طمـوحٌ تعـوزه الأدوات!
هل يملك المثقّف الجزائري، الأدوات السّياسيّة أو بعض القبول والجماهيرية للخوض في السّياسة وفي الاستحقاقات الرئاسية للبلد. ولماذا يخفق المثقّف والأديب في الجزائر في هذا الشأن؟ ما الّذي ينقص هذا المُثقّف ليحوز ما يحوزه السياسيّ؟ هل يكتفي فقط بكراسي قاعات المؤتمرات والملتقيات والندوات. لأنّه يدرك ربّما أنّه لن يصل إلى الكرسي الرئاسي وسدّة الحكم بأيّ حالٍ من الأحوال، وأنّ هذه الدرجة بعيدة بل مستحيلة المنال، وستجد من جهة أخرى من يُعرقلها وبالتالي يُعرقل هذا الطموح المُختلف من المُثقّف؟
إستطلاع/ نـوّارة لـحـرش
حول هذا الشأن «المثقّف والاستحقاقات الرئاسية: بين إمكانية الحُلم وغياب الأدوات»، يتحدّث في ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد، بعض الكُتاب والنقاد الدكاترة، كلٌ حسب وجهة نظره ومقاربته الخاصة للموضوع.
* موسى بن قصير/ أستاذ العلوم السّياسيّة -جامعة قسنطينة 3
الخِطاب المجتمعي يُقزم المثقّف وفي ذلك رسالة واضحة من الناخب
لطالما كانت النُّخب وعائلة المُثقفين هي القاطرة التي تقود المُجتمعات والدول والعقول المُدبرة لتطويرها ونهضتها، على اِختلاف درجات تطوّرها وهذا راجع لفهم مجتمعاتها لِمَا تملكه من مُؤهلات ومكانة علمية وفي بعض الحالات علمية وعملية ، وتبرز هذه النماذج في المجتمعات المُتحضرة التي ترى بأنّها في حاجة إلى كلّ نُخبها ومثقفيها، خاصّة مِمَّن تكوّنوا تكوينًا رفيع المستوى في كُلياتٍ متخصصة وصُرِفت عليهم الأموال الطائلة. ومنه فكلُ مواطن مُثقّف وواعي وقادر هو ثروة، تُنمَى فيه روح النضال السياسيّ في الأحزاب والجمعيات حتّى يكون شخصًا جاهزا لتحمل المسؤوليات بعيداً عن التقزيم.
في الجزائر وكغيرها من البلدان المُتخلفة لا يُعار أيّ اِهتمام للرأسمال البشري سواء من الجهات الرسميّة أو الشعبية ويزداد التجاهل كُلّما اِقتربنا من الحياة والنشاط السياسيّ، إذ يبدو المشهد السياسيّ هزيلاً يَتحكمُ فيهُ من لهم اِنتماءات حزبية ولا يُعرف لهم أيّ مُستوى (علمي أو ثقافي) أثبته خِطابهم في كلّ مناسبة، ويبرز هذا الأمر جليًا خلال المُناسبات الاِنتخابية خاصّة الرئاسيّة منها لِمَا لها من حسّاسيّة كبيرة، أينَ نجد تكرار نفس الوجوه بنفس الخِطاب والذهنية تحت جناح الشرعيّة الثوريّة تارةً وتحت جناح القُبعة تارةً أخرى في غيابٍ بارز لنُّخب ومثقفي الأمة. هنا تتبادر لذهن كلّ مُتتبع للشأن السياسيّ الجزائري، إلى ما يُعزى عزوف النُّخب والمثقفين في بلادنا مِن مُختلف الميادين العلمية والأكاديمية عن التقدم للتنافس على منصب رئيس الجمهورية؟ هل سببه الثقافة السّياسيّة والخِطاب المجتمعي المتجذر لعقود من الزمن؟ أم لأسبابٍ شخصيّة ومنطق تفكير عائلة النُّخب والمثقفين التي ترى بأنّ السّياسة لا تُمارس في الجزائر إلاّ بالرداءة والمكيافلية والسوابق السوداء؟
