الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الإعلامي والكاتب المقيم بفرنسا فوزي سعد الله للنصر: نعيش انقلابا في سلّم القيّم بحيث أصبح حماس الجماهير يجرف النخب

يستهجنُ الكاتب والإعلاميّ الجزائريّ المقيم في فرنسا فوزي سعد الله انسياق النّخب الجزائريّة وراء الجماهير، في الاستهتار بفيروس كورونا  و في استدعاء أهازيج الملاعب
إلى ساحة الاحتجاج السياسيّ. و يقرّ بأنّ المبالغة في التغطيّة الإعلاميّة لفيروس كورونا دفعت البعض إلى الاعتقاد بوجود شيءٍ ما يطبخ ليفرض على البشريّة و لا يستبعد
 أنّ تصبّ بعض التوجهات الإعلاميّة في خدمة أجندات.
                   ويؤكد من جهة أخرى بأنّ الجزائر تحصي كفاءات إعلاميّة لكنّها اصطدمت بمعايير تثمّن الخبث والرداءة.

* حاوره: إلياس بوملطة
. – كيف تعيشون فترة تفشي فيروس كورونا وظروف الحجر الصحي في فرنسا؟
بشكل عام، الناس، وأنا أحدهم، قضوا الحجر الصحي محاولين إشغال أنفسهم بما تأخر من واجبات منزلية ونشاطات مستحدَثة لتسلية الأطفال ومساعدتهم في دروسهم وقضاء أوقات عائليةٍ ممتعة، ولو أن ذلك ليس دائمًا سهلا، لأن هناك من لا يتحمَّل البقاء في البيت حبيس الجدران والشُّرْفَة، في حال تَوَفَرَتْ الشُّرْفَة، في أفضل الأحوال.
حاليًا، الحجر تمَّ رفعُه وأصبح مسموحا الخروج بشرطِ احترام قواعد التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات في الأماكن المغلَقة كالنقل العام وبعض المحلات، وهذا ما سمح بالتنفيس عن الذات قليلا حتى أن الناس يقضون في الأيام الأخيرة في أجواء ربيعية أوقاتا طويلة خارج البيوت بعد العمل متنزِّهين على ضِفاف الأنهار وفي الحدائق العامة ،  تَجربة الحجر الصحي غير مسبوقة وصعبة جدا على الذين يفتقرون إلى القدرة على الصبر وإلهاء النفس بمختلف النشاطات.
فيما يخصني اغتنمتها في البحث والقراءة والتأليف والرياضة، وقد قرأت عددا كبيرا من الكُتب والبحوث والدراسات المتراكِمة لديّ والتي كانت تنتظر دورها في القراءة منذ فترة، بالتالي تَحوَّلتْ الأزمة لديَّ إلى نِعمة...
. – تعتبر فرنسا من الدول التي سَجَّلتْ أكبر عدد من الإصابات والوفيات بهذا الداء كيف تعامل المواطنون هناك مع هذا الخطر؟
صحيح. الناس منزعجون نسبيًا من أسلوب إدارة السلطات للأزمة الصحية ويعتقدون أن أداءَها كان ضعيفًا ومتضارب القرارات، لاسيّما في البداية، فضْلاً عن القلق الذي انتاب المواطنين الذين بمجرّد ما أُعلِن عن بداية الحجر الصحي، سارَعوا إلى تخزين المواد الغذائية والأغراض اليومية بشكل مُفرِط حتى تسببوا في اختلال توزيع ووِفرة هذه المواد في الأسواق لعدة أيام أو أسابيع حسب المناطق. لكنّهم، بشكل عام، احترَموا تعليمات الحظر الصحي حيث كانت الشوارع مقفرّة إلا من المضطرِّين للخروج لأسباب مبرَّرة كالعمل وقضاء الحاجيات الضرورية، وممارسة رياضة العدو في محيط الإقامة في نهاية النهار مع الالتزام بشروط التّباعد. وكنتُ، شخصيًا، أجد نفسي أركض لوحْدي في شوارع مهْجورة تمامًا على مدى مرأى العين حتى أن بعض الناس، على سبيل المزاح والتسلِّي، كانوا يُصفِّقون لي ويهتفون من الشرفات.
