أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
حدد بنك الجزائر، المبلغ الأقصى المسموح بإخراجه من العملة الأجنبية، من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين، بما قيمته 7500 أورو، مرة واحدة في السنة...
وجهت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي تعليمات للمدراء الولائيين للقيام بخرجات ليلية عبر مختلف أنحاء الوطن، مع تجنيد الخلايا...
* نـظام المخـزن تحــالف مع القوى الاستعمــارية كشف عضو الحزب الوطني لجمهورية الريف، يوبا الغديوي، أمس السبت، أن تشكيلته السياسية ستتقدم قريبا إلى...
لجأت شبكات الهجرة غير الشرعية إلى استغلال قوافل اللاجئين السوريين لتمكين حراقة جزائريين من التسلل إلى أوروبا عبر بوابة تركيا، وذلك بعد التخلص من وثائق الهوية قبل الوصول إلى الحدود اليونانية، أين تبدأ مغامرة تقمص الهوية بحرا في طريق محفوف بالأخطار والمفاجآت.
الأسلوب انتشر في أوساط الشباب الذين تستخدمهم شبكات لها امتدادات بكافة الدول الأوروبية، ولم تعد تعمل في الخفاء بل استخدمت حتى مواقع التواصل الاجتماعي بأرقام هواتف وعنوانين معروفة، لكن الدول الأوروبية تفطنت للظاهرة وأخضعت معابر المتسللين لرقابة مشددة أدت إلى ترحيل الكثير ممن ركبوا موجة المغامرة التي أصبحت تصنع مادة دسمة لنقاشات شباب الكثير من أحياء مدينة قسنطينة وغيرها من مدن الجزائر.
النصر ومن خلال هذا التحقيق تسلط الضوء على جوانب خفية في ظاهرة الحرقة ومساراتها الجديدة وأساليب التخفي التي انتهت بالكثيرين في سجون أوروبية أو في متاهة المقيم غير الشرعي وما ينجر عن ذلك من مخاطر على حياته في ظل ما تشهده أوروبا من حالة استنفار وتوجس من حاملي الجنسيات العربية.
النصر تحدثت إلى أقاربهم وأصدقائهم بقسنطينة
حراقــة جزائريــون ينتحلـــون صفــة اللاجئــين السوريين في أوروبـــا
باتت فكرة الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية تسيطر على عقول الكثير من الشباب في الأشهر القليلة الماضية، حيث تعرف أعداد الحراقة الجزائريين، ارتفاعا غير مسبوق، بالمقارنة مع السنوات الماضية، مستغلين في ذلك التدفق الكبير لللاجئين السوريين عبر بوابة تركيا.
حاولنا من خلال هذا التحقيق معرفة أسباب اتجاه هؤلاء الشباب لخوض مغامرة «الحرقة»، مراهنين على حياتهم و أموالهم، و من دون تفكير في العواقب التي قد تنجم عن هذه الخطوة الجريئة.
و خلال التحقيق، أكد لنا بعض الأشخاص بأن العديد من أحياء قسنطينة يغادرها الكثير من شبابها منذ أيام، و عليه توجهنا إلى أحد الأحياء التي تجمعنا معارف ببعض قاطنيها، و الذين أخبرونا بأن عدد الشباب الذين سافروا نحو تركيا بغرض «الحرقة» خلال الشهر الماضي فقط يتجاوز 20 شخصا، معظمهم من منطقة واحدة داخل الحي.
و روى لنا بعض أصدقاء و أهالي الحراقة، تفاصيل المغامرة التي يقوم بها بعض الشباب، مؤكدين بأنهم جميعا من البطالين، تتراوح أعمارهم بين 20 و 30 سنة، أحسنهم أنهى دراسته في المرحلة الثانوية، و منهم من سبق له الهجرة، قبل أن يعود راغبا أو مرغما.
سمعنا تفاصيل روايات متشابهة، استند فيها محدثونا الى الاتصالات القليلة التي تجمعهم بأقاربهم الذين يتواجدون منذ أيام أو أسابيع في بلدان أوروبية مختلفة و بطريقة غير شرعية.
تحضيرات بسيطة و مبلغ قليل كافيان لبدأ المغامرة
التحضير للهجرة، يبدأ من داخل الحي، ما بين مجموعة من الشباب مكونة من ثلاثة أو أربعة أصدقاء، و نادرا ما يكون التجهيز للسفر بشكل فردي، و قد يستمر لأيام فقط، خاصة أنه من الضروري الحصول على التأشيرة، و التي تتم عن طريق وكالات السفر، حيث لا يحتاج الأمر إلى واسطة، فالتأشيرة تمنح لجميع الراغبين في السفر إلى تركيا، و ذلك تحت غطاء السياحة أو التجارة.