في المقام الأوّل أعتقد من خلال تتبع مسار الحياة السّياسيّة والاِجتماعية في الجزائر إذ لا يمكن فصل السّياسة عن المجتمع فهي تُمارس فيه، إنّ الثقافة السائدة لدى مُختلف فئات المجتمع لا تعترف إلى حدٍ بعيد بالمُثقّف والنُّخبة مهما كانت مستوياتها. إذ يسود الاِعتقاد المجتمعي الّذي يعتقد بأنّ النُّخب ذوي المُؤهلات العلمية دورهم ينحصر في وظائف التعليم والتربية والصحة والشؤون العامّة في الإدارات. أمّا الشأن السياسيّ فهو من اِختصاص من تربوا وتعلموا في مؤسسة الحزب الواحد، وعلى من يطمح لمنصب الرئيس أن يكون خريج هذه المُؤسسة وكلّ من هو بعيد عنها مهما اِمتلك من مؤهلات علمية فهو غير قادر على تولي رئاسة الجمهورية. من هنا نجد أنّ الخِطاب المجتمعي يُقزم المُثقّف بداية من المُمارسين للسّياسة ثمّ العائلة إلى مؤسسات التعليم والجامعات والفضاء العام والإعلام. وهو ما يُعد رسالة واضحة من أنّ الناخب لن يمنح صوته لهذه الفئة مهما كان مستواها العلمي وهو الخِطاب الّذي اِستثمرت فيه الأطراف السّياسيّة التقليديّة التي دأبت على تقديم الشيوخ بدل الشباب وأبعد من ذلك كرسّته من خلال مؤسسات الدولة والأحزاب التي تنعت غالبًا المُنخرطين من الجامعين والشباب بأنّهم أبعد ما يكونون عن السّياسة وشؤون الحُكم، وأنّهم يفتقدون للتجربة والحِنكة المطلوبة لمثل هذه التجارب، وبهذا أصبحت الحياة السّياسيّة خالية من أيّ وجوهٍ نخبوية مُثقفة من شأنها الدفع بالحياة السّياسيّة نحو الأفضل، رغم أنّ الجزائر كانت في سنوات 70 و80 تتميّز بنشاطاتٍ ونقاشاتٍ سياسيّة كبيرة في الجامعات والمعاهد حول القضايا الوطنية، لكنّها تراجعت بفعل الأحداث التي عرفتها البلاد بداية الـ1990 مِمَا زاد من الهوة بين السّياسة والنُّخب وعزّزَ شرعية الوجوه التقليدية التي كرسّت اِستبعاد كلّ ما له علاقة بالنُّخبة وهيمنة فكرة الرئيس. وهي فكرة سائدة مؤداها أنّه يجب أن يكون مُتشبعًا بروح الوطنية والثورية وصاحب شَعرٍ أبيض. فمنصب الرئيس ليس لِمَنْ هو مُثقّف بقدر ما هو حامل للواء الشرعية الثورية وله القدرة على إقناع الشعب بالخِطاب البالي ولغة الخشب وبناء الجسور حيث لا توجد الأنهار.
في المقام الثاني نجد أنّ النُّخب والمثقفين ساهموا في هذا التراجع مُتبعين سياسة النأي بالنفس عن منصب الرئاسة مُتأثرين بخِطاب الإحباط ومُخلفات فترة العشرية السوداء وبالوضع الاِقتصاديّ والسياسيّ، مُكتفية بالنقد من بعيد أو بممارسة النقاش السياسيّ الضيق في الفضاء العام الضيق مع من يحملون نفس التوجه، مع بعض المحاولات الباهتة التي لم تجد من يدعمها. وهنا نجد أنّ النُّخب والمُثقفين ينقسمون إلى: أولا: فئة ترى بأنّها ليس لها الحقّ لأن تطمح لمنصب الرئاسة، فهو حكر على فئة معينة دون غيرها، جاهلة بحقوقها السّياسيّة والمدنية. مُستحضرة من عاش فلاحًا يجب أن يبقى فلاحًا حتّى وإن تغيرت البيئة. وأنّه ليس من حقك أنت المُثقّف مهما كان مستواك إلاّ التفكير في مشاغل الحياة اليوميّة البسيطة من عمل وأُسرة.ثانيا: فئة اِختارت التخندق وهي أخطر هذه الأنواع حيث اِختارت بيع الذِمم والأكل في كلّ الموائد غير آبهة بالمسؤولية التاريخيّة والأخلاقيّة المُلقاة على عاتقها، فكرسّت منطق الشيوخ بدل النُّخبة المُثقّفة ومنحتهم فرصة إفراغ السّاحة السّياسيّة من كلّ مُبادرة ذات مستوى. وأخطر من ذلك أصبحت تُبارك وتُصفق لمن هُم أدنى منها شأنًا. مُتبعة سياسة الزبونية. بدل أن تُوجِد لنفسها المكان الّذي تستحقه.
ثالثًا: فئة طمحت وسعت لأن تعمل على تغيير الذهنيّات والمُمارسات لكنّها اِصطدمت بصلابة معسكر الشَعر الأبيض شهادة الرئاسة والرئيس منا، فلم تستطع حتّى جمع التوقيعات لدخول الحملة الاِنتخابية وهو ما جعلها تتراجع من مناسبة إلى أخرى وما الحَراك ببعيد عنا.
