المونولوج انتشر كثيرا لدوافع تجارية أكثر منها فنية
منير بومرداس، فنان وممثل ومخرج مسرحي وإطار ومستشار ثقافي بمديرية الثقافة لولاية سطيف. أشرف عن طريق التعاونية الثقافية «ميلاف» التي يرأسها، على تأسيس الأيّام الوطنية للمسرح التجريبي بولاية ميلة ثلاث سنوات متتالية، كما أشرف على أيّام المسرح التجريبي في طبعتها الأولى 2016. وفي طبعتها الثانية 2017، وكانت طبعة عربية. حاصل على شهادة الدراسات العليا -فنون درامية-، خريج المعهد الوطني العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري اختصاص تمثيل، وانطلاقا من عمله أشرف على التبادل الثقافي لعشرين ولاية عبر التراب الوطني، شارك في الأيّام التكوينية المسرحية لولاية البيض، كما أشرف على التربص المغلق للفنون الدرامية بولاية ميلة، وقام بتأطير ورشات لفن التمثيل لولاية بسكرة، وساهم في إحياء اليوم العالمي للمسرح بولاية ورقلة، وهو عضو محكم في لجان التحكيم في عدة مهرجانات وطنية، كما مثل وأدى أدورا مختلفة في عدة مسرحيات أبرزها «زوج مثالي» لأوسكار وايد، «بينيلوب» لسومارت موم، «توبة الجلاد»، «يوغرطة»، «الجزائر رحلة حب» من إنتاج المسرح الجهوي العلمة، أيضا شارك في أعمال تلفزيونية وسينمائية عديدة منها مسلسلات: «البذرة»، «الغائب» «رشيد القسنطيني»، وفي السينما شارك في فيلم «من أجل عشرة مليون» وفيلم «مجاهدي الظل».
كتبت نص «الطاهر الزبّال» وأخرجته على شكل مونولوج ومثله سليم بوذن. ماذا عن تجربة الإخراج؟
منير بومرداس: فعلا، كتبت نص «الطاهر الزبال» وأخرجته في شكل مونودرام، هذه التجربة سبقتها تجارب أخرى وسبق واشتغلت على نصوص من تأليفي ونصوص من المسرح العالمي، فمسرحية «الأستاذ كلينوف» كانت بالنسبة لي رونقا فنيا وكان عملا ناضجا أكثر من كلّ الأعمال التي سبقت وهذا راجع للشكل الّذي عملت عليه حين زاوجت الموسيقى التراثية الجزائرية بمسرحية عالمية لكاتبة دانمركية فكانت مسرحية عذبة جدا، أمّا «الطاهر الزبال» فهو شيء آخر، عبارة عن كوميديا سوداء أحبها الجمهور كثيرا.
الكثير من النصوص المسرحية وحتى بعض الاقتباسات صارت تمثل على شكل مونولوج. برأيك لماذا اكتسح المونولوج المسرح الجزائري وما رؤيتك الشخصية لهذا الفن الفردي المتشعب في الحالات والأداءات؟
منير بومرداس: ربّما معك حق، هذا الشكل المسرحي انتشر كثيرا وأعتقد أنّ الدافع الأكبر تجاري أكثر منه فني لأنّ هذا الشكل المسرحي لا يتطلب أموالا كبيرة لإنتاجه وبالمقابل يجلب ربحا أكبر من المسرحيات الكبيرة التي تعتمد على ترسانة من الممثلين وأيضا التقنين والفنيين وكذا وسائل النقل ومصاريف أخرى، لكن هذا الشكل من المسرح تعتمد عليه غالبا الجمعيات والتعاونيات فقط، فيما المؤسسات الثقافية الأخرى مثل المسارح الجهوية أعتقد أنّ نظرتها غير ذلك، ومهما يكن يبقى المونولوج أو المونودرام شكل مسرحي ناجح ومُهم في حياة كلّ فنان ناجح.