و من الضروري أيضا جمع مبلغ كاف من المال و تحويله من الدينار إلى اليورو، و المبلغ يكون في حدود الألف و 500 يورو على الأقل، أي ما يقارب 25 أو 30 مليون سنتيم، حسب حالة السوق، أما أهم خطوة فتتمثل في الاتفاق على خطة و طريقة العبور نحو بلدان غرب أوروبا، و هو حلم جميع الحراقة دون استثناء.
حيث يتم ربط الاتصال قبل السفر بأيام، بالشخص الذي سيقوم بتنظيم عملية العبور من تركيا نحو اليونان أو بلغاريا، و الذي يسمى بـ «الحراق» و يكون من جنسية جزائرية و يقيم بتركيا بطريقة غير شرعية، حيث يتم الحصول على رقمه من أحد الحراقة السابقين، الذين عبروا بنجاح نحو أحد البلدان الأوروبية.
الأشخاص الذين يعملون في تنظيم عمليات العبور، حسب المعلومات التي تمكنا من الحصول عليها، من جنسيات مختلفة، من الجزائر والمغرب و تونس و أغلبهم من سوريا و العراق، و هم أشخاص يعرفون الطرق و المنافذ الحدودية جيدا باعتبار تجاربهم المتكررة في العبور من تركيا نحو اليونان أو بلغاريا، يعملون مع مواطنين أتراك يؤمنون لهم طرق و مناطق العبور، يتقاسمون معهم المال، حسب ما أكده محدثونا، الذين ذكروا بأن المهاجرين الجزائريين يفضلون «الحرقة» مع أشخاص جزائريين.
و قبل السفر بيوم أو يومين يتم إخبار العائلة، من دون إعلامهم بتفاصيل و خطورة المغامرة التي سيقدمون عليها، و ذلك لتفادي وقوف الأهل عائقا .
مطار اسطنبول نقطة انطلاق نحو غرب أوروبا
بعد الوصول إلى مطار اسطنبول «الحراقة»، حسب ما قيل لنا في أوساط أهالي وأصدقاء من تمكنوا من الحرقة، يجدون هناك الشخص الذي اتفقوا معه في انتظارهم، ليقوم بنقلهم إلى بيت مخصص لإيواء المهاجرين، و قد يتم العبور نحو البلد المجاور في الليلة ذاتها أو بعد أيام، حسب ما تسمح به الظروف المتعلقة أساسا بعدد الأشخاص الذين سيقومون بعبور الحدود، أو حالة هذه الأخيرة من حيث الحراسة، و إذا ما كان العبور سيتم بسهولة أو العكس.
«أما المسافرون الذين لم يتفقوا مسبقا مع «حراق»، فيمكنهم بسهولة تأمين العبور، فمباشرة بعد أن تطأ أقدامهم أرض مطار اسطنبول، تبدأ عروض الحرقة تتهاطل عليهم»، فحتى المسافرين العاديين يتفاجأون بأشخاص يعرضون عليهم العبور نحو بلدان الاتحاد الأوروبي.
و يكون العبور انطلاقا من تركيا، نحو وجهتين فقط، إما اليونان، و هي الأكثر إقبالا لأنها تكون عبر البر أو البحر أيضا، أو نحو بلغاريا التي يكون العبور إليها برا فقط .
و خلال الأشهر الأخيرة بات أغلب «الحراقة» يختارون الوجهة اليونانية، وفق ما صرح لنا به أشخاص يتواصلون معهم، مستغلين تدفق اللاجئين السوريين، أما الدخول إلى بلغاريا فصار أكثر صعوبة من السابق، بسبب تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود و المنافذ المؤدية نحو أراضيها.
الذين يفضلون العبور نحو اليونان، مجبرين على اختيار طريقة العبور إما بحرا عن طريق القوارب الصغيرة أو برا من خلال اجتياز الحدود البرية مشيا على الأقدام، و الغالبية يفضلون البحر، «فرغم أن احتمال الموت غرقا كبير جدا، إلا أن الوصول إلى أحد الجزر اليونانية يكون في أقل من ساعة»، أما عن المبلغ الذي يدفعه كل شخص فيتراوح بين 500 و 1000 يورو.
