الأحد 8 سبتمبر 2024 الموافق لـ 4 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

كيـف تساهـم الثقافـة في إنعـاش السياحــة ؟

احتفلت الجزائر مؤخرا باليوم الوطني للسياحة المُصادف لــ25 جوان من كلّ سنة. وهي مناسبة أقرتها وزارة السياحة، وتهدف لترقية وجهة الجزائر السياحية والترويج لها داخلياً وخارجياً. وهي مبادرة تحاول توطيد السياحة الداخلية وإبراز مقوماتها. وتعكس بداية اهتمام بقطاع يرى مختصون أنه يدر ذهبا ويكون بمثابة قوة ناعمة للبلاد، كيف لا وهو يعكس مكانتها وتاريخها ومقدراتها. لكن. هل لدينا -حقاً- ثقافة سياحية، ومن جانب آخر هل لدينا سياحة ثقافيّة؟ وهل بإمكان السياحة الثقافية أن تكون رافداً لتفعيل أو تنشيط السياحة الداخلية في الوطن؟، وإلى أي حد يمكن أن تُساهم في تعزيز الهوية الاِجتماعية وإضاءتها بِما يخدم المجتمع والمحيط والبلد ككل. أيضا ما هي أهم الفوائد الاِجتماعيّة للسياحة الثّقافيّة؟ وإلى أي حد يمكن اِستغلال التطوّر التكنولوجي والإعلامي وتوظيفه توظيفًا إيجابيًا يُساهم في التعريف بموروث البلد الثقافي والحضاري. وبالتالي تشجيع السياحة الثّقافيّة وهو ما ينعكس على الِاقتصاد إيجابيًا. خاصة وأنّ الجزائر، واحدة من البلدان الغنية بموروثها الثقافي المُتنوع والمتعدّد، وهذا ما يمكن أن يُشكل اِنطلاقة حقيقية للسياحة الثّقافيّة التي أصبحت من أهم الرهانات للنهوض بالاِقتصاد وإنعاشه وتطويره.

أعدت الملف: نـوّارة لحــرش

* الأستاذ والباحث الأكاديمي بلال قريب
السياحة الثّقافية أصبحت أحد أهم ركائز الاِقتصاد
يعتقد الباحث والأكاديمي بلال قريب، أنّ العديد من الدول دأبت منذ القِدم على الاِهتمام بالموروث الثقافي والحضاري الخاص بها والاِستثمار فيه، وكذلك الترويج له من أجل دعم اقتصاداتها وإنعاشها، وذلك لِمَا تمثله السياحة الثّقافيّة من مكسب بالنسبة للدول قديمًا وحديثًا حيثُ أصبحت في عصرنا الحديث أحد أهم ركائز الاِقتصاد الوطني للدولة الوطنية، خاصةً في ظل التطور التكنولوجي والإعلامي وكذلك الاِكتساح الّذي تشهده الوسائط التكنولوجية.
وقد توجهت العديد من دول العالم -كما يقول- نحو الاِهتمام بالسياحة الثّقافية، حيثُ اِستغلت التراث الثقافي للمُدن والأقاليم الخاصة بها وكذلك جانبها الحضاري من أجل توظيفه توظيفًا يليق بها، وذلك بهدف اِستقطاب السياح من مُختلف مناطق العالم، وبالتالي هذا ما ينعكس عليها بالإيجاب من خلال جلب العُملة الصعبة وإنعاش الخزينة العمومية وبالتالي اِستغلالها في إنعاش القطاعات الأخرى (صناعية، زراعية، وخدماتية...الخ).
وهذا بدوره -يُضيف المتحدث- ما ينعكس على الاِقتصاد الوطني ككلّ بالإيجاب، وطبعًا ما ساعدها (أي الدول) في ذلك هو استغلال التطور التكنولوجي والإعلامي والّذي وظفته توظيفًا إيجابيًا من أجل التعريف بموروثها الثقافي والحضاري والخاص بأقاليمها ومُدنها، وكذلك استخدام مواقع التواصل الاِجتماعي من (فيسبوك، وانستغرام، تويتر...الخ)، من أجل تقريب صورة الثقافة والحضارة الخاصة بها أكثر للأجانب والسياح بغية التأثير فيهم وجلبهم.