قمتَ بإخراج مسرحيات للأطفال، من بينها مسرحية «النملة تريد أن تغني»، وهي أيضا من تأليفك، كيف تجد الإخراج المسرحي للأطفال، وحسب تجربتك ما الأصعب مسرح الكبار أم مسرح الطفل من ناحية الإخراج والتمثيل وحتى الكتابة؟
منير بومرداس: فعلا، كانت تجربة مع نخبة من الفنانين ومسرحية «النملة تريد أن تغني» أو العنوان الأصلي «النملة والصرصور» في دور العرض ولقد حظيت بجولة في عدة ولايات من الوطن والحمد الله العمل كان ناجحا وأحبه الجمهور كثيرا، أمّا فيما يخص الإخراج المسرحي للأطفال يبقى طبعا هو الأصعب وهذا لأنّك تحاكي -عالم طفل- ولكي تنجح فعليك أن تصبح مثل الطفل وأنت تقوم بالإخراج، فأنت مجبر على البحث في خيال الطفل وبساطة ما يقنعه ويشد انتباهه ويفيده بالدرجة الأولى، ثانيا طفل اليوم غير طفل البارحة، فالعولمة اقتحمت عالمه وصار جزءا منها، عليك أن تجد –مدخل- لعالم طفل يعرف الفضائيات والحاسوب والألعاب الذكية أو الالكترونية، إذا، لا أستطيع أن أقول مَن الأصعب مسرح الطفل أو مسرح الكبار، العالم يتطور عند الطفل وعند الكبير.
إلى جانب الاشتغال في المسرح، ترأس جمعية «فنون العرض»، ما موقع هذه الجمعية في العمل المسرحي، كيف ومتى نشأت وما أهدافها على وجه الخصوص؟
منير بومرداس: نعم، إلى جانب عملي في المسرح فنان وإداري، أنا رئيس تعاونية «ميلاف» للمسرح، و»فنون العرض» التي تأسست في ولاية ميلة ثم نقلتها إلى مدينة سطيف للضرورة، أي بعد نقلي من عملي إلى ولاية سطيف والقصد في تأسيس هذه التعاونية أشبه بالحرية الفنية أو ما نسميه نحن المسرح الخاص، هي تعاونية تنشط في مجال المسرح لكن مع فنانين أحرار، أقصد فضاءً نلجأ إليه بعد ساعات العمل في مكاتبنا، هناك نجد حريتنا في الإبداع أكثر لأنّنا غير ملزمين بعقود أو تاريخ معين لإنتاج العروض وبالمقابل تساعدنا التعاونية على التنقل والمشاركة في المهرجانات الوطنية وحتى الدولية والهدف الرئيسي من إنشاء التعاونيات الثقافية هو استمرار مسرح الهواة والتكوين وتعد هذه التعاونيات والجمعيات الخزان الرئيسي للفنانين الذين تعتمد عليهم المسارح الجهوية وحتى المسرح الوطني.
كيف هو برأيك حال المسرح التجريبي في الجزائر، وما هي ميزاته وخصائصه؟
منير بومرداس: المسرح التجريبي في الجزائر شكلٌ موجود عند الكثير من الفِرق ولقد أشرفتُ على إقامة أيّام وطنية للمسرح التجريبي في ولاية ميلة لثلاث سنوات وكانت ناجحة جدا وهناك العشرات من الفِرق التي تعمل جاهدة للوصول إلى قمة التجريب والإبداع، أمّا الخصائص والميزات فهي كثيرة لا نستطيع شرحها في حوار صحفي، فهناك ما يخص السينوغرافيا وهناك جانب متعلق بالنص بالدرجة الأولى وأيضا الإخراج بالإضافة إلى الأداء.
