يخفي الفرحون بإيمانويل ماكرون في جنوب المتوسط مفارقة غريبة، فهم يتغنّون بجماله وماله وصغر سنّه في معرض انتقادهم لوضعية أوطانهم.
وهم بذلك يستدعون عادة كامنة تتمثل في عبادة الزعيم وذكر محاسنه، عوض استدعاء نموذج في الحكم تبدو الحاجة ماسة إليه لإدارة مجتمعات عادة ما تلجأ إلى الحروب لتسوية مشكلاتها.
وقد يقود التحليل "الخبيث" إلى استنتاجات مثيرة عن صورة الزعيم في خطاب يصدر عن فئات توصف بالنخبة، تبدي في كتاباتها وتعليقاتها، من حيث لا تدري، حاجتها إلى "قائد" يفتنها وتتجاوب معه وهي تطالب بنموذج سياسي ديمقراطي مشابه للنموذج الذي حمل ماكرون إلى رئاسة فرنسا، وفي ذلك تناقض صريح بين المطلب الظاهر والحاجة الكامنة التي تجود بها لغة مقهورة تتسرب من لا وعي جمعي لم تتغير فيه وضعية "شيخ القبيلة" الذكر الغالب الذي يتأنّثُ الأتباع طاعةً له.
هذه الوضعية تكشف عن مأزق الديمقراطية في جنوبنا السعيد، فهي عادة ما تُطلب بأدوات غير أدواتها وتتم محاولات لزرعها في أرض غير مهيأة لها، ما يتسبّب في ظهور نباتات غريبة.
مأزق قد يضاف إلى مآزق الديمقراطية في بلدان المنشأ إذ تحوّل "الانتخاب" الذي هو أحد أهم مظاهرها، إلى "شو" من صناعة آلة الميديا واللوبيات المالية، حيث باتت النخب السياسية تُطبخ بسرعة وتسوّق لجمهور جائع إلى العروض المباشرة. والإيجابي في عروض الشمال أن مدتها لا تطول مقارنة بغيرها، كما أن المجتمعات تلعب دورا حقيقيا من خلال الفعل الانتخابي في إسداء المسؤولية أو نزعها رغم لعبة التأثير التي تدفع الجماهير وتغيّر من توجهاتها.
لقد باتت الديمقراطية تثير المخاوف في ربوعها الأصلية بسبب التغيرات التي طرأت على المجتمعات الجديدة وأصبحت محل مساءلة وهي تدفع بمتطرفين وشعبويين إلى واجهة المشهد السياسي، فكيف سيكون الحال في جنوب لم يتدرّب عليها واكتفى بالتظاهر بها في أحسن الحالات؟
لكل ذلك، يبدو عقد المقارنات في غير محلّه، فلو افترضنا أن عمليات انتخابية ستجري في جنوب البحر المذكور أعلاه بنزاهة وشفافية، فهل ستفرز رؤساء في سن الشباب يعزفون على البيانو ويتحدثون عن الأدب والفلسفة؟
سليم بوفنداسة