ينتشر الفكر المقاولاتي الثقافي وسط طلبة جامعيين، مهتمين بإنجاز مشاريع تجمع بين الثقافة والفن و الاقتصاد، لتثمين المسار العلمي والمساهمة في النهوض الاقتصادي بتنويع مصادر الثروة، حيث يؤكد مختصون للنصر، أن الاعتماد على رأس المال الفكري الثقافي حل للنهوض الاقتصادي، مشجعين انخراط طلبة في إنجاز مشاريع في المجال، كما دعوا لضبط الإطار القانوني لنجاعة الاستثمار الثقافي.
لينة دلول
ولدعم الفكر المقاولاتي في المجال الثقافي والفني لدى الطلاب، أطلقت وزارة الفنون والثقافة الشهر الفارط مشروع حاضنة لدعم وتعزيز الصناعات الإبداعية المختلفة في الجزائر على غرار الفنون والتصميم والإعلام والترفيه والتكنولوجيا الإبداعية، حيث يتم تشجيع المشاركين الراغبين في تثمين الموروث الثقافي وتحفيز إبداعهم وتعزيز مكانتهم في السوق على تقديم ترشحهم، وهذا بالشراكة مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والمدرسة العليا الجزائرية للأعمال.
* نذير رميتة فنان تشكيلي بكلية الفنون والثقافة
المقاولاتية الثقافية مشروع مجتمعي قبل أن يكون استثماريا
يرى الفنان التشكيلي والمصمم بكلية الفنون والثقافة بجامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر الأستاذ نذير رميتة، بأن المقاولاتية الثقافية، منظومة متكاملة ومتشعبة وجد معقدة تتداخل فيها الثقافة والتسيير إلى جانب الفن والمال مرورا بالاقتصاد والتجارة والسياسة وصولا إلى الاستراتيجيات الثقافية الأمنية والدبلوماسية الثقافية، فهي مشروع استراتيجي لمجتمع قبل أن تكون مجرد استثمار.
وأضاف المتحدث، أن المقاولاتية الثقافية والفنية التي يعنى بها الطلاب لها طابع خاص لأنها مرتبطة بمنظومة العلم والمعرفة، ولهذا فكل المشاريع التي يقوم بها الطلاب تكون مهيكلة ومبنية حول العلم والمعرفة، وفق استراتيجيات هادفة انطلاقا من التكوين الأكاديمي والتأطير الذي استفاد منه في الجامعة في مجالات لها علاقة بالمشاريع المسطرة، ناهيك عن مساهمات المؤسسات الثقافية والفنية سواء الرسمية أو الخاصة في تقديم النصح والخبرة والتوجيه.
وأكد المتحدث، أن الفكر المقاولاتي الثقافي انتشر وسط الطلاب وتجلى في عدة مشاريع، فالطالب اليوم يملك ثقافة المؤسسة ويؤمن يقينا أن تحقيق أهدافه وطموحه وأحلامه مرتبط بمبادراته الشخصية، فهو يحتاج فقط إلى التوجيه الاحترافي من طرف الخبراء والمختصين في مجال الفنون والثقافة.
وأشار المتحدث، إلى أن الأدوات والمهارات التي يحتاجها الطلاب لتنمية مقاولاتهم الثقافية والفنية هي التركيز على بناء مؤسسات جادة وهادفة من خلال الاستفادة من الدورات التكوينية في التسيير والمقاولاتية والتسويق وعالم المال والتجارة وكل ما له علاقة بعالم المؤسسة والمقاولاتية .
ويرى رميتة، بأنه يمكن للمدارس والجامعات دعم الطلاب في تطوير مهارات المقاولاتية الثقافية والفنية، من خلال البرامج التكوينية المتخصصة في الميدان والهيئات والمؤسسات التابعة للجامعة، والتي تسهر على السير الحسن لمختلف المشاريع الخاصة بالطلاب عن طريق النصح والإرشاد والتوجيه لبلوغ الأهداف المسطرة.
«الوسيلة الناعمة» لبناء مجتمع متماسك
وأكد الفنان، بأن الثقافة والفن هما الوسيلة الناعمة لبناء مجتمع متماسك ومتوازن وقوي بمنظومته الفكرية والمرجعية التي لا يمكن زعزعتها، مشيرا إلى أن هناك عدة مشاريع ناجحة ومتميزة أنجزها الطلبة في مجال التصميم والديكور مؤكدا بالقول، بأنها بداية المرجعية الحقيقية في مجال المقاولاتية الثقافية والفنية كونها تشمل الشقين الأكاديمي والفني الإبداعي.
يمكن للمقاولاتية الثقافية والفنية أن تساهم في تعزيز التنمية الشخصية والمهنية للطلاب بحسب المتحدث، من خلال تحقيق الاستقلالية المالية، أما على المستوى الشخصي فالمقاولة تتيح للطالب نوع من الراحة النفسية من خلال تثمين مساره العلمي بمشروع وبالتالي يفتح له أبواب تطويره نحو الأحسن والأفضل.
