الإنترنت أثر على المنظومة البيئية للثقافة والنقد
* نحتاج إلى نقاد يحرسون ميراثنا الأدبي والفني * بعض الباحثين يفتحون الطريق لتكريس ثقافة مبتذلة
في هذا الحوار الحصري الذي أجريناه مع البروفيسورالبريطاني رونان ماكدونالد بعد جهد جهيد وإلحاح شديد نظرا لضيق وقته وكثرة أشغاله وتنقلاته، حاولنا معرفة الدوافع التي قادته إلى تأليف كتابه بالغ الأهمية»موت الناقد»2007 الذي حظي بشهرة كبيرة في الأوساط الأدبية الغربية والعربية على حد سواء، حيث يظل هذا الكتاب إلى غاية الآن مرجعا متميزا من العيار الثقيل في مجال النقد الأدبي .
حاوره : رشيد فيلالي
في هذا الحوار الحصري الذي أجريناه مع البروفيسورالبريطاني رونان ماكدونالد بعد جهد جهيد وإلحاح شديد نظرا لضيق وقته وكثرة أشغاله وتنقلاته، حاولنا معرفة الدوافع التي قادته إلى تأليف كتابه بالغ الأهمية»موت الناقد»2007 الذي حظي بشهرة كبيرة في الأوساط الأدبية الغربية والعربية على حد سواء، حيث يظل هذا الكتاب إلى غاية الآن مرجعا متميزا من العيار الثقيل في مجال النقد الأدبي .
كما حاولنا استطلاع وجهات نظر البروفيسور ماكدونالد حول راهن النقد الحديث وتحديات الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي وتجاذبات أخرى مختلفة.
شغل البروفيسور رونان ماكدونالد كرسي جيري هيغينز للدراسات الأيرلندية بجامعة ملبورن في أستراليا بين عامي 2010 و 2015 كما شغل منصب رئيس كرسي أيرلندا للدراسات الأيرلندية الحديثة في جامعة نيو ساوث ويلز ، سيدني بأستراليا. وله مساهمات على نطاق واسع في الدراسات الأدبية الأيرلندية ، مع اهتمام خاص بالحداثة الأيرلندية والأدب الأيرلندي الأسترالي. لديه أيضًا اهتمام بحثي في مناهج القيمة الأدبية. من مؤلفاته المنشورة: «المأساة والأدب الأيرلندي» (2002) ، «مقدمة كامبردج لصمويل بيكيت» (2007) و»موت الناقد» (2008). كما تشمل المجموعات التي تم طبعها ونشرها أيضا» فلان أوبراين والحداثة» (2014) و «قيم الدراسات الأدبية: المؤسسات النقدية والأجندات العلمية» (مطبعة جامعة كامبريدج . 2015)
وفي عام 2021 ، شارك في تحرير عدد خاص من مجلة الدراسات الأدبية الأسترالية حول «استخدامات الأدب الأيرلندي الأسترالي»، وللبروفيسور رونان ماكدونالد عدة مشاريع بحثية أخرى يعكف على إتمامها حاليا نكتشفها ضمن هذا الحوار.
