30 سنة من الوجود.. ريادة وطنية و انفتاح علمي على المحيط
انقضت 30 سنة على إنشاء مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بجامعة وهران، وبالضبط بموجب مرسوم صدر في 23 ماي 1992، بعد أن كان المركز لمدة سبع سنوات وحدة بحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وجاء هذا التحول لمواكبة التطورات المجتمعية نتيجة وعي بضرورة الاعتماد على الأفكار والدراسات التي تنتجها الأبحاث العلمية لفهم الواقع وتسطير البرامج المناسبة للحياة اليومية للمواطن، ولخصوصيته احتل المركز مكانة مرموقة حيث تم تصنيفه في المرتبة 737 عالميا من ضمن 10 آلاف مركز بحث وهذا في دراسة أجراها مركز «بيومتريك» الإسباني سنة 2014.
أعدت الملف: بن ودان خيرة
و بات “كراسك” مؤسسة رائدة في البحث العلمي الوطني في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية، بالنظر للإنتاج المعرفي الذي أشرف عليه وساهم في تجسيده بوتيرة مستمرة ومنتظمة، مع أخذه بالتطورات التكنولوجية في التسيير و البحث والتقييم المعرفي إلى جانب إدراج منصات رقمية جديدة تضم أكبر عدد من المشاريع البحثية والتقارير الميدانية منذ نشأة وحدة البحث مرورا بالتحول إلى مركز (كراسك) و إلى غاية يومنا، إضافة إلى التركيز على الموقع الإلكتروني الذي يعتبر البوابة الرئيسية للترويج وتثمين نتائج البحث، كما تهتم مديرية المركز ببرمجة تظاهرات علمية بقيمة الحدث العلمي، حيث عرض على المجلس العلمي، تنظيم مؤتمر الثلاثين سنة من البحث بالمركز وستنشر قريبا مجلة جديدة تهتم بالتراث المادي واللامادي، وهي إضافة علمية للمجلات التي ينشرها المركز: إنسانيات والمجلة الإفريقية للكتب، والتي من شأنها إبراز الإنتاج العلمي والمعرفي بمختلف المقاربات العلمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية.
كل هذا يحتضنه مبنى يفوح بعبق التاريخ والتراث ويحاكي أنثروبولوجيا المجتمع عبر حقب زمنية وثقافات تركت وقعها في يوميات الجزائريين، مبنى صممت هندسته لتعكس خصوصية مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية ، فالداخل للمركز يشعر بنوستالجيا العمران الموريسكي أو العثماني وتنقله اللوحات الفنية لاستذكار الشخصيات الجزائرية المختلفة.
مدير المركز البروفيسور مانع عمار للنصر
مسيرة تثمين البحوث بدأت وسنخلق سوقا حقيقية للمنتوج العلمي
يؤكد البروفيسور مانع عمار مدير «الكراسك» أن المركز يعمل حاليا، على ابتكار طرق تواصل لتحسيس المحيط والمؤسسات بأهمية الحلول التي يقترحها في أبحاثه المختلفة، حتى تكون الأعمال قابلة للتثمين والاستغلال. كما يؤكد في هذا الحوار الذي خصّ به النصر، أن الكراسك يعمل على ترقية البحث العلمي بخلق قنوات مع المجتمع والمؤسسات «الشريكة».
للإشارة فإن البروفيسور عمار مانع نصب على رأس المركز في أفريل 2022 خلفا للمديرة السابقة مولوجي صورية التي تم تعيينها على رأس وزارة الثقافة، علما أنه تولى رئاسة جامعة الجزائر 2، وقبلها شغل منصب المدير العام للوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، كما تقلد عدة مسؤوليات في جامعات مختلفة منها جامعة برج بوعريريج و المركز الجامعي لتيبازة.