رابعًا: فئة عرفت ما يجب أن يكون وعايشت ما هو كائن، فلم ترضى بأنصاف الأشياء ولا أن تكون مجرّد دمية أو واجهة تقرأ الخطابات في المناسبات العامّة. في ظل هذه المُعطيات عامّة تكوّنت هذه الفئات، وطُبعت مواقفهم بالإعراض والنأي بالنفس عن تبعات منصب قد يكون مهلكة لصاحبه في ظل غيابٍ تام لثقافة سياسيّة تجديدية إصلاحية وقواعد لعبة سياسيّة واضحة وضمانات قانونية دستورية تُرقي المُمارسة السّياسيّة. ولهذا بقيت الجزائر تواجه سياسة التخوين وتقزيم نُخبها ومُثقفيها من طرف أبنائها. ومِمَن يُنشدون المجد والرقي في صف المُعسكر القديم وشرعية الشَعر الأبيض.
* عبد القادر رابحي/ شاعر وناقد وباحث أكاديمي –جامعة سعيدة
المُثقّف لا يملك الأدوات الشفافة للوصول إلى السُّلطة
ربّما كان من الضروري التأكيد على أنّ معنى كلمة المُثقّف لا يتوقف عند ما تعودنا على فهمه من كلمة مُثقّف والأديب. ذلك أنّ الأديب هو واحد مِمَن يمكن أن تشملهم كلمة مُثقف التي تندرجُ ضمنها النُّخبة الثقافيّة بِمَّا تحمله مِن تعدُّد في المواقف وتنوع في التخصصات ويسعى أفرادها كذلك إلى تحقيق طموح سياسي ولعب دور رياديّ.
ولعلّ المُثقّف الأديب هو الأقل حظًا من بين أنواع المثقفين في مجالات تخصص أخرى كالاِجتماع والاِقتصاد والفلسفة والإدارة والتسيير والعلوم السّياسيّة وغيرها من التخصصات التي أصبحت ضرورية جدًا في تكوين وإنتاج نخب قادرة على فهم الواقع الاِجتماعي والسّياسيّ للمجتمعات وبناء علاقة واضحة مع واقع المُجتمعات التي يطمحون إلى تسيير شؤونها السّياسيّة والاِقتصادية والدفع بها إلى مُمكنات تطوّر وتنمية جديدين.
والحقيقة أنّ التاريخ السياسيّ للمجتمعات القديمة والمُعاصرة لا يحتفظ لنا إلاّ بنماذج شخصيات أدبيّة نادرة أوصلتها جُرأتها إلى سدة الحُكم على عكس التخصصات الأخرى، حتّى أنّ المدارس الإدارية ومدارس التسيير الكُبرى أصبحت في عصرنا هذا تختصُّ في تكوين وتخريج النُّخب التي بإمكانها أن تقود الشعوب والأوطان في مستقبل الأيّام.
حالة الأدباء تختلفُ جذريًا عن حالات المُثقفين ذوي التخصصات الأخرى، وليس كلّ يوم يجود لنا التاريخ بتجربة (فاكلاف هافل) في تشيكسلوفاكيا سابقًا. لأنّ الأديب، الّذي هو شاعر بالأساس في المفهوم اليوناني أقصي مبدئيًا ورُفضَ ملفه من الاِنتماء للجمهورية الفاضلة. هذه الصورة بقيت راسخة في الواقع الاِجتماعي ولدى الأوليغارشيا التي تتحكم عمومًا في آليات الوصول إلى السُّلطة حتّى في أكثر الأنظمة ديمقراطية. فالأديب أصلا باحث عن الحقيقة، حقيقته، التي لم يجدها في واقع مجتمعه، ولذلك، فهو يُقدِمُ صورة المُعارض للواقع السياسيّ الّذي يُسيِّر مُجتمعه، ومِن هُنا تكوّنت صورة الأديب الناقد للسُّلطة، المُعارض لها، الناقم عليها نظرا لِمَا يمكن أن يعتري أحوال النّاس من ظُلمٍ أو أَسْرٍ أو سلب للحريات، والأديب المُهادن للسُّلطة، الداعم لرؤيتها، المُسترزق بِمَا تجود عليه من موائدها، المُقتنع بمناصب ثانوية لا تليق بمكانته. وهو، في الحالتين يخسر نفسه أمام السُّلطة وأمام الجماهير. لقد كان الأمر هكذا منذ القِدم. فسُلطة الأديب هي الكلمة أمّا سُلطة السياسيّ فهي الفِعل. ولذلك كانت المسارات مُتناقضة ومُتصارعة دائمًا وكثيرا ما أدت بأدباء ومفكرين ومبدعين كُثر إلى الدخول في صراعات مع السُّلطة السّياسيّة تنتهي بهم إلى مصائر مأساوية مجهولة، أو كانت سُلطة الأديب داعمة لأنظمة متجبرة، واقفة في وجه حركة التاريخ، مُزيِفة لحقائقه، مكتفية بمجد عابر وشهرة شخصيّة.
