الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

إستراتيجية لتكريس التاريخ و الانتماء الهوياتي

- دار العجب - .. ذاكرة وهران تنفتح على الأجيال الجديدة

عادت مؤخرا، الحركية بقوة إلى متحف أحمد زبانا بوهران، حيث مكنت برامج و أنشطة المؤسسة في الأشهر الأخيرة من مضاعفة استقطاب الجمهور، وذلك تماشيا مع الإستراتيجية التي وضعتها الإدارة الجديدة لتعزيز دور المتحف اجتماعيا و ثقافيا، من خلال التركيز على بناء أجيال متمسكة بأصولها وانتمائها، خاصة وأن هذا الفضاء زاخر بالشواهد التي يمكن أن تساعد على ضبط البوصلة التاريخية و الهوياتية والثقافية.

بن ودان خيرة

و يسعى القائمون على المتحف، إلى تغيير الفكرة النمطية التي ترتبط بهذه المؤسسة و تكرس الاعتقاد « بأنها  مؤسسة جامدة لا يوجد فيها أكثر من حراس يحرسون بعض الأشياء القديمة»، حيث تعتمد سياسة النشاط الجديدة على العمل الجواري و التقرب أكثر من المواطن و الاستثمار في فئة الأطفال، بوصفهم رجال ونساء المستقبل بالتنقل إلى المؤسسات التربوية لتوسيع معارف التلاميذ بخصوص هذا النوع من الفضاءات الثقافية.
أكثر من 73 ألف شخص زائر في سنة

زار المتحف الوطني أحمد زبانا بوهران، خلال السنة المنقضية، 73575 شخصا من مختلف الأعمار، وكان عدد الأطفال والمراهقين هو الأكبر، وهذا ما يترجم  نجاح الإستراتجية المسطرة لأجل مضاعفة الاستقطاب و المبنية بشكل كبير على استهداف هذه الفئة من المجتمع.
 وقد بلغ عدد الأطفال الذين زاروا المتحف خلال ذات الفترة 14292 زائرا، يضاف إليهم 20443 مراهقا، فيما بلغ عدد التلاميذ المتمدرسين 3993 تلميذا، زاروا المتحف ضمن المجموعات المدرسية التي رافقهم فيها 631 مؤطرا تربويا، أما الطلبة الذين توافدوا على المكان فوصل عددهم إلى 1920 جامعيا.
و كشفت الأرقام التي تحصلت عليها النصر، أن المؤسسة المتحفية أحمد زبانا، استقبلت  64 وفدا رسميا، و 71 سائحا أجنبيا من مختلف الجنسيات، فيما تجاوز عدد الزوار من فئتي الكهول وكبار السن 32 ألف وافدا.
المتحف الوحيد وطنيا الذي يحفظ تاريخ الطبيعة

وحسب المدير العام هشام سقال، فإن متحف زبانا       هو الوحيد على مستوى الوطن الذي يضم مجموعة متحفية تتعلق بتاريخ الطبيعة، وهي مجموعة ثرية دعا إلى تثمينها، على اعتبار أن قوانين المتاحف حاليا تركز على جوانب التراث الثقافي أكثر، و قال إنه من المهم إعادة النظر في هذه الثروة و ضبط إطار تنظمي محدد لمتحف زبانا، يسمح بحفظ كل المواد الطبيعية الموجودة فيها و ترقية استغلالها.
 ويبرمج المتحف حاليا كما أوضح، بعض النشاطات للتحسيس بأهمية هذه المجموعة المتحفية الثمينة و الحاجة إلى حمايتها، حيث يجري في هذا الإطار، التحضير لملتقى وطني بالتزامن مع اليوم العالمي للبيئة، سيشارك فيه كل المختصين والمعنيين من قطاع الغابات، و الحظائر الوطنية و قطاع البيئة، وكل من له علاقة مباشرة بالطبيعة، و ينتظر أن تعكف إدارة المتحف بعدها على وضع منهجية خاصة لتثمين المحفوظات الطبيعية.
الرقمنة تحفظ التاريخ للأجيال القادمة

