صدر في الآونة الأخيرة، كتاب جديد من تقديم وتعليق الباحث والمفكر والمترجم الجزائري محمّد شوقي الزين، وهو الترجمة العربية لكِتاب «الإنسان المهموم.. العِلاجيّات الفلسفيّة» لمؤلفته الكاتبة والمفكرة والفيلسوفة الفرنسية المعاصرة لورانس فانين فيرنا (1966). الكتاب صدر عن دار ابن النديم للنشر والتوزيع، والروافد الثقافية ناشرون، بيروت.
ويُعدُّ هذا الكِتاب الجزء الرابع من سلسلة «الفلسفة المفتوحة على الجميع»، وهو مخصَّص في مجمله إلى «فلسفة الأخلاق». وبحسب ما ورد في الكتاب من أراء الكاتبة فيرنا، فإنّ الأخلاق الحقَّة هي تلك التي تُحرِّر وتُعلِّم المسؤولية الفردية والجماعيّة، وتربط الإنسان بذاته وبغيره. كما تنقلنا الكاتبة إلى وضع جديد من التفلسف هو النظر إلى الفلسفة بصفتها «ممارسة علاجية»، تُعالج اختلالات العقل من تعثُّر وزُلل في البحث عن الحقيقة وتشييد المعرفة، واضطرابات الأنا في التأثُّر بالأشياء والتغيُّر في الأحوال من فرح وترح وتبجح، وأهوال الوجود من عبث وعدم ومصير.
كلّ هذا -بحسب الكِتاب- تعتني الفلسفة بمعالجته علاجًا يضمُّ التساؤل، وإرادة الفهم، ودفع الغم، والنظر المعمَّق والمستبطن. إذ من شأن الفلسفة أن تتلبَّس أدوار «الطب الروحاني» الّذي يُعالج الأسقام الظاهرة والباطنة، العقلية والنفسية والوجودية، وملأ النفوس التائهة والحائرة والمهمومة بعزاء البحث عن بدائل تُخفف من سلطان الأوهام على النفوس وسطوة الخيالات الفاسدة والمنغِّصة للعيش الرغد.
كذلك، وعلى شاكلة القُدماء من نيميسيوس إلى ابن عربي، مروراً بإخوان الصفا، تعود الكاتبة، حسب المترجم، للقول: إنّ إنسان القرن الواحد والعشرين مكدر.. يُحاول فهم العالم الّذي هو ملقىً فيه، ويسعى لفك شيفرته وحل ألغازه ومعرفته من دون جدوى. يبدو عقله للأسف عاجزاً تماماً لكلّ إدراك، لا سيما أنّ العِلم لم يفِ بكلّ وعوده. كما تُضيف أنّ أسئلة الأمس تستمر اليوم، وتُمثل تحدياً كبيراً له، ومن ثمَّ يشعر الإنسان بنوع من التشاؤم تطغى عليه أزمة أمام الغموض الّذي يشهده. لا يعرف كيف يتغلب على هذا الشعور بالتفكك.
وعليه عملت الكاتبة على مُراجعة مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الفلسفية المُتداولة بالاِشتغال عليها وفق هذه الأنطولوجيا الكونية والفينومينولوجيا البشريّة بمجاوزة دلالة الوعي كما تشكلت في العصر الحديث (ديكارت) أو تعمقت في الفترة المعاصرة (هوسرل)، وفتح الزمانية على المحل أو الحيز، وربط الإنسان بالبيئة أو العالم المحيط، علاوةً على رباطه الوثيق بأصله الكوني (لوغوس) الّذي اسمتد منه فصله التاريخي والنظري (القول والتعقل والخطاب). بهذه الطريقة الجديدة في التفلسف، نحن إزاء فلسفة متجدّدة عن حكمة القدماء، لكنها فلسفة جديدة بالنسبة للمعاصرين، الكل وفق خيط ناظم هو إعادة الأدوار العلاجية للفلسفة بصفتها طبًا نفسيًا وروحيًا.
وِممَّا ورد في تصدير الكِتاب: «فإنّ «المؤلَّفة تسعى إلى معالجة سؤال الإنسان التائه، والمُرتبك، والضائع بسبب العصر والعقلانية المتأزمة، ويحاول بنجاح التفكير في مصير الإنسان الّذي يبدو أنّه اِنفصل عن ثبوته الوجودي. كما تكشف عن قدر كبير من الأصالة وليس مجرد تقليد».
للتذكير، محمّد شوقي الزين، باحث وأكاديمي جزائري، حاصل على دكتوراه في الدراسات العربية الإسلامية، تخصص فلسفة وتصوف، جامعة بروفونس. وحاصل على دكتوراه ثانية في الفلسفة حول المفكر الفرنسي ميشال دوسارتو، جامعة آكس-مرسيليا. من مؤلفاته: «تأويلات وتفكيكات» (2002)، «سياسة العقل» (2005)، «الثقاف في الأزمنة العجاف» (2013). وله أيضا ترجمات، منها: «فلسفة التأويل» لـ غادامير، و»ابتكار الحياة اليومي» لميشيل دوسارتو. نوّارة/ل