جائزة كتارا غير مسيّسة وغير خاضعة لأي تسييس
في هذا الحوار، يتحدث السيد خالد عبد الرحيم السيد، المشرف العام على جائزة كتارا للرواية العربية، عن جائزة كتارا التي بدأت عملاقة، وعن شؤون أخرى كثيرة ذات صلة بسياق الجائزة، مثل مسرحة الروايات المتوّجة وترجمتها وأفلمتها. كما يتحدث عن إمكانية ترجمتها إلى لغات أخرى مثل الروسية والألمانية. وهو يرى أنّ الجوائز العربية الخاصة بالرّواية على مستوى خارطة الوطن العربي قليلة، ومن جهة أخرى يثمن انفتاح جائزة كتارا للرواية العربية على العديد من أنواع الأدب، مؤكدا أنّ الجوائز العربية بإمكانها حقا صناعة الرواية العربية.
جائزة كتارا للرّواية العربيّة، بدأت وانطلقت كبيرة منذ دورتها الأولى 2014، هل يمكن القول أنّ كتارا تراهن على الرّواية العربيّة كأكثـر أنواع الأدب انتشارا ومقروئية ورواجا؟ أيضا هل يمكن القول إنّ الرّواية أصبحت اليوم واجهة الثقافة العربيّة؟
خالد السيد: طبعا الرواية ليست فقط في الوطن العربي، ولكن على مستوى العالم هي أكثر انتشارا. وهي في العالم العربي تعتبر ديوان العرب اليوم مقارنة بالشّعر. وانتشارها عالميا يعود خاصة إلى أنّها تحتوي على مجالات أخرى تتلاحم وتتعامل مع كلّ الأجناس والفنون الأخرى في الثقافة، يعني، توجد لدينا الرواية والمسرح، الرواية والدراما والسينما والفن التشكيلي، والرواية والخط والشِّعر، وغيرها من الفنون الكثيرة الموجودة. الجميل في الرّواية أنّها تستطيع أن تتعايش مع كثير من الأجناس والفنون الأخرى والآداب.
الرواية كما سبق وقلت، على مستوى العالم وليس فقط العالم العربي هي أكثر انتشارا. ربّما ما ساهم في هذا هو وجود أسماء كبيرة كروائيين عرب أو على مستوى العالم، إضافة إلى جوائز مختلفة كبرى موجودة في جغرافيات عديدة، تشجع الرواية أكثر من الأجناس الأخرى. وكلّ هذا خدم ويخدم الرواية.
كانت النقطة الرئيسية عندنا في كتارا أنّ «الرواية» في العالم العربي تحتاج إلى أن تكون صناعة، فكانت هذه النقطة المهمة لكتارا في مجال الرواية، أن تقوم في هذا المجال بهذا الدور الكبير وهي تستطيع أن تقوم بهذا الدور من خلال جائزة كتارا ومشاريعها في الرواية العربية، تستطيع أن تقوم بهذا الدور من أجل صناعة روائية حقيقية في العالم العربي.
أيمكن القول إنّ الجوائز العربية بإمكانها حقا صناعة الرواية العربية؟
خالد السيد: طبعا الجوائز العربية تستطيع صناعة الرواية العربية، إذا كان هناك «مشروع اقتصادي» متكامل وليس فقط على أساس المشروع الشائع الّذي مؤداه أنّ الجائزة تُعطى وتُحتفى بالفائز فقط، وبعدها بأيّام يكون الموضوع في طي النسيان. لكن حين يكون هناك حقيقة «مشروع اقتصادي ثقافي» متكامل لضمان وجود صناعة للرواية فإنّ هذا يساهم في تحقيق المسعى. هذه نقطة مهمة جدا. والجوائز كلّها بطبيعة الحال تُكمل بعضها، والأكيد في الفترة القادمة ستكون هناك مساحة انتشار أكبر للرواية العربية ونشهد وصولها إلى العالمية بفضل هذه الصناعة.
