هــل انتقـل ظلـم الواقـــع إلى المواقـــــع؟
هل ساهمت مواقع التواصل الاِجتماعي في نشر وتيرة الوعي أكثر بالقضية الفلسطينية، ليس فقط عند الشعوب العربيّة والإسلاميّة، بل أيضًا عند كافة شعوب العالم؟ وهل يمكن اِعتبار مواقع التواصل رديفة لوسائل الإعلام من جرائد وإذاعات وفضائيات في إيصال وإنصاف صوت القضية الفلسطينية، أم أنّها فاقت هذه الوسائل الأخيرة من ناحية التأثير والاِنتشار. أم العكس هو الّذي حدث، -كما يقول الكاتب والمترجم بوداود عميّر-، إذ يقول بهذا الخصو
أعدت الملف: نـوّارة لحــرش
ص: «أمام التضييق والحظر المُمارس من طرف مواقع التواصل الاِجتماعي برزت الصُحف الورقية بوصفها بديلاً». أيضاً هل من المُفترض أن تلعب دوراً بارزاً في مجال التعبئة ونشر وتيرة الوعي بالقضية الفلسطينية؟
حول هذا الموضوع «مواقع التواصل الاِجتماعي والحرب على غزة»، كان ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد، مع مجموعة من الكُتّاب والدكاترة الأكاديميين، من مختلف جامعات الوطن، والذين قاربوا الموضوع من وجهات نظر مختلفة وقراءات وآراء متنوعة.
* زبيدة بوغواص
وسائل التواصل أسهمت بشكلٍ كبير في نشر الوعي بالقضية
تقول الناقدة والباحثة الأكاديمية المُختصة في المسرح الدكتورة زبيدة بوغواص: «إنّ العدوان على غزة كان ولا يزال الحدث المحوري والمركزي على مستوى الحديث العام والخاص، المحلي والعربي والعالمي، كيف لا وغزة كلها تحت الدمار الشامل، والعدو الإسرائيلي يستهدف ذلك، ولا يمكن أن نقول عنها إنّها حرب، لأنّ القوّة غير مُتكافئة، والشعب الفلسطيني أعزل من السلاح. هذا على مستوى الواقع».
أمّا على المستوى السياسي، -تضيف المتحدثة- حتّى الحرب لها قوانينها، وما ثبت هو أنّ الصهيونية قد أخرجت كلّ ما لديها من مخزون عرقي وعقائدي مُتطرف لتصفية الشعوب، والبداية من فلسطين، هو العدوان إذن الّذي لم يستطع الرأي العام العالمي، ولا الجهود السياسيّة الإنسانيّة، ولا طوفان المظاهرات واحتجاجات شعوب العالم أن توقفه.
ثمَّ أردفت في ذات السياق: «عَبَرت شعوب العالم وليس فقط العالم الإسلامي عبر كلّ الوسائل عن رفضها، وكانت وسائل التواصل الاِجتماعي الفضاء الحر الّذي وجد فيه الإنسان العادي التعبير عن ذلك، وبكاء غزة، رغم أنّ وسائل الإعلام المنصِفة لم تدخر جهداً لتغطية هذا العدوان وتقديمه للشعوب لحظةً بلحظة، لكن التعبير القوي عن الفاجعة والألم والرفض والثورة كان عبر وسائل التواصل الاِجتماعي بكلّ أنواعها: الفايسبوك، تويتر، إنستغرام، إذ تُعد مَنبراً لمن لا منبر له، لذلك كله أضحت هذه الوسيلة رديفة لوسائل الإعلام، بل أكثر من ذلك، إذ أسهمت بشكلٍ كبير وواضح في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية وعدالتها».
فقد اِشتعلت مواقع التواصل الاِجتماعي، -حسب رأيها- وتعاظم دورها في مُتابعة الأحداث لحظةً بلحظة، وتفاعل المواطن العادي معها، وهذا اِستناداً إلى المواد المُنشورة وحجم التعليقات، فكانت نسبة التأييد للفلسطينيين تزداد، بسبب تلك المشاهد الإجرامية التي فضحت وحشية الجيش الإسرائيلي، في اِستهدافه للأطفال والمُستشفيات وللبنية التحتية كالمنازل.
