شيعت أمس، بمقبرة العين البيضاء بوهران، جنازة المرحوم الأستاذ الباحث محمد بن صالح، بحضور الأهل والأصدقاء وجمع من الذين عرفوه عبر مساره المهني الطويل والمتنوع. وكان الباحث والمختص في المجال السينيماتوغرافي، قد فارق الحياة في الساعات الأولى من صباح الإثنين، وهو في عقده السابع.
بن ودان خيرة
وقد عرف الفقيد بنشاطه الدؤوب على مدار عقود من الزمن، في مجال السمعي البصري الذي كان أستاذا له بجامعة وهران وخاصة قسم الإعلام والاتصال، واهتمامه المكثف بالسينما بكل مكوناتها من خلال تأطيره أيضا للطلبة في هذا المجال، ومساهمته في محاضرات ونشاطات متعلقة بالفن السابع داخل وخارج الوطن وخاصة خلال الطبعات 11 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، حيث أشرف أثناء فعالياته على تكوين عدة مجموعات من المهتمين وهواة السينما، علما أن المرحوم يعتبر من الأوائل الذين أسسوا نادي محبي السينما بوهران، في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ورغم الظروف الأمنية التي منعت الاستمرارية، إلا أنه أعاد الكرة خلال فعاليات مهرجان وهران السينمائي وحتى بعده وتمكن الكثيرون بفضله من تلقي تكوين ودعم لخوض مسار مهني في هذا المجال، ولعل فضاء متحف السينما بوهران يشهد على ذاك النشاط.
تحصل محمد بن صالح، على شهادة البكالوريا عام 1961، توجه بعدها إلى بروكسل أين واصل دراساته الجامعية في الفنون، وبعد تخرجه انطلق في مسيرته المكثفة بالأعمال، حيث تذكر العديد من المصادر، أنه أشرف على تأليف نصوص لحوالي أربعين فيلما قصيرا وروائيا، عمل في التلفزيون الجزائري لمدة ثلاث سنوات، وكان أستاذا لمدة 12 عامًا بجامعة وهران، قبل أن يتم تعيينه في المجلس الأعلى للسمعي البصري، ويصبح مستشارًا للاتصالات على مستوى رئاسة الوزراء.
كان باحثا مشاركا في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية منذ بدايته في 1992، وشارك إلى جانب الأستاذ الباحث بكراسك وهران حسان رمعون، في مؤلف «التاريخ والتمثيل الأيقوني: الخيال الخيالي وبلورة الهوية في «الصورة والتاريخ والذاكرة»، وكانت له مشاركات في مختلف نشاطات المركز على مدار سنوات.
كان بن صالح، كاتب عمود في العديد من الجرائد الوطنية الناطقة بالعربية وبالفرنسية، و شارك الراحل في العديد من المؤتمرات وتعاون في عدة أعمال في الجزائر وبلجيكا وفرنسا، وله أيضًا عدد كبير من المنشورات العلمية منها المتمحورة حول انفجار العروض الإعلامية ومخاطر التثاقف «الشباب والإعلام والأخلاق والتنشئة الاجتماعية والتمثيل» وإعادة هندسة التعليم من خلال منشور «مهنة التدريس بين المبتدئ والمهني» بالإضافة لـ « الغرب الإعلامي والمعاملة مع الإسلام» و» السينما في البحر الأبيض المتوسط: جسر بين الثقافات».
وجاء في منشور لمديرية الثقافة بوهران، نعت فيه المرحوم بن صالح، أنه كان شغوفا بالسينما منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون البصرية في بروكسل، وأنه بدأ رحلته السينمائية بإخراج أفلام قصيرة مثل «تيهان» (1968) و»لازم! لازم!» (1970)، وأول فيلم طويل له «البعض، الآخرون» عام 1972، الذي أخرجه في بروكسل وفاز بجائزة في مهرجان «كنوك-لو-زووت» في بلجيكا. وأضاف المنشور، أنه عمل كمساعد لعدة مخرجين مشهورين مثل «مارسيل هانون وجاك لامبرت»، قبل أن ينضم إلى التلفزيون الجزائري حيث أخرج مسلسلا اجتماعيا من 6 حلقات ومسرحيتين دراميتين، وثلاثة أفلام تلفزيونية وهي «الطفيلي»، «الخراج» و»اليقظة!» بين 1974 و1976، بالإضافة إلى سلسلة من 7 حلقات عن السينما بعنوان «زووم على الفن السابع».
شارك في العديد من لجان التحكيم في المهرجانات السينمائية الدولية في مونبلييه وقرطاج وواغادوغو وأميان ونانت وغيرها، وكرس حياته لدعم السينما الوطنية والدولية، وكان عضوًا في اللجنة التوجيهية للمهرجان الثقافي الوطني السنوي للفيلم الأمازيغي ومندوبًا في المهرجانات الوطنية والدولية، وكان رئيسا شرفيا لمهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته السابعة، وصديقًا وفيًا لسينماتيك وهران أين دأب على مناقشة العروض ومرافقة المخرجين، كما تُرجمت آخر مؤلفاته «سينما البحر الأبيض المتوسط: جسر بين الثقافات» إلى عدة لغات، مما يعكس مدى تأثيره الثقافي والفني.
وعلى الصعيد الشخصي، ذكر منشور مديرية الثقافة، أن الراحل محمد بن صالح، يُعرف بصفاته الأخلاقية والمهنية العالية، وأن مسيرته الطويلة في الفن السابع والصحافة، ستظل شاهدة على مصداقيته المؤكدة على الصعيدين الوطني والدولي، و كان رجل الحوار والتوافق ومدافعًا شرسًا عن الديمقراطية والتنوع الثقافي والوحدة الوطنية.