجة لتصّرفات معيّنة سابقة أو لجنوح سابق ممّا قد يؤدّي إلى شعور هؤلاء بنوع من الوصمة المجتمعية، ممّا قد يؤدّي بهؤلاء إلى الانخراط في العديد من الجماعات الافتراضية المنحرفة، ويمكن أن يتطوّر الأمر إلى الانضمام إلى عصابات الأحياء والشّوارع.
وأشار المتحدث إلى أنّ انتماء الفرد للعديد من الجماعات والمجموعات الافتراضية وبصفة خاصة الجانحة منها، يدفعه إلى الانخراط ضمن عصابات الأحياء والشّوارع التي تبني محيطا هوياتيا جانحا من شأنه أن يعمل على تعزيز سلوك الإجرام لدى الفرد المنخرط ضمنها، وبالتالي إمكانية انتمائه إلى عصابات الأحياء بالتّعامل مع مظاهر العنف على كونها سطحية، بسيطة وعادية، فيقبل الفرد بالعديد من السّلوكات الإجرامية والمنحرفة.
ويضيف المختص أنّ تعرّض الأفراد إلى مضامين العنف والإجرام من خلال مواقع الإعلام الاجتماعي ومختلف تطبيقات الفضاء الافتراضي بدافع التّنفيس، يمكن أن يسهم في تعزيز دافعية انتشار السّلوكات المنحرفة والانضمام إلى عصابات الأحياء، نظرا للتّأثير التراكمي لهذا النّوع من المضامين على سلوك المتعرّضين لها وبالأخص شريحة الشّباب والمراهقين.
كما يمكن أن تعمل السّلوكات المنحرفة والعدوانية عبر الفضاء الافتراضي، على نشر حالة من التّوتر المصاحب إلى العديد من التّغيرات الجسدية والهرمونية، وكنتيجة لذلك قد يؤدّي هذا الاختلال، يتابع الأستاذ، إلى عدم الاستقرار السّلوكي لدى الفرد سيما شريحة المراهقين غير القادرة على التّمييز بين الواقع والمتخيّل ممّا قد يوجّهها إلى التّصرف على نحو عنيف ومنحرف في واقعها المعيش والانضمام إلى العديد من الجماعات الإجرامية ومنها عصابات الأحياء والشّوارع.
أما من النّاحيتين الاجتماعية والثّقافية، فيؤكد الأستاذ ملوكي الذي ناقش أطروحة دكتوراه حول «أثر مواقع الشبكات الاجتماعية في نشر الانحراف السلوكي لدى الشباب»، أنه يمكن اعتبار المجال العام الافتراضي كبيئة ممتدة للواقع المعيش يتعلّم من خلالها الفرد العديد من السّلوكات ومنها المنحرفة، و من ثم تطبيقها في أرض الواقع.
كما يجسد المجال العام الافتراضي فضاء رقميا وديناميكيا تتكاثر من خلاله العديد من السّلوكات بصفة حيوية، حسب الباحث في الاعلام، الذي يضيف أنّ بعض مضامين وسائل الإعلام الاجتماعي يمكن أن تعطي تفسيرا منطقيا لحالات العنف والإجرام والانضمام إلى عصابات الأحياء.ولوقف ظاهرة عصابات الأحياء، يقترح الدكتور ملوكي، إعادة النظر في اللّوائح المهنية والقانونية والأخلاقية بما يتماشى مع تنظيم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وإقامة دورات تحسيسية بانتظام تزيد من مستويات التّوعية حول سلبيات الاستخدام غير العقلاني لهذه المواقع، وكذلك تعزيز الأبحاث المرتبطة بالعلوم السّلوكية في العالم الافتراضي.