هناك حقائق -تُضيف الدكتورة بوغواص- تُشير إلى أنّ الكثير من مستخدمي هذه الوسائل في العالم، لأوّل مرّة يُدركون حقائق عن إسرائيل: حقائق تُخالف تلك التي نشأوا عليها، والتي كانت تُرَوِّج للرواية الإسرائيلية عن الحرب والسلام، وادعاءاتها أنّها تحارب الإرهاب: إرهاب حماس، وأمام أيضا السقوط المهني لوسائل الإعلام الغربية التي أخذت تُرَوِج لمعلومات مغلوطة ومزورة حول اِرتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم في حق الإسرائيليين، ببث مقاطع فيديوهات تُبين قطع رؤوس أطفال إسرائيليين.
وفي ظل هذا التفاعل القوي على فضاءات هذه الوسائل، أخذت تلك المواقع -حسب قول المتحدثة- تُمارس التضييق على مستخدميها بمراقبة محتوى المنشورات، وحذف تلك التي لا تتماشى وسياستها، وهي المنشورات التي تتعاطى مع الحدث المُباشر، بِمَّا يجري في غزة من دمار شامل، في محاولة تهجير السكان وتشريدهم للاِستيلاء على القطاع، وحجة تلك المواقع أنّ ما يُنشر حول هذا العدوان يُشجع على نزعة الكراهية، والعنف.
وخلصت في الأخير إلى أنّ «هذه المواقع أخذت في تشغيل ما يُسمى بالخوارزميات التي تُمَكِّن القائمين عليها من التعرف على المحتوى، بمساعدة الذكاء الاِصطناعي، فحين يستعمل مثلاً منشوراً معينًا –مهما كان نوعه-: صوتاً أو صورة، أو مقطع فيديو، كلمات مفتاحية مثل: غزة، فلسطين، العدوان، الحرب، إسرائيل...، فإنّ هذه الخوارزميات تتعرف على المحتوى، فتقوم بحذف المنشور، ومهما يكن أمر هذه الخوارزميات، فإنّ حربًا مُوازية قد ظهرت على منصات التواصل الاِجتماعي بتحايل من المستخدمين، تُعري العدوان الإسرائيلي وتُدينه، وتُظْهِر صمود الشعب الفلسطيني ومعه المُقاومة».
* محمّد بن زيان
هناك مقاومة على الصفحات أيضا
يرى الكاتب والناقد محمّد بن زيان، أنه و«منذ بداية القرن الحالي عرفت منظومة الإعلام والاِتصال عالمياً تحوّلاً هائلاً، بنيويًا ووظيفيًا. وصارت وسائط التواصل الاِجتماعي حاضرة باِكتساح نظراً لمرونة الرصد والنشر والتواصل، وتمكنت من كسر اِحتكار المعلومة ومن إتاحة تدفق تفاصيل الأحداث بوتيرة كانت تحديًا للإعلام التقليدي ولأجهزة الدعاية الرسمية. حدث ذلك في اِنتفاضات ما سُميَّ بالربيع العربي، وتواصل في ما تتابع من أحداث ومنها حرب أوكرانيا وطوفان الأقصى».
مُضيفاً: «إنّ وسائط التواصل الاِجتماعي ساهمت في دمقرطة المعلومة وفي تحدي لوبيات الاِحتكار التي تُهيمن لأنّ القوّة ليس فقط في اِمتلاك المعلومة بل هي أساساً في اِمتلاك آليات تسيير وتسويق المعلومة. وتأكيداً على قوّة التأثير لجأت إسرائيل إلى محاولة حجب غزة اِلكترونيًا، حجباً يُترجم الأثر الّذي أحدثته وسائل التواصل الاِجتماعي في كشف الحقائق وفي التعريف التفصيلي بحيثيات وملابسات الصراع وكان لذلك أثره العالمي، قوّة وسائط التواصل في فوريتها وفي تعدّديّة زوايا الرصد للحدث وفي تعدّديّة ما يُسجل تعليقًا أو رأيًا، أي إضافةً للمعلومة هناك ما يُتيح تشكيل معرفة باِتجاهات الرأي العام».
كلّ ذلك مُؤكد، لكن -حسب رأيه- تبقى وسائط التواصل الاِجتماعي بمثابة المادة الخام التي تستثمر بالمعالجة الإعلامية الاِحترافية لأنّ الحدث ليس بتلك البساطة التي تُعرض غالبًا ولأنّ تدفق التفاصيل بكثافة غالبًا ما يحجب المعنى.
