صدر منذ أيّام، كتابٌ جديد للناقد والباحث الأكاديمي، الدكتور طارق بوحالة، حمل عنوان «نظرية النقد الثقافي في الخطاب العربي المُعاصر: الأُسس والتطبيقات». الكِتاب الّذي جاء في 230 صفحة، تناول النقد الثقافي، وفيه حاول المُؤلف، مُسائلة ما يمكن تسميته بتجربة النقد الثقافي في المنجز العربي المُعاصر، اِنطلاقًا من مقاربة منجز نقدي يُغطي نماذج عربية تم توزيعها على مستويين: نظري وتطبيقي، والتي اِمتدت لفترة زمنية تربو عن الخمس عشرة سنة؛ أي منذ دعوة عبد الله الغذامي لإحلال النقد الثقافي مكان النقد الأدبي.وفي هذا السّياق تمّ تسجيل بعض المُلاحظات وهي نتائج تمَ التوصل إليها في هذا البحث، أوّلها -حسب ما أورده المؤلف- أنّ النقد الثقافي يُعدّ طرحًا غربيّا تشوبهُ إشكالات مُرتبطة بماهيته وحدوده المنهجية، كما أنّه يحتاج إلى وعيّ معرفّي ومنهجيّ بمسوغاته التي هيأت له مناخ النشأة.
وقد تمّ اِقتراح المقومات النظرية التالية التي يرى هذا –البحث- أنّها أسهمت في نشأته النظرية والتطبيقية، وهي منجزات مدرسة فرانكفورت لاسيما مقولتي صناعة الثقافة والثقافة الجماهيرية، ومقولات الماركسية الجديدة مُمثلة أكثـر شيء في طرح لوي ألتوسير ومن قبله أنطونيو غرامشي، وما بعد البنيوية، خاصة منجز الفرنسي ميشيل فوكو المُتعلق بمفاهيم المعرفة والسلطة والخطاب.
ثانيًا، –كما يرى المؤلف- يحتاج النقد الثقافي إلى تحديدٍ دقيق لمباحث دراسته، لهذا فقد اقترح بحثه أربعة مباحث أساسية هي: (الهوية والغيرية والسلطة والمثقف)، والتي اِرتأى أن تتماشى والتطبيقات العربية المُختارة في النقد الثقافي.
ثالثًا، يظهر على المنجز العربي في النقد الثقافي عدم تخففه بعد -وبشكل نهائي- من بقايّا رؤية الغذامي رغم مرور أكثـر من عقد ونصف من الزمن عليها، حيثُ بقيّ مُلازمًا لها بأشكالٍ مختلفة.
للإشارة، تم تقسيم الكِتاب، إلى أربعة فصول، الفصل الأوّل بعنوان «النقد الثقافي: المفهوم والمسار»، وتضمن مناقشة مفهوم النقد الثقافي في الخطابين الغربي والعربي المعاصرين، كما اِقترح مقومات لهذا النشاط في ضوء الفوضى التي تشوب هذه القضية، حيثُ كثيرًا ما يتم الربط بين النقد الثقافي وبعض الأُسس النظرية التي ليس بينهما علاقة معرفيّة، لهذا اِقترح هذا الفصل مقومات للنقد الثقافي -لخصها المؤلف-، في: مفهوم الصناعة الثّقافية لدى روّاد مدرسة فرانكفورت، ومقولات الماركسية الجديدة خاصة ما قدمه غرامشي وألتوسير، (رغم أنّ الأوّل –بحسب المؤلف- قد يحسب على الماركسية التقليدية)، إلّا أنّ أفكاره المرتبطة بمفهومي الهيمنة والمُثقف كانت أكثـر تقدميّة، أثرت في ملامح النقد الثقافي، إضافةً إلى جهود ألتوسير باِقتراحه مفاهيم محورية على المستوى النظري، والمقوم الثالث هو مقولات ما بعد البنيوية، والتي يُعرف عليها اِتساعها لتشمل كثيرا من أطياف المعرفة (خاصةً بعد الثورة الطلابية بباريس في ماي 1968، وما خلفته من تغير على مستوى بنية الفكر الغربي بشكلٍ لافت) إلاّ أنّ الأفكار التي كان لها تأثير مُباشر في النقد الثقافي هي أفكار الفرنسي ميشيل فوكو، مُجسدة في مفاهيم الخطاب والمعرفة والسلطة، هذه الأفكار التي كان لها دورًا بالغًا ومُؤثرًا في تشكيل الجوانب النظرية للنقد الثقافي.
في حين جاء الفصل الثاني بعنوان «تلقي النقد الثقافي في الخطاب العربي المعاصر»، وتم فيه التفريق بين مجال نقد الثقافة والنقد الثقافي اللذين يشوبهما خلطٌ كبير في الكتابات العربية. حيثُ أخرج المُؤلف -من دائرة بحثه- الكثير من الدراسات التي كُتِبَت في السّياق العربي عبر حقبة زمنية مُعتبرة والتي كانت أساسًا تبحث في موضوع الثقافة العربية وما ينسحب تحت غطائها من مفاهيم التقدم والنهضة، وهي بهذا الشكل ليست من صميم النقد الثقافي باِعتباره مُنجزًا نقديًا ما بعد بنيوي، وكونه طرح كبديل عن النقد الأدبي.
أمّا الفصل الثالث: «الشِّعر العربي باِعتباره موضوعًا للنقد الثقافي»، فتضمن تجارب ومقاربات إجرائية اِختصت بقراءة نصوص من الشِّعر العربي قديمه وحديثه. وقد سعت هذه الدراسة إلى المُزاوجة بين التحليل الأدبي ومقولات النقد الثقافي باِقتراح مدخل: التحليل الأدبي الثقافي. في الأخير الفصل الرابع: «السرد العربي باِعتباره موضوعًا للنقد الثقافي»، وفيه ركز المُؤلف على تجربتين عربيتين، الأولى تتعلق بالناقد البحريني نادر كاظم ودراسته تمثيلات الآخر: صورة السود في المُتخيل العربي الوسيط، والثانية تتعلق بالناقد المغربي محمّد بوعزة وتجربته الموسومة بسرديات ثقافية، من سياسات الهوية إلى سياسات الاِختلاف.
الكِتاب، كما سبق الذِّكر، ركز على منجز النقد الثقافي في الوطن العربي، واشتملت مدونة البحث جملة من التجارب النقدية العربية. كما اِجتهد –المؤلف- في إثارة إشكالية مركزية تتعلق بالبحث في طبيعة النقد الثقافي وأهم الأُسس النظرية التي غذته، وكيف تجلّت تجاربه النظرية والإجرائية في المنجز النقدي العربي المعاصر.
للتذكير، الدكتور طارق بوحالة (باحث وناقد، وأستاذ النقد الثقافي بالمركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف ميلة). يشتغل في مجال النقد الثقافي والدراسات الثقافية، أصدر مجموعة من الكُتب، من بينها: «نظرية النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي»، «أُسس النقد الثقافي في النقد العربي المعاصر»، «محاضرات في النقد الثقافي»، و»هوامش نقدية». كما له العديد من الدراسات النقدية في مجلات جزائرية ودوريات عربية.
نوّارة/ل