مُؤكداً في هذا السياق، أنّ العديد من الأمثلة سواء على المستوى العربي أو حتّى الأجنبي لبعض الدول استطاعت اِستغلال تراثها الثقافي والحضاري الخاص بأقاليمها ومُدنها من أجل تشجيع السياحة الثّقافيّة وهو ما اِنعكس بالطبع على اقتصاداتها إيجابيًا.
ثم اِستطرد مُوضحاً: «نذكر على سبيل المثال لا الحصر مصر، حيثُ اِستطاعت من خلال اِستخدام التكنولوجيا الحديثة والإعلامية وكذلك الوسائط الاِلكترونية، الترويج للمنتوج الثقافي الفرعوني من كلّ جوانبه وكذلك حضارة النيل وغيرهما، وكمثال آخر نأخذ دولة تركيا اليوم وكيف اِستطاعت من خلال اِستخدام تكنولوجيا الإعلام إلى جانب الوسائط الرقمية التعريف بالموروث الحضاري وثقافة أقاليمها، ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر المسلسلات والأفلام الدينية، والتي اِستثمرت فيها تركيا استثماراً جيداً اِنعكس بدوره على اِقتصادها الوطني والّذي عرف قفزة نوعية بفضل توافد السياح العرب والأجانب على أهم المواقع الأثرية التّاريخية، وحتى توصل الأمر إلى زيارة مواقع تصوير تلك المسلسلات والأفلام».
ويُواصل في ذات المعطى قائلاً: «وإذا ما تطرقنا إلى الحالة الجزائرية في مجال الترويج للسياحة الثّقافيّة، فلأسف الشديد الجزائر تعرف تأخراً كبيراً في ركب موجة الاِستثمار في هذا الجانب، وهذا على الرغم مِمَا تزخر به بلادنا من موروث ثقافي مُتنوع ومتعدّد، سواء تعلق الأمر بالسواحل، أو المناطق الداخلية وحتى صحرائنا، إلاّ أنّ الجزائر لم تستغل هذا الموروث الثقافي والحضاري لأقاليمها والاِستثمار فيه من أجل إنعاش اِقتصادها الوطني، وفي نفس الوقت عدم اِستغلالها للتطور التكنولوجي والإعلامي وحتى مواقع التواصل الاِجتماعي من أجل التعريف به عربيًا وعالميًا».
مُضيفاً أنّ من بين أهم عوائق السياحة الثّقافيّة بالجزائر عدم اِهتمام القطاع العام بالسياحة الثّقافية بالشكل اللازم وتردّد تام للقطاع الخاص، هذا الأخير الّذي يعتبر أنّ الخوض في هذا الأمر يُعتبر مغامرة. أيضا ضُعف المنظومة الإعلامية من أجل الترويج للسياحة الثقافية. وعدم التكوين الكافي للمُرشدين السياحيين في جانبهم الثقافي ما أثر سلبًا على السياحة الثقافية. كما تسبب تطور العمران واللامبالاة –حسب رأيه- في تدهور الموروث الثقافي لعديد الأقاليم ببلادنا.
وفي الأخير يشير -المتحدث- إلى أنّ الجزائر تمتلك من الإمكانيات السياحية في مجالها الثقافي ما يسمح لها بأن تستغله الاِستغلال الأمثل من أجل النهوض باِقتصادها.

* الباحث فوضيل خالد
رهان هوية وتحدي إقليم
يرى الباحث والجامعي ورئيس جمعية حماية التراث الطبيعي والتاريخي، الأستاذ فوضيل خالد، أنّ الحديث عن واقع السيـاحة الثّقافيّة في الجزائر وأسباب عدم اِزدهارها هو موضوع يكتسي أهمية كبيرة بالنظر إلى بُعده الاِقتصادي. مُؤكداً أنّ حالة السياحة الثقـافيّة في الجزائر هي جزء لا يتجزأ من حالة السياحة بصفة عامة.