وأضاف المدير، بأنه وتماشيا مع سيرورة الرقمنة التي تنتهجها مختلف المؤسسات في البلاد، بأن تكون حوامل المادة المرقمنة والبرمجيات المستعملة موحدة عبر كل المتاحف الوطنية فإن متحف زبانا، يواكب هذا المسار ويسجل تقدما فيما يخص عمليات الجرد ومحتويات ومنجزات المتحف مبرزا، أنه عمد منذ توليه لإدارة المتحف إلى توثيق كل ما يتعلق بالبحث العلمي، من خلال تثمين وإبراز أعمال وإنجازات إطارات المؤسسة، وذلك عن طريق توثيق توصيات و مخرجات كل الملتقيات و الندوات و الأيام الدراسية والنشاطات مختلفة، التي يتم احتضانها و ذلك بهدف إثراء رصيد مكتبة المتحف، كي تتحول إلى نتائج هذه النشاطات إلى مادة مرجعية لمساعدة الطلبة والباحثين في إنجاز بحوثهم العلمية و الأكاديمية.
وقال سقال، إن المتحف هو ذاكرة المجتمع التي تختزن كنوز التراث المادي واللامادي، و ما يميز متحف زبانا بوهران، هو توفره على مواد تؤرخ لحضارات متعاقبة على الجزائر وعلى بعض دول إفريقية كذلك، مشيرا إلى أن هذه الكنوز يجب أن تعرض أمام الجمهور بشكل جذاب يثير الرغبة في معرفة المزيد، خاصة بالنسبة للأطفال لأنهم مستقبل البلاد، وهم بحاجة لأن يتعرفوا على التراث الذي تترجمه المجموعات المتحفية على اختلافها.

 وأوضح، أن هناك اهتماما بالغا بحماية و حفظ وصيانة هذه المجموعات، وذلك بإسناد المهمة لمختصين في مختلف المجالات يتوزعون عبر مصالح منها، ترميم التحف و الجرد و التنشيط الثقافي و البحث العلمي، مردفا بأن التوظيف في المتحف ليس عشوائيا، بل يتم وفق معايير لانتقاء المتخصصين حسب ما تقتضيه مهامهم داخل المؤسسة، وعليه فقد ضبطت استراتيجية جادة لتحسين استغلال الموارد البشرية الموجودة .
ورشات رسم للأطفال
و من بين أهم النشاطات التي برمجها القائمون على المتحف ورشة رسم للأطفال، ويعد النشاط امتدادا لنشاط ورشات الرسم والتلوين الخاصة بتلاميذ المدارس، الذين يزورون المؤسسة دوريا وحتى الأطفال الذين يرافقون أولياءهم. تشرف علي  الفعالية المنشطة الثقافية وفاء أورمضان التي أوضحت في حديث مع النصر، أن الورشات تعقب جولة التلاميذ داخل المتحف، حيث يتعرفون على كل التحف، ثم يتوجهون نحو ورشة الرسم ويرسمون أي قطعة من المجموعات المتحفية  شدت انتباههم أو علقت صورتها بأذهانهم.

وأضافت وفاء، أنها ترافق الصغار و تزودهم بمعلومات عن التحف وعن تقنيات الرسم وكيفية استعمال الألوان وغيرها ذلك، لتسهيل نقل ما علق بمخيلتهم من تفاصيل وتجسيدها في لوحات فنية، وأشارت، إلى أنه غالبا ما يرسم التلاميذ التحف والمعروضات التي تتزامن مع إحياء مناسبة ما، أو يعيدون تصوير ما أعجبهم كل حسب ميولاته، وكثيرا ما يفضل الأطفال المجموعة الطبيعة التي ينبهرون بها، كون الحيوانات المعروضة تختلف عن حيوانات الحديقة، حيث توجد أنواع منقرضة تثير كثيرا من التساؤلات و الرغبة في التعرف عليها أكثر، كما يرسم الأطفال الأدوات والألبسة والأواني التي ترمز للعادات والتقاليد والهوية والتاريخ وتعكس الحياة اليومية للأجداد.
الحقيبة المتحفية تذكرة تلاميذ مناطق الظل
من جانبها، أضافت نادية بلعادل، رئيسة قسم التنشيط و الورشات البيداغوجية و الاتصال بالمتحف، بأن هناك نشاطا يعرف بـ « الحقيبة المتحفية»، و يتم بالشراكة مع مديرية التربية، و يتمثل في نقل المتحف إلى تلاميذ المناطق النائية الذين تتعذر عليهم زيارة هذه المؤسسة الثقافية.
 وتتمثل الحقيبة المتحفية في عرض ضوئي عبر شاشة كبيرة، يقدم تعريفا للمتحف، و رحلة داخل مقر المتحف تنقل المشاهد إلى حقب تاريخية مختلفة،  وتتيح له فرصة الاستمتاع باستكشاف المؤسسة و مجموعاتها المتحفية الغنية، وتعتبر هذه العملية حافزا لاستقطاب الزوار من الأطفال لأجل إثراء معلوماتهم و اكتساب ثقافة زيارة المتحف.
وأكدت محدثتنا، أنها لمست خلال الخرجات التي تشرف عليها، شغفا كبيرا لدى التلاميذ للتعلم أكثر عن التاريخ والتراث وكل مصادر الهوية الوطنية، وذلك ما تعكسه الأسئلة التي يطرحونها أثناء وعقب العروض الضوئية مضيفة، أنه نظمت منذ بداية السنة الجارية، عدة خرجات نحو مناطق نائية بالتنسيق مع مديرية التربية، مع جمع تلاميذ مدرستين ابتدائيتين ومتوسطة في مكان واحد، حتى يتسنى لأكبر عدد من الأطفال الاستمتاع والاستكشاف، وقالت، إن التجربة حفزت العديد منهم، ودفعتهم إلى زيارة المتحف فعليا رفقة أوليائهم.