أيضا أشرفت على إقامة أيّام عربية حول المسرح التجريبي. هل يمكن أن تحدثنا عن هذا المشروع؟
منير بومرداس: التجربة كما قلت الآن في جوابي السابق وكما تعلمين كانت بدايتها منذ سنوات، إذ بدأت في طبعاتها الأولى في ولاية ميلة في ثلاث طبعات كانت من تنظيم دار الثقافة مبارك الميلي وبمساعدة طاقم شاب وفنانين من الولاية وكانت من إعدادي وإدارة السيد المدير عمار عزيز الّذي بارك الفكرة ووقف معها وكان الهدف منها تأسيس أيّام وطنية يُختار على هامشها أحسن عمل وطني للمشاركة في المهرجان العربي للمسرح التجريبي بالقاهرة طبعا باستشارة وزارة الثقافة والجهات المُخولة للغرض، لكن بعد تحويلي إلى ولاية سطيف في منصبي كمستشار ثقافي بالمديرة تبدّد الحلم وتوقفت الأيّام المسرحية بميلة بعد ثلاث طبعات، حادت عن الهدف المُسطر ربّما دون قصد، لكن عاد الحلم مرّة أخرى وعن طريق التعاونية الثقافية «ميلاف» التي أنا رئيسها وجاءت الطبعة الأولى وكانت ناجحة إلى أبعد الحدود في سنة 2016، ثمّ الطبعة الثانية في سنة 2017، والتي حملت الاسم العربي وكانت بمساهمة وزارة الثقافة وبإلحاح من الفِرق العربية والفاعلين في الحقل العربي من أساتذة أبوا إلاّ أن يُشاركوا ففتحنا المشاركة للدول العربية والتي تنوعت بين الفِرق والمؤطرين، حيث شاركت دولة تونس بعرضين وكان من المفروض مشاركة دولة مصر والأردن بفرق مسرحية إلاّ أنّ الفرقتين لكّل من مصر والأردن اعتذرتا يوم انطلاق المهرجان وناب عنهما أساتذة من دولة السودان في تأطير ورشة العرائس، وأيضا أستاذ من دولة المغرب في ورشة الإخراج، وأيضا عدة أسماء أخرى. ومازال التحدي قائما لإكمال المهمة والرقي بالمهرجان إلى طبعة دولية في حال التزم المتعاملون الخواص والتجار المساهمين في هذا المهرجان المُقرر نهاية هذه السنة.
ما هي أكثـر المسرحيات الجزائرية التي شكل فيها التجريب فارقا مهمًا ونوعيا في تاريخ المسرح الجزائري؟
منير بومرداس: أعتقد أنّ الكثير من انتاجات المسرح الجزائري في التجريب خلقت فارقا ومن بين هذه المسرحيات، مسرحية «التشريح» التي نالت جائزة أحسن إخراج وأحسن سينوغرافيا في المهرجان الدولي للمسرح التجريبي بالقاهرة عام 2012، وكانت من إخراج وتأليف المخرج الهادي بوكرش وأيضا مسرحيات فرقة البليري بقسنطينة تقدم أعمالا رائعة وفي المسرح الحديث مسرحية «قدر أوديب» لفرقة النوارس بالبليدة وأيضا فرقة ميلاف بميلة تقدم أعمالا تجريبية ناجحة.
إضافة للموهبة لك شهادة عليا في الفنون الدرامية، هل تعتقد أنّ الأدوار التي قمت بها في بعض المسلسلات أظهرت قدراتك الدرامية، أم لم تلامسها ولم تستوعبها بالشكل الّذي كنت تريده؟
منير بومرداس: لا أعتقد أنّني حُظيت بنصف فرصة واحدة في هذا المجال، فالأدوار التي قمتُ بأدائها في هذه المسلسلات أو الأفلام لم تلامس لا قدراتي الفنية ولا حتى جزءًا بسيطا من دراستي للفنون الدرامية، للأسف كلّ ما درسته في الفنون الدرامية لا يُطبق عند مخرجينا هنا في الجزائر، بكلّ بساطة لأنّ أغلبهم هواة ولا يعترفون بنا خاصة عندما نناقشهم في اختصاص التمثيل من تحليل للشخصية وتركيب الشخصيات والشروط المقترحة وأدوات فنية أخرى يجهلونها وهذا ما يجعلهم يفضلون ممثلين غير محترفين للأسف، معهد برج الكيفان للفنون الدرامية تخرج منه المئات من الممثلين الرائعين لكن أغلبهم هاجر إلى الخارج لنفس السبب.