ومن حيث التشخيص الميداني يمكن القول –حسب رأيه- «أنّ تراجع وعدم نجاح السيّاحة الثقافيّة في الجزائر يعود إلى عدة أسباب، منها خاصية تدهور وهشاشة بعض أصناف التراث الثقافي. كما أنّ هناك أصنافا من التراث الثقافي لم يتمّ تصنيفها ولا تثمينها ولا حمايتها بصفة مقبولة (مواقع ما قبل التاريخ، القصور، المُدن القديمة، القصبات، القُرى التقليدية الجبلية)...، كما توجد مواقع للثورات الشعبية لم تُحم من التخريب والنسيان. وأشكالٌ أخرى من التراث الثقافي المشترك (قرطاجي روماني، إسلامي، عثماني واستعماري...) تُعاني الإهمال والتّدهور».أمّا بخصوص تصوّر إستراتيجية وطنية لترقية السياحة الثقافيّة، -فيؤكد المتحدث- أنّه يجب أن تتوّفر أوّلاً إرادة حقيقية للتفكير في تشكيل فضاء إقليمي جديد ذي بعد اِجتماعي وثقافي يكون فرصة لكل مُواطن المشاركة والتنافس على تشييد إقليم مُستدام ومُنتج يحمل هوية تمكنه من التميّز قاريًا ودوليًا مِمّا يُعمق جاذبيته.
وهنا أضاف موضحاً: «وعلى هذا الأساس أعتقد أنّه يجب العودة إلى المُخطّط الوطني لتهيئة الإقليم (SNAT) لآفاق 2030 الّذي حمل بوادر برنامج عمل مُشترك لما تمّ تسميته (أقطاب اِقتصاد التّراث). يستلزم فقط إيجاد الميكانيزمات القانونية والإدارية لتطبيق ما ورد فيه من أجل حماية وتثمين التراث الثقافي وجعله عاملاً للتنمية المُستدامة للمُدن وتفعيل جاذبية الأقاليم مِمَا يجعلها قِبلة سياحيّة تتحوّل إلى مَورد اِقتصادي بديل عن البترول».
كلّ هذا –حسب المُتحدث- يكون عن طريق سياسة سيّاحية ثقافيّة تشاركية وتكامليّة ما بين جميع القطاعات بصفة براغماتية ودقيقة تقتضي إحداث قطيعة مع المُمارسات القديمة للتخطيط المُمركز البيروقراطي القائم على صرف الأموال فقط.
وخلص إلى أنّه يجب أن تقوم هذه الإستراتيجية بتنفيذ (مَسار إجمالي) ومترابط ينطلق بالجرد مرورًا بالتصنيف والاسترجاع وينتهي بالتّرقية والتّثمين، ويتوجّب هنا الحفاظ على القيم الثقافيّة للوقوف في وجه العولمة الكاسحة. فالسياحة الثقافيّة هي رهـان هويّة وتحدّي إقليم.

* الأستاذ والباحث محمّد بلعيشة
الجزائر متحفُ حضارات
يقول الدكتور محمّد بلعيشة، وهو باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية إن الجزائر: « دولة سياحية عالمية تكتسي وضعية اِستثنائية في السياحة الثّقافيّة بِمَا تملكه من إمكانيات ومقدرات، توحي بأنّ هناك عائدات وأرباح خيالية قد تُنافس قطاع النفط لو أُجيدَ الاِستثمار فيها بالشكل الأمثل، فاِمتلاك شريط ساحلي طويل وعُمق صحراوي شاسع مع بيئة جبلية وغابية في الشمال يعطي الجزائر صفة الدولة السياحية باِمتياز».
لا تتوقف هذه الأهمية -حسب الدكتور بلعيشة- عند هذا الحد وإنّما تتعدى ذلك باِمتلاكها رصيداً ثقافيًا عميقًا ضاربًا في التاريخ، فالجزائر تمتلك موروثاً مختلفًا من الحضارات والثقافات المتنوعة من مُختلف العهود على غرار الاِحتلال الروماني والعُمق الأمازيغي والحضارة الإسلامية ثمّ الوجود العثماني والاِستعمار الّذي تُعتبر آثاره وآثار مقاومته شواهد حضارية تاريخية تُشكل قِطاعًا سياحيًا آخر بحد ذاته قد يُعادل لوحده الموروث الثقافي لدول أخرى.