وفي ذات السياق، -يرى- أنّ وسائط التواصل الاِجتماعي أكثر تأثيراً من الإعلام التقليدي لسهولة الوصول ولتفاعليّتها، ولفورية الرصد والنشر، ولعدم اِرتباطها في المُجمل بأجندة مُحدّدة كما هو حال وسائل الإعلام التقليدية، ومنها وسائل في الغرب سقطت أخلاقيًا ومهنيًا في التعاطي مع أحداث غزة.
مُؤكداً أنّ «وسائط التواصل أنتجت فاعلين صار لهم حضور باِسم المؤثرين، وهذا واقع لا يمكن التنكر له بل يجب التكيف معه والاِجتهاد من أجل الاِرتقاء بفاعلية المُؤثرين. ويبقى دومًا للإعلام محوريته في المُعالجة الاِحترافية للمادة التي تتداولها وسائط التواصل الاِجتماعي وهناك بعض الصُحف تستنسخ بدون مُعالجة ما يُنشر في الفايسيوك».
بن زيان، اِختتم بقوله: «إنّ من فخاخ التواصل الاِجتماعي النشر بدون تثبت والنشر بدون تدقيق ولهذا صلة بطبيعة الوسائط. لكن بفضل الوسائط القضية الفلسطينية حاضرة وهناك مقاومة في الصفحات، مقاومة للاِحتلال الصهيوني وفضح لجرائمه».
* محمّد كاديك
مواقع التواصل ساهمت في شرح القضية الفلسطينية بالحاضنة الغربية
لا يعتقد الكاتب والإعلامي محمّد كاديك، أنّ مسألة «الوعي» بالقضية الفلسطينية –في الحاضنتين العربيّة والإسلاميّة- متعلقة بمنصات التواصل الاِجتماعي؛ لأنّ القضية أصيلة في الضمير العربي والإسلامي العام، وهي من الثوابت التي لا يمكن أن يرقى إليها الشّك، فالحق الفلسطيني ثابت لا غُبار عليه.
لهذا -يرى- أنّ «التواصل الاِجتماعي» أحدث صدمة شاملة بالوطن العربي خاصة، من خلال التضييق على النشر، ومنع كلّ ما يتعلق بتقديم الحقائق الميدانية، حتّى إنّ روّاد المنصات التواصلية، ومنصة «فايسبوك» بصفة خاصة، صاروا يضطرون إلى تغليف كلامهم عن معاناة سُكان غزة، بعدّد من الرموز، تجنباً للعقوبات الصارمة التي تُفرض عليهم بمجرّد كتابة كلمة «غزة» أو «فلسطين».. وهي عقوبات تمتدُ بين حظر النشر لمدة زمنية تفوق الشهر عادةً، وتصل إلى حدّ الغلق النهائي، وهذا ما أَنتجَ «وعيًا» مُختلفًا نوعًا ما. وهو الوعي بضرورة اِستحداث منصات تواصلية تكون في منأى عن الاِمتداد الصهيوني.
مثلما قدم -أي موقع التواصل الاِجتماعي-، -حسب ذات المتحدث- البراهين على أنّ مفهوم (حرية التعبير) في الغرب ليس سوى (اِحتكار للكلمة)، ومن ذلك أنّ منصة (إكس -تويتر- سابقًا) تعرضت إلى هجمات غير مسبوقة، واتُهم صاحبها بـ(معاداة السامية) لمجرّد أنّه اِلتزم بمقتضيات النشر على منصته، ولم يمنع المنشورات والأخبار المُتعلقة بالحق الفلسطيني».
صاحب «طريقٌ إلى الشمس»، واصل قائلاً: «هناك صدمة أخرى أحدثتها منصات التواصل الاِجتماعي، وهذه تدخل في (ظُلم ذوي القربى) من الذين بلغت بهم الوقاحة درجة غير مسبوقة، فلم يمتنعوا عن (التشفي) الصريح، والفخر باِنتساب الصهيوني الفلاني والمجرم العلاني إلى بلدانهم.. هذا اِنحدارٌ أخلاقي مقيت لم تعرفه الأُمم من قبل، اِرتكبه بعض الموتورين نفسيًا وعقليًا من الذين يعتقدون أنّهم ينتفعون بـ(التطبيع) مع الكيان الصهيوني.. أو يظنون أنهم ينالون من (غرمائهم) من بني جلدتهم.. لحسن الحظ.. عدد هؤلاء المرضى النفسيين قليل جداً، وهم لا يعبرون عن الضمير العربي، ولا يمثلونه، بل إنّهم لا يمثلون حتى خاصة أهاليهم».