كيف تنظرون إلى مهمتكم على رأس المركز؟
* مهمتنا ليست عادية ولا بسيطة، إنها مهمة استثنائية بأتم معنى الكلمة ومعقدة وصعبة، ولكنها ممكنة عندما يقوم بها باحثون لهم رصيد بهذه القيمة ولهم تقاليد تشهد على جرأتهم في طرح الأسئلة وفي القراءة النقدية للظواهر والخطابات العلمية والنظريات والمفاهيم، وخاصة عندما تلتف حولهم كوكبات من الأساتذة المهتمين بمجالات بحث المركز، وفي هذا المحيط، سوف نعمل معا من أجل المتابعة العلمية الحثيثة للقضايا والإشكاليات التي تدخل في نطاق محاور البحث الخاصة بمركزنا ووحداته، ونحافظ على الانفتاح الذي كرسه المركز منذ تأسيسه على المجتمع العلمي وعلى المجتمع بصفة عامة.
نفهم من هذا أن تركيزكم سيكون على توطيد العلاقة بين المركز والمحيط الخارجي؟
* نحن نعتبر أن القيمة الحقيقية لنشاطات المركز تأتي من تجدّرها في محيطها الطبيعي ومن تعبيرها عنه، ونتعاون على خلق ديناميكية فعالة من أجل تثمين مخرجات مختلف أقسام البحث وفرقها كما نجتهد من أجل توفير وسائل العمل المادية والمعنوية لجعل تلك المخرجات قابلة للتثمين والاستغلال من طرف مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، فنحن نعي أن عملية التثمين تتوقف أساسا على ما تبذله مصالح المركز من جهود وما تظهره من احترافية في التسويق لمخرجات البحث.
بالحديث عن التسويق ما هو المطلوب لتجسيد هذه المهمة؟
* هذه المهمة تتطلب المزيد من التكوين وتحسين المستوى لاكتساب الخبرات اللازمة لمرافقة البحث العلمي من خلال اختيار الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين والتواصل معهم، ثم إشراكهم في عملية تثمين المخرجات وتحويلها إلى مهارات وخبرات ومعارف قابلة للاستثمار، وفي مرحلة لاحقة وبعد أن يدرك الشركاء قيمة مخرجاتنا ويحسنون تقدير ثمنها، سوف نسعى إلى إشراكهم في تمويل المشاريع وتحمل جزء من أعبائها، وسوف يحدث ذلك بكل تأكيد لأن المسيرة بدأت، ونصل لهذا عندما نتمكن من خلق سوق حقيقية للمنتوج العلمي تملك الأدوات القانونية والعلمية لتقدير تكلفة البحث ومكافأته وتثمين نتائجه.
كيف يمكن استقطاب المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية نحو كراسك؟
* في الكثير من الحالات لا تملك المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا القدرة على تصور احتياجاتها إلى البحث، ولا تملك المصالح ولا الهياكل القادرة على بلورة ذلك التصور، لذلك نعتبر مهمة مركزنا حيوية وأن على عاتقه أن يبتكر طرق التواصل مع المجتمع و تحسيسه بالأهمية العملية لمخرجاته البحثية وللخبرات والمهارات التي يتوفر عليها والتي يمكن أن يوفرها متى وجد الطلب عليها والاهتمام بها.
يعتبر كراسك مركز بحث نموذجي، كيف يمكن الرقي به أكثـر ؟
نحن نعتبر مركزنا نموذجا نوعيا للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية ونعتبر أننا نتحمل مسؤولية ترقية البحث العلمي في مختلف محاور هذه الفئة من العلوم، و يجب أن نؤدي المهمة التي نتحملها بمجرد انتمائنا إلى مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية والمتمثلة في إقامة تصالح حقيقي ودائم بين البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية وبين المجتمع ممثلا في المؤسسات والهيئات التي يمكن أن تتحول إلى شركاء اجتماعيين واقتصاديين لمركزنا ولمراكز البحث الأخرى، إن السمعة الطيبة التي اكتسبها المركز ويشهد عليها الطلبة والأساتذة باعتباره مقصدا لكل باحث عن التأطير الجيد والإشراف العلمي المتخصص، ولكل باحث عن الوثائق والمراجع ذات القيمة العلمية المتميزة، وعليه سوف نعمل معا لتعزيز هذه السمعة وتقويتها فمن الطبيعي أن يشتهر مركزنا بتوفير الخبرات المنهجية للطلبة والدارسين، ومن الضروري أن يتم توفير هذه الخدمات بالوسائل التقنية والتكنولوجية الرقمية، وهنا أيضا يجب أن نتعاون جميعا ونستغل كل الإمكانيات المتوفرة حاليا والتي يمكن توفيرها للمركز في المستقبل من أجل التحكم الجيد في هذا المستوى تماشيا مع تطور أساليب العمل البحثي في المراكز والجامعات المرموقة.