و يكون دور «الحراق» إيصال المهاجرين عبر السيارات نحو مكان الانطلاق، و تأمين القارب الذي يكون مزودا بمحرك و إرشادهم إلى الوجهة التي يسلكونها، و هنا ينتهي دوره، بعد أن يوكل مهمة قيادة القارب إلى أحد المهاجرين، و مقابل ذلك فهذا الأخير لن يدفع مقابل العبور، لكن ذلك قد يكلفه غاليا في حالة ضبطهم من قبل خفر السواحل اليونانية، حيث يتم اقتياد سائق القارب مباشرة إلى السجن لتتم محاكمته بتهمة تهريب البشر و قد يقضي سنوات طويلة مسجونا.
أما الذين يختارون الطريق البري، فيتم إيصالهم، وفق ما جمعناه من شهادات، نحو نقطة حدودية معينة، و إرشادهم إلى الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكوه للوصول إلى وجهتهم، و السير يكون ليلا فقط، حيث أن العلامات التي يهتدون عبرها إلى الطريق تكون غالبا عبارة عن أضواء، أما المسير فيستغرق ليلة أو ليلتين، حسب مكان العبور، و المبلغ الذي يدفعونه للحراق مقابل ذلك يتراوح ما بين 200 إلى 500 يورو.
قبل المغادرة، يتخلص الجميع من جوازات السفر إما بإتلافها أو تسليمها إلى «الحراق» من أجل إرسالها إلى الجزائر، عبر شركات البريد السريع، و ذلك بمقابل مبلغ مالي، لذلك فالأغلبية يفضلون إحراق الجواز أو تمزيقه.
بلوغ ألمانيا عبر الحدود البرية في أقل من 10 أيام
بعد وصول المهاجرين إلى اليونان أو بلغاريا، غالبا ما يتم توقيفهم من قبل السلطات، حيث ينقلون إلى مراكز مخصصة للاجئين و يتم أخذ بصماتهم، قبل أن تمنح لهم حرية التنقل، و حسب الروايات التي استقيناها من عدة مصادر، فإن المهاجرين أصبحوا يجدون سهولة نسبية في التنقل من دولة إلى أخرى، بفضل التدفق الكبير للاجئين السوريين.
فمثلا «الحراقة» الذين وصلوا خلال الشهرين الماضيين إلى ألمانيا، أكدوا بأن العبور من تركيا إلى ألمانيا لم يستغرق أكثر من 10 أيام، و ذلك بالنظر إلى أن المعابر مفتوحة بين عدة بلدان، و السلطات فيها تسهل عبورهم من دولة إلى أخرى من خلال تأمين حافلات لنقلهم بمقابل مبالغ مالية تتراوح بين 50 و 100 يورو، فالمهم لدى هذه البلدان حسب الروايات المختلفة، هو عدم بقاء الحراقة على أراضيها.
من أجل الوصول إلى ألمانيا أو إيطاليا يعبر المهاجرون عدة بلدان، و العبور في أغلب الأحيان يكون من تركيا نحو أحد الجزر اليونانية، و من هذه الأخيرة يستقلون العبارات نحو البر اليوناني، ثم يقطعون الحدود البرية نحو مقدونيا ثم إلى صربيا و بعدها نحو المجر و منها إلى النمسا التي تتيح للمهاجرين الدخول إلى أرض الحلم ألمانيا أو إيطاليا، و من هذين البلدين يمكن العبور نحو فرنسا أو سويسرا و بلجيكا و إسبانيا.
بعض المهاجرين الجزائريين الذين وصلوا إلى ألمانيا مؤخرا، و حسب الأخبار التي وصلت إلى أهاليهم، ذكروا بأنهم اختلطوا باللاجئين السوريين، حيث أن السلطات الألمانية، منحت لهم حق اللجوء على أراضيها لستة أشهر قابلة للتجديد، كما أمنت لهم مراكز إيواء و أغذية و لباس، و يتم منح كل لاجئ مبلغ 350 يورو، كما أكدت الأخبار القادمة من هناك بأنهم شرعوا في الخضوع لدورات تدريبية في اللغة الألمانية.
فيما أفاد آخرون، بأن الكثيرين تم توقيفهم من قبل السلطات الألمانية، التي اكتشفت بعد التحقيق معهم بأنهم ليسوا من جنسية سورية، مثلما صرحوا به عند دخول الأراضي الألمانية.
«وليد» سجن عدة مرات ووصل إلى فرنسا بعد 3 أشهر
يروي لنا وليد الذي هاجر قبل 3 سنوات قبل أن يستقر اليوم في جنوب فرنسا، كيف كانت رحلته التي انطلقت من قسنطينة في أواخر سنة 2013، يقول وليد بأنه كان في 23 من عمره، حينما قرر خوض تجربة الهجرة، فقد كان يعاني من البطالة، بعد أن أنهى دراسته في المرحلة الإكمالية، و بالرغم من أن عائلته كانت تعارض الفكرة، إلا أنه صمم عليها، خاصة أن لديه العديد من الأصدقاء «الحراقة» في ايطاليا و فرنسا، و كانت تربطه معهم اتصالات، حيث شجعوه على خوض هذه المغامرة التي لم يكن يكترث لخطورتها، كما يقول.