ثمَ اِستدرك مُوضحاً: «لعل (التواصل الاِجتماعي) كان له إسهامه في شرح تفاصيل القضية الفلسطينية بالحاضنة الغربية التي تعرضت إلى سيل جارف من المُغالطات والأكاذيب، تَكَشّفَ زيفها مع الوقت، ما أحدث تغييرات جذرية في الرأي العام الغربي، فشهدت كُبريات العواصم الغربية مسيرات مُناهضة للعدوان الصهيوني، رافضة للجرائم التي يرتكبها الصهاينة في حق الفلسطينيين العُزّل.. بل إنّ كثيراً من الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، اِضطرت إلى اِنتهاج بعض اللين في التعبير عن مواقفها، وإن واصلت مساندة العدوان الصهيوني بنفس الوتيرة».
أمّا فيما يخصّ الفوارق في الأداء بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاِجتماعي، -فيرى المُتحدث- أن لا مجال للمُقارنة والمُفاضلة، بحكم أنّ رواد التواصل الاِجتماعي إنّما يستغلون المنتج الإعلامي المحترف للتلفزيونات والإذاعات والجرائد، ثمّ إنّ وسائل الإعلام لها حضورها القوي على المنصات التواصلية، وهي تتّخذ منها قواعد للاِنتشار، تمامًا مثلما تستعمل الأقمار الصناعية، أو الأثير، وحتّى الورق، لنشر الأخبار.
وخلص إلى أنّ المسألة مُتعلقة بـ(الاِحتراف)، ووسائل الإعلام المحترفة هي التي قدمت شهداء في الميدان، من الذين نقلوا الصوت والصورة والخبر، ووفروا المادة للهواة من مستعملي المنصات التواصلية.
* عبد اللطيف بوروبي
وسائل التواصل الاِجتماعي تخدم من يمتلكها لا من يستعملها
يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، الدكتور عبد اللطيف بوروبي، في ذات الشأن: «تبرز أهمية فتح نقاش يربط بين النظري والعملي في الظرفية الدولية الراهنة حول أهمية الثورة التكنولوجية والمعلوماتية وجمع البيانات والمعلومات في تحليل بنية التفاعلات في المجتمع الدولي، ومُختلف التطبيقات ووسائل التواصل كما هو الحال في الفايسبوك والتويتر.. ومقارنتها في الواقع الميداني والاِبتعاد عن النقاش النظري لما يجب أن يكون خاصةً مما يحدث في الحرب الهمجية على إخواننا الفلسطينيين في غزة، لتصحيح الأخطاء بالجملة من أنّ العالم أوجد وسائل مُتاحة للجميع، من ديمقراطية تقوم على حرية المعلومة وقبول الرأي الآخر، ولا تُميز بين دولة مُتقدمة وأخرى سائرة في طريق النمو، وتُطالب بحرية المُعتقد والقيم. إلاّ أنّ الواقع والّذي جاء مرتبط بالتطهير العرقي، وإبادة جماعيّة مُنافية لكلّ القوانين والأعراف الدولية جعلت من هذه الوسائل مجرّد شعارات تخدم من يمتلكها أكثر من يستعملها».
هذه المُقارنة الميدانية -حسب البروفيسور بوروبي- جعلت من السيطرة على المعلومة من أبجديات النجاح الآن في أي معركة. دون إغفال العامل العسكري والاِقتصادي. ما يعني أنّنا أمام تطوّر جديد في مفهوم الحرب والتي لا تخرج من أهمية منع المعلومة أو إتاحتها.
مُضيفاً: «أين مفهوم الحوكمة الإعلامية في حفظ السِلم والأمن الدوليين، أصبح هذا الطرح غير صحيح في ظل هيمنة (توجه واحد) يجعل من المقاومة في فلسطين إرهاباً، ويُوظف مختلف الآليات التي يقوم عليها في هدف واحد: إنّ من يتبنى طرحاً غير هذا يحجب».
