نهتم في «رحبة» بجميع المجالات لكننا نركز أكثر على الجانب الثقافي
* التدوينَ أتاح لي ممارسة الكتابة الصحافية مِن دون المرور على الوسائط التقليدية وتعقيداتها
يتحدث الكاتب والصحفي محمّد علاوة حاجي، في هذا الحوار عن مجلة «رحبة» الإِلكترونية التي أطلقها بداية هذا العام، وهي مجلة ثقافية متنوّعة ومستقلّة تأسست وانطلقت، بمبادرة من مجموعة من الصحافيّين والكُتّاب الجزائريين. تهتم بالقصّة الإخبارية التي ترصُد الراهن الجزائري والعالمي بكلّ أبعاده ومجالاته. كما تُخصِّص حيّزاً واسعاً للذاكرة السياسيّة والاِجتماعية والثقافيّة، وتهتمُّ، على وجه الخصوص بالمواضيع التحليلية والتحقيقات الميدانية التي تطرح قضايا إشكالية من زوايا جديدة وبأساليب إبداعية.
* حاورته/ نـوّارة لــحــرش
كما يتحدث حاجي، عن بعض تجاربه الإعلامية، وبدايات اِشتغاله بالصحافة، مؤكداً أنّ بدايته كانت مِن الصحافة الإلكترونية في 2005، حيث أطلق حينها مدوّنة إلكترونية بعنوان «أنلآن». مضيفًا أنّ التدوينَ أتاح له ممارسة الكتابة الصحافية بشكلٍ ما مِن دون المرور على الوسائط التقليدية وتعقيداتها. لكن التدوين بشكله الأوّل -حسب قوله- سرعان ما اِختفى لتحلّ محلَّه مواقع التواصل الاِجتماعي التي مثّلت جيلاً جديداً مِن التدوين ومِن «صحافة المواطن».
للإشارة محمّد علاوة حاجي، كاتب وصحفي اِشتغل طويلاً في الأقسام الثقافية للعديد من الصُحف والمواقع الجزائرية والعربية، ومن إصداراته الأدبية: «في رواية أخرى»، وهو عنوان روايته الأولى، والتي صدرت شهر أكتوبر العام 2013، عن منشورات المؤسسة الوطنية للاِتصال، النشر والإشهار anep. وبها اِفتتح حاجي، مشواره نحو عالم السرد الروائي، وكان قبلها قد بدأ مشوار الكتابة بالقصة القصيرة، وقد صدرت له في هذا الفن، وتحديدا في العام 2009 مجموعة قصصية بعنوان «ست عيون في العتمة» عن منشورات جمعية البيت للثقافة والفنون. كما له تجارب كتابية أخرى في المسرح وقصص الطفل. لم تُطبع بعد.
من الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية وصولاً إلى الصحافة الإلكترونية. سفرٌ طويل ومتنوّع. هل الشغف بالصحافة هو الّذي يجعلك دائمًا على سفر وعبر محطات وتجارب مختلفة؟
محمّد علاوة حاجي: في الحقيقة، كانت بدايتي مِن الصحافة الإلكترونية. في 2005، وبعد فترةٍ وجيزة مِن تخرّجي مِن الجامعة، أطلقتُ مدوّنة إلكترونية بعنوان «أنلآن»؛ وهو اِسمٌ يجمع بين كلمتَي «أنا» و»الآن»، في إشارةٍ إلى أنَّ ما أكتُبه وأنشره فيها يُعبّر عن أفكاري «أنا» وينتمي إلى زمنٍ أخذت الوسائط التكنولوجية تفرض نفسها على مختلف المجالات بِمَّا فيها الصحافة. كنتُ، حينها في بداية العشرينيات، وكان التدوين الإلكتروني لا يزال في بداياته عربياً، وأعتقدُ أنّ التدوينَ أتاح لي ممارسة الكتابة الصحافية بشكلٍ ما مِن دون المرور على الوسائط التقليدية وتعقيداتها.