ما هي رؤيتكم لتطوير مركز البحث في الانثـروبولوجيا الاجتماعية والثقافية؟
يتميز مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية برصيده الغني من البحوث والدراسات والكتابات العلمية الرصينة التي ينجزها باحثوه بجميع فئاتهم ودرجاتهم وخبراتهم، وتدل على ذلك منشوراته ذات القيمة العلمية بما تتناوله من مواضيع راهنة، وبما تثيره من اهتمام الدارسين والباحثين والإعلاميين والسياسيين والمتعاملين في جميع مجالات الحياة، من داخل الوطن وخارجه، لذلك يجب تثمين الروح العلمية السائدة في أجواء المركز وتعزيز مستواه العلمي ودوره في معالجة القضايا الحساسة في المجتمع.
هل تؤثر تحولات المحيط الخارجي على معالجة قضايا المجتمع؟
إن التحولات الكبرى والمصيرية التي يشهدها العالم منذ بداية الألفية وخاصة بعد الجائحة التي مست جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية، وما لها من انعكاسات على القطاعات الاقتصادية والسياسية وغيرها، تضع مركز كراسك في قلب التفكير الإستراتيجي في قضايا المجتمع وإشكالياته، ومن خلالها في صميم التفكير في مستقبله والرهانات التي تواجهه، ولهذا وجب علينا أن نفهم الظواهر الاجتماعية في بلادنا في بعدها الأنثربولوجي والثقافي، و أن ندرس الأنساق الثقافية وتفاعلها مع الإنسان في سياقه الاجتماعي وأن نجد لها المفاهيم التي تعبر عنها وتصفها، لأن وصف الظاهرة وصفا دقيقا يعني القدرة على التحكم فيها وتوجيهها، وأن نصوغ القوانين العلمية أو على الأقل الفرضيات الأكثر علمية والتي نعتقد أنها تتحكم في اشتغالها وتفاعلها مع الوسط ومع العالم.
هناك وحدات خارج وهران هل تعرف القارئ بها؟
* وحدة قسنطينة تركز فيها المشاريع البحثية المدرجة بالوحدة على المواضيع التي تشد إلى المدينة والفضاء الحضري بعد دراسة الامتداد المكاني، وبالتركيز على إعادة تأهيل التراث المادي وغير المادي المنتج خلال العصور المختلفة من التاريخ الجزائري، وكذا على توسيع المباني الجديدة في الضواحي وإعادة هيكلة الأنشطة الحضرية، كما تسعى لدراسة احتياجات سكان الحضر وظروفهم المعيشية، ولكن تتميز وحدة قسنطينة بالاهتمام بالمواضيع التي تعنى بالديناميكيات الريفية من خلال التحولات الكبرى المتعلقة بانخفاض عدد سكان الريف، و من المفارقات أن العالم الريفي لم يثر اهتمامًا بحثيًا كبيرًا كما كان في السبعينيات على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للزراعة في الاقتصاد الوطني و للأمن القومي. كما تساهم الوحدة في إعداد الوثائق مثل الأطلس، دفاتر الشروط، وثائق التخطيط العمراني والقوانين، و المساعدة على اتخاذ القرار للهيئات المكلفة بتهيئة وتسيير المدينة.