وإلى جانب هذه الخرجات، تنتقل الحقيبة المتحفية إلى فضاءات أخرى تزامنا مع المناسبات، بما في ذلك إحياء يوم الشهيد، الذي كان بإحدى الإقامات الجامعية أين تعرفت الطالبات على كنوز متحف زبانا و حركيته وأهميته، على اعتبار  أن المتحف يوفر للطلبة مادة علمية من شأنها مساعدتهم على إنجاز أعمالهم الأكاديمية.
«دار العجب» مازالت مثيرة
كان يطلق على متحف زبانا تسمية «دار العجب» قديما بفضل تنوع معروضاته، و قد تبين لنا خلال جولتنا فيه و تواصلنا مع الزوار، بأن تأثير السحر لا يزال قائما وأن المتحف لا يزال يثير انبهار المواطنين، نظرا لروعة مجموعاته، على غرار جناح تاريخ الطبيعة الذي يضم الفقريات و اللافقريات و مجموعات من الأسماك و الزواحف و الطيور و الثدييات، بالإضافة إلى مجموعة قشريات ورخويات وطحالب وغيرها من القطع التي يشرف على حفظها مختصون.
وفي ركن ما قبل التاريخ، ينبهر الزائر بمجسم يحاكي جانبا من واقع تلك الحقبة الزمنية، إلى جانب شواهد أخرى تسافر بالزائر إلى عصور قديمة، و تحدثنا معروضات قاعة الإثنوغرافيا،  عن عادات وتقاليد مختلف جهات الوطن، من خلال اللباس و الأواني و الأفرشة وغيرها من المعروضات، التي تعد جزءا من عناصر و رموز الهوية الثقافية.
عرجنا خلال جولتنا، على مجموعة التراث الإسلامي  التي تميز بها المتحف كذلك، و هي مجموعة تضم مسكوكات نادرة تؤرخ لتاريخ العملات الإسلامية  وبخاصة النقود التي تم سكها في الجزائر، وأيضا الأسلحة وبعض الأدوات، كما يضم المتحف قاعة لرموز الحضارات الإفريقية والأمريكية والأسترالية وهذا ما يساعد الزوار على التعرف على عادات الشعوب الأخرى من مختلف القارات، وبعيدا عن نكهة التاريخ ونسمات التراث المادي واللامادي، تتزين قاعة الفنون الجميلة بلوحات وتماثيل متنوعة.

وبما أن المتحف يقع في وهران، فإن إحدى قاعاته تخزن كل ما يحاكي وهران القديمة، بينما تظهر هوية المدينة العصرية، من خلال البرنامج و النشاطات التي سطرتها إدارة المؤسسة للتعريف بها، على غرار نشاط مرتقب سيخلد ذكرى مرور 230 سنة على تحرير وهران من الغزو الإسباني، الذي عمر فيها لأكثر من 3 قرون  ويتعلق الأمر بملتقى سينشطه مختصون في مجالات مختلفة.
مبنى يناهز القرن من الوجود
تذكر المصادر المختلفة أن فكرة إنشاء متحف في مدينة وهران، تعود لجمعية الجغرافيا والآثار لمقاطعة وهران حيث تم في 5 مارس 1885، نقل التحف من مقر الجمعية إلى المستشفى المدني حينها، ثم إلى مدرسة بحي سيدي الهواري سنة 1891، و كان القائد الفرنسي المهتم بالآثار والنقوش «لويس دومايث»، مديرا للمتحف الذي حمل في اسمه بعد وفاته، وذلك نظيرا لما قام به في هذا المجال وحسب مصادر مختلفة، فإن المتحف جمع في عام 1882 أشياء مختلفة منها عملات (13 قطعة)، و آثار رومانية وإفريقية (16 قطعة)، و تحف تاريخ طبيعي و قطعتان من الفسيفساء الرومانية من موقع «بورتوس ماغنوس» ببطيوة.
و بدأت أشغال بناء المقر الحالي للمتحف سنة 1928، في فضاء خاص بقصر الفنون الجميلة وسط وهران، وتم تدشينه في بداية الثلاثينات من القرن الماضي وحمل في البداية تسمية صاحب الفكرة لويس دومايث وبعد الاستقلال أوكلت مهمة الإشراف عليه إلى المجلس الشعبي البلدي لغاية عام 1986، وكان الوهرانيون يطلقون عليه تسمية “دار العجب” لانبهارهم بمحتوياته   ثم انتقل التسيير لوزارة الثقافة، وأصبح يسمى المتحف الوطني أحمد زبانة،  وبموجب المرسوم رقم 86 - 135 المؤرخ في 18 رمضان عام 1406 الموافق 27 مايو سنة 1986 صار يحمل صفة متحـف وطني.
ب.خيرة

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com