ولعله لذلك، تبقى صورة الأديب مُتنافرة مع صورة السياسيّ نظرا لِمَا اِلتصق بالأديب عمومًا من اِبتعادٍ عن الواقع، ومِن إعطاء فكرة بعيدة جدًا عن قدرة الأدباء على تحمل المسؤوليات العملية والتسيير الإداري. وكأنّ الأديب إنّما خُلق للحُلم ولكتابة الروايات المزينة بماء الورد والقصائد العصماء التي تتماهى في أحسن الحالات مع تاريخ وطني يَصنعه رجال تخرجوا من تخصصات أخرى، أو تكون في أحسن الأحوال، أي أخطرها، معارضة للنظام، ناقدة له، خائضة حروبًا ضدّه بالكتابة والجهر بالرأي.
إنّه نفسه دور هوميروس الّذي يقرأ بطولات اليونان القديمة في أشعار حماسية تُلقى أمام الجنود المُستعدين لخوض غمار المعارك الجديدة، ولا يزال دور المُثقف الأديب يُراوح في هذه الباحة في أحسن حالاته لأنّ دوره هذا ترسّخ في الوعي الجمعي وهو يُحيل دائمًا إلى هذا المعنى.
نادرًا ما نجد تجارب ناجحة لمثقفين وصلوا إلى السُّلطة وأثروا فيها في العالم العربيّ المُعاصر نظرًا لغياب الأدوات الشفافة للوصول إلى السُّلطة واِنتفاء مبدأ الحرية الّذي يُنادي به المُثقّف عمومًا. ورغم ذلك، قد يصل المُثقّف إلى أعلى المناصب التي هي دون الزعامة المُطلقة، ودوره ها هنا هو دورٌ تنفيذي في حال وصول المُّثقف الأديب إلى رئاسة حكومة أو وزارة أولى. وهذه الحالة نادرة كذلك ولكنّها موجودة. وقد رأينا حالات وصل فيها مُثقفون إلى الدرجة ما قبل الأخيرة من سُلم الكرسي الرئاسي، ولكنّهم توقفوا عند هذه الدرجة ولم يتجاوزوها، وأوقفت طموحاتهم من طرف النُّخب المُتكونة خصيصًا لهذا الدور من خريجي المدارس الإدارية والعسكرية الكُبرى. ولعلّ هذا ما يُبرر الخوف الرسمي من اِعتلاء المُثقّف والأديب خاصّة سدّة الحُكم وتغيير قواعد اللعبة التي يحتكم إليها نظام سياسي معيّن.
ولقد رأينا كيف اِنتهتْ تجربة الأديب التونسي محمّد مزالي في تونس مثلا في نهاية القرن الماضي، لأنّ الدور الّذي تريده الأنظمة للمُثقّف هو دور اِستشاري في أسوأ الأحوال واِستشاري تنفيذي في أحسنها كما هو الحال بالنسبة لمُثقّف كبير مثل رضا مالك في الجزائر. وعادة ما يكون هذا الدور على حساب القناعات الباطنة للمُثقفين الّذين يكتشفون أنّ لديهم طموحًا سياسيًا جامحًا في الوصول إلى السُّلطة. ولعلّ التاريخ العربيّ يضعُ أمامنا تجربة جديرة بالتفكير، وهي تجربة العلاّمة اِبن خلدون مع بلاطات إمارات الأندلس والمغرب والمشرق وكيف اِنتهى به الحال مطرودًا ومُطاردًا لولا أنّ مهنته الأولى أنقذته بكتابة ما تركه للأجيال وصار يُذكر به أكثر مِمّا يُذكر بالمناصب التي تولاها عبر الأزمان والأوطان.
* يوسف بن يزة / أستاذ العلوم السياسية بجامعة باتنة 1
ليست لديه الأدوات الضرورية للحصول على المراكز القيادية
قبل الحديث عن الأدوار السّياسيّة للمُثقّف الجزائري، أريد أن أعود إلى الوراء قليلا لأطرح مسألة خلافية حول تعريف المُثقّف والفرق بينه وبين بعض المصطلحات المحايثة كالمُتعلم، وجامع المعلومات، والخطيب، والأديب وغيرها من المفاهيم التي تتقاطع مع المفهوم العامي للمُثقّف، لكنّها لا تُعبر عن حقيقته الوجودية التي تَعني صانع الأفكار المُؤثر في بيئته القادر على إحداث التغيير وصناعة الأحداث وتوجيهها. من هذا المُنطلق يُمكنّني القول بأنّ المُثقّف الحقيقي هو ذلك المُتمكِّن من الأدوات الضرورية للسيطرة على الفضاء العام والتغلغل في تفاصيله، وهو ما لم يصل إليه المُثقّف الجزائري أبدًا، ولذلك اِقتصرت أدواره على قِلتها على تقمص صفة الديكور الجانبي في كلّ الترتيبات المُتعلقة بالسُّلطة ورهاناتها الكُبرى على اِمتداد الحقب التاريخية قبل الاِستقلال وبعده. فقبل الثورة مثلا لم يبرز للمثقفين الدور الحاسم المُنتظر منهم، حيث تشظى المشهد الثقافي وانقسم المثقفون على أنفسهم وتاهوا في تفاصيل الصراع الإيديولوجي في وقت كان الأميون، وغير المتعلمين يُعدون العُدة لتفجير الثورة. أمّا أثناءها (الثورة) فلم يستطع المثقفون اِسترجاع المُبادرة خاصّة في الداخل، مع ذلك واكبوا الأحداث والتحق كثيرٌ منهم بالجبل ليمثلوا فيما بعد ضمير الثورة ووهجها الفكري. بعد الاِستقلال اِستمر تهميش المُثقفين وإشغالهم بتناقضاتهم وصراعاتهم الفكرية المُستديمة، ولذلك لم تكن لديهم الأدوات الضرورية للحصول على المراكز القيادية سواء في أجهزة الحزب الواحد، أو في أجهزة الدولة. وبذلك بقوا خارج دائرة التأثير في صنع القرار.