وماذا عن وحدة البليدة؟
- نعم لقد استحدثت وحدة البحث «رصيد» المتواجدة في البليدة نتيجة تراكم رصيد علمي متخصص في مجال «الطوبونيميا والأنتروبونيميا» أنجزه باحثو المركز حيث يقومون بدراسة النظم التسموية في الجزائر للمساهمة في إنشاء نظام وطني لتحصيل أسماء العلم الجزائرية، وكذا تحليل نظم تسمية المواقع الجغرافية والأنثروبولوجية في بلادنا، علاوة على ترقية البحث في علوم التسميات وإنشاء مجموعة ببلوغرافية حول أصل أسماء الأماكن والأشخاص في الجزائر، ويعمل باحثو الوحدة من أجل المساهمة في وضع سياسة وطنية لتوحيد كتابة الأسماء الجزائرية حسب توصيات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وقد أنجز باحثو هذه الوحدة أكبر مسح ميداني للولايات الداخلية ومناطق الجنوب لضبط التسميات، بالإضافة إلى عدة مشاريع بحثية ذات صلة بقطاعات وزارية منها دراسة حول الخرائط لفائدة وزارة الدفاع الوطني، و دراستان لفائدة وزارة الداخلية والجماعات المحلية حول «توحيد أسماء الأشخاص»، و»توحيد أسماء الشوارع بين الواقع والتسمية الرسمية»، كما شرفت الوحدة الجزائر في الأمم المتحدة من خلال خبرائها في رسم الخرائط والجغرافيا.
هل هناك مشاريع لفتح وحدات أخرى؟
* يطمح مركز «كراسك» مستقبلا لتوسيع العمل البحثي عبر ولايات الجنوب بإنشاء وحدتي بحث، الأولى بأدرار حول دراسة المخطوطات والثانية في غرداية حول «الجماعاتي والمجتمعاتي»، وذلك حسب الإمكانيات المادية المتوفرة لدينا ومن خلال الشراكات العلمية للمركز مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، ولا يجب أن ننسى وجود وحدتين بالمقر الرئيسي للمركز بوهران ويتعلق الأمر بوحدة الثقافة و الاتصال و الفنون واللغات ووحدة الترجمة والمصطلحات ومقرهما حاليا بالمقر السابق للمركز ببلدية السانيا بوهران.
وماذا تنتظرون من باحثي المركز وموظفيه؟
ننتظر من باحثي المركز وموظفيه في جميع المصالح الانخراط الفعال في عملية تحسيس المحيط القريب والبعيد بأهمية ما يقوم به المركز حاليا وما يمكن أن يقوم به في المستقبل من بحوث، فالمجتمع لن يقوم بأية خطوة في اتجاه مراكز البحث من أجل تلبية احتياجاته، بل في الكثير من الحالات لا تملك المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا القدرة على تصور احتياجاتها إلى البحث، بل لا تملك المصالح أو الهياكل القادرة على بلورة ذلك التصور، وعليه نعتبر مهمة مركزنا حيوية وأن على عاتقه أن يبتكر طرق التواصل مع المجتمع وتحسيسه بالأهمية العملية لمخرجاته البحثية وللخبرات والمهارات التي يتوفر عليها والتي يمكن أن يوفرها متى وجد الطلب عليها والاهتمام بها.
بن ودان خيرة
الدكتورة نجاة لحضيري باحثة دائمة ورئيسة خلية الاتصال لكراسك
وسائط إعلامية واتصالية لتسويق المنتوج العلمي
قالت الدكتورة نجاة لحضيري باحثة دائمة ورئيسة خلية الاتصال للكراسك، إن المركز يعول حاليا على تحقيق مرئية منتوجه العلمي الذي يتم تسويقه عبر القاعدة الرقمية وذلك لاستقطاب المجمع العلمي (جامعات، مراكز جامعية، معاهد ومراكز بحوث) ومختلف الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين كشركاء فاعلين في صناعة المعرفة العلمية، والذين بإمكانهم الاعتماد على البحوث العلمية المختلفة من أجل تطوير مؤسساتهم والاستجابة لاحتياجاتهم، فالخبرة الناجمة عن البحوث الميدانية من شأنها تقديم حلول ناجعة.