مُؤكداً أنّه ورغم ذلك، أهمية وسائل التواصل الاِجتماعي جعلت من أنّ الطرح المُعاكس للكيان الصهيوني موجود رغم كلّ محاولات إسكات الآراء التي تُخالفه. من حيث أنّ أسلوب جديد في كتابة التعليقات دون ذِكر الكيان الغاشم ولكن من حيثُ الشكل والمضمون تُفهم، جعلت من تبادل المعلومة أمرٌ غير مُتاح للجميع.
أكثرَ من ذلك –يعتقد- أنّه لا ديمقراطية في التواصل الاِجتماعي في ظل تبني ورفض وإقصاء الطرح المُغاير أو الذي ينتقد من يملك تلك الوسائل.
فبعقد مقارنة -حسب رأيه- «بين دور وسائل التواصل الاِجتماعي وقياس الأثر والتأثير بين متغيرين في تحقيق حوكمة إعلامية وتنمية مُستدامة تُساهم في الاِنتقال الديمقراطي. تقودنا هذه المفارقة بين المُسانِد والمُعارِض وكيفية التوظيف والاِستخدام، إلى أمرٍ مُهم جداً وتذكرنا من أنّ وسائل التواصل الاِجتماعي هي وسيلة في يد من يمتلكها وليس من يستعملها، واستعمالها في تحقيق الاِستقرار السياسي، والاِجتماعي والاِقتصادي وتوظيفها في إيجاد حلول للمشاكل الدولية المستمرة. لا يخرج من أنّ الحرب في غزة تُذكرنا بالمسارات التي يجب أن يستثمر فيها الجهد من أنّ هذه الوسائل هي وجهة نظر وليست وسيلة ديمقراطية مُتاحة للجميع».
حتى الرقمنة التي تُبدّد المسافات وتجعل من العالم قرية واحدة تخدم -بحسب المُتحدث- التوجه الواحد: من يُسانده يسمح له، أمّا من يُعارض فيمنع عنه. فالحرب على قطاع غزة هي تجربة أخرى يجب أن يُستفاد منها من الاِختلاف في المعتقدات، والقيم طرح ومعطى ثابت في أي تحليل.
واختتم مؤكداً: «نعم وسائل التواصل أثبتت قوتها على التأثير، وأهميتها في نشر الوعي ورفض التطهير العرقي الّذي يعتبر جريمة ضدّ الإنسانية، ولكنها لم تحل بطريقة مُباشرة من اِستمرار الحرب، ومن ثم يجب أن ندرك أنّ معركة الوعي هي أم المعارك».
* بوداود عميّر
مواقع التواصل انحازت بشكل فاضح للكيان الصهيوني
يقول المُترجم، بوداود عميّر: «كان من المُفترض أن تلعب مواقع التواصل الاِجتماعي، بوصفها آليات تفاعل، يستفيد الجميع من خدماتها بالتساوي، بعيداً عن أي شكل من الاِنحياز لأي جهة أو طرف، دوراً بارزاً في مجال التعبئة ونشر وتيرة الوعي بالقضية الفلسطينية، وفضح مُمارسات الكيان الصهيوني، أكثر من أية وسيلة تواصل إعلامية أخرى، بالنظر إلى آلياتها سريعة الاِنتشار في إذاعة الخبر وترويجه، والإمكانيات المُتنوعة التي تُتيحها في تحقيق ذلك، في المباشرة والآنية واستخدام خاصيات الصوت والفيديو وتقنيات أخرى فعّالة، والتي يستعصى على الصُحف والمجلات ووسائل الإعلام (الكلاسيكية) القيام بها؛ نتذكر دور تلك الوسائط الحاسم والفعّال في عمليات الحشد والتجنيد والتعبئة فيما يُسمى بالربيع العربي».
وواصل مُستدركاً: «لكن ومنذ واقعة (طوفان الأقصى) في السابع أكتوبر، اِتضحَ جليًا اِنحيازها الفاضح للكيان الصهيوني، لاسيما الفايسبوك، هكذا خططت بدقة شديدة، من أجل تقليص مساحة اِنتشار المنشورات المتضمنة القضية الفلسطينية، والتضييق عليها، من خلال تفعيلها لخوارزميات تترصد الكلمات ذات الصلة بالحدث، وتمنع بالتالي وصولها لعددٍ أكبر من المشاركين، عشرات الكلمات من قبيل: الكيان الصهيوني، غزة، فلسطين، المقاومة، الجهاد... فضلاً عن الإجراء العقابي الّذي يطال أيضًا الصوّر والفيديوهات. كما تقوم إدارتها بمعاقبة وحظر الصفحات التي تفضح الكيان الصهيوني، خاصةً تلك التي تضع فيديوهات حقيقية تُظهر جرائمه الوحشية ضدّ النساء والأطفال. تقولُ الإحصائيات، أنّ هناك نحو 90 % من منشورات التعاطف مع القضية الفلسطينية، تمَّ حذفها، وذلك منذُ بدء السابع أكتوبر».
