غزّة.. نهاية السرديّة الصهيونيّة
الروائي واسيني الأعرج للنصر
يجب أن نحرر قضية فلسطين من الجغرافيا والقومية
*المقاومة كسرت أسطورة إسرائيل
قال الروائي واسيني الأعرج، إن ما يحدث في غزة اليوم حرب إبادة جماعية و تكرار لسيناريو الإبادات النازية، واعتبر وتيرة التقتيل سابقة في تاريخ الحروب، ولذلك فقد بات من الواجب إعادة صياغة مفهوم القضية الفلسطينية، وفق قاموس إنساني أوسع يتعدى البعد القومي أو المحلي، لأن إقناع العالم يستوجب لغة أشمل، مضيفا أن تضامنه مع الضحايا و مع المقاومة متعدد الأشكال صوتا وحبا وكتابة.
هدى طابي
واسيني الذي حل ضيفا على قسنطينة، في إطار فعاليات الملتقى الأدبي الدولي أحمد رضا حوحو، بدار الثقافة مالك حداد، قال للنصر، إنه ابن الثورة وقد ولد خلال معركة التحرير الجزائرية، و لكنه لم يقرأ يوما أو يشهد حربا بمثل هذه الوحشية التي تلتهم الحياة في قطاع غزة وتستبيحها في الضفة الغربية بشكل غير مقبول، وحتى وإن تشابهت الحروب كما قال، إلا أن ما يحدث إبادة معلنة ضد شعب أعزل يحرق يوميا بآلاف الأطنان من المتفجرات التي تحملها القنابل، وكلنا نعلم ، أن المدنيين الأبرياء هم من يبادون في هذا العدوان، لأن المناضلين ليسوا في البنايات بل يرابطون خارجها.
صاحب « سوناتا لأشباح القدس»، قال إن التنديد بما يحدث مسؤولية كل إنسان أيا كانت خلفيته، وأن التضامن العالمي الذي يشمل بشرا من مختلف الأطياف بمن فيهم يهود داخل إسرائيل نفسها، يمنح القضية بعدا أعمق، ولذلك فمن غير الممكن السكوت على الإبادة أو تعريفها بشكل آخر، أو تجاوز الحديث عنها في الفعاليات الأدبية، بل إن التطرق للمقاومة في مثل هذا التوقيت مهم جدا وذو رمزية كبيرة.
المثقف العربي لم يسكن للصمت رغم مواقف الرسميين
و نفى المتوج حديثا، بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون و الآداب، أن يكون المثقفون العرب قد انسحبوا أو مارسوا ويمارسون الصمت منذ بداية العدوان، بل يرى بأن هناك تفاعلا تعكسه التصريحات والنشاطات والمنصات التفاعلية أيضا، مشيرا إلى أنه ورغم اختلاف الرؤى على المستويات الرسمية، بالنظر لانغماس بعض الدول كليا، و تبني دول أخرى لوجهات نظر مغايرة، فإن الشعوب العربية مندمجة كليا، وهو اندماج بدأ ينسحب على شعوب العالم ككل، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بسبب ما يحدث من ظلم، كونها قضية إنسانية لا يقبل أن تصنف في خانة ضيقة.
وأضاف الروائي، أن ردود الأفعال العالمية أمر طبيعي، في ظل ما وقع وما يحدث من إبادة على مرأى من الجميع، و تجاوز لقوانين الأمم المتحدة، أظهر إسرائيل بصورة كيان فوق النظم و الدول والقوانين، تزكيه أمريكا، بما يعكس نوعا من النزعة إلى إذلال الإنسان العربي ووضعه على الهوامش، وهو أمر مرفوض، مهما كانت الأسباب و الظروف، حتى وإن كانت الهزائم الخمس التي عاشتها الشعوب العربية، قد خلفت نوعا من الخنوع والضعف الذي تجلى بوضوح منذ السابع من أكتوبر.
واسيني الذي كتب عن الذاكرة والتشبث بالمكان في رواية « البيت الأندلسي»، قال إنه على الشعوب العربية أن تستخلص العبر، وأن تدرك أن إسرائيل ليست قدرا محتوما، بدليل أن مجموعة مقاومين لا تملك تنظيم الدولة ولا الدبابات ولا الطائرات والأسلحة التي تملكها إسرائيل، استطاعت أن تفرض نفسها وتلزم بإعادة النظر في المعادلات السابقة، فإسرائيل بعد شهرين كاملين، لا تزال عاجزة عن تحقيق نتائج ملموسة رغم قوة سلاحها.
وأكد الكاتب في معرض حديثه، أن العدوان يوجب رد فعل مماثل لما تقوم به المقاومة، التي تتعدد أشكال دعمها في نضالها لأجل التحرر حسبه، و يشمل الدعم حسبه الصوت و الحرف، فضلا عن التبرع للضحايا، كاشفا أن أبناءه يتبرعون للجمعيات الإنسانية المساندة لضحايا العدوان، وهي ثقافة قال إنه علينا أن نكرسها.
اتهامي بالتطبيع كلام فارغ
وحسب صاحب مملكة الفراشة، فإن اتهامه بالتطبيع غداة زيارته إلى الضفة الغربية سنة 2015، لا يعدو كلاما فارغا، فالمطبعون يزورون إسرائيل، مثلما فعل الطاهر بن جلون و بوعلام صنصال وآخرون، وهم أحرار كما قال، أما عندما تختار أن تذهب عن طريق البر و تعاني لأجل الوصول وتلبية دعوة فلسطينية مباشرة من رئيس الدولة ومن متحف محمود درويش، فإن ذلك يرفع عنك كل شبهة ولا يمكن أن « أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين»، كما عبر، مؤكدا أن زيارة هذه الأرض كانت حلما راوده منذ الطفولة.
