أكدت أول أمس، الكاتبتان وافية بن مسعود، وسعيدة درويش، خلال جلسة نقاش نظمت بدار الثقافة مالك حداد، ضمن فعاليات المعرض الوطني للكتاب، أن الرواية المعاصرة تواجه العديد من التحديات التي تنبع من التحولات السريعة في المجتمع والثقافة والتكنولوجية، لذلك فالروائي حسبهما، مطالب بالتكيف مع كل التغيرات عبر تجديد تقنيات وأساليب الرواية، و الحفاظ على جوهر الأدب كأداة للتعبير عن التجربة الإنسانية.
لينة دلول
وترى الكاتبة وأستاذة الأدب العربي، بجامعة منتوري قسنطينة1، وافية بن مسعود، أن الرواية تشغل مجال تلق واسع في الساحة الثقافية العربية، ولعل إطلالة بسيطة على نخبة أقسام اللغة العربية وآدابها في الجامعة الجزائرية يمكن كما قالت، من إدراك اهتمام البحوث بالرواية، بصورة تفوق أي نموذج تعبيري فني آخر عرفته الساحة الإبداعية الجزائرية والعربية.
وأشارت المتحدثة، إلى أن الرواية كشكل تعبيري، تمتلك قدرة عالية على امتصاص العالم وإعادة بنائه، وهذه القدرة تتأتى من مرونتها وقدرتها على استيعاب مختلف أشكال التعبير الإنساني السابقة لها واللاحقة، مثل «الخطابات على اختلافها و الشعر و القصص و المسرح، و حتى السينما والصورة والموسيقى وغيرها»، كما تمتلك قدرة على امتصاص المعارف الإنسانية، والأساطير و الدين والعلوم.
متابعة بالقول:» إن كل هذا يمنحها الأفضلية في صناعة عوالم متخيلة أو إن شئنا افتراضية، تحاكي ما نعرفه عن عالمنا وقوانينه، وتستعرض في الوقت نفسه عوالم موازية».
علاقة معقدة بين التاريخ والرواية
وأوضحت الروائية، أن العلاقة المعقدة بين التاريخ والرواية سببها أنهما ينتميان إلى نمط تعبيري مشترك وهو السرد، فكلاهما يرتبان تفاصيل العالم ويعيدان سرد الوقائع واستعادة حركتها داخل الزمن.
وتبعا لذلك ارتبطت الرواية العربية حسبها بثقل تاريخ مجتمعاتها، فجمعت بين انشغالها بتسريد التاريخ العربي القديم وتسريد التاريخ العربي المعاصر منذ بداياتها إلى وقتنا الحالي.
ونبهت الأستاذة، إلى غياب التاريخ الجزائري في الرواية الجزائرية، وحضور الذاكرة بدلا عنه، فمثلا تغيب أحداث 8 ماي 1945 في أعمالنا، ولا وجود لتفاصيلها إلا عند قلة من الروائيين مثل كاتب ياسين في «نجمة»، أو عز الدين جلاوجي في رواية «حوبة ورحلة البحث إلى الحياة»، بعكس رواية «فتية النفق» للكاتب الفلسطيني سعيد أبو عزة ،وهي تمثيل للبطولة الغزية والنحت في التراب لأجل الأمل المتشبث بالأنفاق.
وأضافت المتحدثة، أن الرواية تعتبر من أهم الفنون الأدبية التي تساهم في رصد وتحليل التحولات الاجتماعية، من خلال السرد الأدبي والشخصيات المعقدة مما يمكن الكاتب من تقديم صورة واقعية أو متخلية للمجتمع، ففي رواية «الزلزال» للطاهر وطار، تم التطرق إلى تحولات المجتمع الجزائري بعد الاستقلال وظهور المد الاشتراكي.
كما يظهر العنف في الروايات التي تشير للعشرية السوداء وتحولات الشخصية الجزائرية، كما في روايات واسيني الأعرج «شرفات بحر الشمال»، و «مصرع أحلام مريم الوديعة»، و «وقع الأحذية الخشنة»، وكذلك الأمر بالنسبة لسعيد بوطاجين.
كما ذكرت الكاتبة، روايات الربيع العربي التي تتطرق إلى التحولات السياسية والاجتماعية وفكرة الرفض في المجتمعات العربية، على غرار رواية «الموت عمل شاق»، للكاتب المصري خالد خليفة، ورواية سعادته السيد الوزير للكاتب التونسي حسين الواد، ورواية «فرسان الأحلام القتيلة» لليبي إبراهيم الكوني، ورواية «جمهورية كان» للروائي المصري علاء الأسواني.
هذه هي تحديات الرواية المعاصرة
وقد أرقت قضية الكتابة عند الروائي العربي، وهل يكتب لأجل محليته أو بحثا عن الكونية الجيل الأول بحسب المتحدثة، حيث كتبت أقلام الرواية وهي مدركة أنها نموذج تعبيري غربي، لكن مع تراكم التجارب الروائية ظل هذا الجيل يبحث عن إمكانية صبغ هذه الوسيلة الغربية بسمات عربية، فاستدار نحو التراث العربي محاولا تطعيم قوانين الرواية الغربية بأساليب السرد العربية.
وأضافت المتحدثة، بأن الروائيين آمنوا بأن التراث قوة دافعة، وحمولة معرفية تسمح بتمييز الرواية الغربية عن الرواية العربية في أساليبها وقيمها، وقد دعم هذا الاتجاه اتجاه آخر اعتقد أن ما يهدد خصوصية الرواية العربية، هو ظهور توجهات تقصي المحلية لصالح عولمة التفكير العربي وقضاياه ومرجعياته.