أحيانا، تجد في الشوارع أو الساحات في حالات نادرة مجموعة أو اثنين أو ثلاث من 4 أو 5 شبَّان متجمِّعين وغير متباعِدين مُخترِقين الحجر وشروطه الصحية يتجاذبون أطراف الحديث، عندما يحدث ذلك، تجد أن هؤلاء دائما شُبّان مَغاربيِّين غير آبهين بكورونا والتحذيرات الحكومية من مخاطرها...
. – بصفتكم إعلامي يعيش بأوروبا منذ عقدين من الزمن تقريبا هل تفشي الوباء على نطاق واسع في أوروبا وتسجيل عدد كبير من الوفيات والإصابات يعود إلى خلل في المنظومات الصحية للدول الأوروبية المتقدمة، أم لسبب آخر؟
صحيح أن بعض الدول الأوروبية قلَّصتْ من الإنفاق على قطاع الصّحة متسببةً في تراجعٍ نسبي لنوعية الخدمات الصحية، لكنني أعتقد أن سرعة انتشار العدوى ومداها الواسع جماهيريًا مقارنةً بقدرة البشر المحدودة على التعاطي طبيًا مع كثافتها تجعل كل الأنظمة الصحية في العالم تائهة وعاجزة عن السيطرة عليها بما يكفي. لذلك كل الدوَّل كانت وما زالت في حالة الذي يُحاوِل إدارة الأزمة الصّحية حسب التجارب اليومية معها والاستفادة يوميًا من دروسها للتطوير المتواصل للأداء كالكفيف الذي يتلمَّس الطريق، لأن هذه التجربة جديدة ومعقَّدة وغير مسبوقة. ولو أن ثمة شعور لدى الناس أن هناك مبالَغة في التغطية الإعلامية لهذه الأزمة وفي ترهيب الجماهير منها، بما دفع البعض إلى الاعتقاد أن ثمة شيء ما يُطبَخ ليُفرَضَ على البشرية في كل العالم بِمُبَرِّرِ مكافحة الوباء لإحكام القبضة عليها ومراقبة كل تفاصيل حياتها اليومية من طرف تكتلات المال والهيمنة العالمية.
وهناك تحاليل منشورة من طرف خبراء ومصادر جدّية تتحدث عن مشاريع هيمنة من هذا النوع في جُعبة الدولة الأمريكية وشخصيات من شخصياتها الثرية وقوية النفوذ عالميًا من أمثال بِيلْ غِيْتْس ورُوكْفِيلَرْ ورُوتْشِيلْدْ وغيرهم. وهو أمر خطير جدا إن ثبتَتْ صحتُه ويجب على شعوب العالم أن تَتَّحِدَ لإفشاله، لأن تبعاته جد خطيرة على أمن ومستقبل البشرية.  
. – كيف كان دور الإعلام في هذه المحنة في أوروبا؟
يبدو لي أن الإعلام في أوروبا تراوح بين التماهي مع التوجُّهات الحكومية والانخراط في توظيف الأزمة الصحية في إستراتيجيات التنافس والصراع الجيوسياسي بين القوى العظمى وإعادة تشكيل خريطة النفوذ في العالم من جهة والدفاع من جهة أخرى عن مصالح الطبقات الشعبية بنشر ما يزيد في وعيها وفي قدرتها على فهم مخاطر فيروس كورونا والتلاعب به سياسيا في الوقت ذاته.
 بعضُ القنواتِ التلفزيونية مثلاً أصبحتْ تُخصِّصُ أكثرَ من 50 بالمائة من نشراتها الإخبارية للحديث عن أزمة فيروس كورونا والإمعان في إطالة الحديث عن أدق وحتى أتْفه تفاصيلها بالغوص يوميا وحتى عدة مرات في اليوم في جغرافية انتشاره عالميًا وإحصائياته وأخباره في المخابر العلمية وكل تفاصيله الطبية والسياسية والاجتماعية، مما أتعب الناس نفسيًا وأرهقهم، لا سيّما في بداية انتشار الفيروس والحجر الصحي. وهذا التركيز المفرط إعلاميا على الفيروس يبدو غير طبيعي، وقد يصب في خدمة بعض الأجندات... بينما حافظتْ وسائل إعلام أخرى على اعتدالٍ نسبي ومعقول في التعاطي مع الأزمة بشكل متوازن، يعني بدون إفراط وبدون تفريط...