ثم إن ما يختم النقاش حول هذا الموضوع في رأي الأعرج، هو طبيعة الزيارة و طريقتها وثبات الخطاب المناصر للإخوة في قضيتهم، فضلا عن ذلك، فإن مفهوم التطبيع تغير على حد قوله، و بات يرتبط بالاعتراف بإسرائيل، وهو ككاتب وكإنسان لا يعترف بدولة إجرامية تمارس القتل، مضيفا بأنه لا يهتم لما يقال، لأنه كتب روايات عن فلسطين، وذهب إليها وقام بواجبه تجاهها وانتصر وسيظل ينتصر للقضية، كما ناصر حركة الأسرى عبر تخصيص ريع روايتيه «مملكة الفراشة وسيرة المنتهى» لدعم أدب السجون.
فوجئت في نابلس
واسيني، قال إنه فوجئ خلال زيارته الأولى إلى نابلس ورام الله والقدس، بالكم الهائل من الجمهور المتابع والعاشق لأدبه، وبالرغم من أن إحدى أمسياته تزامنت مع حفل تتويج النجم محمد عساف بلقب « آراب أيدول»، و الأهمية التي كانت تكتسيها تلك المناسبة بالنسبة للفلسطينيين آنذاك إلا أن الحضور كان كبيرا جدا، ولذلك فإن الكتابة لا يمكن أن تنفصل حسبه، عن المقاومة لأجل تحرير هذا الشعب وهي جزء من القضية الفلسطينية، ومسؤولية تقع على عاتق كل مثقف إنساني أيا كان التيار الذي ينتمي إليه.
وحسب الكاتب فإن التزامه تجاه هذه الشعب وقضيته، هو ما دفعه لقرار إطلاق « مملكة الفراشة» من فلسطين، حيث وقع أول نسخة منها وسط حضور غفير، قال إنه جعله يدرك بعدا آخر للمقاومة وهو البعد الثقافي وكيف يصر الشعب الفلسطيني عليها رغم كل ظروف الشتات والحاجة والحواجز.
وقال إن من حضروا ندوته الثانية في مدينة نابلس، وكانوا بالعشرات، قدموا يومها حبا في الكاتب و في الجزائر بدرجة أكبر، لأن علاقة هؤلاء بأدب الشعوب المقاومة عميقة جدا، كعمق إيمانهم بالنصر وتعلقهم بالأرض والهوية، ولذلك يغطي المقاومون و الصامدون اليوم في غزة على كل الهزائم العربية، و يصنعون التغيير بقوة الصبر و بطريقة التعامل مع الأسير، معبرا بالقول بأن القضية صارت عالمية الآن، تحشد تضامن الجميع بمن في ذلك إسرائيليون و عبرانيون بالمعنيين اللغوي والديني، ولا يمكن أن تختزل في حيز ضيق بعد اليوم، وقد بات لزاما في رأيه، أن نقيس الناس من خلال أفعالهم.
مقاطعة معرض فرانكفورت كان لها أثر بالغ
الحاصل على جائزة كتارا للرواية، قال إن تضامنه مع القضية غير مشروط، لأنه مبني على هويته كإنسان ولذلك رفض حضور معرض فرانكفورت للكتاب، رفقة حلقة من المثقفين، بعد إلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شلبي، على خلفية أحداث طوفان الأقصى.
وقال واسيني الأعرج، إن المقاطعة أثرت نسبيا على المعرض خصوصا وأن برنامجه تضمن محاضرات عديدة بينها مداخلة له حول الترجمة إلى اللغة الألمانية، واعتبر الموقف الذي قام به رفقة مثقفين آخرين « أضعف الإيمان» و ردا صريحا على الانحياز الواضح لمدير المعرض للطرف الإسرائيلي، وهو انحياز غير مقبول إنسانيا، خصوصا وأن السياق العام للأحداث معروف ومرتبط باحتلال يتجاهله العالم بسبب تأثير اللوبي الصهيوني إعلاميا.
وأضاف الكاتب، بأنه أمام سيطرة هذه الجماعات على عصب الإعلام في العالم، فإن المثقف مطالب بتنوير العالم من خلال الكتابة والتعبير عن المواقف الثابتة عبر المنصات التواصلية أيضا.
متدخلون في الملتقى الأدبي أحمد رضا حوحو بقسنطينة
أدب المقاومة ساحة ثورية لصد العدوان
صدحت أمس، حناجر شعراء من الجزائر وتونس وفلسطين، بأبيات شعرية نقلت حال الفلسطيني الصامد على أرضه والمقاوم من أجل قضيته، رددوها في افتتاح فعاليات الملتقى الأدبي الشهيد أحمد رضا حوحو، الذي احتضنته دار الثقافة مالك حداد، تزامنا مع الاحتفالات بذكرى مظاهرات 11 ديسمبر.
وقد أبرز شعراء و كتاب شاركوا في الفعالية، تحول أقلام المثقفين على غرار الأديب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني، والأديب الجزائري رضا حوحو إلى سلاح في سبيل تنوير المجتمعات، و رافد للدفاع عن الهوية الوطنية و مقاومة المحتل الذي يشترك حسبهم، في الصفات نفسها عبر كل الأزمنة ومهما اختلفت الظروف وتغيرت الأمكنة.
