* آمنة بلعلى
منذ عقدين ويزيد
مرّا كغمامتين صيفيتين
كنتُ مغمورة بلغة باردة ككرات الثلج
وحادة كسنّ الرّمح،
جمعتها على قلق من شتّى اللّغات والثّقافات،
مثلما يجمع ساحر أسراره
محاصرة بالنظريّة
والمنهج.. كنت..
مرهقة بأسراب المفاهيم والمصطلحات
كراهب يحمل صليبه
عبءٌ يقودني من بادية إلى أخرى
ومن قلقٍ إلى آخر
كلماته كقشّ يابس لا ماء فيه
لا لحظة للهمس فيه ولا للبوح
يترصّد أبواب الرّوح ويوصدها
يسجن المجازات
ورخام المعنى
وسحر الكلام
ويغرقني في الصمت
أتعبني الوضوح
صار لا طعم له ولا رواء.
الآن أفتح بابًا آخر للكلام...
وحين لمعت في خاطري نجمة
«قلتُ أصطاد القطا»
أُشرع أحرفي على الغامض والمجهول
أعيد أسئلتي الموغلة في الخفاء
أنشر أسمائي وصفاتي وأحوالي
أوقد ناراً في صمتي وغيابي
أشكّلُ لغتي عصافير
وفراشات وأنغاما،
ألهو بلغتي المخبأة في الظل
أدحرجها على أشرعة الرمال والشواطئ
أفرشها على مدارات هذا المدى
أنفث فيها من بوحي
ومن همسي
ومن عبء السنين.
هذه لغتي الأخرى.....
لغة يفيضُ منها الماء وتخضرّ في أسمائها الأشياء،
في كلّ حرف ظل،
وخلف كلّ قافية يقين.
ها لغتي الآن بأعين، وشفاه، وأصابع محنّاة
وحنجرة مليئة بالأغاني،
لغة تسير على مدارج الأوان،
كأنّ جناحها حرير،
كأنها اليقين ينحلّ في بياضه
وفي جبينها غدير.
يا مجازي الشهيّ...
يا سيد اللّغة ويا عتبة الكلام
كن لي ولا تغب.
من دونك لا صوت للصّوت ولا للألوان لون،
أيّها النّبي هذي لغتي تحيا من رفاتها
ومن رميم العابرين على المفاهيم
يا مجازي العظيم
أيّها المارد البهي
حين كشفنا عنك غطاءك
صار بصرنا حديدا
وُلدت نبوءة أخرى
و»سالت بالمطي الأباطح»
وُلد الشِّعر
والدين والموسيقى
والأسطورة والكرامة
واستوى الإنسانُ إنسانا
وحدث التجلّي
صار مفتوح العينين والشّفتين
نظر فرأى
فأحبّ وعرف فكتب.
يا صديقي المجاز...
حنانيك يا سيدي
يا سليل النبوات
يا ابن الكرامات
يا بهيّا شبيه المدى
يا عريس الأبد
هي ساعة مخطوفة منّي
غفوة لاحت بلا حلم
تقبّل عودتي
فهذي خطاي مثقلة بالضلال
إنني تُبت، فتُب علي.