استحدثتم في طبعة 2017 جائزة جديدة «روايات الفتيان أو اليافعين» غير المنشورة. هل هذا يدخل في نهج تشجيع أدب الفتيان والّذي يمكن الجزم أنّ الساحة الأدبية العربيّة تكاد تفتقر لهذا النوع من الأدب؟
خالد السيد: بشكل عام رواية الفتيان موجودة وستبقى موجودة لكنها قليلة جدا على مستوى الوطن العربي، حتى الأسماء المعروفة والمشهورة المختصة في أدب الفتيان والشباب محدودة جدا وتُعد على أصابع اليد الواحدة، وهي قليلة جدا مقارنة برواية الكبار. من المهم جدا أن تكون لدينا رواية الفتيان واليافعين، ولهذا السبب استحدثنا في جائزة كتارا فئة أدب الفتيان، تشجيعا لهذا النوع من الأدب وتشجيعا لكُتابه، فمهم جدا أن تكون لدينا رواية الفتيان، لهذا كان لابدّ من إضافة رواية اليافعين في برنامج جائزة كتارا للرواية العربية.
هل ترون أنّ عدد الجوائز العربية الخاصة بالرّواية على مستوى خارطة الوطن العربي، تكفي حقا، أم أنّ هذا الكم من الروايات الّذي يصدر كلّ يوم من المحيط إلى الخليج، يحتاج إلى جوائز أخرى من أجل تثمين جهد الإبداع الروائي أكثـر مِمَا هو متوفر حاليا؟
خالد السيد: صراحة عدد الجوائز قليلة جدا مقارنة بعدد جوائز الرواية فقط في أمريكا مثلا، أو عدد الجوائز في فرنسا أو في بريطانيا. فإذا أخذنا عدد جوائز الرواية فقط في أمريكا نجدها تزيد عن عدد جميع الجوائز في الثقافة والأدب الموجودة في العالم العربي. بالعكس نشجع أن تكون هناك جوائز أخرى أكثر، وفي تخصصات وأصناف مختلفة، في الرواية، في القصة، وفي الرواية البوليسية، وفي الخيال العلمي.... من المهم جدا أن تكون هناك الكثير من الجوائز في مجالات وأصناف مختلفة، لابدّ أن تكون هناك «جوائز» لتشجيع وتحفيز الروائيين على الكتابة، وشخصيا أعتقد أنّ الجوائز في العالم العربي ما زالت قليلة.
هناك مسرحة الروايات المتوّجة، ألا تفكر مؤسسة كتارا في سياق الاقتباس دائما أن تحوّل بعض الروايات المتوّجة إلى دراما تلفزيونية أو إلى شاشة السينما؟ أم أنّ المسألة غير واردة في الوقت الحالي، أو تتجاوز إمكانات المؤسسة؟
خالد السيد: في اليوم الأوّل عندما تمّ الإعلان عن جائزة كتارا للرواية العربية في الدورة الأولى عام 2014، كانت هناك فئة الدراما وتمّ اختيار رواية واحدة من منشور ورواية من غير فئة المنشور، وقد فاز فيها الروائي الكبير واسيني الأعرج في الدورة الأولى. وموضوع الدراما يبقى مفتوحا ومطروحا ولكن تمّ تأجيله بسبب وجود خيارات مختلفة وأيضا هناك مؤسسات تقوم بنفس الدور. وفي النهاية نحن حتى هنا في قطر هناك مؤسسات تقوم بدور الإنتاج السينمائي وإنتاج الأفلام، وأكيد نحن نُكمل بعض، فكانت الفكرة أن تكون تحت مؤسسة مختلفة، أو أن تكون كمشروع منفصل عن الجائزة. فتمّ تأجيل الفكرة، ومن الممكن إعادة الاشتغال عليها بطريقة مختلفة. وطبعا المجال مفتوح دائما ليس فقط للسينما والتلفزيون ولكن أيضا للمسرح. وهذا ما حدث فعلا، فرواية «مملكة الفراشة» لواسيني الأعرج تمّ تحويلها إلى المسرح، وقد تم عرضها العام الماضي خلال فعاليات مهرجان كتارا للرواية العربية.
أيضا هناك سؤال «كيف ستكون نوعية هذه الأفلام»؟ هناك أشياء كثيرة لا بدّ من دراستها لمعرفة السياق العام الّذي يمكن أن تكون عليه هذه الأفلام المأخوذة من الروايات المتوجّة. لكن ما يمكن تأكيده أنّه في مؤسسة كتارا مازالت قضية الدراما موجودة وهي محل اهتمام كبير.
ماذا عن مشروع ترجمة الروايات الفائزة بجائزة كتارا إلى الفرنسية والإنجليزية. وهل يمكن أن تتوسع دائرة الترجمة لتشمل لغات أخرى مستقبلاً؟
خالد السيد: ممكن جدا اختيار بعض الروايات فقط من المتوجّة وترجمتها إلى لغات أخرى، إضافة إلى ترجمتها الفرنسة والإنجليزية. طبعا نحن في كتارا نُترجم كلّ الروايات المتوجّة إلى اللّغة الفرنسية والإنجليزية، لكن سيتم اختيار روايات للغات أخرى مع مشاركات في المعارض الرئيسية للكِتاب.