كما يوصي الأستاذ بتعزيز جهود إعادة دمج المسبوقين قضائيا وتكوينهم مهنيا، وتكثيف مرافقة شريحة المراهقين والشّباب وبصفة خاصة أصحاب السوابق العدلية، إلى جانب تعزيز العمل الجمعوي وإشراك مختلف الشّرائح الشّبانية في المبادرات ذات الطابعين الاجتماعي والثقافي مع تكثيف العمل الجواري الميداني. ي.ب
- القانونية والناشطة في مجال محاربة العنف الأستاذة رنيدة مراز: الأمر المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء يوفر حماية للمجتمع
تعتبر المحامية و الناشطة الجمعوية في مجال محاربة العنف الاجتماعي، الأستاذة مرّاز رنيدة ياسمين، أن الأمر المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء و الصادر مؤخرا في الجريدة الرسمية، يوفر حماية لجميع فئات المجتمع كما سيكون له أثر كبير في تراجع هذه الظاهرة التي لم تسلم منها الأحياء الشعبية و لا الراقية، و ذلك من خلال العقوبات المشددة التي تُعد رادعا قويا.
و أبرزت الأستاذة، أن الأمر رقم 20 -03 المؤرخ في 30 أوت 2020 والمتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء و مكافحتها، يعتبر مبادرة جيدة للغاية، خصوصا إذا ما تم النظر إلى ما تعالجه المحاكم من الكم الهائل من قضايا العنف و التعرض للسلامة الجسدية للآخرين، بعدما أصبح حمل سكين و استخدامه في الاعتداء على الآخرين أمرا سهلا، و هي قضايا تؤكد المتحدثة، أنها أثقلت كاهل العدالة الجزائرية إلى جانب الملفات المتصلة بالمتاجرة بالأدوية ذات الخصائص العقلية.
و تضيف القانونية، أن الأمر المذكور إضافة إلى الأمر المعدل والمتمم لقانون العقوبات و الذي يشدد عقوبات الاعتداء على العاملين في قطاع الصحة، زرعا رهبة في نفوس مرتادي الإجرام وكان لهما “أثر كبير”، حيث أصبحوا يحسبون ألف حساب قبل الاعتداء و الانخراط في أعمال عنف، بعدما أدركوا أنهم سيتعرضون لعقوبات تصل إلى 15 سنة سجنا بل و حتى السجن المؤبد. و تتابع السيدة مرّاز، من منطلق كونها ناشطة جمعوية، أن الشارع الجزائري أصبح يتحدث كثيرا، خلال الفترة الأخيرة، عن القوانين الجديدة الرادعة لظاهرة عصابات الأحياء، خاصة أن الأحكام القضائية صارت مشددة، و هو بحد ذاته أمر جيد برأيها، مضيفة أنها تتوقع أثرا إيجابيا في هذا الجانب، خصوصا أن العديد من المحبوسين في مثل هذه القضايا كانوا يقضون عقوبات بالحبس لبضعة أشهر، و أحيانا يتعمدون الدخول للسجن للالتقاء بأصدقائهم المسجونين هناك أو الحصول على مأوى مؤقت يضمن لهم المأكل و الملبس، سيما في فصل الشتاء، وفق ما وقفت عليه كمحامية ممارسة.
و تؤكد المحامية أن تشديد العقوبات يكتسي أهمية كبيرة على اعتبار أن المجرمين كانوا قد اكتسبوا خلال الأعوام الماضية «خبرة» جعلتهم يجدون الثغرات القانونية التي تسمح بتخفيف الحكم أو الحصول على البراءة، فرغم أن العديد من الجزائريين لا يتحلون بثقافة قانونية، غير أنهم يعرفون دائما كيف يتحايلون على القوانين، وفق تعبيرها.
و تضيف المتحدثة أن الأمر المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء و مكافحتها و الذي أصبح ساري المفعول في المحاكم، جعل الجزائري يشعر بأنه في أمان و بأنه محمي قانونا، خصوصا أن ظاهرة الإجرام لم تسلم منها لا الأحياء الشعبية و لا حتى الراقية، و يتجسد ذلك خصوصا عبر السيطرة على حظائر السيارات و استعمال الأسلحة البيضاء للتهديد.
ي.ب