وقالت الدكتورة ليلى لعوير، بأن توصيفات أدب المقاومة تشكلت منذ بداياته، في الممانعة والدعوة إلى محاربة الاحتلال وصد عدوانه، ثم أصبح فعلا إنسانيا يواجه العالم بالواقع الذي يريده صاحب الأرض، ليثبت رفضه لادعاءات المحتل، وأضافت لعوير بأن أدب الحرب أو الثورة يطرح أيضا، قضايا حساسة ويضعها في سياقها الثقافي والاجتماعي معبرا عن صراعات نشأت في ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية، تلتقي فيه أنساقها برؤية الكاتب واصفة حياة الفرد والجماعة وتنقل رسالة للمتلقي عادة ما ينتجها المناخ التصوري الذي نشأت فيه.
من جانبه، وصف الروائي التونسي نبيل قديش، الأدب بأنه مقاومة شرسة تمشي في خط متوازٍ مع المواجهة بالسلاح، ويمكن أن تساهم في تحقيق الهدف المنشود وهو تحرير الأرض الفلسطينية، وعقب بأن الحرب على غزة أثبتت ذلك بعد انتشار مئات المنشورات التي خاطبت العالم بلسان الحقيقة.
وأضاف قديش، بأن لأدب المهجر الفلسطيني حضورا قويا وملهما خارج فلسطين، وهو ما حملته مداخلته المعنونة بـ « حضور الوطن في الأدب» أين ركز على الرواية كما قدم شهادات لأدباء فلسطينيين يكتبون من بلدان الشتات حيث يكون الوطن أشد حضورا.
كما تطرقت مواطنته الأديبة التونسية، ميلاء صمود، للحديث عن المظهر الجديد للمقاومة الثقافية التي تتبنى خصائص البيئة الإلكترونية، خصوصا ما تعلق بالاعتماد على الصور و التوثيق، و اعتبرت أنه نوع من الأدب والفن يصب في الخانة نفسها وهي التعبير عن رفض الاستبداد.
الرمز لغة عالمية في الشعر الثوري
ولطالما كانت الكلمة أَحَدَّ من السيف، كما عبرت الأديبة التونسية، فالشعراء قديما كانوا حماة عرين القبيلة، إذ تباهي القبائل بشعرائها الأفذاذ وتفاخر بقصائدهم، وأوضحت صمود، بأن المدونات الأولى على جدران الكهوف والمعابد، سواء كانت مقروءة أو مرسومة مثل ملحمة جلجامش أثبتت بأن الشعر هو أول صنف أدبي وضع قوافيه وبلاغته في خدمة المقاومة، واصفا المعارك والمشاهد البطولية بجمالية تلامس القلب ناقلا الكلمات على الورق حافظا إياها في القلب.
وفي سياق متصل، أوضح الشاعر الجزائري شوقي ريغي، بأن الشعر الحديث أصبح يستغل الرمز في نقل رسائله، وبات لغة عالمية مشتركة تخاطب كل الأجيال، فضلا عن مختلف الجنسيات، وأعقب ريغي بأن الصور البلاغية تسهل على الجميع فهمها واستساغة معانيها، وأبعادها وأرجع ذلك إلى ارتباطه ببساطة الإنسان وتواجده في تركيباته الجينية كما أن تواجده في الموروث العالمي الأدبي والثقافي جعله يلامس الوجدان الجماهيري، لذلك تقتحم الرمزية أحيانا النصوص بسلاسة، وفقا لما قاله الشاعر، وتفرض مدلولاتها عليها لترسم في ذهن الإنسان تجارب مختلفة مستوحاة من المشاكل والأحداث التي مازالت تكرر نفسها.
رضا حوحو مثّل أدب المقاومة عالميا
واعتبر الروائي واسيني الأعرج، على هامش الملتقى الذي جاء تحت شعار «الثورة تاريخ والأدب مقاومة»، شخصية أحمد رضا حوحو، واحدة من الشخصيات المقاومة المهمة التي قدمت حياتها خدمة للثقافة، وأضاف واسيني، بأن رضا حوحو عمل على أن يكون حاضرا في الثورة من خلال قلمه وفكره مؤمنا بأهمية الكلمة في تغيير الذهنيات البالية وقال بأن حوحو، ورغم تواجده في الحلقة العربية، إلا أنه وكغيره من الأدباء الجزائريين آنذاك، كان يرى في اللغة الفرنسية غنيمة حرب يجب الاستفادة منها، وتوظيفها للرد على الآخر.
كما أضافت الدكتورة ليلى لعوير، بأن رضا حوحو يعد من الأدباء الجزائريين المميزين، الذين مثلوا أدب المقاومة عالميا قبل تحديد المصطلح بتفاصيل الثورة والنضال الجزائري، وأضافت بأن مقاومته الأدبية وكتاباته القصصية والصحفية، جرت إليه ويلات الاحتلال الفرنسي الذي جرعه كل أشكال العنف والظلم، باعتباره واحدا من رافعي لواء الهوية الجزائرية الإسلامية.
وأفادت لعوير، بأن نظرة الأديب كانت قائمة على أن الثورة نتاج نهضة اجتماعية وتحصيل فكري اجتماعي، لا ترتبط بالحاضر وحده وإنما تتعداه إلى المستقبل، لذلك فقد عمل على تفعيل القلم المقاوم لتشكيل هذا الوعي من خلال النشاط الإبداعي، فضلا عن اطلاعه على أدب الأمم الأخرى والحركة الفكرية فيها لاسيما فرنسا، التي نهل من ثقافتها، وفقا لما قالته الدكتورة، مما عزز لديه ملكة التحليل المادي والمعنوي للمجتمع بأبعاده المختلفة.