أيضا هناك طلب أن يتم ترجمة بعض الروايات إلى اللّغة الروسية واللّغة الألمانية، فكان من الضروري النظر إلى اختيار بعض الروايات من طبعات مختلفة لتدخل حقل الترجمة إلى هاتين اللغتين وإلى لغات مختلفة، لكن كما هو معلوم في كتارا فإنّ التركيز والاعتماد سيكون دائما على اللّغة الفرنسية والإنجليزية في مجال الترجمة.
في إطار اللغات دائما. هل دور إدارة جائزة كتارا ينتهي مع الروايات الفائزة بعد أن تصدر ترجماتها؟ ماذا عن التسويق مثلا؟ ماذا عن الترويج؟ وهل يمكن لإدارة الجائزة أن تُرشح الروايات المُترجمة إلى جوائز عالمية؟
خالد السيد: تمّ في شهر أفريل من هذا العام فتح دار كتارا للنشر والتوزيع، والآن دار كتارا هي التي تقوم بدور الناشر وبالتوزيع والطباعة، كما ستقوم مستقبلا بالمشاركة في معارض الكِتاب المهمة، وهي بالتالي تقوم من خلال هذه المشاركات بعملية الترويج والتسويق لإصداراتها وللروايات المتوجّة. طبعا يحق للدار أن تشارك في جوائز أخرى منفصلة عن الجائزة، إذ يمكنها المشاركة بصفتها دار نشر وليس بصفتها مؤسسة جائزة، فحسب علمي فغالبا أنّ شروط الترشح أن تكون الرواية لم يسبق لها أن فازت بجائزة أخرى. وعليه فمن الممكن جدا أن تشارك الدار في المستقبل في جوائز عربية أو عالمية، فدار كتارا لها الحرية في ترشيح روايات طبعتها أو تصلها من أجل الطبع، إلى جوائز هنا وهناك،.. لكن يبقى المهم طبعا أنّ دار كتارا ستقوم بعملية الطبع والترويج والتسويق لكلّ مشاريعها الروائية.
لماذا لا تنتهج جائزة كتارا نهج بعض الجوائز العربية التي تعتمد على طريقة «القائمة الطويلة» و«القائمة القصيرة». كأنّ الجائزة بهذا تعتمد على عنصر التشويق والمفاجأة دائما؟
خالد السيد: هناك إلحاح كبير من الروائيين أن تكون للجائزة على الأقل قائمة واحدة (قائمة قصيرة)، وهذا من حق الروائيين طبعا، من حقهم أن تكون لهم تصوراتهم الخاصة للجائزة وأن يتم تحقيق مطلبهم، يعني من حقهم جدا أن يكون طلبهم قيد القبول، ربّما بعد الدورة الخامسة سنفكر في إمكانية جعل قائمة قصيرة للجائزة. بعد الدورة الخامسة سيتم تقييم كلّ الدورات السابقة، وعلى ضوء هذا التقييم ستكون لدينا أفاق تصورات أخرى للجائزة وقد يتم تجسيد فكرة القائمة القصيرة بعد دورة أكتوبر 2019، أي بعد أن نكون قد درسنا وقيمنا مراحل الجائزة من كلّ الجوانب. طبعا الفكرة موجودة وكانت مطلوبة من البداية. صحيح أنّ الكاتب الروائي ينتظر مدة عام لمعرفة النتائج، لكن أعتقد أنّ من النقاط الرئيسية هي أن يبقى الكاتب يكتب ويستمر في الكتابة ولا ينتظر فقط مشاركة واحدة، فالمهم هنا هو فعل الكتابة لا فعل الانتظار. قضية القوائم هي قضية ترويجية وتسويقية مائة في المائة.
طبعا لا يتعلق الأمر بالتشويق أو المفاجأة، لكن في الدورة القادمة سيتم مناقشة الموضوع ودراسته ومن الممكن جدا اعتماد قائمة واحدة على الأقل للجائزة. لكن وكما هو معروف أنّنا من البداية في جائزة كتارا كنا نحرص على التعامل مع جميع الروايات بسرية، فلا أحد يعرف من تقدم للجائزة إلاّ الفائزين، وبعدها في حفل التتويج يعرف الجميع قائمة الفائزين في كلّ فرع من فروع الجائزة. لهذا لم نلجأ إلى خيارات القوائم سواء الطويلة أو القصيرة، لكن كما سبق وقلت لك في الدورة القادمة سنقوم بدراسة هذا الموضوع والنظر فيه.