أعلنتَ أنكم تحاولون خلق مجموعات الكترونية تختص بالاستقراء الركحي والنقدي في الفيسبوك وتويتر، هل ترون أنّ المسرح الآن بحاجة إلى فضاء الميديا ووسائط التكنولوجيا المختلفة من أجل خدمته أكثـر، وأين وصلتم في مشروع المجموعات؟
منير بومرداس: فعلا، كان علينا أن نواجه العولمة بنفس سلاحها مثلما أثرت علينا بسرقة الجمهور من قاعات المسرح ونقله إلى الإنترنت والحاسوب، انتهجنا نفس الشيء، دخلنا هذا العالم وأسسنا مجموعات ركحية افتراضية وبالعكس أصبحت الميديا والتكنولوجيا تخدمنا أكثر سواء في النشر أو في الإعلام أو حتى الإنتاج والورشات وتحليل النصوص وشراء وبيع العروض وإقامة المهرجانات والمشاركة فيها، والآن لدينا الكثير من المجموعات وهي ناجحة وتقوم بعمل كبير في مجال الفن والمسرح وتطويره.
قلت: «المسرح في الجزائر بحاجة إلى ترميم المفاهيم وتطوير القوالب»، كيف؟
منير بومرداس: عندما تطرقت لهذه النقطة قصدت أنّ المسرح الجزائري تقهقر مستواه للأسف، فالجيل الّذي سبقنا كان يعمل للفن بإخلاص ويبدع رغم قلة الإمكانيات وقلة الأموال وترك لنا -سجل حافل- بالانجازات الرائعة وأيضا مسرحيات بقيت في الذاكرة إلى يومنا هذا، فرائعة «لجواد» لعبد القادر علولة و»عالم البعوش» لمجوبي و»الشهداء يعودون هذا الأسبوع» والكثير من الأعمال التي بقيت خالدة لم نستطع اليوم الوصول ولو إلى القليل من مستواها، أليس علينا أن نُرمم ذاكرتنا وننطلق من جديد. وأيضا دور النُقاد المُغيب أثر سلبا على جماليات العروض في الكم، تخلينا عن القوال، وأيضا الحلقة رغم أنّها جزء من هويتنا، أليس علينا أن نطور المفاهيم دون أن نتخلى عن تراثنا الشعبي وهويتنا، فالمسرح جزء من حفظ الذاكرة، لذا علينا أن نُرمم ماضينا الجميل ونطوره ليعيش حاضرنا ومستقبل أبنائنا.
هل يمكن للحراك الثقافي المستقل أن يخدم المسرح، وما مدى إمكانية نجاحه/أو فشله بعيدا عن دعم الدولة ومؤسساتها وإداراتها الثقافية، أم أنّ الحراك الثقافي الحُرّ غير المُدعم يفشل ولا يستمر؟
منير بومرداس: نعم، فيما يخص الحِراك الثقافي الحر وأيضا التكتلات الثقافية التي يبادر لها نخبة من المثقفين كثيرا ما تصطدم بالواقع، خاصة عند انعدام السيولة المادية المُحفزة على الاستمرارية وأغلبها يؤول إلى الفشل وعدم الاستمرارية. لكن هذا الحراك بشتى فعّالياته يمكنه أن ينجح وتصبح له آليات ذات نجاعة لو هيكلَ نفسه في جمعيات أو تعاونيات ثقافية. حتى الآن الفعل الثقافي يحتاج وربّما دائما إلى تمويل ولو بميزانيات ضعيفة، رغم ذلك فهي (الميزانية) وعلى ضعفها أو قِلتها تضمن البقاء وتضمن الاستمرارية في ظل انعدام «السبونسور الثقافي»، وثقافة دعم الفعل الثقافي تكاد تكون منعدمة رغم حاجة المجتمع إليها. نعم تبقى بعض التجارب التي تحدت الجانب المالي ولو أنّها شاذة، وبقيت تواصل الحراك الثقافي لكن هذا كان على حسابها الخاص. ولو نأخذ على سبيل المثال بعض الفرق المسرحية أو الجمعيات التي ليس لها دعم نجدها واصلت تجاربها تقريبا لعقود وتوارثت الفعل والإنتاج المسرحي بعروض شيقة وبدون دعم أي جهة، لكن معاناة هذه الفِرق كبيرة جدا لدرجة أنّهم يستعملون إمكاناتهم البسيطة ومالهم الخاص من أجل إنجاح تجاربهم والاستمرار في تفعيل محيطهم الفني أو المسرحي.
حاورته/ نوّارة لحـرش