بروفيسور رونان ،هناك رواية لروائي ألماني شهير هو مارتين فالسر Martin Walser صدرت عام 2002 وهي تحمل عنوان «موت ناقد»Tod eines Kritikers) (وفي هذه الرواية ينتقد فيها فالسر بشدة الناقد الألماني الشهير مارسيل رايخ رانيتسكي Marcel Reich-Ranicki حيث وصفه بطريقة غير مباشرة بالمتجبر والمتسلط ، وكان الناقد الألماني رانيتسكي بالفعل رجلا صاحب مزاج سيء إلى درجة أنه في سنة 2005 مزق رواية غونتر غراس الحاصل على جائزة نوبل «حقل فسيح» أمام الملأ (في حصة تلفزيونية يتابعها الملايين !) وأثار يومها موجة واسعة من السخط، وفي سنة 2007 صدر كتابك المهم «موت الناقد» ، فهل هناك علاقة بين كتابك وهذه الحادثة؟ وهل عنوان الكتاب من وضعك أنت أم من وضع الناشر؟
هذه قصة شيقة فعلا لا بد لي من الاعتراف أنني لم أكن على علم بشأنها! بالنسبة لعنوان الكتاب فأنا الذي وضعته وقد نال إعجاب الناشر. ربما كنت أفكر خلاله في مقال رولان بارت «موت المؤلف» . كثير من الناس كانوا يظنون أن الكتاب يتعلق بلغز جريمة قتل وعليه أنا على يقين بأن كل شخص اشترى الكتاب بناء على هذا الأساس قد أصيب بخيبة أمل كبيرة! وإحدى القضايا التي ناقشتها في كتابي هي الصورة السيئة التي ارتبطت بالنقاد –الذين غالبًا ما يتم تمثيلهم على أنهم متعجرفون وغلاظ القلوب ، كما هو الحال في رواية فالسر.
في الفصل الأول من كتابك «موت الناقد» ناقشت ببراعة أفكار الناقد جون كيري John Carey « التي تضمنها كتابه» ما نفع الفن؟ What Good Are the Arts ?» وقد اتصلت من جهتي بالبروفيسور جون كيري لمعرفة رأيه فيما قلته أنت وما توصلت إليه من نتائج مقنعة، لكنه للأسف لا يستطيع الرد على أسئلتي لأنه يعاني من مضاعفات عملية استبدال مفصل الورك، ماذا تضيف في هذا المجال؟
حسب تجربتي الشخصية، يحدث أن يكون الدافع للكتابة أن تكتب «ضد» شيء لا توافق عليه. لقد اعترضت على بعض افتراضات البروفيسور كاري و اختلفت مع استنتاجاته، التي كانت متشككة بشكل جذري حول وجود «فن» أو صحة الأحكام القيمية عن جودة العمل الفني خارج الذوق الذاتي أو الشخصي. أتصور أن هذا الاستنتاج ، جاء بدافع من معاداة النخبوية anti-elitism، وبناء عليه ، فهو يفتح الطريق لثقافة مبتذلة تفتقر للعمق محورها الأساسي قانون السوق وتقودها وتشرف عليها الخوارزميات وتجانس أهداف الشركات، نحن نحتاج إلى النقاد لكي يكونوا أوصياء نشطين على ميراثنا الأدبي والفني ولا يخجلون من الدفاع عن جودته.
لقد ترجم كتابك «موت الناقد»إلى اللغة العربية عام 2014 وهي ترجمة جميلة وموفقة، قام بها المترجم الأردني فخري صالح،كما استقبل كتابك في عالمنا العربي بحفاوة بالغة، وهو إلى غاية اليوم يعتبر من أهم المراجع في مجال النقد الأدبي،هل فكرت في تأليف جزء ثان من هذا الكتاب الرائع تضيف له أو تحذف منه ما توصلت إليه خلال 16 عاما الماضية؟
لقد فكرت في ذلك، لكنني لم أتخذ أي خطوات فعالة لكتابة أشياء جديدة. شكرا على تحفيزك ! أنا متأكد من أنني سأحصل على استنتاجات مختلفة وسيكون لدي المزيد لأقوله وأضيفه. أعتقد أنني سأكون أقل تشككًا في الإنترنت وعالم المدونات الآن. يبدو لي أن هناك بعض النقاد والكتاب الخارجون من «شبه» العلوم الإنسانية ذوي أهمية، غالبًا لهم علاقة بالكتابة النقدية المطبوعة. وفي تصوري أن الإنترنت قد أثر بشكل كبير على المنظومة البيئية للثقافة والنقد، وسيكون لدي بالتأكيد الكثير لأقوله حول ذلك الآن أكثر مما كنت أفعله قبل 16 عامًا. أود أيضًا ، على ما أعتقد ، أن أضيف المزيد عن عودة ظهور المقال كجنس أدبي على الأقل في الفضاء الأنجلو ساكسوني والتطورات المثيرة للاهتمام فيما يسميه بعض الكتاب «النقد الإبداعي»(الأكاديمي) في الجامعة.