جديرٌ بالذكر بأنّ المُثقفين من كلّ التيارات كانوا وقود الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد في التسعينيات بعد أن أغوتهم نسائم الاِنفتاح السياسيّ والاِقتصادي الّذي حصل في نهاية الثمانينات، أمّا خلال فترة حُكم بوتفليقة فقد عاش المُثقفون محنة مُزدوجة قوامها الإقصاء المُمنهج من جهة والإذلال من خلال تمكين أراذل المُجتمع من المناصب المفتاحية في هرم الدولة.
تبعًا لِمَا سبق وبسبب هذه التجارب التاريخية المريرة توارث المُثقفون اللامبالاة والسلبية والتواري عن المشهد السياسيّ جيلا بعد جيل، مع بعض الاِستثناءات التي لا يمكن البناء عليها لإصدار حكم قيمي، وعند الحديث عن الاِنتخابات المُرتقبة في الجزائر، فإنّنا نلاحظ بروز ظاهرة جديدة تتعلق بطفو عدد من الوجوه التلفزيونية من صحفيين وضيوف بلاطوهات على المشهد السياسيّ من خلال إعلان نية الترشح للرئاسيات. هؤلاء ليسوا مُثقفين بالمفهوم الّذي سبق ضبطه، ولكنّهم مُتكلمون جيدين يجمع بعضهم الخواء الفكري وغياب الثقل المعرفي، ولذلك تجدهم يُنشطون السّاحة ولا يتعمقون في تحليل الواقع الّذي يعيشونه، فالترشح بالنسبة لهم هو الرهان، وليس الفوز، وبالتالي يمكن وصفهم بالمُنشطين للسّاحة السّياسيّة.
إنّ فهم علاقة المُثقف الحقيقي بالسُّلطة لا يمكن إدراكه في البيئات التي تحكمها الأنساق المُغلقة، لأنّ المُثقّف يتنفس الحرية، وهو في العادة لا يكون في الواجهة وإنّما يُساهم في بلورة المشاريع المُجتمعية والتأصيل للمنظورات الفكرية التي تقوم عليها المُجتمعات، كما يُمثل شاهدا على العصر يكتب التاريخ ويقوَم حركته، وهذا شأنُ كِبار الفلاسفة والمُفكرين الغربيين الذين لا يكفون عن الصدام مع صاحب السُّلطة، وهم بذلك يُؤدون أحد أجلَ الأدوار المنوطة بهم.