وقد عالج رضا حوحو قضايا الوطن والوطنية، ونبه لمخاطر الاحتلال فضلا عن تنميته الحس الاجتماعي والوطني، مركزا على مبدأ الاستعلاء بالعقيدة والتحرر من عقدة الدونية والإذعان للمستعمر، ونقد التشوهات التي أصابت المجتمع الجزائري، كما تناول بطريقة فلسفية ساخرة المظاهر السلبية والتقاليد البالية التي تقف في وجه التطور، ومرر عبرها رسائل كشفت عن المخطط الاستعماري في محاربة البنية الفكرية، وقد لفت قلمه السيال، تقول الدكتورة ليلى لعوير، الاستعمار فضيق عليه وأعدم صوته ليكون شهيدا للكلمة.
الحرب على غزة لم تعجز الفن الصادق
وعلى ركح مسرح قصر الثقافة مالك حداد، قدم فنانون عرضا أوبيراليا بعنوان «الثائرون» من إنتاج ورشات الدار، سلبت فيه جمالية الفن الأنظار متفوقة على الخراب الذي طبع الديكور في محاكاة لصور الحرب.
وفي هذا السياق قال مؤلف السينوغرافيا والموسيقى التي صاحبت المشاهد، نور الدين مزهود، بأن دلالة العمل عميقة، حيث حاول بطريقة فنية نحت الحطام المستوحى من الدمار الذي خلفه القصف على المنازل في قطاع غزة، ورغم طبيعة الموضوع إلا أنه حرص على إبراز البعد الجمالي والفني للمجسمات، حتى تبقى غزة جميلة في نظر من يسمع عنها ولو تساوت مع الأرض، وأضاف بأنه حاول توظيف كل مشاعره وخبراته في إنجاز اللوحة، واعتبر بأن الفن وليد المعاناة ويتغذى عليها وعبر الفنان بأن هول المشاهد التي تصلنا من فلسطين أعجزت الألسنة عن التعبير لكنها لم تعجز الفن الصادق عن محاكاتها، لأنها رسالته التي يجب أن يحملها لكل العالم.
إيناس كبير
رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين بالجزائر حسين أبو النجا
المقاومة أعادت تقديم القضية للعالم والسردية الصهيونية تصدعت
قال أمس، رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين بالجزائر، حسين أبو النجا، إن الحديث عن المقاومة لا يمكن أن يستثني الأدب، و الأدب المقاوم في فلسطين ثري ومعروف منذ بدايات القرن الماضي، و هو صوت الشعب و مثقفيه و قصة طويلة تروي تفاصيل القضية، مؤكدا بأن الرصيد الشعري الفلسطيني الذي ولد في غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، غزير جدا وهو خزان من الكلمات التي تحفظ ذكرى الشهداء و تتغنى ببطولات المقاومين.
واعتبر الأديب، الذي حاضر حول « الأدب الفلسطيني و المقاومة» خلال فعاليات الملتقى الأدبي الشهيد أحمد رضا حوحو، بدار الثقافة مالك حداد بقسنطينة، بأن الظروف التي يعيشها قطاع غزة و معه الضفة الغربية حاليا، تفرض الاهتمام أكثر بالأدب الفلسطيني، لأنه ترجمة لكل الوجع و تأكيد على جميع معاني الصمود، وهو الصوت الذي لا يمكن للرصاص إسكاته، مضيفا بأن القصيدة فرضت نفسها على كل الأصعدة و عادت لتتداول بقوة في المحافل وبين الشعوب.
وحسب ممثل الكتاب الفلسطينيين في الجزائر، فإن المقاومة تطلب القصيدة بجوانبها الفنية و عمق المضمون، لأنها شكل من أشكال الصمود والتحدي والاستمرار في ظل العدوان، الذي وإن طال فإنه سينتهي يوما وهي قناعة تكرسها كل كلمة و تتردد في كل بيت و تتغنى بها جميع القوافي، مضيفا أن القصيدة وأدب المقاومة عموما، عرفا انفجارا بعد طوفان الأقصى، خصوصا ما كتب ويكتب إلى اليوم في غزة، واصفا هذا الرصيد بالوافر جدا وقد أثرته حرارة المقاومة، فمع كل رصاصة ثائر تولد قصيدة أو خاطرة و يبدأ مخاض نص جديد فلا تموت كلمة إلا لتولد أخرى.
المتحدث، قال إن الأديب الفلسطيني في غزة، هو أيضا رجل مقاوم، و قد فرضت عليه الظروف ذلك، فحينا يشارك بالكلمة و يرفع بالبندقية أحيانا أخرى، ورغم استشهاد الكثير من الشعراء خلال الحرب الأخيرة، إلا أنه ليس من الغريب حسبه، أن يبعث شاعر من الموت و تغذي قصائده روح الصمود في رجال المقاومة، مؤكدا أن الشعراء و الكتاب في القطاع يكابدون الويلات ليواصلوا النضال بالكلمة، وهي مأساة يعيشها أيضا إخوتهم في الضفة الغربية، أين يحاصر الاحتلال الجميع ويقيد الحركة، وبهذا الخصوص علق أبو النجا قائلا : « إن الأديب و الإنسان الفلسطيني يعيش حصارين، الأول عربي والثاني إسرائيلي وكلاهما مر، وإن كان الحصار العربي أشد مرارة».
و تطرق الأديب، في سابق حديثه، إلى المساحة التي وفرتها الإنترنت للتعبير خلال الظروف الحالية، و قال بأن الشبكة العنكبوتية صارت المتنفس الوحيد للمبدعين في الضفة والقطاع، مثنيا كذلك على دور الجزائر في دعم الأدب والأديب الفلسطيني و معلقا « لحسن الحظ أن هناك الجزائر بلد الثورات والأدب و الثقافة أين يمكن للأديب والشاعر أن يعبر عن وطنه بكل حرية»، وقال إنها أرض لم تطلها أذرع اللوبي الصهيوني الذي يضيق الخناق على المبدع الفلسطيني ويمنعه من التتويجات في المنصات الأدبية العالمية، علما أنه حصار كان مفروضا منذ عقود وبلغ أشده منذ أحداث السابع من أكتوبر.