خلال فترة وجيزة، لاحظتُ أنّ المُدوّنة حقّقت أصداء طيّبةً في الجزائر وخارجها. اِختارها «غوغل» كأفضل مدوّنة في المغرب العربي، وتلقّيتُ عرضاً للكتابة في موقع إلكتروني عربي. حينها فكّرتُ أنّه ربّما حان الوقت للعمل في الصحافة. وبالفِعل، بدأتُ بالعمل في إحدى اليوميات الوطنية بعد أقلّ من سنتَين مِن إطلاق المدوّنة.
التدوين بشكله الأوّل سرعان ما اِختفى لتحلّ محلَّه مواقع التواصل الاِجتماعي
أطلقتَ مع بداية هذا العام مجلة «رحبة» الإلكترونية. لماذا مجلة اِلكترونية في هذا الوقت بالذات. هل لأنّ الصحافة الاِلكترونية مثلاً تُحقّق نقلة نوعية ومستقبلية في آن، أم لأنّ المجلات الاِلكترونية اِنتشرت بكثـرة في الفضاء الرقمي؟
محمّد علاوة حاجي: فكرة «رحبة» تعود إلى أكثر من عشر سنواتٍ خلت. في العام 2009، اِستضفتُ عدداً من المدوّنين في إحدى اليوميات التي كنتُ أشرف على قسمها الثقافي، وكان ذلك أوّل لقاءٍ يجمع بين المدوّنين الجزائريّين على أرض الواقع. تناقشنا حول واقع التدوين الإلكتروني وآفاقه وخصوصياته في الجزائر مقارنةً بغيرها من البلدان العربية، واقترحتُ فكرة إنشاء منصّة تجمع المدوّنين. لم نتمكّن مِن تحقيق ذلك لأسباب كثيرة؛ مِن بينها أنّ التدوين بشكله الأوّل سرعان ما اِختفى لتحلّ محلَّه مواقع التواصل الاِجتماعي التي مثّلت جيلاً جديداً مِن التدوين ومِن «صحافة المواطن» وانتشرت بشكل واسع جدّاً مقارنةً بالجيل الّذي سبقها، ربّما لأنّها أضافت عنصر «التواصُل» إلى المعادَلة. لكن فكرة الموقع ظلّت في رأسي، وكنتُ فقط أنتظر الفرصة المُواتية لتجسيدها.
لماذا «رحبة» كعنوان لمجلة إِلكترونية، خاصة وأنّ التسمية تحيل إلى موروث شعبي له دلالاته في زمن مضى. فهل ترى أنّ هذه الدلالة يمكن أن تؤدي معناها في عصر الميديا والتكنولوجيا؟
محمّد علاوة حاجي: أعتقد أنّ «رحبة» اِسمٌ مُميّز. وهنا لا بُدّ أن أُخبرك بصاحب التسمية؛ وهو اسمٌ نعرفه في مجال الصحافة والأدب. أعني هنا الصديق الخير شوار الّذي كنتُ أتناقش معه حول اِسمٍ جميل وأصيل للموقع، ومِن بين مجموعةٍ كبيرة من الأسماء التي اِقترحناها، شدّني «رحبة» الّذي كان مِن بين مقترحاته. وجدتُه اِسماً ذا وقع خاص ودلالة مميّزة، وطيلة السنوات العشر الماضية كنتُ أحتفظ به لأي مشروع أُطلقه سواء كان ورقياً أو إلكترونياً.
يُحيل «رحبة» -كما كتبنا في تعريف الموقع- إلى الزخم الثقافي والاِجتماعي في الجزائر؛ حيث تُعدّ “الرحبة” فضاءً سوسيو- ثقافياً شكّل، إضافةً إلى كونه مكاناً للمعاملات اليومية، ملتقًى لعموم الجزائريين ومنبراً حُرّاً للتبادل الثقافي والتواصُل الإنساني، والتعبير الثقافي والفني.