* محمّد بن ساعو/ أستاذ وباحث – جامعة سطيف2
لا يمتلك القدرة لمنافسة السياسيين حتّى بعد انقلاب الموازين
على المستوى النظري، يمكنُ القول بأنّ إقدام المُثقّف في الجزائر على ولوج ميدان السّياسة من باب الترشح للاِنتخابات الرئاسية –ولسنا نقصد بالتحديد الاِنتخابات المُقررة في 12 ديسمبر 2019 - هو مُؤشر على تبنيه لمشروع دولة ومجتمع يسعى إلى تجسيده على أرض الواقع، ومن هذا المنظور يكون مثقفًا حاملاً لهموم وطنه، منخرطًا بطريقة عملية في الإشكاليات الكُبرى التي يفرزها واقعه، وهادفًا إلى تحقيق التطلعات الشعبية، بما يُتيحه تكوينه الثقافيّ ومكانته الاِجتماعية وحضوره في الفضاء العام، والصورة التي تشكلت لدى الجماهير حوله للدفع به إلى مقام المسؤولية؛ لكن واقعيًا، يتأكد أنّ الأمر مُختلف تمامًا، فبالعودة إلى تجارب أو محاولات سابقة وحالية يبدو أنّ ذلك لا يعدو أن يكون مُحاولات لإشباع رغبات نفسية ولّدتها ظروف معينة، أو هو بحثٌ عن التموقع في المرحلة القادمة وتحقيق مكاسب ما، كالإستوزار أو التعيين في مناصب سامية، من خلال اِكتسابه لصفة مُرشح سابق للرئاسيات، أو قد يكون مدفوعًا بسعيه للترويج لاِسمه في السّاحة الإعلامية وإلقاء الضوء عليه. وبالتالي يحق لنا أن نطرح السؤال الّذي طرحه في مقام آخر «إريك هوفر»: هل الإقدام على مثل هذه الخطوة يندرج في باب «خداع النّاس أو خداع النفس»؟
وبعيدا عن اِستحضار الثنائيات التي تفرض نفسها في هكذا موضوع، على شاكلة (السُّلطة والمُثقّف) و(السّياسة والأخلاق)، فإنّ الأمر يُحتم علينا العودة دائمًا لسؤالنا المُرتبط بمدى أهلية المُثقّف في الظرف الراهن لمُمارسة العمل السياسيّ وبالأحرى تقلد منصب الرئاسة، لأنّنا نعتقد أنّ الاِهتمام المُفاجئ بمنصب الرئاسة جعل (المُثقّف) الّذي اِنخرط في هذا يَغفلُ عن حقيقة الهوة السحيقة بين عالمي الثقافة والسّياسة؛ فهل بإمكانه تقديم مشروع وبرنامج لتسيير بلد في غياب حيازته رؤية سياسيّة واقعيّة مبنية على مُمارسة فعليّة أو على الأقل من خلال قراءة واضحة وموضوعية وعميقة للوضع المحلي والعالمي؟ وهل يملك الآليات السّياسيّة التي تمكّنه من تحقيق الاِنسجام بين مؤسسات الدولة وتطبيق مشروعه، وتلبية وعوده الاِنتخابية في حالة نجاحه؟ خاصّة إذا كانت مخرجات الاِنتخابات مُهمّة، كتلك التي تتطلّبها مراحل ما بعد الثورة.
لقد «سيّس» حراك 22 فيفري 2019 الكثير من المُثقفين -سواء من خرجوا فيه واستمروا في تبني مطالبه أو من أظهروا له العداء- وألزمهم إعادة قراءة التجربة السّياسيّة الجزائرية منذ محاولة الاِنفتاح الديمقراطي -إثر أحداث 05 أكتوبر 1988 التي نعيش ذكراها هذه الأيّام- فضلاً عن تعريته لفشل الطبقة السّياسيّة بشخصياتها وأحزابها، مِمَّا شجّع بعض المحسوبين على الطبقة المُثقفة على تقديم أنفسهم بديلا للسياسيين المُفلسين. والأمر الخطير الّذي ينبغي أن ينتبهوا إليه هو أنّ يتمّ اِستعمالهم من طرف أشباه السّياسيين في تعبيد الطريق لهم لإعادة التموقع مُجددا في الخارطة السّياسيّة. فهل نحن أمام حالة اِستغلال سياسي للمُثقّف الجزائري، الّذي كان بعيدا عن مركز السُّلطة وبقيَّ دائمًا على الهامش، طبعًا الأمر لا ينطبق على (المُثقّف) المُرتزق الّذي كان يرضى بفُتات السُّلطة مقابل عرض خدماته عليها.
لا شك أنّ المُثقفين الذين فُتحت شهيتهم لخوض غمار الرئاسيات عقب نتائج اِنتخابات الدور الأوّل التونسية، لا يمتلكون القدرة لمنافسة السياسيين حتّى في الظرف الراهن الّذي اِتسم باِنقلاب الموازين السّياسيّة وتشتت القُواعد النضالية للأحزاب التقليدية، لأنّ المُثقّف لا يملك قاعدة نضالية تُمكّنه من الحشد والتعبئة، فضلا عن كونه لا يحوز تكوينًا سياسيًا، واِفتقاره للآليات التي تمكّنه من القيام بحملة اِنتخابية نوعية ومُبتكرة مُتكئة على برنامج اِنتخابي عقلاني وطموح، ففي أحسن الأحوال ربّما سيتمكن من جمع عددٍ محدود من الأصوات يُساوي أو يقل عَمَّا جمعه من توقيعات للترشح.