مُضيفاً في ذات السياق: «لم تجدِ نفعًا جميع محاولات التصدي لها، مثل إبعاد أحرف تلك الكلمات، أو وضع فواصل بينها، ولا أيضًا مشاركة ما عُرف (بيان الخوارزميات)، الّذي اِنتشر بين المُنتسبين لتلك الوسائط بشكلٍ واسع، دون جدوى، يطلبون من أصدقاء صفحاتهم نسخه ومشاركته. هكذا كنتُ اِقترحتُ على صفحتي الفايسبوكية، أمام هذه العوائق المُمنهجة، مواجهة هذه الخطة المدروسة بعناية من طرفهم، بأن نعود من حينٍ لآخر لصفحات الأصدقاء مُباشرة، حتّى وإن كلفنا الكثير من الوقت، بِمَّا أنّها لم تعد تُتاح بشكل طبيعي كما جرت العادة. ثم نقوم بالتفاعل معها، ثم بعد ذلك نقبل بخاصية مقاسمة المنشورات على صفحاتنا، اِستثناءً فقط لتلك التي تتناول القضية الفلسطينية، حتى وإن بدا ذلك مزعجاً؛ نقبلها بصفة مؤقتة كموقف متضامن مع القضية الفلسطينية، وأيضا مواكبة منا للحدث الّذي نعيشه بكلّ جوارحنا ووجداننا وقلوبنا».
صاحب «صوب البحر»، اختتم بقوله: «أمام التضييق والحظر المُمارس من طرف مواقع التواصل الاِجتماعي، بشكل منهجي أزعج الكثير من المنتسبين لها، مِمَّا اضطر البعض إلى التوقف عن النشر، أو الاِنسحاب نهائيًا منها، برزت الصُحف الورقية بوصفها بديلاً، كونها تُتيح وبدون رقابة اِستخدام الكلمات والأوصاف المُناسبة التي يرغب الإعلامي أو الكاتب اِستخدامها بكلّ حرية، وبدون أية محاولة تحايل على الخوارزميات؛ إذ بإمكانهم اِستخدام تلك الكلمات (المثيرة للشبهات) في الوسائط، على غرار: الكيان الصهيوني، قتلة الأطفال، الهمجية، البربرية.. ويمكنهم من جهة أخرى اِستخدام وبدون رقابة الكلمات المباركة: المقاومة الفلسطينية، طوفان الأقصى، غزّة، الجهاد، الشهداء».
* نبيل دحماني
الشعب الفلسطيني اِنتصر في الحرب الإعلامية
يقول الكاتب والأكاديمي الأستاذ نبيل دحماني: «لعل الحديث عن دور مواقع التواصل الاِجتماعي في الحرب على غزة يُثيرُ الكثير من التساؤلات، ويُؤشر على العديد من المُلاحظات التي تكشف عن ملامح أفق إعلامي جديد يختلف كليًا عمَّا كان عليه الحال في ظل الإعلام التقليدي بكلّ ما يمتلكه من وسائل وإمكانات».
مُوضحاً أنّ هذا الأُفق الجديد والّذي يُطلق عليه الإعلام الجديد أو إعلام المواطن تزايدت وتعاظمت أهميته في وقتنا الراهن، في حياة المجتمعات والشعوب وبخاصة في وقت الأزمات والحروب والأوبئة، ويعد العدوان الأخير على غزة أحد ميادين اِشتغال روّاد مواقع التواصل الاِجتماعي في نقل الوقائع الآنية والحية للأحداث، وهو ما مثَّلَ نقلاً حياً لتطوّر مجريات الأحداث رغم التضارب في المواقف بين توجهات الناقلين للأحداث بحسب روايات وأهداف معينة.ولأنّ الدول والحكومات -كما يقول المتحدث- تدرك أهمية وخطورة هذا النوع من الإعلام فإنّها تُسخِر كافة إمكانياتها، محاولةً الاِستفادة من فضاءاته الرقميّة الرحبة.