وعن هذه الأحداث، قال إنها كانت بمثابة جرعة الأوكسجين التي أنعشت القضية الفلسطينية، واعتبر بأن المقاومة وحدها استطاعت أن تقلب الموازين وأن تحدث التغيير من مسافة الصفر، حيث قدمت نفسها للعالم مجددا وبصورة أوضح وتمكنت من إسقاط القناع الصهيوني، وقد بدأ العالم يعي حقيقة القضية بعدما تصدع جدار الدعاية و تراجعت السردية الصهيونية.
هدى طابي
الكاتب والإعلامي الفلسطيني أيمن اللبدي للنصر
ما يحدث في غزة تطهير عرقي و هولوكست معاد
* الثّقافي يجب أن يكون مُتقدمًا على السياسي من حيث الإصرار على الكمال
يعتقد الكاتب والصحفي الفلسطيني أيمن اللبدي أنّ الّذي يحدث في غزة الآن هو محاولة تهجير وتطهير عرقي ومذبحة حقيقيّة وهولوكوست مُعاد. وحلقة من حلقات الحرب العنصرية الاِحتلالية المفتوحة على فلسطين منذ القرن الماضي، واِستكمالٌ لحلقات المُؤامرة الإستراتيجية ضدّ الشعب العربي الفلسطيني وأرضه ومقدراته.
حاورته/ نـوّارة لـحـرش
كما يقول في هذا الحوار أنّ الخطاب الثقافي الفلسطيني كان قبل فترة مشغولاً بعملية المُزاودة على السياسي دون أن ينتبه لأهم المركبات التي تُشكل مهمته العاجلة. وهو يظن أنّ المثقف وبحسب موقعه الجغرافي وليس بحسب أي عامل آخر في الأساس، وأثناء معركة غزة الآن وما بعد السابع تشرين غير موجود أصلاً أو في صدمة.
كيف تقرأ الّذي يحدث الآن في غزة؟
- هناك الّذي حدثَ من غزة وهناك الّذي يحدث في غزة. الّذي حدثَ من غزة هو اِستجابة لله ولرسوله ولقدسه ولحرائر بيت المقدس ولرهبان بيت المقدس يوم 7 تشرين، مجموع ما سبقَ وصل أسماع الدنيا قاطبةً بمسلميها ومسيحييها، ماذا حدث؟ لا شيء، ولم تستجب إلاّ غزة. ماذا فعلت غزة في هذا اليوم؟ قامت باِسترداد حق هؤلاء جميعًا وثأرت لشرف القدس والمقدسات وفتح الطريق ليس فقط إلى صون المسرى، بل وإلى اِسترداد الأسرى، وبعضهم أفنى في سجون الفاشست نصف عمره أو أكثره.
سيقول لكِ كثيرون من مُمتهني السياسة والعسكر والعلوم الاِجتماعية لاحقًا الكثير عن حجم ما فعلت غزة يوم 7 تشرين مقارنةً مع حجم غزة نفسها وحجم أخوات غزة الموضوعات في الهامش، سأترك ذلك لهم واختصاصهم فهم أدرى.
أمّا الّذي يحدث في غزة الآن بالصورة المُجرّدة فهو مُحاولة تهجير وفصلٌ جديد في 2023 لما حدثَ عام 48، تطهيرٌ عرقي ومذبحة حقيقيّة وهولوكوست مُعاد ويمكنك وصفه أيضًا باِنتقام مفتوح، كلّ ذلك مُمكن الركون إليه والتدليل عليه بمئات الأدلة.
هذه حلقة من حلقات الحرب العنصرية الاِحتلالية المفتوحة على فلسطين منذ القرن الماضي، هو اِستكمالٌ لحلقات المُؤامرة الإستراتيجية ضدّ الشعب العربي الفلسطيني وأرضه ومقدراته، وجزءً من الحرب الاِستعمارية على المشرق العربي والإسلامي، باِختصار هو حلقة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، نحنُ ليس لدينا شك في نوايا العدو، وليس لدينا أوهام في تغيرات إستراتيجية على الكيان الصهيوني المُغتصب نحو التنازل عن صلب النظرية الصهيونية التي لا تزال فاعلة، هؤلاء رسموا ليس سيرسمون، هم رسموا خارطة لهم تضم لبنان ونصف سورية ونصف العراق والأردن وثُلث مصر وثُلث السعودية، غزة تنوبُ عن كلّ هؤلاء اليوم في حرب العدو وللصورة أن تقول من يُشارك غزة في نيابتها ومن لا يأبه.
اليوم تشكّلت وأثبتت عند الفلسطيني عدة يقينيات، للأسف حول تنازل الأمة عن شرفها وكرامتها وحريتها ودورها الحضاري والإنساني من بوابة فلسطين، العالم لم يتعلّم بعد أنّ اِستقراره في العدالة ولو النسبية في فلسطين لتمكين هذا الشعب من حقوقه الوطنيّة العَادِلة والمحقة والمشروعة وهي أدنى المُمكن، وأنّ الحرب والكوارث والإرهاب فيه مستمر طالما فلسطين لم تحصل على حقها، المعركة فُرِضت علينا، ومع ذلك لن نتخلى يوماً عن واجبنا ولا عن دورنا التاريخي والقومي والوطني والإنساني، نحن سنبقى على ذات الرسالة وذات المعنى الّذي أراده زعماء حقيقيون لشعبهم من الزعيم الراحل أبو عمار لبني شعبه في شعاراته الخالدة، نحن مشاريع شهادة، نحن نذهب للقدس شهداء بالملايين، إلى الشيخ الشهيد أحمد ياسين، نحن نريد أولادنا، نحن نريد قدسنا ومساجدنا.