* المخرج المسرحي الأستاذ حمودي لعور
الاعتماد على رأس المال الفكري حل للنهوض الاقتصادي
وقال الكاتب والمخرج المسرحي، الأستاذ الجامعي حمودي لعور، أن الصناعات الإبداعية أي المقاولاتية الثقافية والفنية، تُعد محركًا للنمو الاقتصادي، ووسيلة لتوفير فرص العمل، وبحسب منظمة اليونسكو، فقد وفّرت مختلف أنشطة الصناعات الإبداعية عوائد بنحو 2.250 تريليون دولار في عام 2018، أي ما يعادل 3 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، كما خلقت فرصًا وظيفية في العام نفسه بنحو 29.5 مليون وظيفة،
موضحا بأن المقاولاتية الثقافية والفنية مصطلح مركب من متغيرين أساسيين مختلفين، حيث يقصد بالمقاولاتية الجانب الاقتصادي، أما الثقافة والفن فتعني مجال الإبداع والابتكار، وهو مجال اعتبرته اليونيسكو الركيزة الأساسية للاقتصاد المحلي.
وأضاف المتحدث، أن المقاولاتية الثقافية والفنية، هي تلك التي تعنى بالفنون الجميلة من مسرح، موسيقى، سينما وأوبرا، رسم، تراث ثقافي، وكذا كل من اتصال، نشر، تسجيل، مرتبط بالشأن الثقافي، متابعا بالقول بأن هذا المصطلح الذي أضحى يأخذ مساحة من مساحات المقاولاتية بمختلف تخصصاتها يندرج ضمن مفاهيم أوسع وأشمل تحاول ضبط العلاقة بين الاقتصاد والثقافة مثل «الصناعة الثقافية، الصناعة الإبداعية، الاقتصاد الإبداعي، الاقتصاد البرتقالي، الاقتصاد الناعم» كل هذه المفاهيم نسلت مما اصطلح عليه في أواخر القرن العشرين باقتصاد المعرفة، في ظل انتشار الصناعات المتقدمة، ومع التطور السريع الذي يشهده العالم على جميع الأصعدة وخاصة الاقتصادي منها.وقد أصبحت المعرفة تشكل، حسب الأستاذ حمودي ركيزة أساسية في تغيير أنماط النمو الاقتصادي للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وهناك من يُعرّف اقتصاد المعرفة على أنه أحد أنواع الاقتصاد الذي يرتكز بشكل أساسي على كمّ المعرفة والمعلومات المتاحة، وعن كيفية الوصول إلى هذه المعلومات والقدرة على ذلك من عدمه، بمعنى أنه يعتمد على رأس المال الفكري أو المعرفة والابتكار. وعليه يعتبر العنصر البشري وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الأصول الأساسية لاقتصاد المعرفة.
ويرى بأن الجزائر تمتلك مواهب في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية وإمكانات كبيرة في مختلف القطاعات المرتبطة بهذه الصناعة «السينما والسمعي البصري، صناعة الأسطوانات، قطاع النشر والكتاب، التلفزيون ووسائل البث...الخ.»، إلا أنه بات من الضروري بذل المزيد من الجهود لتنمية هذه المواهب والإمكانات، لإحياء هذا القطاع عن طريق إيجاد طيف واسع من المنتجات والخدمات الإبداعية والثقافية، وخلق مناصب شغل تكون جالبة للمداخيل، وتشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وأكد الأستاذ، بأن السياسة الثقافية في الجزائر تهدف إلى خلق وتدعيم إمكانيات صناعة المنتجات الثقافية، ورد الاعتبار للمؤسسات الثقافية مثل المكتبات والمسارح ودور السينما والبنى التحتية والمنشآت العامة المخصصة للإعلام وتنمية المؤهلات الطبيعية، وكذا تطوير الشبكات الوطنية لنشر وتوزيع المنتجات الثقافية الجهوية،و تسهيل وصول النشاطات والسلع والخدمات الثقافية بشكل أكبر إلى السوق العالمية وإلى شبكات التوزيع الدولية،
وعليه يجب، حسب الأستاذ حمودي، اتخاذ الإجراءات التي من شأنها تسهيل الوصول إلى النشاطات والسلع والخدمات الثقافية في الوطن، ودعم العمل الإبداعي وتسهيل المبادرات الرامية إلى إنشاء تعاونيات محلية ودولية في مجال صناعة الثقافة، ناهيك عن تنمية كفاءات القطاعين العام والخاص في هذا المجال، عن طريق تزويدهما بالمعلومات والتجارب والخبرات وتدريب الموارد البشرية على استراتيجيات المشاريع وإدارتها وتنفيذها، وعلى تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمصغرة باستخدام التقنيات الحديثة، والتحكم في مهارات الإنتاج الإداري والتقني، باعتماد معايير دولية فضلا عن إنشاء آليات جديدة ومناخ ملائم لتنمية الاستثمار في مجال الصناعات الإبداعية في الجزائر، و تشجيع العلاقات بين المؤسسات العامة والخاصة من أجل خلق وظائف وإنتاج سلع وخدمات في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية،