بالإضافة إلى ما يُحيل إليه الاِسم في موروثنا الشعبي، يتضمّن أيضاً معنى الرحابة التي تعني في الموقع تعدُّد الأصوات والاِنفتاح على مختلف الأجناس الكتابية.
كثيرٌ مِن المواقع والخدمات والتقنيات الحديثة أُطلقت عليها أسماء تُحيل إلى الماضي
أيضًا هل يمكن القول أنّك ومن خلال هذا العنوان تريد المزاوجة بين التراث والحداثة، في إشارة إلى أنّ كلّ حداثة مثلاً تُرافقها سياقات وارتكازات أو إحالات من التراث أو الموروث الشعبي؟
محمّد علاوة حاجي: بشكلٍ عام لا أرى تعارُضاً بين الحداثة وجزءٍ من تراثنا الّذي كان حداثياً جدّاً. أجدُ مِن المهمّ توظيف أسماء تُحيل إلى هويتنا وخصوصيتنا، خصوصاً إذا كان هذا الاِسمُ يتّسعُ لدلالاتٍ أُخرى كالتي أشرتِ إليها في السؤال السابق، كما هو الحال بالنسبة إلى «رحبة».
كثيرٌ مِن المواقع والخدمات والتقنيات الحديثة أُطلقت عليها أسماء تُحيل إلى الماضي، لكنها تأخذ منه دلالاتٍ محدّدة. الأمثلة كثيرة، لكن تحضرني هنا تسمية «بوتوث» التي تُحيلنا إلى هارالد البلجيكي (أو هارالد ذو الشعر الفاتح) الّذي يذكره مؤرّخو العصور الوسطى كأوّل ملك على النرويج، والّذي وحّد القبائل الدنماركية المتحاربة في مملكة واحدة خلال القرن التاسع عشر. تقنية «بلوتوث» التي شكّلت ثورةً في بداية التسعينيات وحّدت بروتوكولات الاِتصال، وهذا هو المعني الضمني للكلمة.
لماذا لم تستقر في تجارب إعلامية مررت بها. إذ تخوض فيها وتنسحب أو تغادر في المنتصف أو ما قبل المنتصف حتّى؟
محمّد علاوة حاجي: هذه الملاحظة صحيحة. الأمر بسيطٌ للغاية، كنتُ أغادر بمجرّد أن أشعر بأنَّ الوضع لم يعُد مناسباً لي، أو أنّه لم يعُد يسمح لي بتقديم ما أرغب في تقديمه، أو أنَّ الوجهة المقبلة قد تكون أفضل. بعض المؤسسات غادرتُها بعد أيّام قليلة من اِلتحاقي بها، لكن هذا لا يعني أنّ ذلك كان قاعدة. بقيتُ مثلاً سنتَين في إحدى اليوميات، وثلاث سنواتٍ في «الإذاعة الدولية» التي غادرتُها بسبب بعض المضايقات التي تعرّضتُ لها بعد خروجي إلى الشارع تنديداً بترشّح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة. والآن، أدخُل عامي السادس وأنا لا أزالُ مُحرّراً في جريدة عربية، وهذه فترةٌ طويلة بالمقارنة مع تجاربي السابقة.
«رحبة» تهتم بشؤون جزائرية وعالمية: اِجتماعية سياسيّة اِقتصادية وغيرها. لكن الواضح أنّها تُعنى بالشأن الثقافي أكثـر. وهذا ما كان جليًا في العدد الأوّل منها؟ هل يمكن القول أنّ رهانها أو خطها الأوّل والأكثـر حضوراً هو الثقافة وشؤونها؟
محمّد علاوة حاجي: نهتم في «رحبة» بجميع المجالات، لكننا نركز أكثر على الجانب الثقافي. بإمكانك القول إنّنا سنُحاول التركيز على البُعد الثقافي حتّى في المجالات التي تبدو في الظاهر بعيدةً عن الثقافة؛ مثل السياسة والاِقتصاد والمجتمع والرياضة. هناك دائماً أبعاد ثقافية في هذه المجالات قلّما ننتبه إليها، في خضمّ ملاحقتنا للخبر الآني.