ومع كلّ ذلك نحن نرى الضوء في آخر النفق، ولو أنّ كلّ الأنفاق تُستهدف اليوم، فهذا الضوء روحي وليس فيزيائي، والعدو يجهل هذه القيمة، نحن سنُقاتل ونُقاوم في الوقت الّذي نبني ونعيد البناء، سنصمد ونُطالب بحقنا عبر الأجيال، ولن نرفع للعدو راية اِستسلام من أي نوع، فالألوان فقدت معناها في فلسطين، اليوم فلسطين لونها أحمر، هذا ما يحدث في غزة.
لا يمكن التنظير أو العمل الأكاديمي لنفرق في مستويات النظر للخطاب السياسي الفلسطيني
كيفَ تقرأ مستوى الخطاب السياسي الفلسطيني في خضم هذه الحرب، كإنسان فلسطيني أوّلاً وكمُثقف وصحفي ثانيًا؟
- بأمانة، لا يمكنني أن أكون جالساً للتنظير أو العمل الأكاديمي لأفرق في مستويات النظر لهذا الخطاب، أنا سأعطيكِ محصلة هذا جميعه، كيف تنظر جموع الشعب الفلسطيني لِمَا يحدث، فهذا هو الأصدق وهذا هو ضمير الشعب الّذي يريد أن يرى وحدة أداء وتناغماً فيه... يريد أن يسمع مفردات معاني حرمة الدم الفلسطيني وقيمته، يريد أن يرى الأهداف السّياسيّة والبرامج السّياسيّة أمامه مقرونة بجدول أهداف حقيقيّة مُتراكمة قابلة للتطبيق، يريد أن يرى الضوء في آخر النفق... هذا ما يحضر بقوّة اليوم هنا، فتحت غزة حرب تحرير حقيقيّة وليس حروب التحريك والمناورات العربيّة المعروفة.
هؤلاء ما زالوا يُردّدون قصة حل الدولتين، لا حلول في فلسطين التّاريخيّة إلاّ تحطيم هذا الجسم الغريب بالكامل أي الكيان الصهيوني وترك الشعب العربي الفلسطيني يُقرّر مصيره، وطرح بعضهم الاِستفتاء، فليكن لكن مع تعريف الفلسطيني بأنّه الّذي أقام في فلسطين حتّى خروج آخر جندي تركي بعد الحرب العالمية الأولى هو ونسله، لأنّ بريطانيا المجرمة هي التي أحضرت هؤلاء ونسلهم وهم ليسوا فلسطينيين ولن يكونوا.
الفلسطيني الفرد اليوم غيّرته غزة بالكامل، وليس المُثقف ولا الإعلامي فقط، الهيئات الدوليّة والعالم بكلّ منظماته الصحيّة والحقوقيّة والأخلاقيّة سكتت عن اِغتيال واستهداف الأطفال والنساء وتدمير المُستشفيات والمدارس والتجويع وقطع الماء والدواء والغذاء والكهرباء، أيُ وحشيّة هذه وأيُ عالمٍ نعيش فيه؟ هذا عالمٌ كاذب فَقَدَ كلّ منظومة ما زينه لعقود عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والقانون الدولي والإنساني وما بينهما. نحنُ نعيش حالة جديدة اِسأليني عنها لاحقًا.
بالمناسبة حتّى الساعة آلاف الأطفال والنساء بِمَّا فيهم الخُدج والرُضع وأكثر من77 من الإعلاميين والصحفيين تَمَّ اِغتيالهم وأسرهم بالطائرات الأمريكانية والإنجليزية والصهيونية وأكثر من 280 من الطواقم الطبيّة والدفاع المدني استهدفت المساجد والكنائس والمدارس والمُستشفيات والمخابز ومحطات الماء والطاقة وباِختصار استهدفت الحياة علنًا وعلى مدار الساعة. أيُ ثقافة وأي أخلاق وأي عالم نحن فيه الآن؟
الخطاب الثقافي أثناء معركة غزة الآن وما بعد 7 تشرين غير موجود أصلاً أو في صدمة
وماذا عن مستوى الخطاب الثقافي، هل يتوافق مع الخطاب السياسي في هذا الظرف الراهن المأساوي والدامي إلى حد اللا معقول؟
- إنّها الحسرة الدائمة مع هذا التشظي وبعض النفاق التام أحياناً. الخطاب الثقافي الفلسطيني كان قبل فترة مشغولاً بعملية المُزاودة على السياسي دون أن ينتبه لأهم المركبات التي تُشكل مهمته العاجلة. طبعاً بحسب موقعه الجغرافي وليس بحسب أي عامل آخر في الأساس. أثناء معركة غزة الآن وما بعد 7 تشرين أظنه غير موجود أصلاً أو في صدمة.