الطرف الثاني من المُعادلة -ذات الأطراف الكثيرة والمُتفاوتة الفعّاليّة في الاِنتخابات الرئاسية- هو المجتمع، الّذي نعتقد أنّه يملك قدرا لا بأس به من الوعي السياسيّ، وبدوره لا يزال في حاجة إلى مزيد من الوقت لتقبل فكرة منح صوته لشخص محسوب على الطبقة المُثقّفة. نظريًا هناك شبه إجماع في الأوساط الاِجتماعية على دعم الشخصيّة المُثقّفة والشابة، وهو ما يتغنى به الغالبية في جلّ المواعيد الاِنتخابية، لكن الواقع مُختلف، لأنّ الناخب يستحضر معطيات أخرى تجعله يتبنى قرارا مُغايرا، وهو ما يطرح إشكالية غياب الاِنسجام مع الأفكار، وهنا ينبغي الإشارة إلى طبيعة الفئة الناخبة فعليًا، والتي لا تمثل بالضرورة نموذجًا للمجتمع بقدر ما تمثل نموذجًا لفئة لديها تصورات سياسيّة معينة، إذا اعتبرنا أنّ جزءا معتبرا من الجزائريين لا ينتخبون أصلاً.
* بومدين بوزيد/ باحث أكاديمي وأستاذ فلسفة
«الغوّاص» الذي يَحلُم أن يكون «أسداً»؟
ذكرني سؤالك بقصّة تراثية عن «الأسد والغَوّاص» الأسد يمتلك القوّة «السُّلطة» والغوّاص يمتلك «المَعرفة» أي أنّ الأوّل قد يرثها مُلكاً أو غلبةً بالقهْر، أمّا الثاني فهو يغوص بحرا من أجل البحث عن الدّرر والجواهِر، ومن هنا فالوظيفة تختلف ولكن إذا اِجتمعا سمّى ذلك العرب بذي الوزارتين وهو لقب الأديب لسان الدين بن الخطيب الأندلسي الّذي جمع بين السٍيف والأدب، أو كالمهدي بن تومرت مُؤسّس الدّولة المُوحّدية الّذي جَمع بين العلم والسياسة وانطلق من بجاية التي كان طالبًا بها مع زميله عبد المؤمن بن علي.
هناك أمثلة كثيرة في الجمع بينهما وكِتاب ميكافيللي «الأمير» مثالٌ على ذلك إذ أنّ التراث الإغريقي يتميّز بمثل هذه المواضيع، لكن كتجربة عادت للظهور مع الديمقراطيات المُعاصرة في أوربا وهناك أدباء وشعراء وفلاسفة تبوأوا وزارات ومسؤوليات كُبرى. وفي العالم العربي نجد ذلك بصورة باهتة، أمّا في الجزائر فظلت العلاقة بين السياسي والمُثقّف مُتوترة منذ ثورة التحرير. وإن لم نعدم أمثال عبد المجيد مزيان ومولود قاسم وسليمان بن الشيخ وزراء.
لكن أن يترشح مُثقّف للرئاسيات هذا سيكون جديدا في السّاحة لأنّ شرعية الماضي والإيديولوجيا وصناعة الرؤساء في المؤسسات هو ما كان يمنع ذلك. كما أنّ الرؤية للمُثقّف والأديب والأستاذ الجامعي أنّه طيب ونيّة لا يصلح للسياسة لأنّ من صفاتها الكذب والبهتان والحِيلة وهو ما لا يستطيعه المُثقّف.
طبعاً هنا تحضر «التجربة التونسية» في صعود أستاذ جامعي وهو ما جعل بعض المبادرات عندنا تظهر ولكن للأسف بيان بعض هؤلاء فيه الاِصطفاف الإيديولوجي وهذا النّوع من المثقفين يزيدون في الاِستقطاب ويَرمون بنا للماضي وليس المستقبل كما أنّ ضعف التجربة في التسيير وإدارة الشؤون قد يكون كارثةً على خسارة المثّقف الّذي لا يستطيع أن يكون «أسداً» ولا يُحافظ على حرفته «كغواصٍ»، ولكن الجمع بينهما بنجاح وإذا توفرت الشروط فذاك المُبتغى والمطلوب للخروج من «وثنية وجوه» شاهت ومن أحزاب بالية لم تستطع الاِنتقال بنا إلى مشهد سياسي جديد وبدل أن يبقى المُثقّف يجيد صناعة التبرير باِنتهازية بائسة يكون فاعلا وله القدرة على التغيير وننتقل معه إلى مثقّف يُبدع ولا يشرح يؤسس ولا يبرّر، فإذا اِعتبرنا الفيلسوف برنار هنري ليفيي هو «كعب الأحبار» الجديد الّذي يُحدث الفتنة في عالمنا العربي؟ فلماذا لا يتحرك فلاسفتنا لاِستغلال تلك الفتنة لتكون «نِعمة» في اِنتقال ديمقراطي وتشكيل «كُتلة تاريخيّة» تُحقّق أحلامَنا؟
* عبد السلام فيلالي/ كاتب وباحث وأستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية -جامعة عنابة
الوصول إلى أعلى منصب في الدولة مسارٌ شاق بالنسبة للمثقّف
السّياسة بتعريفٍ بسيط هي فنّ تنظيم تحقيق حاجات الأفراد بطريقة تمنع تداخل الإرادات والرغبات فلا تتحوّل إلى صراع مُدمر. هي بالتالي ليست مجرّد مسعى من أجل اِمتلاك السُّلطة بل أيضا في كيفية تصريفها وتوظيفها لأجل تحقيق المَصلحة العامّة.