ضبط الإطار القانوني ضرورة لنجاعة الاستثمار الثقافي
كما حث الأستاذ، على تهيئة الإطار القانوني، لتوفير مناخ يشجع على الاستثمار في قطاع الثقافة والإبداع، ويضمن حماية حقوق المؤلفين والتراث الوطني، وكذا وضع نظام تجاري عادل يشجع ويدعم الصناعات الثقافية والإبداعية والمبدعين والمنتجين والموزعين. وذكر أن أكبر التحديات التي تواجه سياسة دعم الصناعات الثقافية والإبداعية هو خلق وتنمية القدرات المهنية المؤهلة للاستجابة لمتطلبات هذا القطاع ورهاناته، ويجب أن يكون بحسبه تطوير وتنفيذ برامج التربية والتكوين في صميم كل سياسة تسعى لدعم الصناعات الثقافية والإبداعية، وذلك بإنشاء بنى تحتية للتكوين من أجل تشجيع المهنية في كل النشاطات الثقافية المرتبطة بالإنتاج والإبداع ورفع مستوى، وتكوين المبدعين وفناني الخشبة والتقنيين و المسؤولين عن تصوير المشاريع الثقافية وتنفيذها وتسييرها، بما في ذلك المؤسسات المشاركة في إنتاج وتسويق السلع والخدمات الثقافية وتلك المكلّفة بصيانة المعدات،
ودعا المتحدث لإتّباع استراتيجيات متنوعة تضع في حسبانها تطلّعات المحترفين وكذا التنمية الضرورية للتعليم والتكوين الموجهين لعامة الناس عن طريق تربية الجمهور وعقد الورشات والتكوين واللقاءات العامة والمنشورات ووسائل الإعلام، وتشجيع وتطوير النشاطات للتعريف بالصناعة الثقافية والإبداعية في المدارس الرسمية بشكل يحسس المواطنين بأهمية الإبداع الفني، مع إنشاء فروع للتكوين على مستوى عال تابع للمدارس العليا والجامعات والمعاهد الموجودة، مع التركيز على جانب الأعمال والتجارة في الصناعات الثقافية والإبداعية من أجل ضمان مساهمتها في بلوغ أهداف التنمية وخلق الثروة في الوطن،
إضافة إلى إنشاء مدارس جهوية تتخصص كل واحدة منها في فرع معين ومدارس للتكوين في مجال الصناعة الثقافية والإبداعية للمحترفين من أجل تقديم تكوين متخصص لأصحاب المؤسسات والمسيرين والعاملين في مجال الإبداع، إنشاء وتسيير مؤسسات إبداعية وثقافية وتعزيز قدرتها على تحسين إنتاجية السلع والخدمات الإبداعية والثقافية وتحسين جودتها،
ناهيك، يضيف المخرج المسرحي حمودي، عن انتداب المحترفين في الصناعات الإبداعية في البرامج المدرسية والجامعية، من أجل إقامة فعاليات دورية حول نشاطات هذه الصناعات، وإنشاء وتطوير مراكز للبحث وفضاءات للتبادل والتنمية والتجديد بشكل يسمح بتتبع تطور قطاع التكوين في الصناعة الثقافية، وكذا نقل المعارف في مجال تسيير المشاريع وسير الصفقات والأسواق وقانون الملكية الفكرية وذلك عن طريق وضع برامج للتكوين تتوجه للمحترفين في مختلف أوجه الصناعات الثقافية والإبداعية بما في ذلك الإبداع والإنتاج والتوزيع والتقديم والتسويق والرأي العام، وهو ما يعد جوهريا لضمان صناعة منتجات ثقافية ذات جودة، إيجاد تعاون وتنسيق بين قطاعات الصناعات الثقافية والإبداعية وبين المصالح الحكومية الأخرى مثل مصالح وزارة الثقافة ووزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومراكز التكوين والجامعات والمدارس المهنية ومدارس الفن العليا والهيئات المنظمة للمؤتمرات وكذا الجمعيات والنقابات المهنية وضمان أن تحصل على مداخيل محترمة لقاء جهودها المثمرة
وتابع المخرج بالقول، بأنه لمواكبة الاقتصاد الإبداعي العالمي وجعله رافدا قويا من محركات الاقتصاد الوطني في الجزائر، فان المسألة لا تتعلق بالقوانين وكذا الاستراتيجيات والسياسات العامة والخاصة للقطاع، بقدر ما تتعلق بخلق ذهنية وعقلية تواكب المتغيرات الفكرية والاقتصادية العالمية، بصناعة عقلية مبدعة ومبتكرة ضمن الثقافة المحلية للوطن بكل فواعلها ومقوماتها، مما يعزز الانطلاق إبداعا وبحثا من خلالها، لتنتج صناعات إبداعية تنتمي للخصوصية الثقافية المحلية ، دون أن تنغلق وتنعزل بل تسعى إلى عالميتها وتطورها وتنشرها بقوة الصناعة الإبداعية.
ل.د