مُضيفاً: «إنّ كلّ هذه الحقبات لا تزال لها آثارٌ ومُدنٌ وقصورٌ وأضرحةٌ ومساجد شاهدة على حياة الإنسان في هذه الأرض، مُعطية بذلك السياحة في هذا البلد وضعًا فريدا جدا، عِلاوةً على موروث تُراثي مُتناغم ومُتمازج ومُتنوع بدايةً من منطقة الأوراس إلى منطقة القبائل إلى الغرب الجزائري إلى الجنوب والتي تستقطب الفضول السياحي بشكل مُثير، ولأنّ كلّ مُنطقة في الجزائر تُؤرخ وتحكي وتروي تاريخها فإنّ السياحة فيها تكتسي الطابع الثقافي التاريخي فكلّ ولاية في الجزائر تُعتبر متحفًا طبيعيًا شاهداً على الحضارات التي كانت في الجزائر».
لكن بالمقابل -يُضيف المتحدث- «يُقابل هذا الوضع السياحي المُتميز والإمكانيات الضخمة قصور في اِستغلال السياحة ذلك الاِستغلال الأمثل والمطلوب، ويرجع هذا لعِدة اِعتبارات: الاِعتبار الأوّل هو خروج الجزائر من حِقبة اِستعمارية عقبتها فترات حُكم أسست لبناء دولة، عقبتها أزمة وطنية عُرفت بالعشرية السوداء الأمر الّذي جعل السياحة تحتل مراتب مُتأخرة في أولويات الحكومات المتعاقبة، أمّا الاِعتبار الثاني فهو قصور وتردي ثقافة السياحة لدى المواطن الجزائري ومرد ذلك إلى المُخلفات الثّقافية الاِستعمارية والأوضاع التي عرفتها البلاد، والاِعتبار الثالث فهو عدم وجود إشهار وتكريس الإعلام والفن لخدمة السياحة والتعريف بالجزائر للعالم، وهو ما يُفسِر سوء اِستغلال تكنولوجيا الاِتصالات والاِستفادة منها».
و-حسب رأيه-: «لمعالجة التردي السياحي خاصةً الثقافي في الجزائر فإنّه علينا التعامل معه وفق مستويين، مستوى داخلي يُهيئ الشعب ومؤسسات الدولة ويُرسخ ثقافة السياحة والتشجيع على ذلك عبر المنظومات التعليمية والملتقيات والأيّام التحسيسية، إضافةً إلى بناء وتطوير المرافق السّياحية وترميم المواقع الأثرية وغيرها من الترتيبات، أمّا المستوى الثاني فهو مستوى خارجي منوط بالاِستغلال الأمثل لوسائل التكنولوجيا والإعلام والأعمال الفنية للترويج للأهمية السياحية الثقافية في الجزائر».
وعلى هذا يمكن القول -حسب رأيه دائماً- بأنّ الجزائر حاليًا تُنافس دولاً سياحية رائدة بدون بذل نفس المجهودات إن لم نقل لا تبذل مجهودات جادة في سبيل ذلك، فكيف بها إذا جندت وحشدت الكفاءات والقدرات والإمكانيات اللازمة على مُختلف الأصعدة منها الحكومي والشعبي والأمني، فإنّ الجزائر بذلك ستتعرف على مداخيل جديدة تُجاري حتى المداخيل الحالية أو تُخفّف عنها الضغط، وتُجنبنا هاجس الدولة الريعية وانعكاساته السلبية.

* الباحثة في العلوم السياسية راضية لعجل
غنى الجزائر الثقافي يخدمها سياحيا
تقول الباحثة في العلوم السياسية، الدكتورة راضية لعجل: «تتطلب الثقافة السياحية من المجتمعات المُضيفة التعامل مع ضيوفها بصدق وأدب وترحاب وذلك لإعطاء اِنطباع حسن عن بلدانها، حيثُ أصبح سائح اليوم كثير التطلب فلم يعد فقط يهتم باِنتقاله إلى الأماكن للاِستجمام والمُتعة بل أصبح يتطلع إلى اِكتشاف الأماكن التي يزورها لا من ناحية المقومات الطبيعية فحسب وإنّما من ناحية التعرف على عادات وتقاليد وتاريخ هذه الشعوب، فهو لا يزور أماكن جامدة وساكنة بل يزور أماكن لها تاريخ عريق ولها عادات وتقاليد وطقوس، وذلك ما جعل السياحة الثقافيّة تأخذ صيغة أو وجهة عالميّة وأوجب التركيز على المُزاوجة بين الفعل السياحي والتراث الثقافي».