وأوضحت الدكتورة لحضيري، أن خلية الاتصال تسعى لنشر المعلومة العلمية للجمهور العام والمتخصّص عبر الوسائل الاعلامية المختلفة التي يحضر صحافيوها كل النشاطات التي ينظمها المركز، إلى جانب إجراء حوارات مع مؤسسات إعلامية مكتوبة أو سمعية بصرية من شأنها تبسيط المعرفة العلمية للجمهور الواسع، ولتجسيد هذه الاستراتيجية، يعمل المركز على تطوير وسائطه الرقمية وتنويعها لتقاسم المعلومة العلمية في وقتها، ومن أجل هذا يمتلك كراسك موقعا إلكترونيا ينشر عبره مختلف النشاطات والإنتاجات العلمية باللغتين العربية والفرنسية، وهو في طور إنشاء صفحة خاصة باللغة الإنجليزية، إلى جانب توفره على وسائط التواصل الاجتماعي «الفايس بوك وتويتر مع قناة تلفزيون الويب الخاصة بالمركز إلى جانب قناة اليوتوب»، وتتاح معظم النشاطات حاليا للاطلاع وحتى للتحميل الحر بالنسبة لتقارير الخبرة والتقارير النهائية لمشاريع البحوث، ووفق المتحدثة، يسعى فريق العمل لإدراج المحاضرات وتقارير الخبرة والملتقيات المنظمة في الكراسك على قناة اليوتوب الخاصة به من أجل تحقيق وتعميم النفع الأكاديمي العام من جهة، ولتسويق مختلف الإنجازات العلمية للمركز منذ إنشائه سنة 1992.
مضيفة أن مختلف النشاطات العلمية التي يشرف عليها المركز سواء التي تُجرى في مقره أو خارجه، تحظى بتقاسم المعلومة العلمية مع الجمهور المتخصص أيضا من أساتذة وباحثين ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها، كما تركز خلية الاتصال على تقاسم كل المضامين سواء المنجزة من طرف الباحثين من داخل المركز أو بالتعاون مع شركاء في الميادين الاجتماعية والاقتصادية وكذا مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتكوين.
علما أن مشاركة الكراسك في «صالون الجزائر الدولي للكتاب» هي أيضا فرصة جيدة لعرض هذا المنتوج للجمهور العريض مباشرة.
بن ودان خيرة
نافذة على اقتصاد المعرفة و قراءات جديدة للتنمية المحلية
قالت عضو مجلس التعاون والمتابعة في البحث والتنمية الاقتصادية ورئيسة قسم العلاقات بمركز كراسك فحاص بدرة صبرينة، إن المجلس موطن لدى مركز البحث العلمي والتقني في علم الإنسان الاجتماعي والثقافي، يعمل حاليا على رصد سبل التنمية المحلية وقدرة الشباب على تجسيد مشاريعهم من خلال المؤسسات الناشئة، وقد نظم مؤخرا أول لقاء من «منتدى وهران- اقتصاد»، والذي كان ضيفه المدير العام لبورصة الجزائر يزيد بن موهوب، حيث يندرج المنتدى ضمن نشاطات المجلس و يتم تنظيمه شهريا ، ينشطه في كل مرة شخصيات فاعلة في القطاع الاقتصادي من صناع القرار، أكاديميين، خبراء، رؤساء مؤسسات وغيرهم.
مضيفة أن الهدف من تنظيم هكذا تظاهرة هو فتح نافذة على اقتصاد المعرفة وتقديم قراءات جديدة حول التنمية المحلية وتحديات الابتكار وميكانيزمات الاستثمار، كما يعد فرصة سانحة لتعميق التواصل بين أصحاب الخبرة العلمية والميدانية والشباب المقبل على إطلاق مشاريعه، مع التركيز على مدى أهمية المعرفة في تيسير الإجراء وتسيير الاقتصاد، بما يسمح بوضع إسقاط على الواقع والتأسيس للاستشراف، ومبادئ التقييم والتقويم والحوكمة.