من هذا التعريف ندرك مستويين للسّياسة، الأوّل يُحيلُ إلى معرفة المُجتمع بقيمه وتاريخه وتفضيلات الأفراد وتوجهاتهم أي الحاجات الثقافيّة، والثاني ويتعلق بالحاجات الماديّة. إنّ تنظيم/حكم بلدٍ ما لا يتوقف على التفاعل مع أحد هذين المستويين بل اِستجلاء مُختلف وضعيات التداخل والتآلف بينهما لكي يتم التوصل إلى بناء منشآت مُتوازنة يسودها التوافق وبأقلّ التكاليف المُمكنة من ناحية حلّ الصراعات والتناقضات بين مُختلف مكوناته (القِوى الاِجتماعية وأخرى). هكذا نحن أمام مُقتضيات للعمل السياسيّ والسُّلطة، هُمَا المعرفة والقوّة في المُجتمع الحديث. بين رضا المحكومين وضرورات الإكراه والجبر (بواسطة تطبيق القانون)، تستدعي السّياسة لأجل الفعّاليّة وتحقيق النتائج المرجوّة على صعيد تلبية الحاجات العامّة عقلا سياسيًا براغماتيا قادرًا على الجمع بين عواطف جياشة واِنفعالات صادقة وبين الصرامة والحسم في تطبيق أقسى القرارات وأعنفها إذا استدعت ظروفٌ ما ذلك.
يلزم لهذا أن يُحاط السياسيّ حين عمله في مساعيه بفريق كفؤ ومُتعدّد الاِختصاصات قبل وبعد الوصول إلى سدّة الحكم وأن يكون لديه المُستوى المعرفي اللازم لفهم وتفكيك المطالب العامّة للمجتمع من جهة، والموارد البشرية واللازمة لتنفيذ مشاريعه بطريقة تُؤدي إلى الحصول على رضا النّاس. إنّ حُكم بلاد بعشرات ملايين أفرادها وبمختلف التحديات والرهانات ليس مجرّد فكرة تتطلب إرادة صلبة، بل اِختبار جد مُعقد لقدرة القائد على التفاعل الجيّد معها ومن ثمَّ إيجاد أفضل الحلول.
لم تعد المُجتمعات الحديثة مجرّد تجمع كبير للأفراد في وطن يتمّ السعي إلى توفير مُتطلبات العيش الكريم، حيث يجب النظر إليهم كذوات واعية مُتفردة ترغب على في إثبات الوجود والإنصات إليها بشكلٍ يُشعرها بأنّها ذاتُ أهميّة وليست مجرّد أرقام في بيانات الإحصاء.
هل يستطيع أيُّ شخص، حتّى لو كان مُثقفًا وكاتبًا ومُفكرا وأديبًا، أن يُدرك المعاني الجديدة لمُمارسة السّياسة ، بأنّه ليس أعلى مكانة بل هو أحد تمفصلات الإرادة العامّة التي يجب أن تعمل في تناغم وتكامل ضمن الميكانيزم العام/المجتمع.
مِّمَّا سبق وعطفًا على ما طُرِحَ مِن إشكاليّة، إنّ اِختيار ونجاح أحد الشخصيات لكي يتبوأ أعلى منصب في الدولة يُشبه مبدأ «الاِنتخاب الطبيعي». إنّه مسارٌ شاقٌ يَتطلب كثيرا من العزيمة وأجوبة دقيقة حول ما يُمكن وما يجب أن يُقدم لتحقيق مُتطلبات السياسة بمفهومها الفلسفي: السعادة والعدالة. طبعا يُمكننا إدراك عدد الأفراد الذين يملكون الأهلية والقُدرة على أن يبلغوا هذا الهدف، أي اِختيار الشعب لهم. اِبتداء من الكاريزما، المعرفة، البرنامج والإقناع. الأمر ليس مجرّد مغامرة شخصية بل هو نسقٌ مُتكامل من العمل السياسيّ الّذي عنوانه الحزب السياسيّ الّذي له برنامجه الّذي جمع مناضلين لهم نفس المنطلقات والطموحات لأجل تكريسه. فهل بإمكان المثقّف في الجزائر أن يكون في مستوى هذا المسار الشاق. وهل يملك الأدوات اللازمة التي تجعله يخوض فيه بأريحية وبأمل ممكن التحقّق. هذا من الأسئلة الإشكالية، وقد يجيب عليه المُعترك السياسيّ على أرض الواقع.