سأقول لكِ أنّ أهم المُهمات اليوم ثقافيًا هي أوّلاً الاِندفاع إلى جانب المُجاهدين في معركة تحرير الشعب الفلسطيني التي بدأت يوم 7 تشرين، ثم الإصرار على الوحدة الوطنية وصيانة صلب جدار الدفاع عن ثوابت الإنسانية الفلسطينية ودورها الحضاري والإنساني، دورها هو إعادة إنتاج مكونات الاِستقطاب فوق الفصائلية والزمانية والراهن، إعادة التأكيد على ما يجمع لا ما يُفرّق، إعادة روح الأمل والصمود وبثها في المُستقبل، إعادة الإصرار على قيم وطنية ثقافيّة حقيقيّة تتمثلُ في الإصرار على الحياة وعلى قيمة الحياة حتّى في الاِستشهاد، نحنُ يجب أن يكون خطابنا واضحاً ولغتنا واضحة، لا بكائيات ولا ندبيات، وفي نفس الوقت لا اِنتحاريات أيضاً، لا ضرورة للبقاء في المُحاكاة الفونوغرافية والفوتوغرافية والكاليغرافية للحالة، فالفضائيات تَفْتَتِحُ بزنسها من هذا، الثقافة عملها اليوم شيء آخر، عملها هو اِلتقاط صورة ومعنى البناء على الأمل، لا مقولات حتى آخر قطرة اليوم ولا يهم الغد... هُناكَ طوباوية مقبولة، وهُناكَ تطهرية عند بعضهم زائدة عن الحد تُزاود حتّى على ملائكة السّماء وتُريد أن تقود موكب اِنتحاري باِسم الثوريّة، الثوريّة أن تجعل قرار الثورة عند الجماهير قناعةً ويقيناً للمُستقبل ولحياته واليوم ومُتطلباته وليس أن تجمع الثلج مع النّار وتقول أنا ثوري في مقدمة الجماهير، يجب أن تكون قيادة الجماهير حكيمة، نعم لإعطائها صورة أمينة عن دورها وما ينتظرها، ونعم لتنويرها ومصارحتها، ونعم لمُراقبة حركة الحدث من حولها، ولكن أيضاً للحرص عليها وهي تسير، الثقافة هي الأم الرؤوم إن كانت السياسة هي الأب في الدفاع وجلب المصالح ودرء المفاسد، فالثقافة هي الأمل وهي الحنو وهي الصدر النبيل والصوت الّذي يجب أن يبقى مُتردداً في الأذهان والعقول والقلوب معاً، إنّها الأم وخطابها يجب أن يكون خطاب الأم في حبها ورعايتها وشراستها عند اللزوم.
الثقافة الحقة التي في مصلحة القضية لا تخدمها المُمايعة
كيفَ هي علاقة المُثقف الفلسطيني بالسياسي، هل هُمَا على نفس الخط أم لكل جبهة خياراتها المُتضادة واللاتوافقية حتّى ولو كانت على حساب القضيّة؟
- لا يجب أن يكون ذلك أصلاً هو القاعدة. الثّقافي يجب أن يكون مُتقدمًا على السياسي من حيث الإصرار على الكمال، على الحق التام، الخطاب الثقافي الفلسطيني لا يجب أن يتنازل ذرة ولو لمرّة واحدة عن الرواية الفلسطينية بكلّ تفاصيلها الإنسانيّة والحضاريّة.
قبل 7 تشرين أجبتك كما أثبت هنا أنّ في الخطاب الثقافي الفلسطيني فلسطين كلها وكلّ تُرابها للفلسطينيين، في الخطاب الثقافي، الفلسطيني سيُقاوم إلى الأبد حتّى نيل حقوقه كاملة، بِمَّا فيها تعويضه عن كلّ إفرازات مراحل الظُلمة والقهر التي مُورست بحقه دولياً. فالخِطاب الثقافي لا شأن له لا بمرحلية نضال ولا بعملية المُمكن، الخطاب الثقافي فن التمام والصدق والجمال والخير والحق. وهكذا يكون المُثقف الوطني، وحتّى يكون كذلك يجب أن يكون بإرادة وباِستقلال ودون إمكانية الاِستخدام أو إمكانية التأثير عليه في خطابه من باب اِحتياجاته الإنسانية والمعيشية.
هنا المُثقف الفلسطيني العضوي، لا يقول لي أحدهم أنّ المُثقف الفلسطيني الوطني والعضوي هو الّذي يقول ويفعل ما يُؤمن به في مصلحة الأمة من وجهة نظره في موقعه من تراتبية العلاقة داخل منظومة مؤسساتيّة مُعينة، ولا حزبيّة، فقط بل هو الّذي يفعل ذلك وهو غير مُرتبط بأي حاجة إنسانية أو معيشية أيضاً في هذه العلاقة. عندهَا تكون هذه الصياغة صحيحة فعلاً، غير ذلك هي ناقصة بدرجة اِختلال هذه الشروط.
طبعًا الصور الأخرى تقود إلى جوابك الشرطي في السؤال، طبعًا بغير ذلك قد يكون هنالك نماذج تذهب حتّى هذا ولو كانت على حساب القضيّة، وبحسب درجة الاِختلال. لكن من العدل أن يُقال أنّ هنالك علاقات فوق الاِرتباطات المُؤسساتيّة بكلّ المعاني، هنالك نماذج كانت أمثلة حتّى وهي في درجة اِختلال بِمَّا أراه من معايير هنا، لدينا ماجد أبو شرار ولدينا كمال ناصر ولدينا غسان كنفاني وغيرهم في مواقع ثقافيّة وسياسيّة في ذات الوقت وضمن شروط ناقصة في مسألة ما سبق قوله ومع ذلك كانت طلائعية ورسولية، لكن ليس دائمًا هذه هي القاعدة.
حينمَا تجدين المُثقف الوطني الّذي يُجهّز نفسه أو يُحضّر نصه فقط ليقول لا قبل أي حدث مهما كان للسياسي، بل يستطيع القول: لا عندما تكون ضرورة ونعم عندما تكون لازمة حتّى لرأس الهرم السياسي عندها العلاقة نظيفة وعضوية وفي مكانها. طبعًا الّذي يرهن كلمة النعم دائمًا هو مثل الّذي يرهن كلمة لا دائمًا، كلاهما في حالة (مُمايعة) والثقافة الحقة التي في مصلحة القضية لا تخدمها المُمايعة.
