تعتبر الكاتبة والشاعرة راضية قوقة رودسلي، الكتابة بالدارجة الجزائرية نوعا من التجديد الأدبي، في ظل تغير لغة الخطاب بفعل العولمة حيث أصبحت تميل إلى البساطة لجذب أكبر عدد ممكن من القراء، وعقبت بأن هذا لا يعني أنها تعادي اللغة الفصحى، بل هو خيار تعتبره مهما للدفاع عن جزء أساسي من الهوية الجزائرية.
حاورتها/ إيناس كبير
قوقة تحدثت أيضا، عن الخطوة الجريئة التي قامت بها عندما ترجمت قصة هيمنغواي « الشيخ والبحر» إلى الدارجة الجزائرية، موضحة أن اللهجة ببساطة عباراتها ودقتها في التعبير تستطيع ملامسة قلب القارئ وترمي به إلى أحضان مواقف العمل الروائي فيجد نفسه متقلبا بين حالات عديدة، كما ذكرت، بأن للكتابة باللهجة الجزائرية فضل في تحويل أحد أعمالها المكتوبة السابقة إلى عرض مسرحي.
اللهجة الجزائرية تحكي أدبا عالميا
قالت الكاتبة والشاعرة راضية قوقة رودسلي، إن حبها للأدب الشعبي الجزائري هو الذي جعلها تتشجع لتنشر إصداراتها بالدارجة الجزائرية، التي وصفتها بلغة القلب، كونها تخاطب القارئ مباشرة فتجعله يعيش بعمق أكثر داخل أحداث القصة، وأتبعت أنها من خلال هذه الخطوة أرادت تذويب الفوارق بين اللغة المكتوبة والمحكية، و إعادة القارئ الجزائري إلى أصله و جذوره.
كما عادت ابنة ولاية قسنطينة، إلى مجموعة من أعمالها وذكرت «لفنيق» وهي أول رواية صدرت بالدارجة في الجزائر سنة 2019، وبأسلوب سردي صيغ في قالب شعري، تتخلله مقاطع من المالوف والحوزي، تحكي قصة جميلة عن حرفة النقش على النحاس في قسنطينة، كما خطت أيضا مجموعة قصصية بعنوان «مولات لخلخال»، تطير بالقارئ إلى قلب حكايات خرافية وأساطير في قوالب شعرية، وتبعث الشاعرة من خلالها روح الحب في مدينة قسنطينة، كما تحث على ضرورة الاهتمام بها وبنائها وإعادة مجدها.
أما ثالث كتاب فجاء بعنوان «لالة زهيرة»، وهي عبارة عن نصوص شعرية زجلية تناولت فيها مواضيع حول التراث القسنطيني المادي واللامادي، و ذلك من باب التعريف به والحفاظ عليه من الزوال والاندثار والسرقة، فضلا عن التباهي و الافتخار بجمال عادات وتقاليد المدينة.
وتملك الشاعرة أيضا، ديواني زجل وهما «كلام من شجرة السلام» و»ظل لبحر» صدرا في 2022 و 2023، وهي نصوص زجلية و تأملات في مواضيع فلسفية و ميتافيزيقية، تحث على الراحة النفسية والتقرب إلى الوحدة الكونية و الفطرة الربانية، ولأن لراضية روح فنانة فإن أناملها ترسم أيضا أغلفة دواوينها لتأتي في لوحات تشكيلية سبق لها أن شاركت بها في معارض فنية.
لم تتوقف محدثتنا عند الكتابة فحسب، بل أيضا جربت ترجمة رواية «الشيخ والبحر» للكاتب العالمي «إرنست هيمينغواي»، من الفرنسية إلى الدارجة الجزائرية، خصوصا وأنها كانت عبارة عن قطعة فنية بدءا من صورة الغلاف التي سمتها «عمق العزيمة»، فضلا عن أنها ضمنت القصة ببعض رسوماتها، في تجربة وصفتها بالمشوقة، خصوصا وأنها عملت على نقل جوهر القصة، وقالت إن نجاحها في هذه المهمة من خلال الدارجة الجزائرية يعد دليلا على كمال وجمال اللهجة، وكذا إلزامية الارتقاء بها كي لا تظل رموزا محكية فقط.
نوع من التجديد الأدبي
وعقبت محدثتنا، بأن الكتابة بالدارجة لا تعني اتخاذ موقف معاد للغة العربية الفصحى، وإنما هو فعل ترى فيه جمالية ودفاعا عن جزء أساسي من الهوية الجزائرية، وعلقت قوقة قائلة :»إن اللهجة هي لسان الشعب، وبدورها قادرة على تخريج إبداعات عديدة نالت إعجاب الكثيرين منها في مجال المسرح والسينما، فلما لا يكون لها في الأدب نصيب أيضا».
واعتبرت الشاعرة، بأن الكتابة بالدارجة الجزائرية نوع من التجديد الأدبي، وقالت إن هناك تجارب عربية ناجحة في هذا الاتجاه، كما هو الحال بالنسبة للكاتب التونسي بشير خريف و روايته «برق الليل» موضحة أنه تعرض للهجوم في البداية و لم يتقبل البعض فكرة العمل لكن مع مرور الزمن صُنفت هذه الرواية كواحدة من بين أجمل وأهم 100 روايات عربية.
وتحدثت أيضا، عن الكاتبة التونسية فاتن الفازع، التي أصدرت أولى رواياتها «أسرار عائلية» سنة2018، وهو نص طبع أكثر من 13 مرة في أقل من سنتين، وحقق مبيعات معتبرة. مردفة، بأن الجزائر تساير هذا التيار في الأدب المعاصر، بالرغم من قلة التجارب، وأشارت إلى بعضها، على غرار رواية «فحلة» لرابح بوصبع، الصادرة سنة 2011، متمنية أن يحظى هذا التوجه في الكتابة بمزيد من الاهتمام والرعاية، وأن يكون له نصيب في المسابقات الأدبية و الإبداعية تماما كالأعمال التي تصدر بالعربية الأمازيغية.
التعبير باللهجة يخاطب كل الفئات
وأكدت المتحدثة، بأن التعبير باللهجة الجزائرية لم يشكل أية صعوبة بالنسبة لها، فهي كباقي اللغات لها أصول و سياقات يجب أن تراعى أثناء الاستخدام اللغوي في الكتابة.وترى، بأنها تخدم الهوية لأنها لغة محكية موحدة تخاطب كل فئات القراء وإن اختلف لسان عن آخر قليلا بحكم اتساع الرقعة الجغرافية، مضيفة أن عملها الأخير موجه لكل عاشق للأدب العالمي و راغب في اختبار تجربة قراءة مختلفة وجديدة، مؤكدة أن القارئ سيستمتع بالجمال اللغوي الموزون المقتبس من الموروث الشعبي، وسيضحك أحيانا ويبكي أخرى وسيعيش مع كل أحداث القصة كأنه بطل فيها.وتضيف قوقة، بأن لغة العولمة التي تعود عليها القارئ الجديد، و التي تتميز بالاختصار والسرعة في الخطاب، فرضت أيضا التوجه نحو كل ما هو سهل وسريع. ولينجح الكاتب في مهمة جعل القارئ يستمتع بالقراءة باللهجة، ذكرت الكاتبة، بأن الأسلوب يجب أن يكون سهلا ومباشرا وناقلا للفكرة حتى لو كانت للقصة أبعاد رمزية ومعان خفية، كما يجب أن يخرج بحكمة أو موعظة تترسخ في الأذهان.
إ.ك