مذكرة أن مجلس التعاون والمتابعة في البحث والتنمية الاقتصادية، هو مشروع بحث موطن لدى كراسك منذ سنة 2018، واستطاع على مدار 5 سنوات أن يعقد جلسات عمل وورشات مع الناشطين في الصناعة، الفلاحة، التجارة، الصيد البحري، النقل، السياحة والصناعات التقليدية، كما اجتمع مع ممثلي المجتمع المدني لجميع بلديات وهران في خطوة لضبط الاحتياجات ومناقشة الحلول، وقد تكلل هذا النشاط بتوقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون بين مركز كراسك وولاية وهران، إذ استطاع المجلس تحقيق شراكة سوسيو اقتصادية مع غرفة الصناعة والتجارة، غرفة الفلاحة، غرفة الصناعة التقليدية والحرف وغرفة الصيد البحري وتربية المائيات على مستوى ولاية وهران، إلى جانب اتفاقية مع مكتب وهران للكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، كما يدرج من خلال برنامج عمل المجلس إنجاز تحقيق ميداني يشمل البلديات الست والعشرين لوهران، و نظم المجلس سنة 2021 الطبعة الأولى للمنتدى الوطني للسمعي البصري الذي كان هدفه دفع الإنتاج وتشجيع الصناعة السمعية البصرية.
من جانب آخر، أوضحت محدثتنا أنه وفي إطار اتفاقية الشراكة العلمية مع ولاية وهران، قام باحثو المركز بتأطير دورات تكوينية شملت عدة مواضيع منها الجباية والمالية، التسيير الإداري والاتصال المؤسساتي إلى جانب مواضيع أخرى مبرمجة في دورات تكوينية لاحقة وفقا لبنود الاتفاقية، وفي ذات السياق تم توزيع 150 مؤلفا من منشورات كراسك على كل مكتبات بلديات وهران، وهي مؤلفات متنوعة تضم دراسات وبحوث علمية ومداخلات ومقالات لأساتذة وباحثين في مختلف المجالات الأنثروبولوجية و الإجتماعية والثقافية.
بن ودان خيرة
الدكتورة الباحثة بولفضاوي فاطمة الزهراء
«نتائج بحوثنا تنعكس مباشرة على المجتمع»
قالت الدكتورة بولفضاوي فاطمة الزهراء رئيسة قسم بكراسك وعضو المجلس الوطني لقضايا المرأة والأسرة والطفل الذي يجمع إطارات من مختلف الوزارات وباحثين في عدة تخصصات، إنه وفق تجربتها على مدار 10 سنوات التي قضتها في مركز البحث كراسك، تبين أن البحث العلمي منذ عامين تقريبا بدأ في انتهاج مسار ذي جدوى أكثر فعالية على ما يعيشه المجتمع، حيث أصبحت هناك شراكة فعلية بين أصحاب القرار والبحث العلمي، و هناك ظواهر اجتماعية أصبحت تطرح إشكالات متعددة وهي بحاجة لدراسة، فهناك مشاريع المركز وفق الإستراتيجية المسطرة ولها جدوى على المجتمع سواء مباشرة أو غير مباشرة لأن هدفها هو خدمة المجتمع، وتوجد مشاريع “بحث- فعل” وتأتي بطلب من الوزارات أو المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية أو هيئات وطنية وهي أيضا لها جدوى، معتبرة أن هناك رهانات اجتماعية يجب التركيز عليها ودراستها كي يساهم الباحث في إيجاد الحلول، كما أنه يجب على الباحث والمؤسسة العلمية البحثية أن تجد آليات لتسويق المنتوج الفكري الأكاديمي البحثي، ومثلا على مستوى الكراسك يوجد تسويق وتثمين عن طريق مؤلفات المركز “مجلة إنسانيات ودفاتر الكراسك” وأيضا عن طريق خلية الإعلام والاتصال التي تسوق عبر مختلف الوسائل خاصة الوسائط الاجتماعية.