بعد السابع تشرين الثقافي والسياسي عليهما أن يتبعا أقدام المجاهدين حيثُ هناك الرؤيا والرؤية. برأيك ما المطلوب من هذه الجبهات الثّقافيّة والسّياسيّة الفلسطينية؟
- باِختصار مطلوب منها أن تلحق نفسها وتلحق معركة شعبها وتتناغم مع اِحتياجات المعركة ثمّ بعد ذلك يمكنها أن تفعل لها نقداً ذاتياً ومُراجعة شاملة وشفافية وصراحة تامة، مطلوب تجديد قسم اليمين لفلسطين فقط، مطلوب حالة إدراك وتقرير، مطلوب خارطة خُطى للحاضر والمستقبل على أن يجري كلّ ذلك من أجل فلسطين وحدها عربية حرة.
المُثقف العربي، هل كان صوته مسموعًا خلال هذه الحرب الشرسة على غزة، هل كان خطابه في مستوى الدم الفلسطيني، أم هو أشد خفوتًا من السياسي؟
- المعركة لم تنتهِ بعد، لكني أقول أني لا أسمع بعد حتّى الآن صوت مثقفين، هل تسمعين أنتِ؟
الأدوار التي عرفها رجل الشارع العربي بعفويته لم تُلقّن له ولم تُطلب منه
ما المطلوب من النّخبة العربيّة الثّقافيّة، ما الدور الّذي يجب أو يمكن أن تفعله وتقدمه حقاً؟
- الأدوار التي عرفها رجل الشارع العربي بعفويته لم تُلقّن له ولم تُطلب منه، رجل الشارع أعلى الصوت وقاطع الآن وهو يقود حربه في وسائل التواصل الاِجتماعي. هل يجب علينا أن نقول للنُّخب ماذا تقوم به من أدوار؟.. هي تستطيع الإجابة الأدق وعندها ضميرها الثّقافي أيضاً إضافةً إلى القيمة النّخبويّة، فقط نقول لهم أرحمونا من الإصطفافات العقائديّة والفكريّة، والمذهبيّات، أرحمونا من عمليات نقل الدم الفيروسي، قفوا معنا كفلسطينيين وكفلسطين، لا نريد أكثر من هذا...
المُقاومة عقيدة في الأرواح والنفوس ولا يمكن حصرها فيزيائيًا ولا الإجهاز عليها
لماذا في كلّ مرّة تحل الحرب الشرسة المُدمرة والجنائزية اليوميّة على غزة تحديداً؟
- غزة لأنّها قاعدة العزة والكرامة والإعداد والتجهيز، ولأنّها المُحرّر الفعلي في كلّ فلسطين وربّما في كلّ الوطن العربي.
العدو يفتح كلّ يوم علينا في كلّ فلسطين حربه، عنيفة وشرسة وقاتلة وماكرة، هناك في الضفة يقتلنا بصمت الجدار والاِستيطان والمعزل والحواجز والحصار البطيء، وفي غزة الآن يقتلنا بالسكين المشحوذ. العدو في كلّ ساعة وعلى مدار السنين حربه علينا عنوانها الثابت هو القدس.
بالمناسبة، بقية المُدن والقُرى والتراب الحبيب في كلّ فلسطين، هي حروب مُتنقلة وبروفات لحرب القدس.العدو في غزة يُجرّب بروفة الترانسفير والقلع، ويُجرب معها بروفة هدم الأقصى أيضاً وتهويد المدينة بالكامل.
ليست المُشكلة في الصورة الجنائزية، ولا المشكلة في التضحيات التي دفعها شعبنا ويدفعها ومستعد دومًا لدفعها، المشكلة هي في (وحدنا) داخل هذه المعركة. يقول البعض نيابةً عن الأمة. نحنُ نخوض هذه المعركة أيّها السادة كشعب فلسطيني منذ صد المغول والتتار والصليبيين نيابةً عن هذه الأمة وليس اليوم فقط. الفرقُ أنّنا كنا معاً ومنذ قرن نحن وحدنا. الجنائزية المشهدية في تشييع أبناء شعبنا وسلاح العدو المار في لحمنا العاري، ليست هي المشهدية الحقيقيّة هي في جنائزية الأمة هذه، نحنُ نشيّعُ جنازة هذه الأمة التي يُصرون على أنّها بخير ويعدوننا بالأجيال القادمة. نحنُ راضون وشاكرون، لكن اليوم ثمّة مفصل تاريخي هام، ماذا سيكون عليه الحال؟. نحنُ نريد كلمة عربيّة واحدة، هل يريدون أن يسندوا خيارنا الأبدي بالمُقاومة حتّى نيل حقوقنا سواء أكان في أسلوب قتالي أم أسلوب سياسي أم لا!؟ هذا هو السؤال...
من المُضحك المُبكي أنّ أحدهم قال لي أنّ حلمه كفلسطيني بات أن يتفق العرب والمسلمون على موقف ويدعمونه فعلاً حتّى لو كان ضدنا كفلسطينيين...!! هل رأيتِ إلى أي حد وصلت الأمور. مع ذلك لن نستقيل ولن يفلح العدو في تركيع شعبنا وفرض إرادته، المُقاومة لا يمكن حصرها فيزيائيًا ولا الإجهاز عليها، المُقاومة عقيدة في الأرواح والنفوس، العدو سيفشل ونحنُ على قناعة أنّنا سننتصر.
ن.ل