هذا الطرح -يُضيف المتحدث- «يقودنا إلى التأكيد على أنّ الحرب على غزة لم تكن حربًا بل حربان متوازيان الأولى ميدانية يتواجه فيها مجاهدو المقاومة الفلسطينية الباسلة والعدو الصهيوني الغاشم، والثانية رقميّة تتجابه فيها الروايات المُتضاربة والتي تُحاول كلٌ منها الاِستفادة مِمًّا يُقدمه أنموذج ماكوين القائم على أهمية التأثير في المُتلقي وتشكيل رؤية شاملة للرسالة المنقولة إليه».
فإذا كان المقاومون -حسب رأيه دائماً- قد وجهوا صفعة مُؤلمة لحكومة الاِحتلال ومن يدعمها في الغرب، فقد كشفت الوقائع المرئية والمنقولة اِفتراضيًا والمُعبَر عنها كذلك من خلال الحراك العالمي الداعم للشعب الفلسطيني، أنّ المقاومة قد كسبت جزءً كبيراً من حرب اِفتراضية لا تقل أهميةً عن معركة الميدان.
وواصل مُستطرداُ: «لعل ذلك ما دفع فتحية الدخاخني في مقال لها، للقول بأنّه مع تزايد حدة الحرب على غزة هناك حربٌ أخرى تتمُ في الفضاء الرقمي، وهي أكثر حِدة وأشد ضراوة، حيثُ تتحولُ منصات التواصل الاِجتماعي ساحة حرب رقمية تنقلُ بالصوت والصورة ما يحدث. حيث مثلت رقصة الشاب الفلسطيني وهو يرشق قوات الاِحتلال بالحجارة ترند عالمي أقوى من كلّ المسيرات والصواريخ والقنابل الفوصفورية التي يقذف بها العدو على أطفال غزة العزة. وهيَ الرقصة التي تُدينُ كلّ أعداء الإنسانية الذين أبادوا السُكان الأصليين بالولايات المتحدة، ويدعمون اليوم الكيان المُحتل ضدّ شعبٍ أعزل يُدافع بكلّ ما لديه من إيمان عن أرضه الطاهرة والمقدسة».
كلّ ذلكَ -حسبَ المُتحدث- لم يكن عفوياً بقدر ما كان مدروساً ومُخطط له حيثُ ساهم روّاد مواقع التواصل العرب بفعّاليّة مدعومين بوسائل إعلام عربية إلى تزويد المواطنين بالمعلومات الصحيحة حول مجريات الأحداث.
في حين عمدت حكومة الاِحتلال الصهيوني -يضيف المتحدث- إلى إنفاق ملايين الدولارات من أجل التسويق لروايتها حول الحرب والتي اِستطاعت في الأسبوع الأوّل أن تنفذ إلى وسائل إعلام عالمية قبل أن تتراجع أمام قوّة وسائل الإعلام الجديد وبخاصة منصات إكس تويتر سابقًا حيثُ رفض ماكس حجب المواد الإعلامية التي يتم مشاركتها مهما كانت درجة عنفيتها وخطورتها، وهو ما مثَّل ضربة قاصمة للرواية الصهيونية.
المُتحدث أشارَ إلى أنّ منصة «تيليغرام» تعتبر ثاني منصة من حيث الحرية بينما تراجع دور منصة «ميتا» في الأحداث بفعل اِنحيازها الواضح وحرب الخوارزميات التي تمَّ تشغيلها في التشويش عن نقل الأحداث. واختتم قائلاً: «خلاصة ما سبق، يمكن التأكيد على أنّ الفلسطينيون اِنتصروا في الحرب الإعلامية الرقمية من خلال بناء وعي عالمي داعم للقضية الفلسطينية العادلة والأكيدة فاضحاً كلّ المطبعين والمطبلين لفكرة السلام مع المحتل، وقد سجلوا صفحات خالدة من التضامن الدولي والإنساني الّذي تعدى حدود وطن عربي مهتز الأوصال بفعل أنظمة باعت القضية وظنت أنها انتهت. كما فضحوا حقيقة عدو يتخفى بالديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وهو أوّل من يدوس على كلّ القيم الإنسانية».