وتواصل في ذات السياق: «الجزائر بلد غني بتاريخ عريق وتنوع ثقافي لا نظير له، لهذا فالسياحة الثقافية فيه من أهم الرهانات التي يجب أن يُرفع فيها التحدي للنهوض بالاِقتصاد وجعل الجزائر من الدول الأكثر جذبًا للسياحة الداخلية والخارجية، ولا يختلف اِثنان في أنّ التراث المادي وغير المادي الّذي تزخر به الجزائر غنيٌ ومتنوع ويعود إلى آلاف السنين، وهو ما جعلها واحدة من البلدان الغنية بموروثها الثقافي، الّذي يمكن أن يُشكل اِنطلاقة جادة وواعية للسياحة الثقافية، خاصةً إذا علِمنا أنّ الثقافة هي أحد أهم المُحفزات الأولية في اِختيار الوجهات السياحية. فالجزائر لها موقع مُهم ومتميز على الخارطة السياحية العربية والعالمية نظراً لِمَا تزخر به من آثار عريقة وتراث ثقافي أصيل بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، مِمَا يؤهلها لتكون قِبلة سياحية باِمتياز وخاصة للذين يُريدون الجمع بين مُتعة المناخ وجمالية الموقع وغِنى التراث الثقافي والتاريخي».
إذا أُرِيدَ للجزائر -كما تضيف- النهوض بهذا القطاع يستوجب الأمر تكوين مواطن مُثقف سياحيًا وإن كانت المحاولة تبدو صعبة لكنّها تصبح سهلة مُستقبلاً.
ثم أردفت: «لا يكفي تكوين تقنيين أو أعوان اِستقبال في الفنادق وغيرها بل لابدّ من غرس ثقافة السياحة حتى لدى الطفل الصغير لأنّه مواطن الغد وهذا بإدخال مادة السياحة ضمن البرامج المدرسية، وكذا الاِهتمام بمؤسسات نشر الوعي بدايةً من الأسرة فالمجتمع المدني وغيرها، إضافة إلى التركيز على إستراتيجية إعلامية مُوجهة وتثقيف المواطن وتحسيسه بمدى أهمية السياحة في تطوير البلد وما يمكن أن يستفيد هو كمواطن بسيط منها بتشجيع سكان المناطق السياحية للمشاركة في تنظيمات محلية لخدمة السياحة كتكوين ما يُسمى بجماعة الإرشاد أو الوعي السياحي».
وهذا التوجه -حسب المُتحدثة- يتطلب ضرورة النظر إلى السياحة كقطاع أفقي تتقاطع معه العديد من القطاعات الاِجتماعية والثقافية، وبهذا فقط نستطيع خلق ثقافة سياحية مُستدامة إذا ما تمّ إحياء الموروث الثقافي ووضعه كمنتوج سياحي يسمح بتنمية المجتمعات المحلية ويقوم بالمحافظة والتعريف بهذا الموروث الثقافي على جميع المستويات الوطنية والدولية، وجعل هذا الموروث الثقافي صورة حية ناطقة تُعبِر عن أصالة ونمو حضاري للمواطن الجزائري من خلال اِحتراف الثقافة السياحية.
وخلصت في الأخير إلى أنّ نمو فكر الثقافة السياحية لا يرتكز على توفير البُنى والموارد المادية فحسب وإنّما يرتكز على الإنسان، فهذا الأخير هو مصدر كلّ تطور.

* الدكتورة مريامة بريهموش
السياحة الثقافية أضحت نشاطا إنسانيا عالميا
ترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة قسنطينة3، الدكتورة مريامة بريهموش أنه: «ليس فقط الجانب المادي هو الّذي يحكم توجهات الأفراد السياحية، وليس دائمًا الهدف هو مُتعة بصرية، حسيّة، لحظية وإنّما قد تكون حالة فكرية خاصة يختارها الفرد ليكون بها في مكان ما، يريد من خلاله أن يُلامس حضارة شعوب ضاربة في الزمان عميقة في فهم رموزها وتفكيكها مُبهرة في عظمة شواهدها، التي تركتها هذه الشعوب لتُبين كيف أنّها اِستطاعت في صراعها مع الطبيعة من أجل البقاء والبناء، أن تتجاوز حدود زمانها المُنقضي قبل عصر الألواح الاِلكترونية والمتفوق عليها أحيانًا».