وبحسب بن مسعود، فإن فكرة تعويم الرؤية العربية للعالم لتتلاءم مع الرؤية الغربية، تهدد بمحو ما يشكل جوهرها وما ناضلت لأجله أجيال من الكتاب، وهذا لا يعني أنه ليس هناك مشترك إنساني مع الآخر يتيح التعبير لكتاب الرواية في المجتمعات العربية ويتبنى النموذج الغربي، وإنما نحن نتحدث حسبها، عن سقوط في استلاب حتمي يلغي خصوصية المجتمعات العربية ويتبنى النموذج الغربي.
وتقول الكاتبة، إنه لدينا نصوص جميلة لكتاب جزائريين لازالوا يصرون على التفاصيل الجزائرية التي تميز بيئتهم ومرجعياتهم، مثل نصوص محمد مفلاح.
تراجع تلقي الرواية بفعل وسائل التواصل والحياة السائدة
والرواية كما قالت، مثل بقية الأجناس الأدبية والفنون، مهددة بسرعة الحياة المعاصرة وبتطوراتها التقنية، ذلك لأن تلقيها داخل مجتمعاتنا يتراجع بوضوح عاما بعد عام، مضيفة في ذات السياق، بأن انفجار الرواية وكثرة النصوص الروائية لا يسمح برؤية نسق واحد يجمعها، بل يفرض مسارات متعددة ومتصارعة تصعب على القارئ عملية متابعتها أو تركيب أنساق مضامينها أو أشكال كتاباتها وأساليبها. يجعل هذا الشتات القارئ العربي بحسبها، يتراجع عن قراءة هذا السيل العارم من الأعمال الروائية الجديدة ، وهو ما يعني صعود الفردية في مقابل التيارات التي عرفت بها الرواية مثل التيار الواقعي و الاجتماعي وغيرها.وأشارت الكاتبة، إلى خطر الرواية على المتلقي العربي، كالتأطير الغربي لبعض الأقلام «النسويات الغريبة وليست العربية «، و صدام مرجعيات المجتمع والرواية النسوية ، ومسألة تجسير الرواية العربية بفعل الترجمة إلى الآخر وضعفه بالنظر إلى الترجمة من الآخر، فضلا عن أن كثيرا من الروايات تخفق كما عبرت، في تصدير نفسها بسبب تهميشها في السياق الثقافي، وكذا خطر تفكيك الهويات في الرواية العربية.
الجندر في الإبداع الروائي النسوي الجزائري
من جهتها، تطرقت الكاتبة والأستاذة بجامعة باتنة، سعيدة درويش، إلى واقع الرواية النسوية الجزائرية المكتوبة بالفرنسة وقالت، إنها ظهرت في وقت أبكر يعود إلى تاريخ ظهور رواية «الزنبقة السوداء» لطاوس عمروش سنة 1947، والتي تعد أول رواية مغاربية باللغة الفرنسية.
وتعتبر الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية حسبها، جزءا من الأدب الجزائري، وصوتا سرديا واعيا بقضايا المرأة الجزائرية في مختلف السياقات، بالإضافة إلى أنها كتابة تعكس روح الانتماء والتشبث بالوطن والهوية. وأضافت المتحدثة، أن الروائيات الجزائريات استطعن أن يكيفن اللغة الفرنسية للتعبير عن أزمة الوطن والمرأة الجزائرية في سياق الاستعمار وما بعده، وقد مثل هذا التوجه إلى جانب طاوس عميروش، الروائية جميلة دباش، التي اهتمت بالتعبير عن قضية المرأة الجزائرية في ظرف الاستعمار الفرنسي، حيث صدرت لها عدة روايات كرواية «ليلى فتاة من الجزائر»، و «عزيزة».
ولعل أبرز كاتبة في هذا الاتجاه هي آسيا جبار، أو فاطمة الزهراء إيمالاين، التي جسدت النموذج الناضج والمتكامل في إجادة الكتابة الروائية النسوية الجزائرية باللغة الفرنسية، وذلك بسبب تكوينها العالي واكتسابها لمواهب إبداعية متعدّدة، لكنّها ركّزت على الأدب، حيث تجلّى ولعها به من خلال «الكم الهائل من الأصوات التي تسكن أعمالها، خاصة الأصوات النسائية منها، حاولت أن تقتحم المجاهل المعتمة لعالم المرأة، ولعوالم الكتابة الروائية، ولم تكتف بالإفصاح عن الذات فيها وإعلان حدود وعيها» على حد تعبيرها.
وأضافت الكاتبة، أن الرواية النسوية المكتوبة بالعربية تأخرت عن الظهور في الساحة الأدبية الجزائرية حتى سنة 1979، لتركيز جهود المثقف الجزائري على مواجهة النزعة الاستعمارية، والانكفاء حول الذات التي كانت تعمل على المحافظة على الموروث، وكل معالم الشخصية العربية المسلمة، عبر ما تقدمه الزوايا والمساجد من تحفيظ للقرآن والحديث والمتون الشعرية، والحرص على عدم التأثر بالحركة الثقافية الفرنسية التي كانت قبل كل شيء نخبوية.
وعليه ظل السرد بعيدا نوعا ما عن المخيال الأدبي الجزائري النسوي. فالأدب تعلّق في الأذهان كما قالت بـ «الآخر» المحتل والعدو.