.- هل تابعتم كيفية التعامل مع كورونا في الجزائر من طرف المجتمع، والإعلام والحكومة، وكيف تقيِّمونها؟
نعم، تابعتُ ذلك نسبيًا، لا سيما في بداية الأزمة، الحكومة بشكل عام فَعَلَتْ ما عليها رغم بعض الأخطاء التنظيمية والتنفيذية، التي وَقَعَتْ في كل الدول وليس في الجزائر فحسب، ورغم بعض التّساهل في فرض احترام القواعد الوقائية.
نسبةٌ هامة من المواطنين في الجزائر، الذين كان يُقال ذات يوم ليس ببعيد إنهم «أعطوا دروسًا للعالم في الوعي والتحضر»، تعاطتْ مع انتشار الفيروس بغير مسؤولية وباستخفاف وتهوُّر كبير. وما أدهشني هو أن بعض الصّحفيين في مواقع التواصل الاجتماعي تماهوا مع هذا التَّهور، بل كان بعضهم أكثر تهوُّرًا واستهتارًا من عامَة الناس، في حين كان المنطق يقتضي أن يساهموا في التوعية والتوجيه لِلمتهوِّرين والمشكِّكين في كل شيء بمنطق الرّفض من أجل الرّفض والتمرُّد على كل شيْء من أجل التمرُّد والعناد المجّاني الذي أصبح في بعض الأذهان نوع من البطولة، فيما هو سلوك خاطئ بشكل مُطلَق.
وما صدمني عندما ظهر الداء في الجزائر قبيل الحجر الصحي بقليل أنني قرأتُ في مواقع التواصل، على سبيل المثال لا الحصر، منشورات لأطباء، وبعضهم معروفون وممتازون في مجالهم، يَطلُبون من الذين -يرْفضون الالتزام بالتدابير الوقائية ويعتبرونها احتيالاً على الشعب لإسكاته وتجاوزا لمطالبه- أن يبدوا آراءهم هل يجب احترام التدابير الوقائية أم لا. بمعنى أن الطبيب يَطلب من الخَضّار أو الخُبّاز أو الموَظَّف في الإدارة والأمّي وكل مَن لا علاقة له بالشؤون الصحية والطبية ماذا يجب فعلُه إزاء هذه الأزمة الصّحية المتفاقِمة، فيما يقتضي المنطق أن يحدث العكس، بمعنى أن يكون الطبيب هو الناصح والمُرشِد والمُنِير للطريق. وهذا مِن مصائب الجزائر المعاصِرة حيث انقلب سُلّم القِيَم وأصبح أمرا عاديًا أن تجد المدرِّس الجامعي أو الطبيب أو المهندس أو المسؤول في المؤسسات والمتعلِّم تَجرفه أيّ موجَة حماسية جماهيرية وأيّ رياح هبَّتْ في حين يُفترَض أن هؤلاء جميعًا كنُخب هم مَن يوجِّه ويقود الجماهير ويضعها على الطريق الصحيح عندما تحيد عنه.
 لاحِظ مثلا الأهازيج والشعارات في الاحتجاجات السياسية وأساليبها وألحانها بشكل عام تُستَلهَم من تجارب مدرجات ملاعب كرة القدم وتُصاغ بذهنية مُجون هذه الأوساط وتهوّرها. وإذا كان هذا التهور في الملاعب مقبولا نسبيًا لأن لا تداعيات له على حياة الناس وحاضر ومستقبل البلاد والعباد، إلا أنه في ساعة الجد والدولة تمر بعملية انتقالية شديدة الدقة والحساسية يُصبح منطق مدرجات ملاعب كرة القدم استهتارًا. وكأن النُّخب لا إلهام لها إلا ما يأتيها من مدرجات الملاعب ولا قدرة لها على إنتاج شيء ما أسْلَم وأفضل وأرقى صياغة وشكلا ومضمونا وأكثر مسؤوليةً.
عندما كانت الجزائر تعيش مستوى حياة وسلوك أفضل في السبعينيات والثمانينيات وحتى بداية التسعينيات، كانت النُخب تَصُوغ الشِّعارات والأهازيج وتطلِقها لتحتضَنَها الجماهير بمختلف شرائحها وليس العكس. النُّخب أو بعضها مشلولة اليوم وكأنها «مَسْحُورَة» كما تقول «خالتي الطَّاوس»...