حسب تحليلك بروفيسور رونان، إذا افترضنا بأن الناقد الأكاديمي المتخصص قد توفي، وحل محله الناقد الهاوي والانطباعي الذي يتكاثر بطريقة سرطانية في وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات وفي الشبكة العنكبوتية عموما، فهل يا ترى يمكننا تعميم هذا الاستنتاج للقول بحتمية إعلان أيضا موت اللغوي وعالم الاجتماع والمحلل النفساني والفيلسوف وكل المختصين الأكاديميين في العلوم الإنسانية ؟
هذا سؤال يصعب الإجابة عليه. كما قلت للتو ، لا أعتقد أن الإنترنت في حد ذاته هو الذي قتل الناقد - هناك كتاب جيدون وكتاب مقالات ظهروا ، ضمن تسلسلات هرمية جديدة إذا أردت. ومع ذلك ، في الوقت نفسه ، يتيح الإنترنت وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي للجميع تجربة مثيرة ، وغالبًا ما يكون ذلك في مساحة صغيرة مسموح بها في أي تغريدة. لست متأكدًا من أن الوسيلة تخدم الفكر البشري جيدًا.
إن ثقافة الرسائل ذات العبارة الجذابة والمقاطع الصوتية تعتبر مستساغة وسهلة الهضم. أنا لست الشخص الوحيد الذي يقلق بشأن التحديات التي يواجهها محكمو الحقيقة ، والخبرة ، على طريق المعلومات السلس و فائق السرعة. إن نظريات المؤامرة تزدهر بفضل اعتمادها على المعلومات المضللة وتنتشر بسرعة بحيث تغمر البحث الدقيق أو التفكير البطيء والرصين المتداول. وكما قال الشاعر ويليام بتلر ييتس «الأفضل يفتقر إلى أي قناعة بينما الأسوأ / مليء بالعاطفة الجياشة». من الصعب عدم التفكير في هذه السطور أحيانا عند النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي. في الوقت نفسه ، أعتقد أن الإنترنت قد أتاح مجالات جديدة للفلسفة والتحليل النفسي وفي كثير من الحالات تظهر أفكار وتنتشر في المجال شبه الأكاديمي والتي تكون أكثر إلحاحا وطلائعية مما ينتج في الجامعات. لذا فالصورة معقدة ومتناقضة ومن الخطأ إلقاء اللوم على شبكة الويب العالمية فقط بخصوص الأمراض و العلل التي تأتي من قوى ثقافية واقتصادية عميقة.
هل هناك كتب نقدية مهمة تنصح بقراءتها ولا تقل أهمية عن كتابك «موت الناقد»؟
أعتقد أن كتابًا حديثًا لجون غيلوري John Guillory بعنوان «احتراف الأدب Professing Literature « (2022) هو التحليل الأكثر أهمية في مجال الدراسات الأدبية لهذا الجيل، وقد تم استعراضه على نطاق واسع.
هل لنا أن نعرف ما هو المشروع الذي تعكف على إنجازه حاليا؟
-لدي عدد من المشاريع أنا بصدد القيام بها في الوقت الراهن، حيث أعمل مع البروفيسور سيمون ديورنغ Simon During في مشروع ممول (من قبل مجلس البحوث الأسترالي) حول اللغة الإنجليزية: «تاريخ اختصاص 1920-70» ، وهو مسح تاريخي أكثر تعمقًا للمواد التي يغطيها كتاب «موت الناقد». كما أشتغل أيضًا على مشروع اللغة الأيرلندية في الأدب الأسترالي.