يذكر وليد بأنه غادر نحو تونس و منها حجز عبر وكالة سفر إلى اسطنبول، و ذلك بمبلغ 35 ألف دج، و بمجرد وصوله التقى بثلاثة من أصدقائه، كانوا قد سبقوه إلى هناك بأيام، حيث ربطوا الاتصال بـ «حراق» جزائري، كانوا قد اتفقوا معه على طريقة لعبور الحدود، و قرروا الدخول إلى بلغاريا، قال بأنهم كانوا حوالي 12 شخصا، قام «الحراق الدليل» بإيصالهم ليلا نحو نقطة حدودية و بعد أن شرح لهم الطريق التي يجب أن يتبعوها، و ذلك من خلال إتباع بعض العلامات، هي عبارة عن أضواء.
ثم قاموا بترك جوازات سفرهم عند «الحراق»، بعدها ساروا طيلة الليل في الغابة، و بعد بزوغ الفجر، اضطروا إلى التوقف و انتظار حلول الليل، لمواصلة المسير، لأنهم كانوا يعتمدون على الأضواء التي يهتدون من خلالها إلى الطريق.
في صبيحة اليوم الموالي وجدوا أنفسهم في أحد القرى البلغارية، و بعد دقائق كانت الشرطة قد وصلت، و قامت بإيقافهم، و اقتيادهم للتحقيق، و بعدها إلى مركز للاجئين، أين التقوا بالمئات من الشباب من جنسيات مختلفة، و من الذين إلتقاهم ثلاثة أشخاص من الحي الذي يسكنه في قسنطينة، و حتى أحد جيرانه في العمارة كان هناك.
يقول وليد بأن احتجازهم في المركز دام حوالي ثلاثة أشهر، كون الإجراءات حينها ضد المهاجرين غير الشرعيين كانت مشددة، بعد ذلك تم أخذ بصماتهم، و سمحوا لهم بالمغادرة، لم يمكث سوى يومين بعدها، و أخذ في السير نحو مقدونيا مع مجموعة من أصدقائه، ثم استقلوا سيارة مواطن بلغاري، أوصلهم للحدود مقابل المال، ليجتازوها مشيا على الأقدام عبر تضاريس وعرة، لم يواجهوا صعوبة في عبور الحدود المقدونية، و فيها مشوا لأيام قبل أن يدخلوا إلى كوسوفو.
أما عن الطريق فقال بأنهم كانوا كلما وجدوا «مقهى للأنترنت» يحاولون الاهتداء إلى المسار الصحيح عبر خرائط «غوغل مابس»، و بعد أن عبروا الحدود البرية نحو «مونتينيغرو» تم توقيفهم من قبل الشرطة، التي حجزتهم لمدة 15 يوما، بعدها دخلوا إلى كرواتيا غير أن السلطات هناك أعادتهم من جديد إلى مونتينيغرو، و هناك حاولوا التسلل إلى الميناء حيث صعدوا على متن سفينة متجهة نحو إيطاليا، لكن قبل مغادرتها تم اكتشاف أمرهم من قبل طاقمها، فأعيدوا إلى السجن مرة أخرى، و بعد أسبوعين، عادوا إلى البوسنة و منها دخلوا إلى صربيا، بمساعدة أحد المواطنين و طبعا مقابل 80 يورو للفرد الواحد.
في صربيا أوقفتهم الشرطة و منحتهم مهلة 24 ساعة لمغادرة الأراضي الصربية و إلا فإنهم سيواجهون عقوبة السجن لمدة طويلة، و في نفس اليوم دخلوا إلى المجر ثم إلى النمسا دون مشاكل، بعد ذلك قرر التوجه إلى إيطاليا، حيث أصبح يتنقل بشكل عادي، و دون أن تقوم الشرطة بإيقافه، و بعد أيام وصل إلى فرنسا، أين استقبله عدد من أصدقائه و معارف العائلة، حيث استغرق الوصول إليها قرابة 3 أشهر منذ مغادرته للجزائر، و هو اليوم يعيش في مدينة نيس منذ حوالي 3 سنوات، كحراق و دون أن يتمكن من تأمين وثائق قانونية.
عبد الرزاق مشاطي