. –وقعت بعض التجاوزات غير المقبولة في عدد من برامج القنوات التلفزية الخاصة في شهر رمضان بالجزائر وأثارت سخط الجميع، برأيكم إلى ماذا تعود مثل هذه الهفوات؟
أعتبر السلطات ومؤسسات الدولة المسؤول الأول عن هذه التجاوزات، لأنها لا تتدخل لمنعها من خلال سلطة ضبط الإعلام والمؤسسات الوصية على الإعلام والإنتاج السمعي البصري وحتى جهاز القضاء، رغم دعوات المواطنين للتدخل. عندما يُزْجَر الخطأ بالمحاسبة وتسليط العقاب، تتراجع التجاوزات.
في الحقيقة، هناك تسيُّب من وجهة نظري، يترسَّخ يومًا بعد يوم في المجتمع والدولة كثقافة اجتماعية حتى أصبح مجرّد انتقاد هذا التسيّب والاحتجاج عليه يُقابل بالهجوم الشَّرِس وكأن التسيّب والاستهتار من ثوابت ومقدّسات الأمة. فأصبح بالتالي كلُّ من هبّ ودبّ يفعل ما يشاء دون احترام لأدنى المقاييس والقواعد الأخلاقية والقانونية والروحية للمجتمع وبدون حسيب أو رقيب، وكأن هناك مَن يدفع إلى هذا التسيُّب ويُشجع عليه حسبما نرى ونسمع يوميًا.
أعتقد أن استمرار هذا التسيُّب والاستهتار في قطاع الإعلام والإنتاج السمعي البصري سيؤول في المستقبل إلى ردود أفعال متطرِّفة لا تخدم استقرار البلاد وإرادتها في التوجه نحو غد أفضل. لقد تأخر الإعلام وتقاعس عن تطهير نفسه من فيروساته وميكروباته، وتأخرّت السلطات في تنظيفه من مختلف أمراضه التي تراكمت وتفاقمت حتى تعفّنت منذ مأساة التسعينيات التي سمحت تحت وطأة الخوف في خضم الاقتتال الشرس بالتغاضي عما لا يُقبل ولا يتصوره عقل. حان الوقت للتطهير...واليوم قبل الغد...دون ظلم ودون المساس بالحقوق، وإلا فعربة التغيير ستبقى تراوح مكانها إن لم تُصبح معطوبة كلَيةً.
. – وأنتم الذين تشتغلون منذ 30 سنة في الصحافة هل وصل الإعلام الجزائري برأيكم إلى الاحترافية،  وما هي النقائص التي يعاني منها حسبكم؟
الإعلام في الجزائر تطوّر كثيرًا، لكنه تقاعس عن تقييم مسيرته في كل مرحلة من مراحله وتطهير نفسه حتى يحافظ على احترافيته وأخلاقياته ومصداقيته. ومن الإعلام ما أصبح مؤسسة ربحية بحتة لا همَّ لها إلا اقتناص صفحات الإشهار لجمع الأموال ليس إلا ولتذهب غيرها من الاعتبارات إلى الجحيم...
الإعلام عندنا بشكل عام لديه قدرات معتبَرة وبالمقاييس الدولية، وهناك عدد هام من الصحفيين الممتازين في هذا القطاع. لكن ما الفائدة من وجودهم إذا تم تثمين الرداءة والجهل والخُبث وتهميش الكفاءة والجدّ والأخلاق من طرف أصحاب الحل والعقد. إعلامُنا تنقصه لمسات فقط تقضي على التسيُّب واللامسؤولية والاستهتار والانحلال والانتهازية والفساد وتضفي عليه قدر مَا من الصرامة والانضباط والجدية مع تثمين الكفاءة، هذا أمر بسيط وسهل بمتناول السلطات إن توفرت لديها الإرادة السياسية، ولا يستغرق الإصلاح أكثر من بضعة أشهر إلى سنة.
. – انطلاقا من تجربتكم في ميدان الإعلام المكتوب والسمعي البصري ما هو أهم شيء لابد على الصحفي أن يتصف به ويتقنه؟
المسؤولية، الجدّية، الدّقة، الأمانة والنزاهة. وفي الوقت ذاته، العمل الدائم على تطوير القدرات الثقافية/المعرفية بالمطالعة والمتابعة للمستجدات والتكيُّف مع التطوّرات التقنية في قطاع الإعلام، وتنويع الأدوات اللغوية بتعلّم اللغات الأجنبية. برأيي، في ظروف العالم والمهنة السائدة منذ عقود وآفاقها يتعيّن على الصحفي أن يتحكّم على الأقل في 3 لغات.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com