برأيك هل بإمكان المجلات الإلكترونية أن تنجح وتستمر دون عراقيل. عكس المجلات الورقية التي تصطدم بالكثير من العراقيل التي قد تتسبب في توقفها واختفائها؟
محمّد علاوة حاجي: لا تُواجه المواقع الإلكترونية نفس «العراقيل» التي تواجهها المجلات الورقية؛ مثل تكاليف الطباعة وهموم التوزيع. لكن للمواقع تحدياتُها الخاصة. في الجزائر، لا يبدو الأمر اليوم مشجّعاً على الإطلاق.
ثمّة مجلات إلكترونية حقّقت نجاحًا وانتشاراً وحضورا وإقبالاً من القُراء والمهتمين وأصبحت أقوى وأكثـر تأثيراً من المجلات المطبوعة. لماذا نجحت الأولى في ما أخفقت الثانية؟
محمّد علاوة حاجي: أعتقد أنَّ لدينا في الثقافة العربية تجارب رائدة ومهمّة في مجال المجلات الورقية، حتّى إن كان بعضها قد توقّف لأسباب كثيرة، أبرزها الأعباء المالية وتوجّه القرّاء بشكل متزايد إلى الشاشات الصغيرة بدل الورق. هناك مجلات لا تزال تصدُر إلى اليوم، وهي في معظمها تابعةٌ لمؤسّسات رسمية.
هذا الأمر لا ينطبق للأسف على الجزائر التي لم تنجح مجلاتُها الثقافية الرسمية والمستقلة في الاِستمرار...
بناءً على ذلك، لا يُمكنني الجزم بأنّ تجارب المجلّات الورقية قد أخفقت، كما لا يُمكنني أنْ أحسم بأنَّ تجارب المواقع الإلكترونية قد نجحت.
ما هي آفاق أو مشاريع «رحبة»؟ هل من أفكار أخرى تسعى لتجسيدها ضمن هذا الفضاء الإلكتروني الّذي كانت اِنطلاقته لافتة ومُبشرة في آن؟
محمّد علاوة حاجي: المشاريع التي خطّطنا لها ضمن عنوان «رحبة» كثيرة جدّاً، وهي تشمل أكثر من مجال. نأمل أنْ نتمكّن من إطلاقها، أو إطلاق جزء منها، خلال العام الجاري.
بعيداً عن علاوة حاجي الصحفي، قريباً من علاوة حاجي الكاتب والروائي. هل من مشاريع جديدة وقريبة على مستوى الرواية؟
محمّد علاوة حاجي: أحياناً، حين أُفكّر في أنَّ أكثر من سبع سنوات مرّت على إصدار روايتي الأولى «في رواية أخرى»، أقول إنَّ هذا وقتٌ طويل جدّاً. ثمّة الكثير من المشاريع السردية التي بدأتُها منذ سنوات، لكنّني لم أتمكّن من اِستكمالها لأسباب كثيرة؛ الموضوعيُّ منها يتعلّقُ بالتزاماتي المهنية التي تأخذ كلّ وقتي، والذاتيُ يتمثّل في الكسل وسوء إدارة الوقت.
ماذا تنشد من خلال الرواية والكتابة؟
محمّد علاوة حاجي: صدّقيني يا نوّارة. لا أحسن التنظير حول الرواية. وأعتقد أنّها ليست مهمّتي أساسًا. أحيانًا أجدني عاجزًا عن تقديم إجابة لهذا الشق من سؤالك. يكفي أنّ الرواية هي رؤية للحياة، وإن كنتُ أنشد شيئًا من خلالها فهو الاِنتصار لقيم الحب والخير والجمال، دون أن أتورّط في الخطابات المُباشرة.