المعروف أنّه عندما تكون هناك قائمة ستكون العملية مكشوفة وتبدأ الاحتمالات والتكهنات والنقاشات، كما يحدث الكثير من الحرج للمرشحين أمام بعضهم البعض وأمام الإعلام، وهذا ما تفاديناه حتى الآن منذ بداية الجائزة، فنحن لا نذكر أسماء الروائيين الذين ترشحوا للجائزة من أسماء كبيرة وشابة وهذا حفاظا على مكانة كلّ روائي، حتى لا يحدث أي إحراج حين يفوز مثلا روائي شاب بالجائزة ولا يفوز بها روائي كبير ومكرس.
من المبادرات التي قامت بها جائزا كتارا، تكريم بعض الشخصيات الأدبية، فمثلا في الطبعة الثانية تم الاحتفاء بنجيب محفوظ، وفي الطبعة الثالثة كان «الطيب صالح»، من خلال معرض تحت عنوان «الطيب صالح.. عبقري الأدب العربي»، وطبعة هذا العام تمّ الاحتفاء بغسان كنفاني من خلال معرض وندوة «دقات غسان كنفاني». هل ستواضب الجائزة على مثل هذه المعارض وتواصل في استحضار رموز الرّواية العربيّة وتحتفي بهم وبإبداعاتهم في كلّ طبعة؟
خالد السيد: من الدورة الثانية بدأنا الاحتفاء بشخصيات أدبية في تاريخ الأدب، فكان نجيب محفوظ في الدورة الثانية، والطيب صالح في الدورة الثالثة وغسان كنفاني في دورة هذا العام، وسنبقى في كتارا نحتفي في كلّ طبعة بشخصية أدبية كان لها مسارها في تاريخ الأدب والكتابة والفن، خاصة من شخصيات تاريخ الرواية. لهذا من بين الأفكار التي طرحناها في كتارا والتي تجسدت هي الاحتفاء ببعض الأسماء والرموز في تاريخ الأدب خاصة الذين رحلوا عن هذا العالم، إذ من الضروري جدا استعادتهم واستحضارهم عبر احتفاءات تكريمية في مهرجان كتارا للرواية العربية وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه للذين أضاءوا تاريخ الفن والفكر والأدب في العالم العربي، وغسان كنفاني موجود في المناهج ورواياته خالدة، وأعتقد أنّنا وفقنا في اختيار شخصية غسان كنفاني في طبعة هذا العام.
نسمع مع كلّ مواعيد جوائز الروايات العربيّة، أنّ هذه الجوائز مُسيسة، وأنّها لا تخرج من عباءة السياسة. لماذا برأيكم هذه التُهم الجاهزة التي تملأ الأرجاء الثقافيّة العربيّة وتنتقص من مصداقية الجوائز العربيّة؟
خالد السيد: هذه التهم موجودة فقط بين أصحاب المهنة الواحدة، فلا أحد يتحدث عن تسييس هذه الجائزة أو تلك، لكن يحدث هذا عند أصحاب المهنة الواحدة. ويمكنني التحدث على مستوى جائزة كتارا ففيها شفافية كبيرة، فهي جائزة غير مسيسة وبعيدة عن أي تسييس، وحتى لجان التحكيم تقوم بعملها وتمارس تحكيم الأعمال دون معرفة الأسماء أو الدول أو الجغرافيا التي ينتمي إليها الكاتب. اللجنة تُقيّم النص فقط وتختار الفائزين، وما يميز جائزة كتارا للرواية العربية منذ طبعتها الأولى، هو هذا التنوع الجغرافي للفائزين وهذا التنوع في الفئات العمرية. فما هو مؤكد أنّ جائزة كتارا بعيدة عن أي تسييس وجوائزها غير مسيسة. وبعيدا عن السياسة يبقى هدفنا الأكبر في كتارا هو أن يكون لدينا مشروع صناعي اقتصادي في الرواية العربية، هو صناعة الرواية العربية، وهو مشروع اقتصادي صناعي كبير، نسعى لتحقيقه.
أجرت الحوار في الدوحة/ نــوّارة لحـــرش