وأردفت: «لم تعد السياحة مُرتبطة بالفكرة التقليدية التي تنحصر في زيارة الشواطئ والغابات وأماكن الترفيه بغية التخلص من متاعب مرحلة من الكد، يُريد بعدها السائح أن يمنح لنفسه فُسحة للهروب من كلّ اِلتزامات أو جهود بدنية كانت أو حتى فكرية، إنّ الشكل الجديد الّذي نتحدث عنه للسياحة هو السياحة الثقافية التي أضحت نشاطاً إنسانيًا عالميًا اِعترفت به الأُمم المُتحدة من خلال منظمتها للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو حتى أنّها في إحدى تعريفاتها للسياحة الثقافية تعتبرها طريقاً للسلام بين الشعوب». وتُواصل في ذات الشأن: «ميزة السياحة الثقافية أنّها بعيدة كلّ البُعد عن المُنافسة أو المُقارنة فكما توجد الأهرامات في مصر، توجد كذلك في المكسيك واليابان إلاّ أنّ أبسط اِستدارة في شكل الحجر أو تغيير بسيط في زاوية الميل يروي قصة مُختلفة، فالسائح هنا لا يتوقف عند فِعل المشاهدة للجماد الّذي يكاد يكون مُتشابهًا ولكنّه يسعى لاِكتشاف التميّز الّذي تتركه كلّ حضارة، تميز يصنع الفرق بينها وبين باقي شعوب العالم فيكون لها موروثها الثقافي الخاص وسلوكاتها الحياتية التي تُصور أسلوبًا مختلفًا للعيش».
و-حسب رأي المتحدثة-: «تُعد السياحة الثّقافية رهان الجزائر الّذي لابدّ من العمل على تطويره نظراً لِمَا تتميز به على اِمتداد رُقعتها المكانية من آثار وشواهد تحكي عديد قصص الإبهار الحضاري التي صنعتها الشعوب السالفة، وقد تأتى لها هذا بحكم موقعها حيثُ عرفت تعاقبًا وتمازجًا للحضارات قلَّ أن يجود به التاريخ وكذا الجغرافيا، إلاّ أنّ الواقع يُبين غير ذلك، فالموروث الثقافي والحضاري الّذي تزخر به الجزائر مُهملٌ ويكاد يكون مجهولاً حتى لدى أبنائها».
وتستدرك وهي تقول: «عمومًا الّذي يُعاني في الجزائر ليس السياحة الثّقافيّة فقط وإنّما القطاع بأكمله بل وحتى المواطن الجزائري الّذي من المفروض أن يكون الجِهة غير الرسمية في الترويج لمعالم وطنه وتنوعه الثقافي، ويسعى لاِبتكار الفعاليات المختلفة والمهرجانات التي تُؤسس لهذا الشكل السياحي الّذي أصبح يستهوي الأفراد عبر العالم الذين يُجِيدُون المزاوجة بين الفِعل السياحي والاِرتقاء الذهني، المواطن الجزائري غائبٌ تمامًا أنهكته الظروف الأمنية الصعبة التي عاشها سنوات التسعينات وألهته الأوضاع الاِقتصادية الصعبة حتى كاد يفقد حسه في تلمس جمال الطبيعة وتذوق عناصر الفِعل الحضاري».
وفي الأخير أشارت إلى أنّه لابدّ من الإدراك بأنّ الموروث الثقافي هو ذخر الأمة الّذي بِه تَصنع مستقبلها وتثبت ذاتها وخصوصيتها في مواجهة باقي الأُمم الأخرى. وعليه لابدّ لها ولنا جميعاً من العمل على إحيائه واستغلاله بطريقة فعّالة لتنتقل به من مجرّد رسوم وأشكال هندسية على حائط إلى مصدر للدخل الوطني يُساهم بشكلٍ فعّال في عملية التنمية المُستدامة للاِقتصاد.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com