وأضافت محدثتنا أن السياسات العمومية عندما تكون غير مدروسة وغير محكمة قد تؤدي لمآلات أخرى، فصندوق النفقة كان هدفه الأساسي حماية المرأة المطلقة الحاضنة من التضرر، ولكن وقع تحايل من طرف المجتمع “وجدت حالات لسيدات قمن بالطلاق بالتراضي وتحصلن على النفقة وعدن لأزواجهن بزواج عرفي” حسب الباحثة التي أردفت أن هذا ما اكتشفته في عملها البحثي الميداني وهي عينات من حالات متعددة، فهي تشتغل حاليا على ظاهرة الارتفاع الكبير لحالات الطلاق بالجزائر، و عملية البحث أبرزت أن صندوق النفقة الذي تم إقراره في 2015 والمخصص لمساعدة المرأة المطلقة ماديا للتكفل بأولادها، تبين أنه منذ ذاك الحين بدأت أرقام الطلاق ترتفع وبالتحديد طلبات النساء للتطليق سواء بالخلع أو الطلاق بالتراضي الذي أصبح يتنامى في المجتمع، وعليه يجري البحث عن هذه العلاقة بين ارتفاع عدد حالات الطلاق وصندوق النفقة وهذا عمل علمي نتائجه ستكون مباشرة على المجتمع.
بن ودان خيرة
فحص الظواهر الاجتماعية في 16 إصدارا خلال 2022
تم خلال العام الجاري إصدار 16 مؤلفا منها 6 أعداد لمجلة إنسانيات، وهي منتوج أبحاث أنجزها باحثو المركز في السنوات المنصرمة وخاصة عامي كورونا، حيث يبرز مؤلف «المجتمع والجائحة» الذي تناول عدة جوانب من معيش الجزائريين أثناء فترة الوباء، حيث تناول مسألة «أزمة كورونا والعلوم الاجتماعية» و»النشاط التربوي والتعليمي في الفضاء الافتراضي» بالإضافة لمواضيع أخرى ارتبطت بأزمة «كوفيد 19» منها «نظرية المؤامرة» و»عولمة اللايقين ويقين العولمة» وجوانب مثل «الكتابة وسلطة الشخوص المتخيلة في زمن العزل والعزلة» و «أدبيات الأوبئة والأمراض في الثقافة الشعبية المغاربية» وأيضا «تحليل قصيدة الأستاذ لوسرة محمد حول كورونا»، ومواضيع أخرى متنوعة حول ذات الوباء وانعكاساته، وهي أعمال أنجزتها مجموعة من الباحثين،
وجاء في مقدمة الكتاب أنه جاء ليثمن التداول العلمي الذي بادر به مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك»، حول الجائحة وتأثيراتها على الجزائر والعالم، استنادا لقراءات وفرضيات أولية في الفترة الأولى من الوباء، كما نظم المركز خلال الجائحة أول ملتقى افتراضيا دوليا «المجتمع والجائحة» يومي 3و4 جوان 2020، وكان بالتعاون مع مركز فاعلون للبحوث في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية.ومن بين المؤلفات يجدر ذكر كتاب “الذكاء الاصطناعي المطبق على الشركة الجزائرية” و “الهجرة والمنفى” و جزئين من “سوسيوأنثروبولوجيا الديني في منطقة المتوسط”.للتذكير، صدر أول عدد من مجلة “إنسانيات” سنة 1997 بعنوان “العمل.. الأرقام والتمثيل” وتلاه العدد الثاني من نفس السنة بعنوان “المناطق المأهولة بالسكان” والعدد الثالث بعنوان “الذاكرة والتاريخ”، ومنذ ذاك الحين تواصل صدور المجلة بانتظام. ويفتخر المركز أيضا بالفضاء المكتبي المتمثل في مركز الإعلام العلمي والتوثيق الذي يضم أكثـر من 30 ألف دراسة على شكل مؤلفات ومذكرات تخرج وأكثـر من 90 مجلة متنوعة، وتوجد كذلك مكاتب للسمعي البصري مزودة بتقنيات حديثة للبحث والإطلاع على الوثائق الرقمية في مختلف الحقول المعرفية، ومزودة بمنصة للبوابة الوطنية للتوثيق الإلكتروني، ويتكون هذا الفضاء من طابقين وبه قاعتان للمطالعة مزودتان بأجهزة إعلام آلي، ويوفر كل طابق أماكن للطلبة الباحثين ويوفر لهم قاعدة معلوماتية للبيانات لتسهيل مهمة البحث عن المراجع.
بن ودان خيرة